في طاولة مستديرة مظهرها يوحي بمكوثها في ذلك المكان منذ زمن، وأنه تعاقب عليها الكثيرون في الجلوس حولها، وتحت شجرة، كانت وارفة الظلال قبل أن تتساقط أوراقها في فصل الخريف، ظلا يتبادلان الحديث باندماج تام في المشاعر منذ الثامنة صباحاً، طال الوقت وهما على تلك الحال. نفذت إليهما الشمس، ولم يدركا حرارتها حتى في منتصف الظهيرة.. آلاف الكلمات يتمتمون بها، يتساءل من يشاهدهما من أين لهما كل هذا الثراء في الكلمات شفاهما لا تتوقفان للحظة. ظلت ترقبهما بفضول وغيرة من بعيد، دخلت إلى فصلها أول الوقت ثم خرجت مع زملائها، وهم على تلك الحال ، إن اقترب أحد زملائهما منهم ، يقطعون حديثهم بسؤاله ماذا درستم في المحاضرة الأولى؟ ومن ثم الثانية والثالثة؟ حتى وإن كرر مهدرو الوقت زيارتهم بين الحين والحين، يظل السؤال ذاته قائماً.. هما حضرا للدراسة تسأل رقيبتهما نفسها، وهي تلاحظهما من بعيد؟ لماذا كل هذه الزينة والعطور والماكياج؟ تركت كل شيء وهي تقول بصوت منخفض:”من راقب الناس مات هماً”. مرا في يومهما على صنوف الشيكولاته والأيسكريم والكافية والشاي والماء، صاحب الكافتيريا معجب بهما جداً، لأنه يكسب من وراء جلستهما تلك، ويتسلى بمراقبتهما من بعيد حينما يقل الزحام عليه. هي سمعت منبه سيارة أخيها عند الثانية ظهراً فانتفضت واقفة تلملم أشياءها على عجل وتخفي وجهها المزين، وهي تسير باتجاه أخيها الذي يقلها كل يوم في مثل ذلك الوقت، وتسأله بغضب لماذا تأخرت؟ وكأنها تنتظره منذ زمن بعد تعب الجلوس في قاعة المحاضرات. أما صديقها فقد ابتعد مسرعاً لئلا يلحظه أخوها تاركاً دفتره، بعد أن تاه في العشق منذ الصباح.