تبني الدولة سياستها الاقتصادية وفقاً لمعايير حرية السوق وتعتمد في دعم موازنتها التشغيلية والخدمية والتنموية على مواردها السيادية التي تجبى من إيرادات الجمارك والضرائب والتي تمثل أعلى نسبة في تغذية خزينة الدولة إضافة إلى مواردها من قيمة المشتقات النفطية، وقد بدأت الدولة ممثلة بالحكومة في إرساء أسس اقتصادية مبنية على سياسة الاقتصاد الحر وفتح الاسواق اليمنية أمام التنافس السلعي سواء من المنتج المحلي أو المستورد وإخضاع السوق إلى سياسة العرض والطلب وهو الذي يتحكم بسعر السلعة وفقاً لمعايير الجودة، وقد قطعت الحكومة شوطاً كبيراً في الاصلاحات الاقتصادية للتأهل في الدخول في منظمة الجات العالمية إضافة إلى الشراكة مع الدول العربية في إيجاد سوق عربية مشتركة والتي تسمى بالتجارة البينية والتبادل التجاري وفقاً لاتفاقيات وبروتكولات اقتصادية، فهذه الحزمة من الاصلاحات عملت على تسهيل انسياب التجارة دخولاً وخروجاً للسلعة وقضت على كافة العوائق التي كانت تواجه حركة التجارة وشجعت على التنافس في الاستيراد وفقاً لنظم المواصفات والمعايير لهذه السلع. ولكن للأسف إن ظاهرة الفساد التي ابتلي بها الوطن ومنها ظاهرة التهريب الجمركي والتهرب الضريبي والذي استفحل واستشرى وأصبح له أعوان ومناصرون يعملون ليلاً ونهاراً ضمن مافيا استحلت حرمة هذا الوطن وأصبحت تطعنه في اقتصاده من الوريد إلى الوريد دون أي وازع ديني أو ضمير حي وكأنهم في معزل عن هذا الوطن لايهمهم استقراره ولاتقدمه، فالتهريب بكافة أشكاله وأنواعه إساءة للوطن وخيانة للمواطن لايرتكبه الا من به حماقة وعوز مناعي في ضميره أفقده حبه وولاءه للوطن تحمل على كتفه معول التهريب يخرب ويهدم الاقتصاد الوطني غير مكترث بما ستؤدي إليه البلاد عندما يطعنها في اقتصادها ومواردها التي هي الشريان الوحيد الذي يغذي خزينتها والتي بها تبني استراتيجيتها الاقتصادية والتنموية الخدمية. إن التهريب الذي يمارس اليوم وعلى مرأى ومسمع من الجميع والذي تطور في آلياته وتفنن في وسائله وله متنفذون يحمونه وهم في مراكز قيادية وعسكرية معنيون بحماية الوطن ومكتسباته ومسنود لهم أدوار وقائية تحصن الوطن وتحيطه بسياج منيع من المحيط إلى المحيط والوقوف في وجه أي متطفل تسول له نفسه المساس بهذا الوطن واقتصاده، فالتهريب لم يقتصر اليوم على السلع التي ماخف وزنها وغلى ثمنها بل امتد إلى أكثر من ذلك بدءأ من تهريب البقر إلى تهريب البشر الذين يتم الالقاء بهم في عرض البحر من قبل مافيا التهريب البشري وعلى مسافات كبيرة من السواحل حيث يصل منهم من وصل ويموت معظمهم غرقاً وهم يصارعون الامواج للوصول إلى بر الأمان. إن من مساوىء التهريب إغراق الاسواق اليمنية بشتى أنواع السلع الاستهلاكية والتي معظمها مجهولة الهوية وخالية من التعبئة ولاتتميز بأي جودة بقدر ما تضر المستهلك، حيث إن مافيا التهريب استغلت احتياجات المواطن المستهلك لهذه السلع التي تناسب قدرته الشرائية دون اشباعه لهذه السلعة أو الاستفادة منها، والادهى والأمر أن تجد من يمارس البيع والشراء لهذه السلع من سلع الارصفة والبسطات «وعلى عشرين يارعوي» وعبر مكبرات الصوت وكأن لسان حاله يقول ها أنذا أبيع سلعاً مهربة وبكل تفاخر وعلى عينك ياتاجر.. لأن مثل هذه السلع لايمكن أن تمر عبر منفذ جمركي وبطريقة رسمية ولاندري لماذا جمعية حماية المستهلك لم تنزل إلى الاسواق وتعمل دراسة ومواصفات هذه السلع ومنع تداولها وبيعها وكم هناك من السلع والأدوية المقلدة التي تدخل البلاد عبر التهريب ؟ وهي سلع قاتلة تقتل المواطن ببطء ويموت واقفاً كما تموت الشجرة وإن كان لابد لي من وقفة في هذه التناولة المطولة لهذا الموضوع المخيف فحق علينا أن نشيد بالدور العظيم وأن نقف جميعاً اكباراً واجلالاً للقوات البحرية في ميناء المخا ممثلة بقيادتها وأفرادها والدور البطولي للتصدي لزعيمتين تحملان بضاعة مهربة متجهة صوب الساحل لتفريغها وتهريبها إلى داخل البلاد وقد تم احباط هذه المحاولة بمشاركة رجال الجمارك في كل من جمرك ميناء المخا والإدارة العامة بتعز الذين كان لهم دور التخطيط والمؤازرة وإحاطة العملية باهتمام عال ومستوى رفيع والتي عملت كلها على نجاح العملية واحباط واقعة التهريب وتم تفريغ الزعيمتين في رصف جمرك ميناء المخا وبحضور كافة المعنيين وقد تم تحريرها بعد جردها وتقييمها حيث تبلغ قيمتها الجمركية أكثر من ثلاثمائة مليون ريال تقريباً كون معظم هذه البضائع من السجائر والألعاب النارية والدراجات النارية وغيرها..