مصطلح (التسامح) غدا مصطلحاً شائعاً في هذا العصر، وغالباً ما يطرح باعتباره حلاً لمشاكل الصراع وعدم القبول بالآخر. لكن هذا المصطلح لم يسلم من الانتقاد إلى درجة مطالبة البعض بالتوقف عن استخدامه؛ ذلك أن خصوصية الاستعمال التاريخي للمصطلح في الخبرة الغربية ارتبطت بمعاني ازدراء الآخر وتحقيره. فقد كان اليونان والرومان يستخدمون مصطلح (التسامح) ليعبروا به عن نزعة استعلائية تجاه الآخر المختلف عنهم (البرابرة)، وكانوا يقصدون بالتسامح التعامل مع الآخرين انطلاقاً من تفهم خصوصيتهم البربرية! واستمر استخدام المصطلح من قبل المستعمر الأوروبي بعد ذلك ليعبر به عن حالة من التمييز والاستعلاء الفكري تجاه الآخر (السكان الأصليين). وهكذا ارتبط مفهوم التسامح في الخبرة الغربية بمعاني التجاوز الاستعلائي، والتحمل لتلك الشعوب التي ترفض الخضوع لسيطرة الغازي المستعمر، من خلال تفهم الغازي لحالة التخلف والدونية التي تعيشها تلك الشعوب. والتسامح بهذا المفهوم لا يعني سوى السماح للآخر بأن يعيش وفقاً لخصوصيته المتدنية، وهو بذلك يستبطن كل معاني الاستعلاء على الآخر. ولذلك رفض كثير من المفكرين والفلاسفة الغربيين مصطلح التسامح، وفي المؤتمر الفلسفي الذي انعقد في موسكو عام 1995م، رفض غالبية الفلاسفة استخدام مصطلح التسامح، واعتبروه غير مناسب. والمسألة كما يلخصها الدكتور عاطف علبي هي أن الحق في الاختلاف أبعد من التسامح. أي أن تعترف للآخر بحقه في أن يكون مختلفاً عنك، كما أنت مختلف عنه، وأنكم في هذا الحق سواء، لا ميزة لأحد على أحد، ولا استعلاء لطرف على طرف. وفي الآونة الأخيرة قامت إدارة مجلة التسامح وهي مجلة فكرية رائدة تصدر عن وزارة الأوقاف والشئون الدينية في سلطنة عمان بتغيير اسمها إلى (التفاهم)، ولست أدري إن كانت الإشكالات المثارة حول مصطلح التسامح هي سبب ذلك التغيير أو أحد أسبابه. قد يرى البعض في مصطلحات أخرى نحو (التفاهم) و (التعايش) بدائل أفضل لمصطلح (التسامح)، وقد يرى آخرون التمسك بمصطلح (التسامح) مع التغاضي عن خصوصية الاستعمال في الخبرة الغربية، ولكل وجهة هو موليها... لكن في جميع الأحوال نحن بحاجة ماسة إلى الإيمان بحق الاختلاف... بحق الآخر أن يكون مختلفاً عنا... على نفس الدرجة التي نملك بها نحن حق الاختلاف عنه...((وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ )).