إن الأدب ديوان العرب ومنتهى الأرب ونهاية الطلب، وقد حكم رسولنا صلى الله عليه وسلم على الشعر قائلاً : “إن من الشعر لحكمة” وهو الشعر المحمود الذي يوافق المقصود، ومن ذلك الشعر الذي يتحدث عن المناسبات العطرة التي أسست قواعد متينة للتاريخ الإسلامي الحديث، وكان الشاعر ولا يزال ضمير الأمة ولسانها المتحدث عن تاريخها العريق والعظيم، ومن هذه المناسبات مناسبة المولد النبوي الشريف التي فيها نختصر بعض الأبيات الشعرية لبعض الشعراء في هذه القراءة.. مناسبة المولد النبوي على صاحبها وآله أفضل الصلوات وأزكى التسليم مناسبة عظيمة وذات دلالات كبيرة في حياة الأمة العربية والإسلامية. لقد استبشرت بقدومه الأيام، وهتفت له الأرواح من أشواقها، وكتب فيه الأدباء والشعراء القدماء والمعاصرين، وتغنوا بأحاديثهم، وزينوا أقلامهم بقدومه قال عائض بن عبدالله القرني: صلى عليك الله يا علم الهدى واستبشرت بقدومك الأيامُ هتفت لك الأرواح من أشواقها وازّينت بحديثك الأقلام كيف لا، والكائنات جميعها مستبشرة بقدومه ومحتفية بمولده صلى الله عليه وسلم، قال القرني في موضع آخر: السموات شيقاتٌ ظماءُ والفضاء والنجومُ والأضواءُ كلها لهفة إلى العَلَم الها دي وشوقاً لذاته واحتفاءُ وقد كان الشاعر أحمد شوقي خير متحدث عن مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن مشاعر أمته، وقد وصف هذا الشاعر حال الكون والحياة عن مولده فأضاءت به الكائنات وصار الزمان فرحاً وامتداحاً، وجبريل والملائكة يبشرون المخلوقات بالهدى الذي جاء إلى الوجود، إضافة إلى تزيين الكواكب لمقدمه قال أحمد شوقي: ولد الهدى فالكائنات ضياء وفم الزمان تبسم وثناء يا خير من جاء الوجود تحية من مرسلين إلى الهدى بك جاءوا بك بشر الله السماء فزينت وتضوعت مسكاً بك الغبراء والآي تترى والخوارق جمة «جبريل» رواحٌ بها غداءُ لقد نظمت في مدحه الأشعار، ودبجت فيه المقامات الكبار، ونقلت في الثناء عليه جميع السير والأخبار، ثم بقي ومازال كنزاً محفوظاً لا يوفيه أحد حقه في الكلام وعلماً شامخاً لا تنصفه الأقلام، وقد كرّم الله هذه البشرية حين اختار منها نبي الهدى والرحمة الذي قاد هذه الأمة وفتح المدائن، وربط على بطنه حجرين من الجوع، وكان يلبس المرقع من الثياب، قال عائض القرني أيضاً وهو يصف ذلك النور: إن البّرية يوم مبعث أحمد نظر الإله لها فبّدل حالها بل كرّم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها لبس المرقع وهو قائد أمة جبت الكنوز فكسرت أعلامها لما رآها الله تمشي نحوه لا تبتغي إلا رضاه سعى لها كما تتجلى البعثة النبوية بالرحمة المهداة والتشييد والإصلاح والمعجزات الخارقة التي أُيّد بها المصطفى، وأوردها بعض الشعراء للعبرة قال يوسف بن محمد الصرصري: محمد المبعوث للخلق رحمة يُشيّد ما أوهى الضلال ويصلحُ لئن سبحت صم الجبال مجيبة لداود أو لان الحديد المصفحُ فإن الصخور الصُمّ لانت بكفه وإن الحصى في كفه ليسبح وإن كان موسى أنبع الما من الحصى فمن كفه قد أصبح الماء يطفحُ وإن كانت الريح الرخاء مطيعة سليمان لا تألو تروح وتسرحُ فإن الصّبا كانت لنصر نبينا برعب على شهرٍ به الخصم يكلحُ وإن أوتي الملك العظيم وسخرت له الجن تشفى مارضيه وتلدح فإن مفاتيح الكنوز بأسرها أتته فردّ الزاهدُ المترجحُ وإن كان إبراهيم أعطي خلة وموسى بتكليم على الطور يُمنح فهذا حبيبُ بل خليكٌ مُكلم وخُصص بالرؤيا وبالحق أشرحُ وخصص بالحوض العظيم وباللوا ويشفع للعاصين والنار تلفحُ وبالمقعد الأعلى المقرب عنده عطاءٌ ببشراه أقرّ وأفرح وبالرتبة العليا الوسيلة دونها مراتب أرباب المواهب تلمحُ وفي جنة الفردوس أول داخلٍ له سائر الأبواب بالخير تُفتحُ كما كانت البعثة المحمدية بداية الرسالة ونزول القرآن معجزة كبرى، وخضع العلماء له في عصره وفي كل عصر بسبب تلك الآية الكبرى والمعجزة الكبرى «القرآن الكريم»، وأجاب دعوته عقلاء الناس وأعرض عنها جهلاؤهم. ويصف تلك الحالة الشاعر أحمد شوقي بقوله: يا أيها الأمي حسبك رتبةً في العلم أن دانت بك العلماءُ الذكر آية ربك الكبرى التي فيها لباغي المعجزات غناءُ لما دعوت الناس لبّى عاقلٌ وأصمّ منك الجاهلين نداءُ الحرب في حق لديك شريعةٌ ومن السموم الناقعات دواءُ ويؤكد الشاعر أحمد شوقي في موضع آخر من القصيدة أن العدالة والمساواة موجودتان في الدين الإسلامي، والله سبحانه وتعالى أيّد الرسول صلى الله عليه وسلم ومن تبعه من المستضعفين، موضحاً انتصار الحق، والنصر المبين من الله تعالى قائلاً: هل كان من حول «محمد» من قومه إلا صبيٌ واحدٌ ونساءُ فدعا فلبّى في القبائل عُصبة مستضعفون قلائلٌ أنضاءُ نسفوا بناء الشرك فهو خرائبٌ واستأصلوا الأصنام فهي هباءُ وهكذا كانت معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - المؤيدة لبعثته المحمدية دليلاً على نجاح تاريخ أمة الإسلام وأنواراً تشرق على القلوب الطافحة بالإيمان وتزيدها قوة وثباتاً واستقامة..