امتداداً لهذا الموضوع البيئي المهم أعود وأجزم بشكل يقيني ان السنوات القادمة ستشهد حراكاً بيئياً فاعلاً على المستوى الدولي تكون فيه البصمة البيئية هي الابرز في المشهد، اذ ان هذا الموضوع لم يعد يقتصر لكونه نمطاً من انماط البيئة لكنه تعدى هذا المفهوم بمراحل حتى اصبح يلامس شكل الحياة على ظهر هذا الكوكب. وللفائدة العلمية فإن البصمة البيئية تحدد قدرة الكوكب ايكلوجيا على تغطية الاحتياجات البشرية وقدرته انظمته الطبيعية على استيعاب ومعالجة النفايات البشرية الراجعة علاوة على قدرتها في تجديد طاقتها الايكلوجية لحفظ التوازن، ولأن البصمة البيئية لا تختلف عن قضية الاحتباس الحراري ببعدها العالمي، فقد بدأ هناك تحرك دولي يسعى إلى تحريك مياه العالم الراكدة نحو هذه القضية، برز ذلك جلياً هذا العام حينما بدا شعار اليوم العالمي للبيئة الذي يصادف الخامس من يونيو من كل عام (فكر.. كًل.. وفر) ملامساً لقضية البصمة البيئية العالميه رغم ان مدلولاته الأولى تشير إلى قضية جانبية مهمة وهي قضية الأمن الغذائي. في مؤتمر (البصمة البيئية في البلدان العربية) الذي انعقد في العاصمة اللبنانية العام الماضي اعتبر المنتدى العربي للبيئة والتنمية (افد) صاحب هذا المؤتمر ان المنطقة العربية تعاني عجزاً متزايداً في قدرتها البيولوجية، هذا العجز مبعثه استهلاك كبير لخدمات الطبيعة بشكل جعلها غير قادرة على تغطية الاستهلاك البشري او تغطية الفجوة الطبيعية المتزايدة، المنتدى العربي للبيئة والتنمية أوصى الحكومات العربية اعتماد مفهوم الحسابات الايكلوجيه في التخطيط الاقتصادي وتخفيض البصمة البيئية ما امكن من خلال تأهيل المناطق الطبيعية المتدهورة وتخفيض الملوثات والنفايات، بالاضافة إلى التحول للاقتصاد الأخضر القائم على الشكل المعرفي والعلمي. التقرير الذي قدمه المنتدى قد كشف عن فجوة هائلة في البصمة البيئية العربية، إذ ارتفع متوسط البصمة البيئية للفرد العربي بنسبة 78 % مما يعني أن البصمة البيئية الإقليمية الشاملة قد زادت خلال هذه السنوات إلى أكثر من 500 % في حين ان متوسط القدرة البيولوجية المتوفرة في الوطن العربي للفرد الواحد هي 60 %، هذه الفجوة تتزايد باستمرار خاصة في ظل الاستهلاك البشري المفرط دون التفكير بمآلات هذا الاستهلاك على القدرة الطبيعية لهذا الكوكب. أظهرت نتائج هذا التقرير ان دولة قطر قد سجلت أعلى بصمة بيئية للفرد في العالم تلتها دولة الكويت ثم الإمارات، ففي قطر ارتفع متوسط البصمة البيئية للفرد الواحد إلى 78 % وهذا الرقم بالطبع يشير إلى ان الفرد في قطر يحتاج إلى 11.7 هكتار عالمي من المناطق الطبيعية كي يصل إلى المستوى المطلوب من التوازن بين استهلاكه وقدرة الطبيعة على استيعاب مخلفاته ونفاياته، وإذا ما قمنا بمثل هذا الاحتساب لكل فرد في العالم سوف نكتشف في النهاية ان العالم يحتاج إلى 6 كواكب أرضية أخرى لكي يتسنى للجميع العيش بشكل متوازن وطبيعي!!. هذه الأمور بالفعل قد أوحت باتساع الفجوة بين حاجة الانسان ومقدرة الطبيعة، وهنا بدأت تبرز مؤخراً وبشكل واضح وكبير مشكلة الأمن الغذائي كنتيجة لهذه الفجوة، وكثيرة هي البلدان التي تسعى إلى سد فجوة الغذاء من خلال الاستيراد كما يحدث هنا في البلدان العربية او لمعالجة مشكلة ارتفاع البصمة البيئية كما يحدث في الولاياتالمتحدةالأمريكية، فلو كانت البصمة البيئية لهذه البلدان خاصة العربية في مستواها الطبيعي ربما ان القدرة البيولوجية ستعمل على حل الكثير من الإشكاليات وتغطي هذا العجز المفضوح والمؤلم. في اليمن تبدو الأمور أسوأ بكثير، فالبصمة البيئية أكبر من القدرة البيولوجية بنسبة تصل من 50 - 100 %، وطبعاً لن يكون الحل هنا في وضع حد للاستهلاك البشري المفرط للموارد الطبيعية كما قد يتبادر إلى الذهن؛ لأن هذه لم تعد تفيد الآن، فالفجوة مهولة هنا والقدرة البيولوجية ضعيفة للدرجة التي نحن فيها بحاجة إلى نصف كوكب للعيش ضمن المستوى المطلوب او حتى مقاربة للمواطن القطري الذي يستهلك من الطاقة ضعف ما يستهلكه اليمني بأكثر من 53 %.