قوام المرأة من الأشياء التي وقف عندها الشعراء طويلاً، وخاصة شعراء الأغنية- الفصيحة والعامية – على حد سواء.. فعندما تناولوا هذا الملمح الجمالي ، وأشاروا إليه كانت هناك نقطة هامة يتفق حولها الجميع وتكاد رؤيتهم لها أن تكون واحدة وهي “الرشاقة” باعتبارها عنصراً جمالياً يلعب دوراً غير عادي في إعطاء المرأة الشكل المتسق الجذاب وهو الأمر الذي فجّر قرائح الشعراء، شعراء الأغنية فراحوا يتفننون في الوصف والتصوير, فتناولوا كل الأشياء الجميلة التي تتقاطع مع المرأة في خط من خطوط الجمال، أو ما كان بينها وبين المرأة قاسماً مشتركاً.. فراحوا يشبّهون قوام المرأة تشبيهات عديدة، فكلما كان القوام رشيقاً زاد رقة وجمالأً، ولعل أمير الشعراء كان محقاً ودقيقاً في الوصف حينما قال: غصنُ بانٍ كلّما عاتبتهُ أخذته رقةٌ فانعطفا ففي الأغنية اليمنية ما يشبه هذا الوصف، وستكون لنا وقفة عند نماذج بديعة لشعراء أشاروا إلى قوام المرأة أكدوا جميعاً أن جمال المرأة يُختزل في رشاقتها واعتدال قدّها، وهذه ناحية اتفق عليها الشعراء منذ زمن بعيد، وهناك شواهد كثيرة في الأغنية اليمنية على صدق ذلك.. فهم عندما يصفون قوام المرأة فإنهم يتناولون ما هو مشابه ومساوٍ للقوام الرشيق بغير إفراط.. فتجدهم يشبهون قوام المرأة بالهلال تارة وبالغصن تارة وبالسهام والرماح تارة أخرى ، وهناك مئات الشواهد في هذا الجانب ، وهذا يدل على أن رشاقة القوام من الأمور المحبّبة إلى النفس كثيراً فلم نسمع في أغنية أو نقرأ في قصيدة شعراً يستلطف ضخامة الجسم وبدانته عند المرأة، فبدانة المرأة مسألة لم تثر فضول الشعراء والعشّاق في يوم من الأيام.. ومع مرور الأيام وازدهار الاغنية اليمنية استطاع بعض الشعراء المعاصرين الأفذاذ أن يوجدوا قاموساً يتسع لكل المفردات والأوصاف فقالوا: يا (سمهري القامة)، يا (غصن لابس قميص)، (خطر غصن القنا)، ومثل ذلك كثير، وكلها أوصاف لرشيق القوام الذي يساوي الغصن رقةً واعتدالاً وله ما للهلال من بهاء ورقة ورشاقة.. وبداية سنورد مجموعة مقاطع من قصائد مختلفة للشاعر أحمد فضل القمندان يصف فيها القد الجميل ويشبهه بالرمح وبالغصن فيقول: بالقامة الباني والسيرة المشلوح”1” والمبسم القاني بجعدع امتانه سايل سين مطروح”2” والحاجب النوني يابوي من هجرك صابر ضنى باروح يابوي ياهوني”3” يا علي امحنا يا غُصين البان سل ما في قلبي من الأشجان يا مهفهف “4” يا فل في البستان يا جنا بالباكر من البستان وهذا مقطع من قصيدة اخرى يقول فيه:- رشيق القدود يا رمح غسّاني ويا غصن رغدود ضياء الوجود يا بدر شعباني على كل موجود وطبعك يسود يمين لولا الشرك لا قول معبود حينما يختال جميل القوام ويتثني ويمشي الهوينى كأن وقع خطواته نقر في القلب فيضطرب القلب وتزداد دقاته وخفقانه ولهاً بهذا الايقاع المنتظم المتناغم، فخطواتها في انتظامها كأنها تقاسيم لحن جميل ومتسق الرنات والنغمات.. وهذا ما عبّر عنه شاعرنا المبدع محمد عبده غانم في قصيدة “أهيف” التي غناها الفنان أبوبكر المعنّى:- أهيف يختال بقد جميل خطوه ألحان الدنيا ترقص له وتميل زيّ النشوان مر بي مره والنسيم يسري خطرته خطره وهو لايدري أه لو تدري كم أخاف منه لما يتلوّى هل دري إنه في الهوى بلوى أه لو يدري قلت يا أهيف ياكحيل العين أه لوتعرف أيش يسوّي البين أه لو يدري وفي قصيدة “يا سلام سلّم “ يقول محمد عبده غانم:- يا سلام سلّم على القامة الرشيقة في ملاحتها.. ودنياها الأنيقة في دلالها.. في معانيها الرقيقة يا سلام سلّم على قامة حبيبي والشاعر القاضي أحمد بن عبدالرحمن الآنسي له بصمة واضحة وقدرة عجيبة في الابداع وحسن الصياغة وجزالة اللفظ ورقة المعنى . فبعض مقتطفات من قصائد مختلفة له كفيلة بإبراز هذه المقدرة والبراعة في التشبيه والتصوير فيقول:- وخصر من شانه ضمور السقام وخلقته في الأصل ضامر له بالكثيب الفرد أقوى التزام وإن تحمّل حمل جائر لك قوام ممشوق وطلعة بهية ولك من الاعتدال والاستواء ما يجعلك آية في الجمال والرقة.. لذا لا غرابة - وأنت تحظى بكل هذا الحسن – أن تنحني لك الأغصان المائسة ،ويرتمي تحت قدميك كل من يطالع هذا الجمال النادر.. هذا ما عبّر عنه قول القاضي احمد بن عبدالرحمن الآنسي:- والغصن يا أهيف قد سجد لك ودان بالحسن لك قاضي وداني فاعطف على مضناك ياغُصن بان إن كنت للإحسان باني إن كان ودّك قد تغيّر وحال أما أنا ماحال حالي”5” وفي قصيدة أخرى يقول:- دلا دلا بالشجي ياغصن مايل الرق عاد له أجل إن مقصدك تقتله بالحب ماهو مقاتل ولا يهاب السقل”6” - ويقول في قصيدة آخرى ايضاً:- ما لغصن الذهب مولى البنان المخضّب جوهري الشنب”7” بدر الكمال المحجّب قلت لما خطر يا ناس ما أحلى الذي مر ذا شقيق القمر أم ذا ضيا كل غيهب سمهريّ القوام من مر في بعض الايام وبخل بالسلام واعرض وولّى وجنّب ويقول أيضاً:- يا خل لا تسمع العاذل لأن حسسنك سلب عقلي وقدّك المائس العادل قد جار في الحكم يا خلّي تهز من قامتك ذابل قد شارك اللحظ في قتلي وهناك مقطع جميل من قصيدة “خطر غصن القنا” الغنائية للشاعر مطهر الإرياني.. يختزل مشهداً ربما يكون الشاعر مطهر الارياني .. عاشه أو تخيّله فقد كان يمشي بأمان الله وفجأة يداهمه خطر مُحدق، فتنهال عليه سهام أهيف مرّ بالقرب منه وتصيبه في قلبه.. خطر غصن القنا وارد على الماء نزل وادي بنا ومر جنبي وبا جفانه رنا نحوي وصوّب سهامه واعتنى وصاب قلبي أنا يا بوي أنا وللشاعر الفضول رائعة نصطبح بها في بكرة كل يوم جميل.. فهذا أهيف يخطر في الصباح الباكر بخفة ورشاقة يسبي القلوب وينتزعها من الأعماق.. بكّر غبش ساني القوام أهيف لا طارح الخُنّة ولا مُشرشف يسبي القلوب في نظرته ويخطف وللأستاذ/ عبدالله هادي سبيت مقطعان من قصيدتين غنائيتين يشير فيهما إلى القوام الجميل وما يمكن أن يحدثه من ردة فعل على من يشاهده فيقول:- من قامته يا بوي قلبي رجف رجفة من سيرته يا بوي كلّه حلا وخفه ويقول:- رشيق القوام أفديك أفدي الخدود النديه كفاية خصام بحق السهام ذي صابت القلب من غير نية ودقّت عظام بحق الحسام في مفرقك ذي قصمني سوية حياتي ظلام ------------------------------------------------ الهوامش:- 1 المشلوح: المشية بدلال. 2 مطروح: منساب على ظهره. 3 يابوي ياهوني: وا أسفاه كم أصبحت مُهتاناً. 4 المهفهف: رقيق الإحساس. 5 أما أنا ما حال حالي.. أي مازلتُ على عهدك بي لم أتغير. 6 السقل: السيوف الصقيلة. 7 الشنب : المقصود به الفم ذو الأسنان البيضاء اللامعة. [email protected]