• تعد ظاهرة التهريب واحدة من أخطر الظواهر التي تعانيها بلادنا لما لها من آثار سلبية عميقة تهدد بتدمير الاقتصاد الوطني بما تسببه من خسائر فادحة تقدر بملايين الدولارات سنوياً، كما أنها أيضاً تحمل أخطاراً كبيرة على صحة المواطنين وحياتهم، لأن أغلب ما يدخل إلى البلاد عن طريق التهريب عبارة عن سلع فاسدة ومنتهية الصلاحية وغير صالحة للاستخدام الآدمي. • فبحسب دراسات اقتصادية فإن “حجم التهريب يقدر بنسبة 69 % من إجمالي الناتج القومي أي ما يعادل 575 مليار ريال”، ويطال التهريب كل شيء تقريباً في حياتنا السلع الغذائية والاستهلاكية والأدوية والمخدرات والأسلحة والآثار ومشتقات النفط، والقائمة تطول، حتى البشر أيضاً أصبحوا عرضة للتهريب، وكم هي الأخبار التي نقرأها ونسمعها بين الحين والآخر عن ضبط عمليات تهريب أطفال يمنيين وأفارقة إلى دول الجوار، ورغم كل ما يُقال عن تعزيز وتشديد الإجراءات لمكافحة هذه الآفة المدمرة للبلد والناس، إلا أن أعمال التهريب لا تزال في ازدهار وتصاعد مستمر. • قد يقول البعض إن العامل الرئيس لتفاقم أعمال التهريب يكمن في الطول الشاسع لحدود بلادنا مع ضعف الإمكانات المطلوبة لتغطيتها، وقد يكون مثل هذا القول منطقياً لولا أن أغلب أعمال التهريب تحدث في المنافذ الجمركية الرسمية بسبب تواطؤ القائمين على هذه المنافذ مع المهربين الذين يستخدمون بعض القيادات الإدارية والعسكرية المتنفذة والوجاهات الاجتماعية والسياسية لتأمين وصول المواد المهربة إلى الداخل وإضفاء الشرعية على إدخالها البلاد بصورة قانونية وعن طريق المنافذ الرسمية، الأمر الذي يتسبب بخسائر فادحة للاقتصاد الوطني تقدره بعض الدراسات الاقتصادية بحوالي 720 مليون دولار من رسوم الجمارك سنوياً. • دأبت حكوماتنا على الإعلان عن اتخاذ إجراءات من نوع رفع الدعم الحكومي عن السلع والمشتقات النفطية الهدف منها كما يُقال إحداث إصلاح مالي واقتصادي، ففي كل مرة يظهر مسئولونا ليؤكدوا بأن هذه الإجراءات تستهدف محاربة الفساد وتجفيف منابع التهريب والاحتكار، لأن ذلك الدعم يذهب إلى جيوب بعض النافذين الفاسدين والمهربين، وهكذا إجراءات من شأنها قطع “حنفية” المال والفساد معاً على هؤلاء، والفائدة سيلمس نتائجها الجميع، إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث، فلا يحاربون فساداً ولا يجففون حتى منبعاً تهريبياً واحداً، والدليل على ذلك أنهم وفي كل مرة يظلون يرددون نفس الكلام والتبريرات، ولو كانوا صادقين فيما يقولونه لكنا مع كثرة المرات التي تم فيها الإعلان عن سياسات رفع الدعم نعيش في مجتمع ليس فيه فاسد أو مهرب واحد.. لكن الأمور لا تزال على حالها ولم يطرأ عليها أي تغيير، الفاسدون هم الفاسدون والمهربون هم المهربون، هذا إن لم يزدادوا عدداً. • صحيح أنه بين الحين والآخر يتم الإعلان عن ضبط العديد من المواد المهربة، إلا أننا لا نعرف ما هو مصير أغلب تلك المواد المهربة وما إذا تم القبض على من كانوا وراء إدخالها إلى البلاد ومحاسبتهم؟ فما نسمعه أن الجهات المعنية تكتفي بالإعلان عن ضبط بعض المواد المهربة وقيامها بإتلافها فقط دون أن نرى أو نلمس على أرض الواقع أية إجراءات أخرى لمحاسبة المهربين ومعاقبتهم، وهناك الكثير من القضايا التي لم نسمع عن محاكمة المسئولين عنها أو حتى تسميتهم، وهكذا يتم الأمر في عشرات بل مئات القضايا من هذا النوع التي لا نعرف مصيرها. • التهريب أصبح بمثابة الداء المستشري في الجسد اليمني بسبب تفشي الفساد المالي والإداري الذي أوجد بيئة خصبة لضعاف النفوس ومعدومي الضمير للإثراء والكسب غير المشروع على حساب اقتصاد البلد وأرواح الناس، وهو ما لم يكن ليحدث لولا النقص الواضح في القوانين واللوائح المعنية بمكافحة ظاهرة التهريب التي يجب أن تجرم القائمين على التهريب ومن يعينونهم ولو في أدنى درجات التعاون، ومتى ما تم اتخاذ إجراءات رادعة لمحاسبة المهربين ومعاقبتهم فيمكن الحديث عن القضاء على ظاهرة التهريب ودون ذلك فإن البلد ستظل تعاني نزيفاً حاداً في اقتصادها وثروتها البشرية. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك