تميز الإعلام الالكتروني ببروز دور الفرد كفاعل في صياغة وتشكيل وانتشار هذا النوع الجديد من الاعلام، وظهرت الشبكات الاجتماعية كأحد روافد ذلك الإعلام الجديد مع الحرية التي تتيحها في اختيار الموضوع وتحرير النص والحجم وسهولة البث وقلة التكلفة مع امكانية تجاهل ألمصدر والقدرة على التحول من الاحتجاج الشخصي إلى توجيه الرأي العام والحشد عبر مجموعات او صفحات على “الفيس بوك”. وخصوصاً مع تجاوز الحدود بين الخاص والعام وبين المستوى الداخلي والمستوى الدولي. لقد أصبح للشبكات الاجتماعية دور في التعبير عن الاتجاهات والأفكار كافة داخل المجتمع في ظل حوار تكون ركيزته الندية بين الفرد والنخبة والجماهير، ولم تعد النخبة تمارس دورها المعتاد في صياغة الرأي العام وتشكيله وتعبئته بعد التطور في عملية تدفق المعلومات وإنتاجها. وأصبح للفرد دور فى إنتاج المعلومات وصياغة الرسالة الإعلامية. وهو ما كشف عن بيئة إعلامية جاذبة يستخدمها العديد من النشطاء بعد أن اتسع عدد المشاركين وحجم القضايا والاهتمامات بعد ثورة 25 يناير حيث وصل عدد مستخدمي الانترنت في مصر إلى 35 مليون مستخدم، و9 ملايين مستخدم للشبكات الاجتماعية، و80 مليون مستخدم للمحمول. ومن ثم اصبحت الشبكات الاجتماعية اكثر من مجرد وسيلة لنقل الخبر او التعليق عليه، حيث أصبح لها دور فى معالجته ومتابعته وإثارة ردود الافعال حوله مع القدرة الهائلة على الانتشار، وفى بعض الاحيان يتم نقل الأخبار عن الصفحات ومؤسسيها علي الفيس بوك إلى الصحف الورقية والبرامج الفضائية بما يزيد من حجم تأثيرها وانتشارها. وأصبح بإمكان أي شخص لديه دراية بصنع مادة إعلامية القيام بعكس وجهة نظره وتحيزاته، خصوصاً في ظل التطور الهائل فى نقل الصور ومقاطع الفيديو واستخدامها عبر الشبكات الاجتماعية، والتي أصبحت تمارس الدور الرقابي على الحكومة والمجلس العسكري، وأيضا على البرلمان وأداء النواب داخله، وعملية نقل المطالب وممارسة الضغط وتمثيل قوى جديدة في المجتمع. والتأثير في عملية صنع السياسات العامة. وقد ترافق مع ذلك التحول الى استخدام التعليقات والمشاركة وتبادل ملفات الفيديو والصور عبر الفيس بوك وتوتير، كأداة فى ادارة الصراع السياسي والاجتماعي، وأيضاً كأداة هامة من أدوات المشاركة السياسية عبر دعم اشكال الاحتجاج، أو التعبير عن المواقف والمصالح، سواء من جانب الاحزاب السياسية او المهتمين بالشأن العام، أو بكونها وسيلة للحشد والتعبئة لتكوين التحالفات وتنظيم الفعاليات السياسية ك”المليونيات”. وتتنوع الرسالة الاعلامية عبر الشبكات الاجتماعية منها ذات الطابع الساخر ومنها ذات طابع متمرد على الواقع أو اخرى عشوائية الهدف او ذات طابع شخصي، او انها تخدم مصالح حزبية وسياسية ودينية. ومن هنا تظهر العلاقة بين الشبكات الاجتماعية والتعبير عن الرأي بما يجعل هذه الشبكات في مصاف الصحف الورقية بل تفوقها بالنظر الى معدل استخدامها مقارنة بأعداد توزيع الصحف، وخصوصاً بما يتوافر لها من وسائط إعلامية متعددة ومستمرة ومتجددة بما يساهم في صياغة الرسالة الاعلامية بشكل جيد وسرعة انتشارها وقدرتها علي الكشف السريع للأحداث وتغطيتها المستمرة بالمقارنة بالصحف الورقية. على الرغم من دور الشبكات الاجتماعية كأداة في دعم حرية التعبير وقيم الديموقرطية فإنها قد أثارت مخاوف تتعلق بدورها السلبي على المجتمع والدولة، والتي منها حالة الكشف الهائل عن معلومات تشمل كل تفصيلات الحياة الخاصة والعامة. وخصوصاً ما يتعلق بتأثير دخول الفيس بوك الى المصالح الحكومية التي تعرض المعلومات الخاصة بها، مما قد يعرض الأنظمة المعلوماتية لها إلى الاختراق والقرصنة، بالإضافة إلى استخدام الشبكات الاجتماعية في القرصنة على صفحات أشخاص عبر الفيس بوك او استخدام الصور والفيديوهات “المتحيزة لوجهة نظر معينة” لشحن الرأي العام والتي قد يتم تركيبها او اختلاقها او إعادة استخدامها بشكل يؤثر في تحريك الأحداث. بالإضافة إلى ذلك تستخدم الشبكات الاجتماعية في شن الحروب النفسية والتي منها نشر الشائعات التي قد تضر بمصالح قومية، وقد تستخدمها بعض الجهات الخارجية المعادية للتأثير على الاستقرار الداخلي، مثل الدعوات لشل اجهزة الدولة ومرافقها الحيوية، لتنتقل من التعبير عن الرأي الى ممارسة الضغط ثم خطر التحول الى سلوك عنيف باستخدام القوة ضد مؤسسات الدولة. كما أن مسألة تنظيم الحريات العامة والخاصة، والحفاظ عليها بشكل متواز مع الموازنة بين الحقوق والواجبات وبين حرية الفرد وأمن المجتمع من سمات الدول المتقدمة. وقد مثلت الشبكات الاجتماعية واستخدامها صورة جديدة للتعبير عن حقوق الانسان، وهو ما فرض العديد من التحديات في اطار نمو حقوق الانسان المعاصر واعتبار خدمة الانترنت هي حق اصيل من حقوق الانسان الى جانب الحق في الاتصال والاجتماع والتعبير عن الرأي، وأصبحت طريقة تعامل الدول مع الشبكات الاجتماعية تؤشر لدرجة التحول السياسي والديمقراطية لدى العديد من دول العالم. ولعل أهم عامل يستطيع أن ينجى المجتمع من المخاطر هو دور الفرد ذاته ووعيه وثقافته التي تؤهله الى عدم الاستجابة الى الشائعات وتفنيد المعلومات التي ترد إليه، بالإضافة الى أهمية نشر الوعى بأهمية تجنب الاستخدام السيئ لشبكات التواصل الاجتماعي وأهمية دور المواطن في تعزيز ثقافة امن المعلومات. نقلاً عن مقال عادل عبدالصادق محمد في صحيفة الأهرام (بتصرف).