سنوات تلك التي غادر الوطن فيها.. مساحتنا وتناسى مجمل روائعنا وجماليات حدائقنا وتنكر لصوت العندليب وامتسح من جدران شوارعنا رسوم أحلامنا وأفزع رفوف مكتباتنا من كل أوراق قصائدنا وجفف من الأنهار منابعنا... ورأى في الابداع مشاهداً تحرك دوافعنا وتلهب فينا مشاعرنا.. فاجترها نحو مذلته فحاصرها حتى غدت محطمة لا يتجاوز حد طوافها اليومي عند حدود البحث عما يسد رمقها لتعيش فقط حينها تركها لتفترش الطريق وتلتحف وطن يحقر الابداع ويغتال من يريد له الحياة ويزرع في شرفته ورده. رمز ابداعي لم يأت رمزي شائف الحكيمي إلى الحياة مبدعاً.. لكنه كغيره من أبناء هذا الوطن الذين دفعتهم الحياة إلى اختيار مسار حياتهم فكان من أولئك الذين لم يولدوا وفي أفواههم ملعقة من ذهب قدر ما كان ممن افترش الفقر محيطهم وترك لهم أن يحددوا أياً من الطرق التي سيمضون بها.. طريق العمل المبكر لمواجهة مطالب الحياة.. أو الصبر على معاناته واختراق حواجزه لبلوغ غاية في النفس.. وكان في الأخير خياره فدرس الابتدائية والإعدادية بقريته.. قبل أن يكون طالباً في معهد المعلمين بعصيفرة... بعد انتقاله على المدينة وتجاوز أهم مرحلة في حياته موقناً أنه قد وضع أساس للبنة المستقبل الذي من خلالها سيمضي في اتجاه تحديد مساره.. لكنه كان مطالباً قبل أن يلج إلى معترك الاستقلالية في اتخاذ قراراته الذاتية التي ستأتي عبر بوابة تكوين شخصيته من خلال العمل كان عليه أولاً أن يؤدي واجباته الوطنية في الخدمة الوطنية وطوال عامين قضاهم بتلك الخدمة أصبح مدخله إلى الوظيفة العامة ميسراً.. ويقول رمزي الحكيمي التحقت بعد أن أديت الخدمة الوطنية بوظيفة عامة بمكتب التربية والتعليم بتعز وتم تعيني في قسم الإعلام التربوي.. مع الزملاء عبدالجليل السفياني وصادق السامعي كنت مشغوفاً بقراءات الكتب الأدبية يمنية وعربية وكذا الأدب الأجنبي المترجم إلى العربية.. فكون لدي معرفة وتعمقاً بهذا الأدب وبدأت كتاباتي تأخذ مساراتها في العديد من الصحف الوطنية وفي مقدمتها صحيفة الجمهورية بين مقالة وشعر لكني كنت أجهل أن الابداع الأدبي والشعري له من يناصبه العداء فكانت حكايتي. بداية ونهاية المرحلة ويقول رمزي ومن غير مقدمات وجدت نفسي كلما ذهبت لاستلام راتبي نهاية كل شهر أجده مبتوراً ومسلوبا منه تارة ربعه وأخرى نصفه واستمر حال البتر الذي أبحث في دهاليز باتريه عن الأسباب...لن أجد من يقنعني عن مبرر قانوني استمدوا منه شرعية أعمال البتر التي مارسوها مع راتبي.. وكلما أفشل في استجلاب أمر صريح من القيادة التربوية تمنع ممارسة أعمال البتر والتبتير لراتبي... كان الباترون يواصلون طقوسهم في سلخ معاشي حتى وصل بهم نهاية المطاف إلى اختطافه من إسمي الذي اختفى من كشوفاتهم... ليصل الأمر بهم إلى إسقاط درجتي الوظيفية المكتسبة بحق وشرعية المواطنة لقد كانت تلك الفترة أشبه بعصر الديناصورات التي تقضي على كل من حولها.. وممن لا حول لهم ولا قوة أمام غطرستها.. تراكضت قدماي طويلاً في كل الجهات ذات العلاقة بهذا الأمر في سبيل استعادة حقي بالدرجة الوظيفية المسلوبة بغير مسنود قانوني وعندما أدركت أن أبواب أنصاف الحقوق ورفع الظلم عمن طالهم ممن نصبوا أنفسهم سادة على الوظيفية العامة.. غادرت مسرح الادعاء بأني مواطن يمني يضمن له الدستور والقوانين حقه.. وأدركت أن المواطن الذي لا تقف خلفه قبيلة أو عشيرة أو حزب باسط على مفاصل القرار لا يمكنه أن يدعي أنه يملك الحق في وطن لا يزال يرفض كل من ينسب حقوقه وقوتها إلى الدستور والقوانين لقد شكل ذلك لي وضعاً نفسياً مرير.. لم أجد معه من قدرة تنتشلني من حالة الاحباط التي وقعت بها حاولت مواصلة كتاباتي.. واشعاري ونشرت كثيراً منها بالصحف والمجلات ووجدت من يطالبني من الفنانين ببعض القصائد الغنائية ليغنوها فكانت الفنانة نجيبة عبدالله التي غنت لي قصيدة بعنوان “واحب” وأخرى عنوانها “محسنك” غناها.. الفنان عبده يحيى علوان وثالثة بعنوان “قلبي تعب” غناها الفنان أحمد مهيوب.. بينما القصيدة الرابعة كانت بعنوان “هم هكذا” غناها الفنان أحمد راوح لقد فتحت هذه القصائد الغنائية بوابة أمل جديدة لي بالخروج من دائرة الاحباط ووجدت نفسي أُستضاف في مقابلات فنية ومكنتني من توسيع دائرة كتاباتي في الجمهورية ومجلة معين والأسرة والتنمية وملحق الثقافية وصحف أخرى.. لكن الأمر ما لبث أن توارى فأعادني إلى حالة الاحباط الشديد الذي أفقدني كثيراً من قدرتي على التوازن نتيجة للظروف المعيشية وغياب ما يمنحني استقرار النفس وسكينة الجسد.. ليصبح الشارع موطنا في وطن يقتل كل مبدع أو يستزيل من مكونه الإنساني الشعور بالإحساس من أنه إنسان. لن أنسى له الجميل ويضيف رمزي لقد حاول بعض الزملاء أن يعيدوني إلى توازني من خلال زرع بذور الأمل إلى حياتي.. بمواقفهم الإنسانية وكذا بتحركهم لدى محافظي تعز الحجري وابو راس في سبيل اعادتي إلى وظيفتي بالتربية والتعليم فكان.. فكري قاسم وعماد السقاف وعبدالرحمن الجعفري ومحمد عبده سفيان لكنهم كانوا يصطدمون بمكتب التربية برغم الأوامر الصريحة من المحافظين في إعادتي إلى وظيفتي كحق لا يتوجب اسقاطه دون مستند قانوني.. كما هو تقديري للزملاء صلاح الدكاك وتوفيق الزغروري لموقفهما من دعمي بهذه الظروف التي أمر بها. رسالة لقد عانيت من الظروف القاسية التي لا يمكن للإنسان أن يحتمل آلامها.. ومتاعبها وحتى جوع الأيام ولفحات البرد وقسوة الصيف وحراراته كل ذلك يجعلني استحضر هنا اسم رجل أدرك سلفاً من أنه لن يدعني أموت على ناصية الطريق وقد ظلمني من ولّاهم قانون الغاب حق استبعادي كما ظلمتني الحياة بما احاطتني به من نفوس لأستحس بمشاعر وأحاسيس من تدور به المعاناة حولهم رسالتي للأستاذ شوقي أحمد هائل محافظ محافظتنا تعز وأناشده بأن يحمل بيدي وينتشلني من براثن الأوجاع ويعيد لي حقي بالدرجة الوظيفية بالقسم الإعلامي بمكتب التربية فعشمي به نابع من إداركي أنه راع للمبدعين والابداع.. أني أبحث فيك أن تعيدني إلى دائرة الحياة حتى أعيد إلى مسامعكم أغنية “واحب” واستزيل من طريقي أغنيتى “قلبي تعب” وارسم للشعر قصيدة تغنيها بواعث الأمل لتبقى أنت آخر بوابات الأمل..