إذا وجدت حائطاً يزخر بالعبارات الغزلية ورسومات لقلوب تخترقها السهام، وتذيلها أسماء، تأكد جازماً أنك أمام إحدى مدارس البنات؛ هذه ثقافة تعرفها الحيطان جيداً نتيجة لكثرة الأسرار التي تحتفظ بها يومياً، كما يعرفها أبناء الحي الذين يصبحون كل يوم على عبارة جديدة وشعار جديد؛ هكذا تصبح جدران المدارس هنا بعد ان كستها شخبطات يائسة لطلاب يائسين.. لا تعرف الجدران الشوق، ولم نسمع يوماً أن فلاناً مغرم بجدار ما أو بحائط، اليوم في عصر التكنولوجيا والفضاء المفتوح ربما نسمع عن جدران عاشقة أو ما شابه ذلك، وإلا ما معنى ان تتزاحم العبارات الغزلية والخليعة على حيطان مدارس البنات بالذات ، عبارة “النظافة من الإيمان” التي نلحظها في كل حيطان المدرسة لم تعد تجدي، وكلمات الأدب والأخلاق لم تعد موجودة في أذهان بعض طلابنا، أصبح الأمر يستدعي القلق إزاء ما تتعرض له جدران مدارسنا من تشويه وشخبطات وعبارات تخدش الحياء العام، وحتى لا يقول المجتمع ان هذه الشخبطات تمثل المدرسة وأساتذتها وطلابها، كان لنا أن نتطرق لهذا الموضوع، لنعرف سوياً مخاطر هذه الأفعال. عنف لفظي تعرضت جدران مدرسة نسيبة الواقعة في حي الرقاص في العاصمة صنعاء لشتى أنواع العنف اللفظي، لا تتخيل عبارة إلا وتجدها هنا، ولا تزال بعض العبارات الفاحشة حاضرة في رأسي إبان مروري العام الماضي، حينها والموضوع لا زال يطرقني، اليوم يشهد هذا الجدار طلاء شامل لإزالة العبارات العالقة في أذهان الطالبات والناس أيضاً. - تقول مديرة مدرسة نسيبة للبنات، الأستاذة رضية الديلمي: “كل الكتابات التي تحدث على أسوار المدرسة، تتم من قبل ناس بلا ضمير، ومن قبل طلاب كارهين للتعليم وعندهم فراغ نفسي لا يدروا إيش يفعلوا، فيقوموا يكتبوا على الجدران؛ لا احد هنا يتكلم ،حتى والجدران تضج بالعبارات الفاحشة والفاضحة، يمر موجهو التربية وزوارها إلى المدرسة باستمرار، أولياء الأمور الذين يرافقون بناتهم كل صباح إلى المدرسة، لا يسألون أيضاً، وكأن الأمر لا يعنيهم، المفروض أن توجد رقابة أمنية على المدارس، سواء كانت مدارس البنات أو البنين، وان يكون هناك رادع وعقاب، أي واحد يريد ان يكتب يتم ضبطه ويقومون بإنزال العقاب فيه”. وأكدت الديلمي التي عينت قريباً، «عندما دخلنا المدرسة وثقنا كل شيء، كانت هناك عبارات فاحشة جداً وتخجل منها» سألتها هل وصلتك أية شكاوى من قبل الطالبات، (الطالبة مراهقة) إيش با تقول، بالعكس عد بعضهن تزيد تكتب الرقم وتخطى ما يهمها!، وتحدثت الديلمي عن كتابات وشخبطات تتم على الجدران الداخلية للفصول، نحن طبعا فرضنا عقوبة وعملنا رقابة داخل كل صف، أي طالبة تكتب على الجدران بالقلم تجيب ولي أمرها وتجيب جالون طلاء وتدهن الجدار بنفسها، نحن لا نتدخل، وتضيف: “ان هذه المدرسة مثل بيتها، هل يعقل ان الطالبة تكتب داخل بيتها مثل هذه الألفاظ، لو كل ولي امر يقول لابنته ولابنه قبل ما يخرج من البيت، هذه عادات سيئة، كما أن الإعلام مقصر، ما قد شفته ولا مرة عمل توعية حول هذه القضايا”. طفرة الأخصائية الاجتماعية بمدرسة هائل سعيد انعم نجيبة الذبحاني، قالت: الكتابة على الجدران ما جاءت من فراغ، إنما نقلت الأشياء والرواكد التي داخل قلوب الناس، وعكست الطفرة التي حدثت بعد الثورة وقبلها، وهناك ناس كثير مشتتين بأشياء ويحبون أشياء أكثر من حبهم للوطن، وتتابع: وصل الأمر على جدران المدرسة ان نجد عبارات ارحل يا مدير، أو إذا نقص الطالب درجات أو بقي في الامتحان، نجد الكتابات والعبارات السيئة، يرحل الأستاذ الفلاني. وأضافت: بصفتي أخصائية اجتماعية ادخل أرشد الطلاب، لا آمرهم بحب الوطن، بل اجلس مع الطالب وأقول له “تحب ان تكون البيت حقكم مكتوب كذه، تحب ان تكون غرفة ماما وبابا مكتوبة كذه، تحب ان يكون المجلس الذي يحضروا فيه الناس مكتوب كذه، باب البوابة التي أنت تجلس فيها كذه، بدأت معه بالتسلسل، الطالب شعر بالندم، فجابوا التينار ونظفوا وجابوا طلاء وبدأوا يطلوا الجدار، وجابوا الكلوركس وغسلوا قاعة الصف”. ضغوطات نفسية المشرف بمدرسة هائل سعيد ،الأستاذ زكريا يحيى الصلوي، قال: هناك عدة أسباب للكتابة على الجدران منها شخصية ومنها أسرية، ومنها ضغوطات نفسية عملت على إثارته، أو هيجان نفسي، والبعض نتيجة لوجود عمليات حقد أو عداء ضد أشخاص معينين، فيقوم بالكتابة عليهم، وأضاف: اذا ضبط الشخص في نفس الوقت وهو يكتب، يتحمل تكاليف طلاء المكان وتنظيفه، بالإضافة إلى عقوبات إدارية على حساب نوع الكلام. - وأضاف: الكتابة على الجدران موجودة لكن لا تحصل الشخص الذي كتب إلا بعد ان نبحث القضية من أطرافها، عندما نعرف الأشخاص نروح نسأل عليهم في مناطق سكنهم، بطريقتنا الخاصة عبر أصدقائهم، نعرف ما هو الشخص كيف وضعه في المنزل، كيف وضعه في منطقته، سألته :هل تتخذون أي إجراءات بحقه ؟ قال: ما نستعجل في الأمر لأن في مثل هذه القضايا تحصل ردة فعل قوية من قبل أولياء الأمور، المعالجة تتم على حسب العمر.. الطلاء ليس حلاً تقول أم محمد - إحدى سكان حي الرقاص -«إعادة الطلاء ليس حلاً؛ الحل بأن نعيد تأهيل نفسية هؤلاء العابثين الذين يشوهون صورة التعليم في المجتمع ، وتضيف : من يكتبون على الجدران هم نفسهم من يتركون غرف نومهم بدون ترتيب أو تنظيف، ومن يخرجون من البيت دون ان يجلبوا أكياس القمامات، وان جلبوها يرمونها في الرصيف، وهم نفسهم من يؤذون الفتيات في الشوارع العامة، وهم نفسهم من يذبلون القات إلى الرصيف بعد مضغه، هؤلاء يتطلب مراكز تأهيل اجتماعية لتأهيلهم نفسياً ليقدروا حقوق الآخرين وواجباتهم ، ويقدروا الحق العام للمواطن والوطن». تلجأ اليوم بعض المدارس الحكومية والخاصة إلى طلاء جدرانها بالألوان والرسومات الهادفة خوفاً من الاعتداء عليها، من قبل أشخاص لا يقدرون ثقافة الجدران ولا يعجبهم أن تبقى هذه الجدران نظيفة ، لكن في مدرسة نسيبة يحدث العكس، رغم ان جدران المدرسة أعيد طلائها بتمويل من قبل مديرة المدرسة إلا ان العبارات العشوائية ما زالت تجد طريقها، وهو ما نعده هنا حالة مستعصية عن الفهم، نحن نلاحظ ان الجدران اذا لبست ألوانها يحترمها الجميع لكن هذا لم يحصل هنا، نحن نوجه رسالة إلى الجهات المختصة أن تقوم بواجبها تجاه هذه القضايا وأن تفرض حلولاً لتجنب مثل هذا العبث والهدر المستمر لقدراتنا المالية والنفسية.