في أنحاء البلد ينتشر أكثر من 4 آلاف مقهى إنترنت – بحسب إحصائية منتصف العقد الماضي - ثلثها موجود داخل الأمانة , يليها تعز والحديدة وعدن .. توضح التقارير أن معظم هذه المقاهي تفتقر لأبسط الاحتياطات الأمنية , فقبل عدة أعوام قضى 3 من الشباب المراهق صغار السن نحبهم حرقاً داخل مقهى إنترنت بحي هائل وسط العاصمة إثر ماس كهربائي امتد للشبكة ليشعل حريقاً بأرجاء المقهى فيما نجى أخرون بأعجوبة قبل أن تفتح الشرطة تحقيقاً وتحيل مالك المقهى للنيابة .. يعتقد علي اليساري 55عاماً. ويعمل مدرساً أن التكنولوجيا في النت ووسائل الاتصال فرضت نفسها على المجتمعات ولم يعد من المجدي مناقشة تقبلها من عدمه لكن الأهم هو كيف نتمكن من استغلال فائدتها على الأقل في محيطنا الأسري الضيق الذي نحن فيه مسؤولون عن أبنائنا, مشيراً إلى أن تقدم هذه الوسيلة تعدى الكلام عما كان يرفع من شعار حول حماية أجيالنا من خطر الغزو الفكري و الثقافي القادم من الغرب, والذي كنا نردده ونسمعه كثيراً قبل حلول الألفية الجديدة .. حسين شاب في ال 19 من العمر يضطر لمغادرة بلدته الريفية الواقعة بمديرية خولان شرقي العاصمة بهدف ارتياد مقاهي النت لأوقات طويلة اعترف لي أنه أصبح مدمناً على الإنترنت ويتابع : أشعر عند دخول النت أنني أبحر في عالم مخملي رائع من خلال التواصل و التصفح ,حتى لم أعد أهتم عند مغادرتي المقهى بالواقع على ما به من قسوة وألم , يظل عقلي شارداً بتلك الأمور التي شاهدتها و أرغب في مشاهدتها خلف شاشة الحاسوب .. برأيي أن هذا الشاب الصغير العمر لا يدرك أنه وقع ضحية حالة انتكاس نفسي, و التجاذب بين الفضاء الرقمي المخملي الذي يوفره الأنترنت وبين الواقع الذي يطل بقسوته وكثير من الجوانب التي تنعدم بها المثاليات حال مغادرته الفضاء الرقمي و عودته إلى الواقع المحيط بتفاصيله اليومية المتشعبة و المعقدة. قد لا يرغب هذا الشاب أن يجد نفسه في موقف مماثل لتلك الأم التي اندفعت من خلف الباب الزجاجي المؤدي إلى قاعة أحد مقاهي النت شمال العاصمة و الدموع تنهمر من عينيها , تشكو اثنين من أطفالها أكبرهم لا يتجاوز12 من العمر , قيامهما بسرقة مبلغ مالي بنحو 10 آلاف ريال من أحد الأدراج داخل المنزل بهدف إنفاقه على ألعاب الفيديو التي يوفرها المقهى , تقول : ذلك المبلغ إدخرته بعد جهد ولا أجد غيره .هل يرضيكم أن يتم تبديده على الألعاب بالمقهى ؟ تناشد المحاسب بالمقهى وكان هو الآخر في سن المراهقة بعدم السماح لهما دخول المقهى. يرد عليها: أنا لا دخل لي في هذا الأمر, المحل فتحناه لطلب الرزق وليس لفتح تحقيق مع الزبائن عن هوية الفلوس التي يدخلون بها للمحل. كسيرة الفؤاد تغادر الأم المقهى, و قد بدا أن الصغيرين الشقيين شعرا بقدومها للنت فأثرا التواري تجنباً للاصطدام.. السرقة لأجل النت قد تبدو وموضة , بعد أن كان في الماضي الصغار يسرقون قدراً محدوداً من المال على ذويهم بهدف الحصول على الجعالة ! يؤكد لي عادل , وهو مالك لمقهى إنترنت في حي الجراف شمال العاصمة أن معظم مرتادي المقهى هم أطفال و شباب مراهقين يقبلون على ألعاب الفيديو يقول بحزم : صحيح نحن فتحنا المقهى للكسب , لكنني أرفض تماماً مشاهدة تلميذ بالزي المدرسي يترك فصل الدراسة ويأتي للمقهى, وأرى من الواجب عدم السماح له بالدخول للمقهى لأن الأمر يتعلق بمستقبل الأجيال و البلد, واستغرب عدم حرص بعض أولياء الأمور مراقبة أبنائهم و معرفة عما إذا كانوا بالمدرسة أم في أي واد آخر !! في سياق متصل يضيف عادل الرقابة على المواقع سطحية من الجهة المزودة للخدمة وهي لا تواكب التطورات في عالم الاتصال الرقمي, البعض يخترق الحظر على المواقع المخلة بالقيم و الآداب لكن لدينا في هذه المحلات صلاحيات توجيه إنذارات لمتصفحي المواقع المخلة وخاصة الأطفال و المراهقين حتى يقوموا بالانتقال لمواقع أخرى غير مسيئة.. و يتأثر صغار السن على نحو خاص بالصور الخادشة للحياء في مواقع النت, وكذلك بالعنف المفرط ببعض ألعاب الفيديو بالمقاهي, وهناك من الأطفال دون ال12 من العمر لديهم بريد إلكتروني و صفحات تواصل على الفيسبوك , وليس معلوماً كيف يستخدم أمثال هؤلاء تلك الروابط و مع من يتحدثون ويتراسلون, ولكن ثبت في اكثر من واقعة أن التواصل على النت و الشات كانت سبباً في تدمير مستقبل فتيات دون عمر الرشد يتراسلن وراء الحيطان بالمنازل مع شباب نوعية « هشك بشك» قبل أن يكتشف الآباء لعنة الفيسبوك داخل بيوتهم .. قال المحامي و الناشط الحقوقي جمال الدين الأديمي أن القانون الأميركي يحظر على الصغار دون عمر البلوغ اقتناء بريد إلكتروني على الشبكة العنكبوتية, ولنا أن نفهم السبب وراء هذا الإجراء الذي يحافظ على الصغار من الاستدراج أو التعرض للاستغلال .. يضيف : مقاهي النت في اليمن تسودها العشوائية يرتادها الصغير قبل الكبير دون ضوابط , ويتصفحون للمواقع , دون حسيب أو رقيب , الكرة بملعب الجهة المزودة للخدمة بتفعيل برامج حظر المواقع المخلة بالحياء العام، وتطويرها , فهي متقادمة أما المقاهي فيفترض أن تكون هناك ضوابط وشروط تنظم عملية تواجد الفئات العمرية, ولا نتكلم عن ضوابط الاستخدام ؛ فقد يفهم الأمرعلى أنه تقييد للحريات والرأي ويجير بدوافع سياسية كتهمة, لكن نقول بمسائل احترام القيم والخصوصية الثقافية للمجتمع إذا ما أردنا على الأقل حماية هذا الجيل من مزالق الانحراف والوقوع في أخطاء قد تتهدد حياتهم ومستقبلهم .. في السياق تظهر تصريحات المهندس عامر هزاع المدير العام للجهة المزودة لخدمة الأنترنت« تليمن »تفنيده عدم وجود نظم حظر للمواقع المخلة بالآداب العامة, مؤكداً أن هناك اتفاقات مع شركات أوروبية لتطبيق هذه المسألة, لكنه يحمل مكونات المجتمع كالأسرة ومؤسسات التعليم والتوعية جزءاً من المسئولية في عدم مراقبة أو توعية الأبناء على السلوك الإيجابي النافع لاستخدامات الأنترنت .