تعز.. قوات الجيش تحبط محاولة تسلل حوثية في جبهة عصيفرة شمالي المدينة    - بنك اليمن الدولي يقيم دورتين حول الجودة والتهديد الأمني السيبراني وعمر راشد يؤكد علي تطوير الموظفين بما يساهم في حماية حسابات العملاء    حالة وفاة واحدة.. اليمن يتجاوز المنخفض الجوي بأقل الخسائر وسط توجيهات ومتابعات حثيثة للرئيس العليمي    الاحتلال يواصل جرائمه بحق سكان غزة وحصيلة الشهداء تتجاوز 34 ألفاً    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    بن بريك يدعو الحكومة لتحمل مسؤوليتها في تجاوز آثار الكوارث والسيول    خطوات هامة نحو تغيير المعادلة في سهل وساحل تهامة في سبيل الاستقلال!!    المانيا تقرب من حجز مقعد خامس في دوري الابطال    برشلونة يسعى للحفاظ على فيليكس    مصادر تفجر مفاجأة بشأن الهجوم الإسرائيلي على أصفهان: لم يكن بمسيرات أو صواريخ أرض جو!    أول تعليق إماراتي بعد القصف الإسرائيلي على إيران    الحوثيون يفتحون مركز العزل للكوليرا في ذمار ويلزمون المرضى بدفع تكاليف باهظة للعلاج    الرد الاسرائيلي على ايران..."كذبة بكذبة"    الجنوب يفكّك مخططا تجسسيا حوثيا.. ضربة جديدة للمليشيات    اشتباكات قبلية عنيفة عقب جريمة بشعة ارتكبها مواطن بحق عدد من أقاربه جنوبي اليمن    تشافي وأنشيلوتي.. مؤتمر صحفي يفسد علاقة الاحترام    الأهلي يصارع مازيمبي.. والترجي يحاصر صن دوانز    السعودية تطور منتخب الناشئات بالخبرة الأوروبية    بعد إفراج الحوثيين عن شحنة مبيدات.. شاهد ما حدث لمئات الطيور عقب شربها من المياه المخصصة لري شجرة القات    العثور على جثة شاب مرمية على قارعة الطريق بعد استلامه حوالة مالية جنوب غربي اليمن    اقتحام موانئ الحديدة بالقوة .. كارثة وشيكة تضرب قطاع النقل    مسيرة الهدم والدمار الإمامية من الجزار وحتى الحوثي (الحلقة الثامنة)    طعن مغترب يمني حتى الموت على أيدي رفاقه في السكن.. والسبب تافه للغاية    استدرجوه من الضالع لسرقة سيارته .. مقتل مواطن على يد عصابة ورمي جثته في صنعاء    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    عملة مزورة للابتزاز وليس التبادل النقدي!    إنهم يسيئون لأنفسم ويخذلون شعبهم    نقطة أمنية في عاصمة شبوة تعلن ضبط 60 كيلو حشيش    مركز الإنذار المبكر يحذر من استمرار تأثير المنخفض الجوي    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    طاقة نظيفة.. مستقبل واعد: محطة عدن الشمسية تشعل نور الأمل في هذا الموعد    شقيق طارق صالح: نتعهد بالسير نحو تحرير الوطن    نقل فنان يمني شهير للعناية المركزة    تنفيذي الإصلاح بالمحويت ينعى القيادي الداعري أحد رواد التربية والعمل الاجتماعي    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة الى 33.970    ريال مدريد وبايرن ميونخ يتأهلان لنصف نهائي دوري ابطال اوروبا    الرئيس: مليشيا الحوثي تستخدم "قميص غزة" لخدمة إيران ودعم الحكومة سيوقف تهديداتها    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    قبل قيام بن مبارك بزيارة مفاجئة لمؤسسة الكهرباء عليه القيام بزيارة لنفسه أولآ    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    آية تقرأها قبل النوم يأتيك خيرها في الصباح.. يغفل عنها كثيرون فاغتنمها    "استيراد القات من اليمن والحبشة".. مرحبآ بالقات الحبشي    غرق شاب في مياه خور المكلا وانتشال جثمانه    بن بريك يدعو لتدخل إغاثي لمواجهة كارثة السيول بحضرموت والمهرة    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    مفاجأة صادمة ....الفنانة بلقيس فتحي ترغب بالعودة إلى اليمن والعيش فيه    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    10 أشخاص ينزحون من اليمن إلى الفضاء في رواية    خطة تشيع جديدة في صنعاء.. مزارات على أنقاض أماكن تاريخية    وللعيد برامجه التافهة    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أدوية .. أم سُموم !؟
«صُور قَاتِمة.. بِلون البَلسم» أنهكت مسار هذا البلد.. وحكايات مؤلمة ضحياها بلا حدود
نشر في الجمهورية يوم 16 - 01 - 2012

«لكل داء دواء..» مُسلمة يتشافى بها كثيرون..وبفعل الكم الهائل من الأدوية المنتشرة في الأسواق صار الدواء داءً جديداً يتفشى..بعد أن طالت أصنافه المختلفة عمليات تهريب وتزوير منظمة..تقودها عصابات «مافيا» تستلذ بعذابات الناس وآلامهم.. غير آبهة بأن «فلاناً مات من جرعة دواء فاسدة..؟!»
متاجرة بالأرواح
تحتل الأدوية نصيب الأسد من مُجمل المواد التي تدخل بلادنا عن طريق التهريب، وتحتل نفس المكانة عند «المُهربين» أنفسهم لأنها تدر عليهم مبالغ كبيرة جداً..وفي المقابل عديد أصناف من أدوية فاسدة منها «المزورة والمغشوشة» منتشرة في الأسواق اليمنية، تتضاعف أضرارها وتتعاظم مخاطرها على صحة الجميع.. ومن عواقبها يتكرر الحديث في أوساط المواطنين عن حكايات مؤلمة ضحياها بلا حدود.
ينفي الدكتور الصيدلي عمر الخطاب الدميني عن نفسه وصيدليته بيع الأدوية المُهربة أو التعامل مع مُهربين، موضحاً أن أغلب تلك الأدوية مزورة وليست ذات مواصفات جيدة، وتمثل خطورة عظيمة على صحة المريض، لافتاً إلى أن هذه الظاهرة متاجرة بأرواح المرضى من أجل مصالح دنيوية رخيصة، مذكراً بأن ديننا الإسلامي حرّم الغش فما بالك فيما يتعلق بصحة الإنسان بل بحياته.
عملة واحدة
على النقيض من ذلك يدافع الصيدلي ناصر حسن النهاري عن جموع المُهربين فهم يخدمونه ويخدمون غيره بتوفير أصناف عدة لأدوية يعجز عنها الوكلاء.. «وحينما رآني مستغرباً..» عاد وفرق بين من يعنيهم وبين «المزورين» الذين يصنعون أدوية مُقلدة تحمل شعارات «طبق الأصل» لكل ما هو جيد، وهذه بالذات يرفض التعامل معها ويعتبر من يصنعونها «بلا دين ولا ضمير..»، كما أن الأدوية المهربة باعتقاده لا تحمل خطرا كالمزورة، وهذه «الأخيرة» رغم أنها لا تحمل أية قيمة دوائية إلا أنها قد تؤدي إلى الوفاة خاصة عندما يكون الدواء ضرورياً للمصاب، أما معظم الأدوية المهربة فهي أصناف حقيقية ذات فائدة.
وفي المقابل هناك من يرى أن «التزوير والتهريب» وجهان لعملة واحدة.. مفندين بذلك النظرة الحالمة التي يتبناها البعض حيال الأدوية المهربة أو بعضها إن صح التعبير ومن أولئك الدكتور مختار العديني، فهذه الأدوية من وجهة نظره مجهولة المصدر، وتفتقد الضمان الصحي الفعال، ولم تخضع مسبقاً لإجراءات الأمن والسلامة المعتمدة من قبل الهيئة العليا للأدوية بدءاً من تصنيعها وشحنها من بلد المنشأ ونقلها وتخزينها لدى الوكيل المعتمد.
مخدوعين..
«نحن في اليمن لا نعاني من ضعف وضآلة الخدمات الصحية وحسب بل ومن خطورتها أيضاً» بهذا الاستنتاج الكارثي ابتدأ الدكتور وليد الصلاحي حديثه، مُعرفاً «التزوير» بعدم الالتزام بالنسب المقررة لمواد تركيب الدواء في مضمونه وشكله، مبيناً أن الإخلال بتركيب الدواء والعبث بنسب مكوناته يعرض الإنسان لأضرار متعددة تتسبب أحياناً في فقدانه لحياته.
وكشف وليد عن أدوية معينة عادة ما تكون مطمعاً للجهات المشبوهة، خاصة الغالي منها التي تستخدم لعلاج بعض الأمراض الخطيرة كأمراض «القلب والسرطان والسكر»، مضيفاً إليها الأدوية التي يمكن العبث بمكوناتها بسهولة، كأدوية «الملاريا» التي يتم تزييفها بتقليل نسبة المادة المخصصة للقضاء على المرض مما يقوي «طفيليات الملاريا»، وبدلاً من أن يقوم الدواء بالقضاء على المرض، يتحول إلى سم قاتل للإنسان ويتسبب في اغتياله.
وفي آخر حديثه أبدى وليد استغرابه من بعض المرضى الذين يتسارعون إلى شراء الأدوية المهربة مع علمهم المسبق بذلك، مخدوعين بسعره الرخيص، متناسين ما قد يسببه ذلك الدواء من مضاعفات وأخطار مستقبلية على حياتهم.
الجميع متضرر
من جهته قال محمد عبدالله قاسم: نحن المواطنين لا يرضينا أن يتحكم بصحة أبناء الشعب فئة لا يهمها سوى الكسب المادي.. مؤكداً أن الجميع متضرر وليست هناك جهة بعينها فالقاضي أو المسئول الأمني أو المهندس أو الوزير أو غيرهم بالتأكيد يشترون تلك الأدوية وبالتالي يصيب نفسه وأولاده بالداء أسوة ببقية المواطنين.
فيما يؤكد توفيق أحمد «موظف» أن بعض الأدوية التي يستخدمها هو وعائلته لم تعد ذات فعالية، فمثلاً عندما يصاب أحد أطفاله بسعال أو حمى غالباً ما يشتري نوعين أو أكثر.. لحين ظهور الأثر العلاجي، دون أن يستطيع تحديد ماهية هذا العلاج أو ذاك.. ويجزم توفيق أن هذه «اللخبطة» التي يعانيها هي حال كثيرين غيره، فالبلد حد وصفه باتت ملعباً مفتوحاً لنشاط التهريب الذي يضخ يومياً إلى السوق كميات هائلة من الأدوية تجاوزت الحمولات الصغيرة بالكرتون إلى حمولات الشاحنات الكبيرة.
مضاعفات خطيرة
وقد سبق لدراسات وتقارير علمية مختلفة التحذير من خطورة ارتفاع نسبة الأدوية «المهربة والمزورة» التي تعج بها السوق الدوائية في بلادنا، وما يترتب على ذلك من خطورة مباشرة على حياة وأرواح الناس حال تعاطيها..ويكشف لنا الدكتور عبدالله شديوه حجم المأساة والكارثة الحقيقية على «المريض اليمني» الذي يعتبر الدواء من الأولويات بعد الأكل والشرب ضمن اهتمامه اليومي، وعدّد في دراسة له بعض مضاعفات أخطار الأدوية المهربة والمزورة ولعل أبرزها الفشل الكلوي وأمراض الجهاز الهضمي وجهاز المناعة، وأخطرها السرطان الذي بات يهدد ثلث سكان اليمن، فاستخدام المضادات الحيوية بتركيزات أقل من المطلوب تكسب البكتيريا المسببة للمرض مناعة يصعب القضاء عليها، ويؤكد شديوه أن تعرض الأدوية بشكل عام والأمصال واللقاحات بصفة خاصة إلى ظروف متغيرة يفقدها فعاليتها وتتحول إلى مواد سامة وخطيرة.
إعلام الجمهور
فيما حذرت الجمعية اليمنية لحماية المستهلك جمهور المستهلكين بتوخي الحيطة والحذر عند شراء الأدوية نظراً لوجود أصناف كثيرة مقلدة ومغشوشة، وأصناف مهربة خاصة بأمراض القلب والسكري وكثير من الأمراض وتباع في الصيدليات ومخازن الأدوية في أمانة العاصمة ومحافظات الجمهورية دون رقيب أو حسيب، وتهيب الجمعية بالإخوة أصحاب الصيدليات ومخازن الأدوية من التعامل مع الأدوية المقلدة والمزورة والمغشوشة، وخداع المستهلك ببيعه هذه الأدوية دون مراقبة للضمير وللعواقب المترتبة عن استخدام مثل هذه الأدوية، وتأمل الجمعية من وزارة الصحة أن تتحمل مسئوليتها القانونية والإنسانية والقيام بحملات رقابية والتفتيش على الصيدليات ومخازن الأدوية، وسحب الأدوية المقلدة والمزورة والمغشوشة والمهربة من الصيدليات ومخازن الأدوية، وملاحقة موردي أو منتجي مثل هذه الأدوية قضائياً وتقديمهم للعدالة وإعلام جمهور المستهلكين أولاً بأول بكل ما يحدث.
مُهربو الدواء ومزوروه «هنا» من كبار التجار.. يُعاملون بدلال «يغض الطرف» عنهم..ولا «يحاسبون» إلا فيما ندر..
حيث يتوارى القانون !
فوضى عارمة تكاد تعصف بسوق الدواء، وصفها البعض بغير الأخلاقية.. تعود في غالبيتها إلى تعدد الجهات المسئولة عن «الرقابة والإشراف والتفتيش الدوري للصيدليات والمخازن».. إلا أن المسئولية الحقيقية سقطت بسقوط الضمير الطبي وتوزعت بين عديد جهات أسهمت جميعها بتحول الصيدليات إلى المنفذ الأخير للموت..
حملات تفتيش
«اليمن» من أكثر بلدان الله تحوي شركات ووكالات أدوية.. أسوقها مفتوحة دون «ضبط أو تحكم أو تقييد»..تعج بالكثير من الأصناف «المزورة والمهربة والمنتهية والمضروبة».
وطول الوقت يُفيد مسئولون في وزارة الصحة العامة والسكان أنهم يكافحون بوتيرة عالية ومستمرة من أجل التصدي لهذه الظاهرة، ويقومون دورياً بحملات تفتيش على الصيدليات ومخازن الأدوية، ويعملون على إتلاف كميات كبيرة من الأدوية التي تضبط أثناء تهريبها في المنافذ الحدودية والموانئ والمطارات وفي المخازن في بعض المحافظات، غير أن العديد من المتعاملين في سوق الدواء يعتقدون أن الكميات التي يجري مصادرتها وإتلافها لا تمثل سوى نسبة بسيطة من كميات الأدوية المهربة والمزورة التي تدخل السوق اليمنية يومياً.
جهة فنية
منذ «37» عاماً أنشئت الهيئة العامة للأدوية التي أعيد تنظيمها عام 79م بهدف تنفيذ عملية استيراد الأدوية، وفي عام 99م صدر القرار الجمهوري رقم 233 بإعادة تنظيمها باعتبارها الجهة المسئولة عن تسجيل واستيراد وتحليل ومراقبة الأدوية المستوردة لليمن، كما تقوم بالإشراف على نقل الأدوية من دول المصدر إلى الموانئ اليمنية وعملية تخزينها وفقاً لشروط التخزين.
يقول مديرها العام الدكتور عبدالمنعم الحكمي: إن الهيئة جهة فنية يتواجد مندوبوها في المنافذ الرسمية فقط «مطار صنعاء، مطار وميناء عدن، ميناء الحديدة، ومنفذ حرض» وهي المنافذ التي يتم عبرها استيراد الأدوية بشكل رسمي، ويتم فيها التأكد والتحري عن أية أدوية تأتي مهربة من خلالها ليتم ضبطها ومصادرتها أولاً بأول، أما المنافذ غير الرسمية فهي مسؤولية الجهات الأمنية والجيش بدرجة رئيسية، معتبراً المسؤولية تكاملية ومصلحة الجمارك بالذات شريك اساسي فيها، باعتبارها مسؤولاً عن جميع السلع الوافدة إلى اليمن.
تسعيرة الدواء
وأضاف الحكمي: لسنا مسؤولين عن أي دواء يدخل بلادنا بطريقة غير رسمية، وما عدا ذلك يجب مصادرته وإتلافه باعتباره دواء غير صالح وغير مأمون, مؤكداً أن المسائل لا تحتاج لاجتهادات، باعتبار أن الكادر الموجود لدى الهيئة مؤهل وفني، جميعهم صيادلة مؤهلون تم تدريبهم في دورات مختلفة حول الرقابة الدوائية في العديد من الدول الصديقة والشقيقة، ويقومون بدورهم على أكمل وجه.
وفيما يخص مراقبة الأدوية التي تقع في الصيدليات فإنها حسب الحكمي لا تقع ضمن مسؤوليات الهيئة، وإنما ضمن مسؤوليات مكاتب الصحة في المحافظات والمديريات، بالإضافة إلى الإدارة العامة للصيدلة والتموين الطبي في وزارة الصحة، كاشفاً أن الهيئة قامت خلال الفترة الماضية بتنظيم تسعيرة الدواء، حيث تم مراجعة ماهو مسجل منه في بلادنا منذ سبعينيات القرن الفائت، وتم تعديل أسعار الكثير منها خصوصاً وأن كثيراً من الشركات العالمية كانت تبالغ في أسعارها، وقمنا بإنزال البعض بنسبة 50 % وذلك لمعالجة أسباب التهريب.
بيانات قديمة
من جهته د.عبدالجليل الرميمة مدير فرع الهيئة العليا للأدوية بتعز قال: إن تدخلهم في السوق لمصادرة أي دواء يتم حال وجود أي صنف غير مطابق للمواصفات، وبالتالي تصدر الهيئة من المختبر الخاص بالرقابة شهادة خاصة بذلك، وتأمر بسحب الصنف من جميع المنشآت الصيدلانية.
هذا بصورة عامة.. أما فيما يخص «فرع تعز» يضيف الرميمة: إذا لاحظنا وجود مشكلة في صنف دوائي ما، نقوم بالرفع للإدارة العامة لإجراء التحليلات اللازمة عليه في مختبر الرقابة في صنعاء، وإذا اتضح أن الصنف غير مطابق للمواصفات تصدر شهادة بعدم مطابقته.. لتتخذ على الفور إجراءات سحبه من السوق.
وكشف الرميمة عن وجود أكثر من «13000» صنف مسجل لدي الهيئة العليا للأدوية.. إلا أن مدير الهيئة «الحكمي» قال:إن ذات الرقم موجود في الكشوفات الرسمية وهو مرتكز على قاعدة بيانات قديمة، وهي بحاجة إلى إعادة ترتيب.. وما هو موجود حالياً لا يزيد عن «8000» صنف.
أسباب تجارية
وليد الصلاحي «دكتور صيدلي» يعتقد أن التعدد في الأصناف الدوائية ساهم كثيراً في التقليل من ظاهرة تهريب الأدوية، وعشرون عاماً من عمره في هذا المجال كفيلة في رصد مسارات سوق الدواء عن قرب، وجل الظاهرة المقلقة على حد وصفه خفّت نسبياً خلال السنوات الخمس الماضية، مرجعاً ذلك إلى أسباب تجارية بحتة.
يقول وليد: «الشركات الكبيرة بدأت تشوف الأدوية حقها تُهرب فخفضت سعره وضربت المُهرب» مستدلاً على ذلك بشركة «ناتكو شرنج» التي عمدت على تنزيل أسعارها إلى النصف نكاية بالأصناف المهربة التي كادت تؤدي إلى إفلاسها.
فيما يرى آخرون أن تلك الزيادة في الأصناف لا تجدي، على اعتبار أن غالبية هذه الأصناف مكررة وليست أكثر من زيادة في الكم دون الكيف، خاصة أن عمليات تهريب الأدوية تظهر بجلاء من خلال الأدوية ذات أسعار مرتفعة خصوصاً تلك التي يستخدمها أصحاب الأمراض المزمنة، وهي أدوية لا يوجد لها وكلاء معتمدون داخل البلد..؟!
وعن ذلك أضاف وليد: كل شيء اليوم صار متوفراً.. مفصحاً عن أكثر من صنف دوائي ينافس ما ذكرته آنفاً، إلا أن العلامة التجارية تختلف..!
ضُعف تشريعي
«لن يُقضى نهائياً على هذه الظاهرة دون وجود عقاب رادع يكون فيها الفاعل عبرة للآخرين..» هذا ما أكده أيضاً «الحكمي» مدير عام الهيئة الهيئة العامة للأدوية، كاشفاً عن وجود ضعف كبير في تشريعاتنا القانونية في معالجة هذه الظاهرة.. ورغم إعداد مشروع قانون الصيدلة والدواء وأفرد فصلاً فيه بالمخالفات والعقوبات، إلا أن الجميع يطمح حسب توصيف الحكمي إلى أن ترتقي معاقبة المهربين والمزورين للأدوية إلى عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد، باعتبار أن هناك ضرراً مباشراً على صحة الإنسان.
واعتبر الحكمي تعدد الجهات المسؤولة عن الرقابة على الأدوية «مشكلة» كبرى، فهم يراقبون بجزء وآخرون بجزء..وأن قانون «الصيدلة والدواء» سينظم ذلك باعتبار أن هناك أموراً فنية وليست إجراءات إدارية, ويمكن اتباعها بشكل كامل في حال وجود النصوص التي نحتاجها كسند قانوني لدى السلطات الأخرى «الأمنية والقضائية».. وإذا ما أردنا القضاء بشكل كامل على ظاهرة التهريب وغيرها يقول الحكمي: يجب تشديد الرقابة أكثر على الصيدليات، لأننا بإغلاق المخالف منها نكون أغلقنا المنفذ الأخير للتهريب, وبالتالي لن يجد المهرب منفذاً لبيع سلعته، وبذلك نحد من هذه الظاهرة كثيراً.
بسيطة جداً
ومما يجدر ذكره أن مشروع قانون «الصيدلة والدواء» الذي يراهن عليه الكثير في ضبط حالة الفوضى التي يشهدها قطاع الدواء لم يرَ النور، حيث يتعرض لعراقيل منذ العام 1998م، وقد تم إعداده كمشروع عام 2005م، وأحيل إلى وزارة الشؤون القانونية حيث أجريت ورشة عمل لمراجعته عام 2006م، ومن ثم إعداده بصيغة نهائية.. وقد عملت فيه «15» لجنة ليكون ملائماً لكافة الظروف والإشكالات، كما تم وضعه أكثر من مرة على برنامج الحكومة في عام 2008 و2009م دون فائدة تذكر، والأمل الآن معقود على حكومة الوفاق بأن تشهر ولادته في أسرع وقت ممكن.
إلى ذلك أفاد «الحكمي» أن مشروع ذات القانون يضاف إليه مشروع «تنظيم الهيئة العامة للأدوية» سيرى النور خلال الأيام القليلة القادمة، وأن حكومة الوفاق جادة في تذليل كافة العراقيل في ذات الجانب، وقد التقوا بهم مؤخراً.. وطلب الجانب الحكومي منهم طرح ملاحظاتهم حتى يولد القانون كاملاً شاملاً لكل المتغيرات، وبموجبه ستكون الهيئة مسئولة عن كافة مراحل الرقابة.. وفي المقابل ثمة من يرى أن القوانين ليست هي المشكلة، وأن ما هو موجود من قوانين ولوائح وأنظمة سارية كافٍ لحل المشكلة، لأن الفساد هو «المشكلة الكبرى».. ومكافحة عمليات تهريب الدواء باعتقادهم بسيطة جداً إذا ضبطت الأجهزة الحكومية المنافذ البرية والبحرية والجوية عبر إدارة سليمة ونزيهة.
مَنافذ مُقلقة.. أنظمة مُعقدة..؟!
«حق بن هادي» يسيل لها لعاب كثيرين.. ومنافذنا الجمركية رقم سهل يسهل تجاوزه «بهذا الداء غير الهادي!!»، المُهم ادفع للعسكري أو الضابط المستلم.. «وباتمر يعني باتمر!!؟» حتى لو معاك «سُموم»..
ميدان خصب
يعتقد البعض أن عدم محاسبة الفاسدين ومن لهم صلة بتهريب الأدوية عمل على تشجيع المهربين وفتح أسواقاً خاصة بالتهريب.. ويؤكد تقرير سابق صادر عن منظمة الشفافية الدولية أن الفساد شوّه أسواق المستحضرات الصيدلية وشجع ظهور سوق سوداء للعقاقير المزيفة، فالفساد عموماً يحرم الناس من سهولة الوصول الميسر للرعاية الصحية، وأن الفقراء هم الفئة الأكثر تأثرًا وبشكل غير متكافئ بالفساد في قطاع الصحة.
وأشار ذات التقرير إلى أن هناك متاهة من الأنظمة المعقدة العويصة شكلت ميداناً خصباً للفساد، فرغم أن غالبية العاملين في القطاع الصحي يسعون إلى تأدية وظائفهم بأمانة ومثابرة إلا أن هناك أدلة على وجود رشاوى واحتيال في مختلف الخدمات الطبية، إذ إن هناك رشاوى تدفع لمسئولين ليقوموا بتحريف كبير في السياسة الصحية، سانده وعمل على تغذيته رشاً يتلقاها مسئولون في القطاع الصحي.
سوق كبير
يشكل الفساد القاعدة التي ترتكز إليها تجارة العقاقير المزيفة «المربحة جداً» وتيسر الرشاوى التي تدفع في كل خطوة من الخطوات، تدفق لعقاقير مزيفة من مصدرها إلى المستهلك الجاهل بأمرها، ولأن الإنفاق على المستحضرات الصيدلية يفوق ما تنفقه العائلات في الدول المتقدمة على أي أمر آخر يتعلق بالرعاية الصحية، إذ تقدر الإحصائيات العالمية ما نسبته بين 50 إلى 90 % من مجمل ما ينفقه الفرد من جيبه الخاص على الأمور الصحية، فإن للفساد في صناعة المستحضرات الصيدلية «العقاقير» أثراً مباشراً مؤلماً على من يكافحون للبقاء على قيد الحياة.
الدكتور يوسف الحاضري كان قد أكد في دراسة له أن بلدنا أصبحت سوقاً كبيراً لشركات الأدوية التي تتسابق لعرض منتجاتها من خلال وكلاء وتجار يمنيين, مركزاً على سياسة الجهة المختصة بهذا الجانب «الهيئة العليا للأدوية»، معتبراً الشروط والالتزامات التي تعرضها على التاجر أو الوكيل كي ينفذها بأنها رائعة، إلا أنها حد وصفه لا تعبر إطلاقاً عما يحصل في كواليس المعاملات الحقيقية.
عجبٌ عُجاب..!
ومما كشفه الحاضري: عشوائية في تسجيل الشركات.. وتسجيل الدواء دون دراسات مسبقة، كما أن السوق اليمنية تحتوي أكثر من «500 شركة دواء» مسجلة رغم أن التقارير الرسمية تقول أنها «300 شركة» مقارنة بالسوق الخليجي والتي تحتوي أقل من واحد على عشرة مما يحتويه السوق المحلي, وهذا يعود بالسلبية للصناعات الدوائية المحلية من جانب ومن جانب آخر تشتت المريض بين هذا وذاك، واهتزاز ثقته تارة بالطبيب المعالج وتارة أخرى بالسوق الدوائية، مما يصاب بأمراض نفسية مرجعها الشك الذي سيصاب به من أي دواء يقع تحت يديه.
يضيف الحاضري: لعل الزائر للهيئة العليا للأدوية يجد العجب العجاب في أزقتها ومكاتبها حيث نجد أنه كل يوم بل كل لحظة يتم تسجيل صنف وشركة دون وعي أو إدراك، ويتساءل: لماذا لا تكون هناك دراسة للسوق تعتمد على احتياج السوق من هذا الصنف من عدمه، وأيضاً توافر شركات يمنية تصنع هذا الصنف من عدمها، ووضع كل هذه الأفكار في وعاء واحد ثم النظر إلى أهمية تسجيل هذه الشركة أو هذا الصنف من عدمها..؟!
خطورة بالغة
لم يعد الدواء بلسماً للجروح والآلام وحسب..وإنما داء يفتك بحياة البشر.. وينهك مسارات الحياة.. في بلد ما زال المرض فيه إرثاً رجعياً منذ زمن.. والسؤال الذي يفرض نفسه وبقوة هذه المرة: «هل تهريب الأدوية في بلادي ضرورة أم تجارة..؟!».
الظاهرة بحد ذاتها «عالمية» ومقلقة وخطيرة على المستويين الحكومي والشعبي، فيما الإحصاءات الرسمية لكمية الأدوية المهربة في السوق اليمني غير متوفرة حتى الآن، وطبقاً لتقديرات القطاع الدوائي العامل في مجال الأدوية فإن الكمية المُهربة تصل إلى «50 %» من جملة المعروض الكلي في السوق، الذي يكون معظمه كميات فاسدة، فيما الحجم المقدر للاستيراد الرسمي يبلغ تقريباً ما بين «37 % - 50 %» من حجم المعروض الكلي في السوق، وأكدت دراسة أخرى أن نسبة الأدوية التي تدخل الأراضي اليمنية بواسطة قنوات غير شرعية تصل إلى «60 %»، وأشارت الدراسة ذاتها إلى أن حجم الدواء للاستيراد غير الرسمي معظمه يدخل اليمن بكميات كبيرة فاسدة أو غير فعالة.
خفّت كثيراً
ولا ينفك مسئولو الهيئة العليا للأدوية أن يفندوا صحة تلك النسب، والصحيح حد وصف الدكتور عبدالمنعم الحكمي مديرها العام «5 %» فقط هي نسبة الأدوية المهربة في السوق اليمني، فيما أكد آخر أنها لا تزيد عن «10 %»، معتبراً ذلك مؤشراً يفخر به في كفاءة الإجراءات الرقابية المشددة التي تقوم بها الهيئة بالتعاون مع الجهات والأجهزة الأمنية في المنافذ البرية والبحرية والجوية، وأن الظاهرة برمتها حسب تقديرهم خفّت كثيراً خلال السنوات الماضية..!
وحسب الدكتور الحكمي أن جمهورية مصر العربية تحتل المرتبة الأولى كمصدر للأدوية المهربة، تليها الهند والصين، ثم المملكة العربية السعودية وسورية، أو عن طريق البحر من جيبوتي من مصادر مختلفة، كاشفاً عن كميات محدودة جداً يتم تهريبها من كوبا تشمل بعض الأدوية.
ترانزيت
إلى ذلك حذّر الدكتور علي الدرة مدير مبيعات في إحدى الشركات الدوائية من أساليب استجدت في هذا الخصوص من خلال عمليات تتم عبر شحنات تصل إلى البلاد على هيئة «ترانزيت» ومنها إلى دولة جيبوتي، وهناك يتم تخزينها ضمن شروط مناخية وبيئية مزرية، ثم يعاد نقلها إلى اليمن مرة أخرى بواسطة صناديق وقوارب بحرية تفتقر تماماً إلى أي من معايير نقل الأدوية، مما يجعل حمولتها معرضة للتغيير البالغ في محتويات الدواء الذي تتفاعل مكوناته لتصبح عالية السمية أو يصبح الدواء فاقداً للفاعلية على أقل تقدير.
وأضاف الدرة في دراسته: إن مراكز الثقل في تهريب الأدوية بدأت تتحول من الحدود البرية إلى المنافذ الساحلية لطولها ولقربها من دول القرن الأفريقي، وهي المواقع التي أخذت عصابات تهريب الدواء تنظم وتشغل فيها محطات لتصدير أدوية يكون معظمها فاسداً أو مقلداً أو مغشوشاً ومدعومة لهذه الغاية ب«مافيا» أدوية تسيّر عمليات الاستقبال للشحنات القادمة، وأغلب تلك الشحنات طبعاً تدعمها وثائق مخالفة للحقيقة.
خسائر فادحة
أكدت مصادر نقابية طبية أن الاقتصاد اليمني يتكبد خسائر سنوية تصل إلى المليارات من الريالات بسبب استهلاك الأدوية الفاسدة والمهربة وغير الفعالة، حيث قدرت تلك الخسارة دراسة يمنية حديثة بأكثر من خمسة مليارات ريال يمني تذهب إلى جيوب مهربي الأدوية الذين سيطروا على 36 % من سوق الدواء الذي يعتمد على 90 % من مصادر خارجية، وأكد تقرير أخير للهيئة العليا للأدوية وجود تنامٍ مطرد في الاستهلاك المحلي للأدوية، حيث بلغ حجمه ما قيمته «280» مليون دولار للعام قبل الفائت، تغطي الصناعة المحلية منها حوالي 10 %.
استهلاك مطرد
وقد بلغ إجمالي استهلاك الأدوية في اليمن خلال العام الماضي مبلغ 297.509.292 دولاراً, يشكل المستورد منها 89.17 % إضافة إلى الصناعة المحلية التي مثلت نسبة 10.83 %, أي بزيادة عن العام 2009م بنسبة 7.61 % مما يدعم السوق المحلي بنسبة كبيرة من الأدوية المستوردة والمصنعة محلياً تغطي احتياج البلاد منها لفترة طويلة، علماً أن جمهورية مصر العربية قد حازت المرتبة الأولى في حجم استيراد الأدوية خلال العام 2010م بنسبة قدرها 15 % من بين 57 دولة مصدرة إلى اليمن.
أضحى سوق الدواء مرتعاً خصباً للكثير من المهربين.. ومع سقوط المسئولية تنامت مخاطر إتلاف الدواء الفاسد.. وتخطت حدود المخاطر الصحية لتناول تلك الأدوية لتؤثر على صحة الإنسان وبيئته ومستقبله..
والمُنتهي منه..!
تخلص تقليدي
يستدعي التخلص من الأدوية الفاسدة «أساليب طبية سليمة» تتولاها غالباً شركات خاصة، تعمل على إعادة تدويرها..لأنها بنظر العلم «نفايات كيماوية» وداء فتاك بالأرض والإنسان.
وما يقوم به مهربو تلك الأدوية أو حتى مستورديه من تخلص تقليدي وعشوائي ركيك «للمنتهي منه» هي بنظر كثيرين خطر يفوق جل ما تناولناه آنفاً.. وفي بلادنا بلد الإيمان والحكمة تتجسد صورة تلك المخاطر وبقوة، ومن البديهي أن تراها مرمية في الشوارع العامة والأزقة ومكبات النفايات.. بعد أن عمد المخالفون على إخفاء معالمها الخارجية من تاريخ الإنتاج والصلاحية وبلد المصدر واسم الشركة المصنعة والوكيل في السوق.
مخازن حكومية
تشير الأرقام إلى أن ما تم إتلافه من أدوية فاسدة خلال العام قبل الماضي مثلاً قد تجاوز ال200 طن من الأدوية المختلفة الأصناف، والأمر المحزن أن معظمها جاءت من مخازن حكومية وكان المواطن بأمس الحاجة إليها، خصوصاً في بعض المحافظات النائية ولكن لجسامة حجمها لم يستطع بعض مسئولي المستشفيات العامة من نقلها كاملة إلى الصيدليات خاصة، فتحولت إلى نفايات صلبة وخطيرة، إلا أن ما يتم إتلافه من أدوية فاسدة لا يمثل 5 % من إجمالي الأدوية التي يتم التخلص منها بأساليب لا تقل خطورة عن التهريب، حيث يتم رميها إلى أقرب منطقة خالية حتى لو كانت على مقربة من منطقة سكانية.
غياب رقابي
سوق الدواء إذاً مفتوح على مصراعيه أمام عتاولة السوق السوداء، والضحية الأبرز من كل ذاك «مواطن ووطن».. يحدث كل ذلك وسط غياب رقابي رهيب من كافة الجهات المعنية.. ولا غبار «هنا» على النظريات فالقانون لم يكن رحيماً ضد من ثبت تورطه في هكذا مخالفة، حيث تصنف ضمن الجرائم الجسيمة ضد المجتمع حسب المادة 53 من قانون حماية البيئة اليمني رقم 26 لسنة 1995م، ووفقاً لقانون الجرائم والعقوبات رقم 12 لسنة 94م المادة 140 فإن عقوبة من عرض عمداً حياة الناس أو سلامتهم للخطر يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن 10 سنوات وإذا ترتب على ذلك العمل موت إنسان فتكون العقوبة الإعدام حداً، والسؤال الذي يفرض نفسه هنا متى يتجسد ذلك واقعاً..؟!
بديل آمن
يسعى كثير من المُهتمين إلى الوصول إلى استراتيجية شاملة للأمن الدوائي في اليمن، وقد سبق للاتحاد الدولي للدواء أن تبنى ندوات ودراسات مستفيضة في هذا الشأن، شملت الأسباب الكامنة وراء الظاهرة والتأثيرات الناتجة عنها.. دون تجاوز الاستراتيجيات والحلول الممكن اتباعها، وكان جل تركيز المُهتمين المحليين ينصب في أن تحقق المصانع المحلية الارتقاء بالدواء الجيد وذلك من خلال البدء في إنشاء بحوثات علمية لإنتاج أدوية تخصصية لتحقيق أمن دوائي.
ويبقى القول إن تشجيع الصناعة الدوائية المحلية سيخفف كثيراً من ظاهرة «تهريب وتزوير» الأدوية ومن مخاطرها اللا متناهية، هذا ما أعتقده ويجزم به كثيرون على اعتبار أن هذه الصناعة الوليدة بحاجة إلى رعاية ودعم من قبل الحكومة، حتى يثق المواطن بها وتستمر وتنافس وتوجد البديل الآمن.
مُنتج ناجح
ليس كافياً ما قامت به مصلحة الضرائب من عدم إخضاع المواد الخام المستوردة لصناعة الأدوية للضريبة، كون السلعة المُنتجة والمستوردة معفية.. وما يجب فعله في هذا الخصوص إعفاء كافة مدخلات هذه الصناعة الوليدة كمواد التعبئة والتغليف المستورد منها أو المحلي، بالإضافة إلى تسهيل الطريق للصناعات الجيدة في الظهور ومنحها الثقة من قبل الجهات الطبية المختلفة.
وفي المقابل على مصانع الأدوية الالتزام بالجودة والمعايير العالمية، وأن تعمل في ظل هدف واحد نبيل هو «صحة الإنسان اليمني»، وتكوين خبرات تراكمية وسمعة جيدة لصناعة الأدوية الوطنية، مع ضرورة إيجاد وسائل لحماية الأدوية اليمنية باعتبارها استراتيجية تهم الأمن الدوائي، فالدواء لا يقل أهمية بالنسبة للإنسان عن الغذاء وليصبح وطننا على الأقل منتجاً ناجحاً ولو في مجال واحد كالأدوية، ألا يستحق الوطن ذلك..؟!
عتاولة «كبار» ملأوا الأسواق بأطنان جمة لأدوية معظمها «فاسدة أو مقلدة أو مغشوشة».. يعاونهم بذلك «صغار» امتهنوا طلب الرزق على حساب آخرين.. وبالمقابل ثمة «فارق» كبير بين «أرباب حاويات» و...
تُجار الشنطة..!!
لايُسمح باستيرادها
التهريب يضر الوكلاء أكثر من غيرهم..فالصيدلانيون مثلاً مُجبرون على شراء الأدوية المهربة لأنها أرخص، وكذلك تجار الجملة يأخذون كميات قليلة من الوكلاء ويعتمدون اعتماداً كلياً على التهريب، والأهم من ذلك أن للمهربين قدرات فائقة في توفير الأدوية وبسرعة خصوصاً الأصناف المطلوبة بكثرة.
والأغرب أن أدوية أساسية كالمهدئات وعلاجات أمراض القلب وغيرها لا تتوفر بوزارة الصحة كما لا يُسمح باستيرادها، وليس للشركات المنتجة لهذه الأدوية وكلاء باليمن، ولذلك يقوم البعض بتهريبها، كما أن جشع الشركات التي تعمل على رفع أسعار بعض الأصناف المستوردة، يفتح المجال للمهرب للبحث عن بديل رخيص الثمن فيعمل على إدخاله بطرق غير مشروعة، كذلك عدم تغطية الوكيل لطلب السوق، والسبب الأخير يتمثل باستغلال المُهربين لتزايد الطلب على صنف معين.
الربح كبير..
وبالتعمق أكثر في هذه الجزئية بالذات تكشف لي أن «المُهربين» نتيجةً لتلك الأسباب اقتحموا سوق الأدوية في بلادنا وبقوة.. وباعتقادي أن هذا الأمر عائد لواقع السوق الدوائي في بلادنا، الذي يتحكم فيه وكلاء يقتاتون من آلام هذا المواطن المسكين.. «يحتكرون.. يتحكمون» بسعر كل ما هو ضروري.. ليصبح الفارق بين سعر «الوكيل والمهرب» جنونياً وفظيعاً.. ولا أدري ما هو دور الجهات المعنية في التحكم في ذلك.
من الصعب ملاقاة «مُهرب كبير» ممن يحظون بالدعم والرعاية العليا.. ويضخون الأدوية إلى بلادنا بالحاويات.. كما هو من السهل ملاقاة أقرانهم الصغار «تُجار الشنط».. وقد تسنى لي بالفعل مقابلة عدد من هؤلاء «...» أقصد ذوي الغرض النبيل..؟!، تعمقت كثيراً في تفاصيل مغامراتهم.. جلها بحث عن أسباب الرزق «أحياناً تنجح وأحياناً تخيب» وإذا ما نجحت فالربح كبير جداً.
تدليس
«م.س.ع» تاجر «شنطة» متمرس، له في هذه المهنة أكثر من «15» عاماً، يقول أنه وزملاء له آخرين يعكفون في صالات استقبال مطار «...» يتصيدون من يخدمهم من أبناء وطنهم.. «الداخل» يأخذون بيده ويذيلون أمامه صعاباً جمة «سكن مستشفى وأخرى..»، فيما «الخارج» من فاتهم من قبل يودعونه ويلتسمون منه توصيل «عبوات» محدودة لأدوية تخص تدليساً قريباً لهم بالوطن.. مع فارق أن من حظي بالاستقبال تكون حمولته أكثر وأغلى.
وأضاف «م»: أنهم يقومون بعملياتهم وفق دراسة مسبقة للسوق، وينشطون كثيراً في كل ما خفَّ وزنه وغلى ثمنه، وكما أن هناك «المُرسل» من بلد التصنيع.. يوجد هنا «المُستقبل» يتلقف البضاعة ويوزعها على من يثق به من أصحاب الصيدليات ليعم الربح في النهاية الجميع.
الخطر الدوائي
قد أكون في حديثي ركزت على جوانب إيجابية يحفل بها بعض «المُهربين» إلا أن الخطر مازال قائماً لا يبرح مكانه، وأنا هنا إن تجاوزت الخطر الاقتصادي «العائدات الجمركية» فإني أتخطاها إلى ما هو أهم «الخطر الدوائي»، فكم من دواء تحول إلى داء.. وكم من نفوس بريئة ودعت الحياة بصمت بعد أن اقتحم هذا المجال كثيرون بلا ذمة ولا ضمير.
ومن هذا الفريق السيئ تبرز حكاية أخيرة لأربعة يمنيين تم القبض عليهم في مطار القاهرة الدولي بعد محاولتهم عرض رشوة «مبلغ كبير» على أمين شرطة لمساعدتهم في تهريب حقائب ملأى بأدوية مخدرة، إلا أن هذا الأخير كان أميناً جداً وأخذهم بجرمهم على الفور.
تساؤل مشروع
صارحني أحدهم أن «وراء الأكمة ما وراءها» فيما يخص منع الجهات المختصة لأدوية معينة من الدخول إلى بلادنا، معتبراً ذلك بغير بعيد عن الصدفة.. والأدهى والأمر أنه وصف ذلك بالتنسيق المسبق بين هذه الجهات و«المهربين» يقصد الكبار منهم إن لم يكن أعضاء في الحكومات السابقة أعضاء في ذلك اللوبي الذي أنهك «المواطن والوطن».
متسائلاً: وإلا ماذا يعني ذلك (المنع) والمواطن بأمس الحاجة لهكذا أدوية..؟!، وأنا بدوري أنقل ذات «التساؤل المشروع» لحكومة الوفاق.. ويحدوني الأمل هذه المرة بأن «الحل بات قريباًجداً»، خاصة وأن القضاء على الفساد «مشروع طموح» تبنته النخبة وينتظره الجميع، وعتاولة الفساد معروفين وأيديهم ترتعش الآن.
بدأ سوق الأدوية يشهد تحولات شبه جذرية في هيكلة الأدوية المُهربة.. فيما كميات هائلة ما زالت تتوارد من كافة الاتجاهات.. «غالي الثمن» أو «المستخدم لأمراض مستعصية وشائعة» هو الأكثر حضوراً هذه المرة..؟!
أكثر من داء..!!
هناك فرق
حسب اختصاصيين في وزارة الصحة أن نشاطات تهريب الأدوية بدأت تطال الكثير من أنواع الأدوية ومن بينها الأدوية غالية الثمن والمستخدمة لعلاج الأمراض المستعصية والشائعة، في حين يقدر عدد الأصناف المزورة والتي تدخل السوق اليمنية عن طريق التهريب بأكثر من 30 صنفاً دوائياً.
وتعد عقاقير السكري والسرطان والقلب هي الأكثر تهريباً والأكثر عرضة للتزييف، ذلك لأن سعرها باهظ يعجز المواطن اليمني البسيط عن دفعها، يضاف إليها أدوية الجلطات ومنها دواء الأسبرين الذي يستخدمه المصابون بالجلطات كمميع للدم، ودواء «اليوثيل» الذي يستخدم لتقرحات عنق الرحم، و«الديكايتيل» الخاص بسرطانات عنق الرحم، وهذا بالذات سعره الحقيقي أربعون ألف ريال بينما يباع المُهرب منه ب«15» ألف ريال.
لم تصادر
وهناك أيضاً عقارات كال«الجيسينج» التي تنتشر بأنواع مختلفة في السوق تعد هي الأخرى من الأدوية التي تتعرض للتهريب، فلم يتم مصادرتها رغم ما تسببه من أعراض جانبية كتساقط الشعر والفشل الكلوي، ومن الأدوية المهربة الأكثر خطورة دواء «دوفستوف» مثبت الحمل إضافة إلى «الوارفارين» و«البرويجرتون المستخدم كمنظم للدورة» والدافلون الخاص بأمراض القولون و«البونستان» المستخدم كمهدئ و«المايكرنور» و«الجيسنج» الصيني المستخدم ضد النحافة، وكذا أدوية منع الحمل وأدوية «بيسلفون» شراب و«ديمكرون وكفرسيل وديبومورول» فيالات و«ايموران» أقراص و«دوفاستون» أقراص و«السلفادين».
قيمة الغلاف
أضف إلى ما ذكر آنفاً وهنا حسب إحصائية رسمية أوردت ذلك وأتى تصنيفها بأنها من أكثر وأخطر الأدوية تهريباً، نذكر منها «الانتيدي» وهو عبارة عن مادة لتثبيت الجنين عندما تكون الفصيلة مختلفة عند الأم مقارنة بالأب.. ونتيجة لفحص مكوناتها وجد أنها تحتوي على مادة «الجنتي ميسين» وهو مضاد حيوي للالتهابات بصفة عامة، وكذلك «يجلتس» وهو عقار ممنوع الاستخدام ويستخدم كملين ويحتوي على مواد مسرطنة فاستخدامه يؤدي إلى تسرطن الأمعاء.
ولم يقتصر الأمر عند هذه الأدوية، بل وصلت إلى تقليد المستحضرات المستخدمة في علاج العجز الجنسي وأغرقت السوق بها، ومنها على سبيل المثال مستحضر ليفيترا «LEVITRA» الذي تنتجه الشركة العالمية «باير»، حيث يتواجد في الصيدليات ومخازن الأدوية منتج مقلد هو «LEVITRA 20mg».
وتفيد الشركة أن منتجها الأصلي الذي توزعه في اليمن هو «LEVITRA 10mg» ومن المحتمل أن يتسبب هذا المستحضر المقلد عند تناوله في أمراض خطيرة، حيث لم يتم معرفة تركيب هذا الدواء ويستنزف جيوب المستهلكين إذا كان المحتوى مجرد دقيق حيث يدفع المستهلك قيمة الغلاف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.