لا يبدو هذا الكوكب المترامي بجغرافيته المتنوعة وحده المتضرر من ظاهرة الاحترار الكوني، ولا يبدو أن تأثيرها على الإنسان مرتبط فقط بتأثيرها على الجغرافيا كتكوين طبيعي، كالفيضانات والزلازل والتسونامي وموجات الحر والأعاصير القاتلة، بل قد يتعدى تأثيرها الطبيعي ما هو أبعد من ذلك، إذ ترصد التقارير الدولية حقيقة تأثير هذه الظاهرة على الصحة البشرية من خلال تفشي جملة من الأوبئة والأمراض الفتاكة التي تشكِّل تهديداً خطيراً على الأمن الصحي للمجتمعات برمّتها. بدأ الاهتمام بهذا الموضوع بعد أن لاحظ العلماء وجود علاقه بين التغيرات المناخية والصحة البشرية، فقد ظهرت مؤشرات هذا التأثير في تقرير لمنظمة الصحة العالمية نشر في أكتوبر 2012م خاصة بعد أن تم رصد وملاحظة وجود زيادة في حالات الوفاة لأكثر من 140 ألف حالة سنوياً كانت هذه الظاهرة هي السبب الأبرز حسب ما تناولته التقارير. منظمة الصحة العالمية وبالتعاون مع هيئة الأرصاد العالمية أطلقت (أطلس) التأثيرات الصحية لظاهرة التغيرات المناخية، حيث تم تسليط الضوء من خلاله على مجموعة من الأمراض ذات الصلة بالتغيرات المناخية، اعتقد العلماء من خلال هذا الأطلس أن تزايد وتيرة حدة الأمراض مثل الملاريا والكوليرا والتهاب السحايا وحمى الضنك على مساحة جغرافية كبيرة كان سببه الأساسي الارتفاع المتزايد لدرجة حرارة الكوكب أوما يطلق عليه في وقتنا الحاضر بالاحترار الكوني أوالانحباس الحراري. الاحترار الكوني تزايد بشكل ملحوظ حسب بيانات الحكومة البريطانية بأكثر من 0.18 درجه سلسيوس، وهذه الزيادة قد ظهرت بشكل واضح بعد أن ارتفعت وتيرة الموجات الحارة على الكثير من المصابين بالأمراض القلبية الوعائية، وهذا الأمر قد جعل بعض الدول الأوروبية تشرع في إنشاء مشاريع لقياس آثار هذا الارتفاع الحراري على الصحة وذلك من أجل اتخاذ التدابير اللازمة والوقائية أو حتى الاستعداد بأنظمة صحية متكاملة لمعالجة الحالات المتضررة. حالات الطقس المضطربة كالفيضانات والجفاف تتسبب في انتقال الأمراض وانتشار الأوبئة، ويكون ذلك إما عن طريق المياه أوالحشرات أوالقواقع، وقد تتسبب مياه الفيضانات أيضاً في ظهور وانتشار عدوى الكوليرا وداء البريميات، وهذا الأخير هو داء منتشر، إذ يعد من الأمراض المعدية حسب تصنيف شبكة العمل البيئية العالمية، وهو أشبه ما يكون بداء الكوليرا. الملاريا هي أيضاً تتأثر بتلك التغيرات، فبعوض الانوفيلية يزدهر أثناء ارتفاع درجة الحرارة وأثناء تقلبات الطقس المطرية التي تتمخض عنها مستنقعات مطرية، وهو ما يسبب انتشاراً كبيراً لهذا المرض حسب ما جاء في تقرير الملاريا العالمي للعام 2011م، إذ ورد في هذا التقرير أن هذا البعوض يتواجد عندما تبرز ظاهرة النينو وهي ظاهرة مناخية تحدث عند ارتفاع درجة الحرارة والفيضانات،مما يعني أن حتمية ظهور وانتشار هذا المرض من جديد في الكثير من البلدان أصبح أمراً متوقعاً في ظل هذه التغيرات والاضطرابات المناخية العالمية. وفي المناطق الأفريقية بالذات برز ما يسمى بمرض التهاب السحايا، وهو من الأمراض سريعة الانتشار والعدوى، وتسببه بكتيريا تقطن في منطقة المخ والحبل الشوكي وتعمل على بناء نسيج أو طبقة تؤدي إلى شل حركة المخ بعد أن تكون قد غطت معظم أجزائه، انتشار هذا المرض دفع بالمجتمع الدولي لتدشين مبادرة أطلق عليها تكنولوجيا المعلومات الخاصة بالمخاطر البيئية المسببة لالتهاب السحايا، وقد تركز مجهود هذه المبادرة في التنبؤ بمخاطرها والحيلولة دون انتشارها. اعتبر هذا التقرير الدولي مرض حمى الضنك المتصدع واحداً من تلك الأمراض الفتاكة التي تسببها التغيرات المناخية، ويعد هذا المرض ضلعاً من أضلاع الإنفلونزا ويتسبب في العادة في نزيف داخلي قاتل، وتكمن مشاكله في أنه أكثر الأمراض الفيروسية انتشاراً وسرعة في العدوى، فقد تم رصده بشكل مكثف في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية نظراً لتكاثر بعوض يطلق عليه الزاعجة وهو الناقل الرئيسي لهذا الفيروس، وتعزى أسباب انتشاره أيضاً إلى ارتفاع درجة الحرارة المتزايد..الاحترار العالمي مشكلة تتهدد الأرض والإنسان معاً، في ظل حرص إنسان الحاضر ومساهمته المتواصلة في إشعال هذا الفتيل الحراري رغبة في تحقيق خطوات تقدمية غير مدرك انه بهذه الخطوات قد يمهد الطريق لنهاية بائسة شديدة الوطأة.