إن التعليم والصحة هما الأساس في تأهيل الجيل القادم ، ولكي يكتسب الفرد الحد الأدنى من التعليم لابد له من تعلم القراءة والكتابة والحساب فى المدرسة الابتدائية ، فهي ضرورة ملحة لتوافقه الدراسي والاجتماعي ، لذا كان من الضروري الاهتمام بالكشف المبكر عن جوانب ضعف التلاميذ فى القراءة والكتابة أو الحساب ومظاهر تعثرهم لوضع البرامج المناسبة لعلاجهم قبل أن تستفحل وتصبح مشكلة تشكل هدراً لاقتصاد المجتمع وجهوده التربوية وثروته البشرية من الأجيال الصاعدة وتخطي أية تحديات قد تعوقه ، وأهم هذه التحديات صعوبات التعلم . فلصعوبات التعلم أنواع متعددة تظهر إما كنوع واحد أو أكثر من نوع . ويعتبر عسر القراءة ( الدسلكسيا ) أحد أهم هذه الأنواع ، إذ أثبتت الدراسات في الولاياتالمتحدة عام 98-1999م أن الدسلكسيا تشكل نسبة 8 ,50 % من النسبة الكلية لصعوبات التعلم. والدسلكسيا صفة وراثية تنتقل خلال العائلة وتكون عادة أكثر في الذكور منها في الإناث وهي كلمة أصلها يوناني . وتعني (دس) معناها صعوبة و(لكسيا) معناها كلمة . فهي صعوبة الكلمة أي صعوبة اللغة .وتعد إعاقة في قوانين بعض الدول الأجنبية ودول عربية أمثال دولة الكويت وجمهورية مصر العربية و أمريكاوبريطانياوالسويدوأستراليا وغيرها والتي أولت اهتماماً كبيراً تجاه المصابين . والدسلكسيا (عسر القراءة) تسمى الإعاقة الخفية ( لعدم وجود معالم ظاهرة للعيان تدل عليها ) وهي نتيجة خلل بالتركيب الوظيفي للمخ بالجهة اليسرى ينتج عن هذا الخلل صعوبة في تعلم مهارات القراءة والكتابة والتهجئة والحساب ولها أعراض أخرى مصاحبة فهي لا تؤثر فقط على اللغة ولكن قد تؤثر أيضاً على:النمو ،والجهاز الحركي ،الذاكرة ،تنظيم الوقت،الرؤيا، السمع، السلوك، الشخصية، الصحة العامة والمظهر . والمشكلة هي صعوبة فى معالجة المعلومات داخل المخ ينتج عنه مخرجات خاطئة ( مدخلات + معالجات معرفية + مخرجات ) . وتختلف الأعراض من شخص لآخر. بمعنى أنه لا تتشابه الأعراض في فردين . فالعلاج المقدم لهذه الفئة هوعلاج تعليمي يعتمد على الحواس فى ترسيخ المعلومات فالمصابون بالدسلكسيا نسبة ذكائهم بالمتوسط أو الأعلى من المتوسط أي أنهم أذكياء ولكنهم في الجانب التعليمي متدنٍ. فنلاحظ معاناة المعلمين والادارة المدرسية وأولياء الأمور من هذه المشكلة نتيجة عدم الوعي والادراك في مواجهتها فنتجه بالمشهد الى أولياء الأمورفنجدهم يشكون من أبنائهم بأنهم بذلوا كل مابوسعهم بتعليمهم بتسخير المدرسين (مدرس خصوصي) وبذل المال للارتقاء به فى الجانب التعليمي ولكن لم يكن هناك تقدم يذكر .. فيلجأ إلي الضرب أوالسخرية والتلفظ بألفاظ محبطة ومتدنية معتقداً أنه مهمل . ننتقل بالمشهد الثاني الى الفصل الدراسي فنجد المعلم يؤكد انه بذل كل ما بوسعه تجاههم ولكن دون فائدة تذكر فيئس من التعامل مع الطلاب من هذه الفئة ويدعي أنهم اغبياء ومهملون فيلجأ الى الضرب والعنف والسخرية وأنهم لايصلحون للتعليم وربط ذلك بإهمال ولي الأمر. والادارة المدرسية بدورها تلجأ في ذلك الوقت الى طرد الطفل أو فصله من المدرسة أو عقابه بالضرب أواتخاذ أي أسلوب سلبي آخر. ويبقي الطفل فى الاخير الضحية من كل هذا . فخلال 12 سنة دراسية لاقى المصاب بالعسر القرائي المعانات والإحباط وفقد الثقة بالنفس إما من المعلم أو من ولي الأمر أو من المجتمع ونتيجة لهذه المعانات يلج الطالب الى طريق الانحراف فيسخر إمكانياته نحو الجانب السلبي الإجرامي لماذا ؟ لأننا لم نكن اليد المعينة له .. لم نكن على إدراك بهذه المشكلة (الدسلكسيا) بأنها نتيجة خارجة عن إرادته لعوامل فسيويولوجية (وراثية) . ولايدرك المعلم وولي الأمر والقيادات التربوية وغيرهم على الساحة أنه توجد مشكلة تسمى الدسلكسيا (العسر القرائي) وهذه المشكلة تعمل ليس فقط على صعوبة في التعلم وإنما أيضاً في جوانب مختلفة طوال حياته تقف عائقاً أمام المصاب فتأثر عليه حتى بأموره الاجتماعية والحياتية بشكل عام إذا استمررنا على النهج السلبي. فنحن نطالب وزارة التربية بتخصيص برامج ذوي استدامة وفق رؤية قائمة على مختصين وليس المقصد أن نقوم ببرامج تدريبية تنتهي بانتهاء البرنامج ، كم من برنامج نفذته الوزارة بشكل كبير و أنفق عليه مبالغ لكن هل من جدوى او من أثر. لا . الواقع يتكلم وليس مايمليه المستفيدون .. انظروا ماذا يفعل العالم سيكون الجواب ؟ لديهم إمكانيات . والله لو تمعنا بما نصرف وبما نحصل عليه من دعم من منظمات وغيرها وصرفنا بحكمة وذمة ووطنية لرفعنا من المستوى تعليم .. كم وكم من معانات يعانيها المعلم وولي الأمر والفئة نفسها وغيرهم ماذا قدمنا. الدراسات متوسعة حول مجال العسرالقرائي(الدسلكسيا) وصعوبات التعلم. فقد وجد كثير من الباحثين الذين درسوا التوائم المتطابقة والمصابين بعسر القراءة أن هناك ارتباطاً بين التوائم وعسر القراءة بنسبة 50% ومن هذه الأبحاث يعزو عسر القراءة إلى الوراثة بنسبة 50% وإلى عوامل أخرى 50% (مثل البيئة ،خبرات الطفل ،التعليم ،نشأة الأطفال ، وغيرها ) . WWW.dyslexia.com/qasymptoms.htm كما وجد عام 1996م في أبحاثهم على التوائم المتطابقة (De Fries&Alarcon). أن عسر القراءة يعزو إلى الوراثة بنسبة 68% وبنسبة 38% في حالة التوائم غير المتطابقة. وهذا يعني تأثير وراثي عال . يعني بأن الطفل المصاب طبيعي في أموره الحياتية فتظهر هذه المشكلة عند التعلم وكما تطرقنا بأنهم أذكياء ولكن في الجانب التعليمى متدن أقل منهم في مستواهم بسنتين أو أكثر . ولو تأملنا لسيرة حياة بعض الشخصيات في العالم لوجدنا العديد من العباقرة المصابين بالدسلكسيا والذين وجدوا اهتماماً كبيراً من الجميع ( اولياء امور- معلمين – قيادات تربوية ) . فهم في الجانب التعليمي متدن والبعض منهم لم يكمل تعليمه بسبب الدسلكسيا (العسر القرائي) ولكن وجدوا الاهتمام وتعزيز الثقة بالنفس مثل: الأديب مصطفى العقاد ،الممثل البريطاني توم كروز،لاعبا كرة القدم بكيم و رونالدو، والملاكم الشهير محمد كلاي ، وصاحب شركة مايكرو سوفت بيل جتس،ووزير الخارجية البريطاني تشرشل والت ديزني الرسام الشهير(أفلام كرتون ميكي ماوس) ، والعالم ليوناردو دافنشي و توماس أديسون ، اينشتاين، وغيرهم كثير. وغالباً ما نجد الفرد المصاب لديه قوى تعويضية مثل : الموسيقى ،الرسم ،الخزف التمثيل ،الشعر،الأدب ،الهندسة، البرمجة الكمبيوتر، الرياضة (كالتزحلق على الألواح التنس ،كرة القدم ، السباحة ) وغيرها من أنواع الرياضة وأيضاً قد يكون لديهم القدرة على رؤية الأمور من منظور الآخرين بثلاثة أبعاد الشخص العادي والقدرة على تفهم ردود فعلهم وغيرها من القدرات . لذلك نجد الفرد منهم يدرك تماماً أنه ليس كبقية زملائه الطبيعيين أو المعاقين ذهنياً. نتيجة لذلك فإن اتهامهم بالغباء او الكسل أوعدم الطموح أوغير ذلك يصيبهم بالإحباط المستمر الذي يؤدي إلى الاكتئاب وفقد الثقة في النفس وهذا ينعكس على سلوكهم بطريقة عدوانية شديدة في المدرسة أو البيت أو الاثنين معاً وفي بعض الحالات ينتهي الأمر بالانتحار أو سلوك الطريق السلبي . . وهذه الصفة لاتؤثر فقط على تعليم الطفل وعلى عائلته ولكن ينعكس تأثيرها على المجتمع بأكمله ، فقد وجد أن 60% من نزلاء السجون الأمريكية من الأميين و 85% من جميع الأحداث يعانون من عسر القراءة (وزارة التعليم الأمريكية) وفي دراسة أجرتها الجمعية البريطانية للدسلكسيا مع فريق الشباب المخالف (yot) في برادفورد وجد أن أكثر من نصف الشبان مصاب بعسر القراءة والأكثر خطورة أنه كلما زادت عدد الجرائم كان الاحتمال اكبر أن يكون الجاني مصاباً بعسر القراءة . كما وجد معهد الدسلكسيا في Humbersid & Yorkshire عام 2005 أنه بالرغم أن نسب عسر القراءة تبلغ 10% في انجلترا خارج السجون فإنها تصل إلى 3 – 4 أضعاف ذلك داخل السجون . فالمصابون لا يقدرون على التعلم كوسيلة لكسب الرزق فيلجأون إلى طرق غير شرعية مستخدمين في ذلك ذكاءهم ، فمنهم السارق والقاتل ومزور النقود و.....وبالطبع ينعكس ذلك على المجتمع . وقد أثبتت الدراسات نجاح العلاج المبكر فيصل إلى 80% في الصفوف الأولى من المرحلة الأساسية فالعلاج المقدم لهذه الفئة هو علاج تعليمي يعتمد على الحواس في عملية ترسيخ المعلومات وليس علاجاً بعقاقير . لكل هذه الأسباب فقد نالت هذه الفئة الاهتمام منذ عشرات السنين في : أمريكا ، بريطانيا ، كندا ، اليابان ، أستراليا ، السويد والبرازيل وفرنسا سنغافورة وبلجيكا وغيرها من الدول الاجنبية ومؤخراً في العالم العربي الكويت وجمهورية مصر و الاردن والبحرين والسعودية وفي توسع وقد تأسست منظمات عاملة فى هذا المجال خدمةً للمصابين وتقديم المساعدة منذ قرون فى الدول المذكورة أعلاه : نذكر منها : تأسست الجمعية العالمية للدسلكسيا بأمريكا 1949م تأسست الجمعية البريطانية للدسلكسيا 1972م تأسست الجمعية البلجيكية للدسلكسيا 1980م تأسست جمعية سنغافورة للدسلكسيا 1985م الجمعية الكندية للدسلكسيا الجمعية الهندية للدسلكسيا الجمعية اليابانية للدسلكسيا أما على الساحة العربية تأسست الجمعية الكويتية للدسلكسيا 2002م تأسست الجمعية المصرية للدسلكسيا 2005م تأسست الجمعية اليمنية للدسلكسيا 2008م تأسست الجمعية البحرينية للدسلكسيا 2009م تأسست الجمعية الأردنية للدسلكسيا 2009م تأسست الجمعية الإماراتية للدسلكسيا 2010م ثم اللبنانية وغيرها تحت الانشاء. وقد أقامت عدد من الدول الغربية والعربية مسوحات ميدانية لمعرفة نسبة الإصابة فيها للعمل على مواجهة هذه المشكلة بتقديم المساعدة الممكنة وتقدر النسب حسب الإحصاءات كما يلي: وجد 10 – 20 % من الأمريكيين مصابين بالدسلكسيا : : الجمعية العالمية للدسلكسيا www.interdys.org (TheDyslexiaResearchInstitute) وفي انجلترا(الجمعية البريطانية للدسلكسيا: www.bda-dyslexia.org.uk) أثبتت الدراسات أن 10 % مصابون بالدسلكسيا ، منهم 4% شديدو الإصابة و 6 % متوسط وبسيط . (Management For the Rest Of Us By Lyndsay Swinton) أما في السويد فتبلغ نسبتها 5-8 %. THE DYSLEXSIA CAMPAING 1996/97 IN SWEDEN –63rd IFLA General Conference وفي الكويت بلغت نسبتها 92. 6% من بين طلابها الجمعية الكويتية للدسلكسيا www.q8da.com وفى جمهورية مصر قدرة نسبة الاصابة فيها 10% الجمعية المصرية للدسلكسيا www.dyslexia-egypt.com أما فى الجمهورية اليمنية فإن الجمعية اليمنية للدسلكسيا تسعى وبتعاون جمعيات عربية ونتمنى من الجهات المعنية بوزارة التربية والتعليم وغيرها الوقوف الى جانبنا لإجراء دراسة مسحية نعمل بعدها على مواجهة المشكلة. حقوق المعسرين قرائياً : بمقتضى القانون المسمى تعليم الأفراد ذوي الإعاقات والصادر عام 2004م (IDEA) وفي القسم 504 من قانون إعادة التأهيل لعام 1973م وقانون الأمريكيين ذوي الإعاقات (ADA)كل هذه القوانين تحدد حقوق الطلاب ذوي العسر القرائي “الدسلكسيا” وغيرها من صعوبات التعلم الخاصة في التعليم ، وهؤلاء الأفراد لهم الحق في الحصول على خدمات خاصة لمساعدتهم في التغلب على مشكلات التعلم ،وأن يتم استيعابهم في هذا الخصوص ، وقد تشمل هذه الخدمات البرامج التعليمية المصممة لتلبية احتياجات هؤلاء الطلاب ،كما أن هذه القوانين تحمي هؤلاء الأفراد من ذوي العسر القرائي ضد أي تمييز غير عادل وغير قانوني يصيبهم في مجالات الحياة الأكاديمية أو المجالات الأخرى . وقد اعتمدت برامج التدخل العلاجي في كثير من الدول على الطريقة الجزئية البنائية المعتمدة على الحواس المتعددة ،والتي بنيت على أساس عمل أورتن وغلينهام. ومن هذا المنطلق يجب على الجميع الوقوف الى جانب المنظمات العاملة في بلدانهم بمواجهة المشكلة وفي بلدنا الحبيب الجمهورية اليمنية بمد يد العون الى هذه الفئة ، فالعلاج المبكر تكون نتائجه سريعة ومفيدة ويكون عبر توعية المعلمين وأولياء الامور وكافة شرائح المجتمع بكل الوسائل المتاحة من خلال ( بروشورات / مجلة / ملصقات إيحائية / لافتات / وغيرها كثير )ولهم الحق بالتعليم بما يتناسب مع قدراتهم فيما نصت عليه بنود حقوق الانسان بالطرق التي تتناسب معهم وإيجاد جيل نقدر أن نخلق منهم مستقبلاً زاهراًُ بالتطور من خلال طرائق التعامل المثلى والعمل على التوعية و تأهيل المعلمين فى كيفية تدريس هذه الفئة من التلاميذ بالفصول الدراسية العادية ( أثبت العلم ان ماينفع المعسر قرائياً ينفع غيرالمعسر) . وإقامة الدورات التدريبية التي تستهدف معلمي الصفوف الاولي بشكل خاص والمعلمين لبقية المراحل الدراسية بشكل عام والأخصائيين وأولياء الأمور ومدراء المدارس والأطباء والمثقفين وغيرهم مما سيكون له أثر طيب فى مساعدة هؤلاء الأبناء وذويهم لمواجهة هذه المشكلة . الأمر ليس بمعقد وليس أحزية ، فالمشكلة ليست بالدسلكسيا ولكن في كيفية التعامل مع المشكلة . من قبل المعلم وولي الأمروالقيادات التربوية عامةً ابتداء من المعلم وانتهاءً بوزير التربية وأنا وأنت وغيرنا . نسأل الله التوفيق في توصيل الرسالة الموكلة لنا . *رئيس الجمعية اليمنية للدسلكسيا رئيس اللجنة التربوية للمعسرين قرائياً عضو الجمعية العالمية للدسلكسيا [email protected]