تمارس أسر عدنية مهنة صناعة البخور بطبخ أنواع مختلفة من المواد العطرية على نار هادئة، وهي حرفة متوارثة اشتهرت بها مدينة عدن منذ القدم، وتمثّل هذه الحرفة روح وحياة المجتمع العدني؛ فهي تُعد جزءاً من عادات وتقاليد المدينة إلى جانب كونها ركيزة أساسية لتوفير مصدر رزق لكثير من الأسر في بلد يعيش أكثر من نصف سكانه تحت «خط الفقر» ويُستخدم هذا البخور في المناسبات والأعراس، ويضفي رائحة عطرة على حُجرة المنزل عند استقبال الضيوف، حيث يُوضع فوق الجمر على المباخر ليحترق ويتحوّل الدخان المتصاعد منه إلى عطر تغمر رائحته أرجاء المكان.. رواج الصنعة تقول منال النصري «45 عاماً» وقد وضعت إناء على النار يحوي ماء وسكراً وشرعت في تحضير المواد الأساسية لمكوّنات البخور: إن هذه الصنعة تلقى رواجاً كبيراً للتعلم، وإن أكثر من نصف الأسر في المدينة أصبحت تجيد صناعة البخور. وتصف مشوارها في مزاولة هذه المهنة بأنه بدأ قبل 10 أعوام بعد تعلُّمها فنون الصنعة من امرأة مسنّة عملت خمسين عاماً في صناعة البخور. وتعتمد منال في تحضير البخور على خلط مكوّنات تتمثل أساساً في العود والظفري المستخرج من البحر والعطر والمسك والعنبر السائل في الإناء بعد غليان السكر المذاب بالماء، وتقوم بتحريك هذه الخلطة على نار هادئة، ثم تنقلها إلى قالب معدني تحت الهواء ويغطى بغلاف القصدير حتى تتحوّل إلى مادة صلبة يتم تجهيزها للبيع. وتحضّر منال البخور وفق طلبات مسبقة للمغتربين اليمنيين في دول الخليج وأسر من محافظات يمنية، وتنفق من عائدات بيع البخور على أسرتها المكوّنة من 8 أشخاص. وتعمل أسر عدنية عريقة اشتهرت منذ القدم بجودة صناعة البخور على تصديره إلى دول خليجية مثل الإمارات والسعودية والبحرين، حيث يحظى بطلب كبير في الجزيرة العربية ودول الخليج، في حين تعمد غالبية الأسر المنتجة من ذوي الدخل المحدود إلى الترويج له محلياً بأسعار رخيصة تتناسب مع القدرة الشرائية للمجتمع اليمني. ضعف الحركة نساء يعملن في صناعة البخور بعدن تحدّثن عن توقف تام للنشاط السياحي في المدينة خلال فترة الصيف هذا العام بسبب الاحتجاجات؛ لكن كغيرها من نظيراتها في العمل، تشكو منال هذه الأيام ضعف حركة البيع والشراء للبخور نتيجة الاحتجاجات الشعبية التي تعم اليمن. وتشير نساء يعملن في صناعة البخور بعدن إلى توقف تام للنشاط السياحي في المدينة خلال فترة الصيف هذا العام بسبب الاحتجاجات التي اجتاحت البلاد ما أدّى إلى فقدانهن كثيراً من عملائهن الوافدين من دول الخليج ومن بقية محافظات اليمن،وتتفاوت أسعار البخور العدني حسب نوع الطبخة وجودتها، حيث يصل سعر النوع الجيد إلى قرابة 250 دولاراً، وتتفاوت أسعار الطبخات العادية بين 5 و10 دولارات.. ووفق مدير معرض دار العرائس لبيع البخور في عدن طارق عبدالله الشيباني؛ فإن أفضل أنواع البخور التي تأتي في الدرجة الأولى هي “السلطاني” الذي يتميّز بجودة العود وتركيز العطور والعنبر الدخني، يليه “العرائسي” و“الملكي”. وذكر أن هذه الأنواع تحظى بطلب كبير من دول الخليج، ويتكفّل المعرض بتجهيزها وإرسالها عبر المغتربين، كما يقوم بتصدير مثل تلك الأنواع إلى الجالية اليمنية في بريطانيا. وألمح الشيباني إلى أن معرضه هو الوحيد في عدن الذي يمتلك معملاً لصناعة البخور، ويقوم بتقديم خدمة مجانية وخيرية تتمثّل بتدريب ربات الأسر الفقيرة من ذوات الدخول المحدودة على صناعة البخور لتمكينهن من توفير مصدر رزق لهن. شهرة عدن وتشتهر عدن دون غيرها من المدن اليمنية منذ القدم بتجارة البخور؛ حيث كانت وفقاً للمؤرخين إحدى الطرق الرئيسة للبخور نحو البلدان المطلة على البحرين الأحمر والأبيض المتوسط قبل مئات السنين. وبحسب بلال غلام حسين، الكاتب المتخصّص في الجوانب التاريخية لمدينة عدن؛ فإن بداية ازدهار صناعة البخور في البيوت العدنية ترجع إلى مطلع الستينيات من القرن الماضي في بلدة كريتر وهي أعتق بلدة بالمدينة.. ويضيف: إن تلك الحقبة شهدت بروز العديد من الأسر المصنعة، وكان هناك دلالون لشراء البخور لبيت رجل الأعمال الفرنسي أنتوني بس، ومن ثم كان يُصدّر إلى الخارج، وأن ما يميز بعض الأسر عن بعض من حيث جودة الطبخة هو الخبرة في إتقان بقاء هذا الخليط على النار مدة محدّدة، وجودة المواد المستخدمة التي يعد نوع العود المستخدم هو الأساس الأول لها؛ إضافة إلى العنبر والمسك.