نادر الصوفي من أسباب ممانعة التغيير في المجتمعات العربية انعدام المرونة الثقافية لتقبل كل جديد في الفن شريطة أن يندرج تحت شعار( الأصالة والمعاصرة). فنحن ما نزال نتمسك بالأصولية الثقافية والاجتماعية والفنية وفي نفس الوقت ننتقد الاصولية الدينية نسمع أغاني مختلفة وعلى الرغم من حداثة أدوات التصوير والفيديو كليبات وملابس الراقصات والمغنين وغيره إلا أننا ما نزال نعيش نفس البنية الثقافية لعصر الجاهلية وعصور التخلف والانحطاط. فالأسلوب القديم في شعر الحب والحزن والعتاب والندم والهجر والشوق الذي صاغه عنتر وقيس ...إلخ والإيحاءات نفسها التي نسمعها اليوم وإن كانت تختلف في الصياغة إلا أنها تؤدي إلى نفس المخرجات في عقل وعاطفة المستمع. مثال على هذا (حجبوها عن الريح لأني قلت يا ريح بلغيها السلام ) أو عندما يقول المرشدي( أغار عليها من أبيها وأمها ومن خطوة المسواك في الفم) لست أعلم لماذا يحجبونها عن الريح أو لماذا يغار عليها من أبيها وأمها. خرجت فيروز عن هذا النمط الفني وقدمت فناً يساعد على خلق نمط مرن يساعد على إنتاج مجمتع متأنسن وخاصة في أغنية (أعطني الناي وغني)لجبران خليل جبران. أما الجيل الجديد من الفن فلا هو أصولي ولا هو معاصر لست أعلم أين أصنفه هل سذاجة أم قبح بالله كيف تستشعر الذائقة الفنية لهم عندما نسمع( كسرت لي السياره وحرقتنا بالسجاره) أو (ليك الواوا بوس الواوا) إذن من الضروره خلق نمط فني على نسق الفن الفيروزي. فيصل الهلالي منذ سن التاسعة أول ما فتنت به ، سحر الشرق في المقامات والأغاني وأكثرها مقام الراست والبيات عرفت هذا لاحقاً ، الزخرفة والتوليفة السحرية الشرقية الغامضة في الحياة اليومية وحتى المنمنات والشعر الصوفي الموغل في الطقوس . “هلت ليالي القمر” كانت هذه أول أغنية سمعتها وحفظتها عن ظهر قلب في سن العاشرة تقريباً . رباعيات الخيام، الأغنية الوحيدة التي ظلت ترافقني على مدى خمس سنوات بلا كلل ولا ملل بالتزامن مع حالة طقوسية مكثفة غامضة تشبه الدينية عشتها حينها وغرقت في التأملات والتساؤلات الساذجة والمؤرقة، بعد العاشرة تقريباً ومنذ الرابعة عشرة، حتى الثامنة عشرة والعشرين ، كل فقرة أو جملة موسيقة وشعرية من هذه الأغاني تماثل حالة قلق دفين وغربة في الذهن السحيق ، لبست ثوب العيش لم أستشر؟ وينفتح في مقابلها السؤال الصادم لماذا جئت أين المفر ؟ وما لا يفسر حينها كيف كنت أحتال على جملة صوتية كهذه ( شهد الرضاب ) ومحوها كناسك صغير يتمرن على حرب اللذات .. بتحويل الرضاب (للرقاب ) دون أن يكون هناك أي ترابط في المعنى رغبة في الهرب من الإغراء المبذول في هذا الشطر كاملاً ، أطفىء لظى القلب، ثم بشهد الرضاب .. لاحقاً فقط عرفت أن الخيام في ذروة تعطشه وليس أرقه وحسب .