• إجراءات رفع الدعم عن المشتقات النفطية لا تزال تتوالى علينا بصورة شبه سنوية وآخرها قرار حكومة الوفاق الوطني الأخير بشأن تحديد أسعار جديدة للمشتقات النفطية والذي تضمن تحديد سعر عبوة ال (20) لتراً من البنزين بسعر (2500) ريال، ونفس العبوة من الديزل بسعر (2000) ريال، هذه السياسات لا تزال سارية منذ عقود، ويكاد يكون العمل الوحيد الذي تبرع فيه حكوماتنا المتعاقبة وتحرص على تنفيذه على أكمل وجه مهما كانت الظروف والأحوال ودون مراعاة لأوضاع الناس الحياتية والمعيشية. • دائماً ما يُقال أن الهدف من هذه الإجراءات هو إحداث إصلاح مالي واقتصادي، ففي كل مرة يظهر مسئولونا ليؤكدوا بأن رفع الدعم الحكومي عن المشتقات النفطية يستهدف محاربة الفساد وتجفيف منابع التهريب والاحتكار، لأن ذلك الدعم يذهب إلى جيوب بعض النافذين الفاسدين والمهربين، وهكذا إجراءات من شأنها قطع “حنفية” المال والفساد معاً على هؤلاء والفائدة سيلمس نتائجها الجميع، إلا أن شيئاً من ذلك لا يحدث، فلا تحارب فساداً ولا تجفف حتى منبعاً تهريبياً واحداً، والدليل على ذلك أنها وفي كل مرة تظل تردد نفس الكلام والتبريرات، ولو كانوا صادقين فيما يقولونه لكنا مع كثرة المرات التي طُبقت فيها سياسة رفع الدعم نعيش في مجتمع ليس فيه فاسد أو مهرب واحد.. لكن الأمور لا تزال على حالها ولم يطرأ عليها أي تغيير، الفاسدون هم الفاسدون والمهربون هم المهربون، هذا إن لم يزدادوا عدداً. • إن الحقيقة الوحيدة الماثلة للعيان الآتية من وراء كل إجراءات رفع الدعم عن المشتقات النفطية، أنها حاربت وتحارب المواطن البسيط الذي لا حول له ولا قوة في حياته ورزقه ولقمة عيشه، وجففت مصادر دخله، فهو وحده الضحية الذي يتحمل تبعات الزيادات الجنونية للأسعار، يتحملها في ارتفاع تعرفة نقل وسائل المواصلات وارتفاع أسعار المواد الغذائية والأساسية وكل الاحتياجات المعيشية الضرورية، أي أنها لم تحقق حتى الآن الهدف الذي طُبقت من أجله أي محاربة الفساد والتهريب ولم تؤتِ ثمارها المرجوة في خدمة الاقتصاد الوطني، الأمر الذي يجعلها في نهاية المطاف ليست سوى أعباء إضافية على كاهل المواطنين البسطاء، وعملت - ولا تزال - على زيادة إفقارهم وتجويعهم. • لسنا ضد اتخاذ مثل هذه الإجراءات، فالوضع الاقتصادي يتطلب هكذا إجراءات تعتمدها وتأخذ بها العديد من دول العالم ولكننا مع ضرورة أن ترافقها إجراءات تخفف من حدة آثارها السلبية على المواطن وتحفظ له المستوى المعقول واللائق للعيش الكريم وتصون كرامته الآدمية، مثل زيادة الدخول ومراقبة السوق وضبط الأسعار وإيجاد فرص عمل جديدة وغيرها من الإجراءات التي من شأنها جعل الناس قادرين على مواجهة تبعات هذه الزيادات السعرية التي تطال كل شيء، لكن كل ذلك لا يأتي في حسبان حكوماتنا المتعاقبة التي دائماً ما تأخذ بهذه الإجراءات دون مراعاة لظروف الناس وأحوالهم، بل إن مسئولينا لا يكلفون أنفسهم ولو عناء التفكير عن تأثيرات ذلك على حياة الناس وأحوالهم المعيشية، أما مسألة ضبط السوق وحركة الأسعار، فإن مسئولينا دائماً ما يؤكدون بأنهم سيقومون بهذه المهمة وسيضربون بيد من حديد ضد كل من يتلاعب بأقوات الناس سواء برفع الأسعار أو الاحتكار، لكن كل ذلك لا يتجاوز إطار الأقوال والتصريحات الصحفية كنوع من إسقاط الواجب. • الوضع الطبيعي يقول إن انتهاج هذه السياسات الغرض منها تعزيز قوة الاقتصاد الوطني وتحسين الوضع المعيشي العام إلا أن أياً من ذلك لم يتحقق حتى الآن رغم السلسلة الطويلة من هذه الإجراءات التي تتواصل منذ سنوات، والتي لو كانت ذات فائدة وحققت الهدف منها كما يقولون دائماً فإن المفترض أن تكون بلادنا ضمن قائمة الدول المتقدمة أو على الأقل السائرة في طريق النمو، لكننا للأسف لا نزال نحتل ذيل القائمة وبجدارة. • يبدو أننا لن نتخلص من سياسات رفع الدعم (الجرعات السعرية) ذهب من ذهب وأتى من أتى من الحكومات والمسئولين، فقط ما نريده هو أن نلمس إجراءات حقيقية على أرض الواقع تثبت فعلاً بأن هذه السياسات آتت ثمارها ومفعولها، كما نريد أيضاً أن تقترن هذه الإجراءات مع إجراءات تخفف من حدة آثارها، فلم يعد المواطن يحتمل المزيد من هذه الجرعات “ الإصلاحية” خاصة في ظل الظروف الراهنة التي وصلت فيها أوضاعنا المعيشية إلى الحضيض وزادت نسبة الفقر والجوع في أوساط المجتمع. [email protected]