يدعى هذا المريض عقلياً ب البوني .. من ملامحه يبدو خمسينياً, كان يمضي ساعات النهار كاملة ملقي على الأرض، منكباً على بطنه تاركاً جسده الهزيل طعماً لأشعة الشمس الحارقة جوار سور صحيفتنا الجمهورية طيلة عقد ونيف, دون أن تنقذه نظرات الشفقة منا ومن أهالي الحي ومن بينهم أسرته المجاورة للصحيفة, غير أن العامين السالفين لثورة الشباب شهدت اختفاء البوني, وبعد عودته بحلته النظيفة قبل عامين إلى الحي, اتضح بأنه خرج من مشفى الأمراض النفسية والعصبية بتعز بعد تحسن حالته, ولأن الرجل لم يحظى برعاية ذويه وأهالي حيه والمؤسسات الخيرية، فلم يجد مناصاً من العودة إلى الشارع مجدداً, لكن عودته هذه لم يكن ضررها عليه بقدر ما أضرت بمن حوله، بما فيهم منتسبوا هذه المؤسسة، فقد سلك البوني هواية مقززة من خلال تعبئة القوارير الفارغة ببوله ورصها على سطح سيارة الخردة التي ينام عليها، وعلى جدار السور الخارجي للصحيفة, ثم زاد بتشويه السور بمئات النعال القديمة وتوجيه قاعها إلى المارة لتجاور تلك القوارير المقززة, ثم حين لم يعره الجميع الاهتمام حد قول شباب الحي أضاف أنتن هواياته في اصطياد حفاظات الأطفال الطرية من براميل القمامة ورمي نصفها أمام منازل الحي والنصف الآخر لاستكمال زينة سور مؤسسة الجمهورية للصحافة, ومن الشواهد الطريفة على مابتلي به السور من هوايات البوني, أن الدكتور الخلي نائب عميد كلية الطب, سأل المحرر في ختام حوار قبل عامين عن موقع الصحيفة, فعجز الأخير عن وصف الموقع, فدق السائل رأسه متندراًً: تقصد بأنكم فوق الشرطة العسكرية وترصون السور ب (........) خائفين لا يمرعوكم؟.. وفي الأخير يحق لمنتسبي المؤسسة وجيرانها مناشدة إدارة أمن المحافظة بإعادة البوني إلى المصحة, حيث يؤكد الأخير بلسانه عن رغبته في العودة إلى المصحة, لكن الأخيرة هي من لفظته قبل عامين.