تعتبر مواد بروتينية مفيدة للجسم البشري، إلا أنها قد تتحول إلى مادة سامة وقاتلة خاصة إذا تم التلاعب بها أو إهمالها.. بعد كارثة المفاعل النووي الياباني فوكوشيما قبل عامين تسربت الإشعاعات النووية فأثر ذلك على الكثير من منتجاتها، رغم أن اليابان بلد بات فيه الكثير من الأمانة والإخلاص واحترام البشرية إلا أن أخطاء قد تحدث، وقد لا يكون للإنسان فيها دور متعمد كما حدث في صادراتها مؤخراً، إذ تم اكتشاف بعض الحاويات في موانئ عربية مثل مصر والعراق تحتوي على مواد مشعة أو مصابة بالإشعاع النووي، وقد احدث هذا الأمر ضجة تم على اثرها وقف الشحنات القادمة من اليابان، ويبدو أن اليمن قد حظيت بنصيب من هذه الشحنات خاصة في ظل سوء وانعدام الرقابة على كل المنتجات القادمة. ليس هذا هو المهم الآن ولكنني اعتبره مدخلاً جيداً للحديث عن واردات مهمة تصل بلداننا فنستهلكها دون ادراك لكثير من حقائقها، فكأنما بهذا الفعل نسعى إلى استيراد حتفنا، اللحوم هي غاية ما نريد أن نتحدث عنه، فقد هالني ذلك المنظر الذي رأيته في إحدى حلقات برنامج خواطر 9 عن اللحوم، وادركت من خلال البرنامج أن استيرادنا لتلك اللحوم هو ضرب من الانتحار، فالمشاهد التي تم عرضها لمزارع أبقار تتغذى على بقايا المخلفات البشرية والنفايات قد أرعبتنا وجعلتنا نستشعر مخاطر ما قد ينجم من لحوم مثل هذه الأبقار، وللعلم هنا فإن الغاية من تلك المزارع هي تسمين الأبقار لضمان إكثار منتجاتها من اللحوم، وتلك اللحوم لاشك عندي أن اكثر الأسواق قابلية لاستيعابها هي الأسواق العربية بما في ذلك السوق اليمني نظراً لضعف الرقابة وانعدامها اغلب الأحيان وعدم إخضاع عيناتها للفحص المركزي للتأكد من جودتها. وليس السوق العربي وحده من يتعرض لمثل هذه الواردات فقد سرت فضيحة مزج اللحم البقري بلحوم الخيل في كل أرجاء أوروبا، وأحدثت ضجة كبيرة بصورة جعلتهم يعيدون النظر في منتجات اللحوم الجاهزة، ورغم أن لحوم الخيل لا تعتبر ضارة أو سامة إلا أنه أثناء قيامهم بتحليل عينات من لحومها تبين أنها تحوي آثار (فينيل بيوتازون) وهو عقار ضار قد يؤثر في السلسلة الغذائية البشرية، والمواطن الأوروبي لم يكن يهمه جودة اللحم بقدر ما كان ينظر لمسألة الغش على أنها مسألة خطيرة اذا ما تطورت وأصبحت جزءاً من ثقافه المجتمع. في هذا الصدد عرضت مجلة البيئة والتنمية موضوعاً علمياً في هذا الجانب، تناول خطورة اللحوم المستوردة، وغريب بالفعل أن يصل الغش والتحايل لأهم مادة غذائية بروتينية لدى المستهلك، ففي بعض البلدان يعمد المشتغلون بصناعة وتصدير اللحوم إلى إكثارها رغبة في زيادة الكسب، ولعل ابرز الطرق في ذلك هو إضافة مادة يطلق عليها غراء اللحم، ناهيك عن مزج فضلات في اللحم المفروم، وحقن اللحوم بالماء والمواد الملونة، وبعض الأساليب التي لا تعبر عن أخلاقيات التعامل الإنساني حتى وان كنا لانزال نعتبر تلك البلدان نماذج رائعة في تقدير الإنسان واحترامه. بعض الشركات المنتجة للحوم تعمد إلى وضع مادة غراء اللحم وهي عبارة عن مسحوق ابيض يشبه السكر الناعم ، ليس له طعم أو مذاق، لكن عند وضعه في اللحوم فإنها تلتصق مع بعضها البعض بإحكام حتى تظهر أمام عينيك وكأنها منسلخة من فخذ بقري واحد، هذه المادة التي تسمى علمياً الثرومبيان، وهي أنزيم جاء من بلازما دم الأبقار والخنازير، وهي ماده كيميائية مخثرة تعمل على لصق فضلات اللحوم حتى تبدو وكأنها قطعة واحدة، وهذا الطريقة قد مكنت مصدري هذه اللحوم من استغلال كل فضلات اللحوم وتصديرها كلحوم حقيقية وطازجة..اعتبرت بعض الدراسات التي قام بها بعض العلماء أن هناك علاقه بين غراء اللحم والتسمم الغذائي، فقد اكتشفت تلك الدراسات أن عدد الجراثيم في قطعة لحم مغراة هو اعلى مئات المرات مما في قطعة لحم طبيعية، وهذا ما يبرهن حقيقة ما يحدث من حالات تسمم غذائي نتيجة لاستهلاك مثل هذه اللحوم، وقد منع البرلمان الأوروبي استعمال هذه المادة في العام 2010م، الأمر الذي جعل المستهلك الأوروبي يلغي هذه المادة من قائمته الغذائية والاكتفاء بشراء اللحوم الطازجة المباشرة. اللحوم مواد بروتينيه مفيدة للجسم البشري، إلا أنها قد تتحول إلى مادة سامة وقاتلة خاصة اذا تم التلاعب بها أو إهمالها، فأغلب السموم إنما هي بروتينات مركزة، وأنا إذ أتناول هذا الموضوع أتمنى على الجهات الرسمية المتخصصة استيعاب فكرة أن احترام الإنسان حتى لو كان فقيراً كالإنسان اليمني هو واجب أخلاقي وديني قبل أن يكون عملاً وطنياً، إذ يجب التركيز على هذه المنتجات من خلال فحصها والتأكد منها لمعرفة قابليتها للاستهلاك كما تفعل بلداننا المجاورة ونحن خيرمن يملك الخبرات البشرية المؤهلة لذلك.