ظاهرة التحرش غدت تتفشى في كثير من المجتمعات المتخلفة والمتحضرة ولم تعد تقتصر على أي بلد من بلدان العالم بحد ذاته بل انتشرت في مشارق الأرض ومغاربها وكأن ريحاً صرصراً عاتية بعثرتها هنا وهناك وبكل اتجاه لتصل إلى مجتمعنا العربي المتحفظ والمتمسك بوتيرة من القيم والأخلاق في ديننا الإسلامي..من المؤسف أن الظاهرة تفشت في الآونة الأخيرة كأنه تيار جارف من القلق والخوف المتصاعد في حياة المجتمع عندما تفسخت الأخلاق وتحول البعض إلى أشبه بحيوان يبحث عن فريسة فكان التحرش يمارسه الكثير وبأنواعه المختلفة اللفظي والحسي والجسدي وهذا له علاقة مرتبطة بثقافة الذهن الذكوري وبنظرته الدونية إلى الأنثى مع إغفال دورها الفعال في المجتمع وكإنسانة لها حقوق وعليها واجبات. إن النظرة إلى المرأة نظرة قاصرة كعورة وظيفتها التي خلقت لأجلها لا تخرج عن إطار الأربعة الجدران للبيت ونطاق الخدمة العائلية فحسب تعد أحد أسباب تفشي هذا الأمر الذي جعلهم يرون المرأة عورة وخروجها للحياة يعطيهم الحق بالتحرش بها ولو من خلال مزحة تحمل معاني للتقليل من شأنها.. كذلك من الأسباب الرئيسية البطالة والفقر حيث يكثر العاطلون عن العمل والمتسربون من المدارس وبالتالي يغدون كمتسكعون في الشوارع والأرصفة والأزقة وبجانب مدارس البنات باحثين عن ما يملأ فراغهم والمرأة هدفهم وشغلهم الشاغل لمضايقتها والتحرش فيها. ومما زاد الظاهرة انتشاراً سكوت المرأة وتغاضيها بكونها وسط مجتمع متخلف يحملها مسؤولية ما يقع عليها من أذى فكم نسمع أصواتاً ذكورية تدينها بذلك تحت مبرر لو أنها لزمت البيت وانزوت بأركانه لما حصل ما حدث والى متى ستظل الفكرة هامدة ومستوطنة العقول المتخلفة؟ فينبغي الحد من هذه الظاهرة من خلال تعميم ثقافة صحيحة من حيث النظرة الذكورية للمرأة وتنطلق أولاً من خلال التربية الأسرية في طريقة التعامل بين الأشقاء والشقيقات وفي المدرسة بين الزملاء والزميلات وفي الجامعات وأماكن العمل وفى كل مطارح الحياة المشتركة بين الجنسين, فمتى اقتنع الرجل بأن المرأة شريك له وأنها لا تقل عنه مكانة وبذلاً وعطاء وتضحية وأنها ليست دمية للتسلية وإشباع الرغبة وميول شيطاني مريع.. وقتها ومن دون شك سنتقدم خطوة إيجابية إلى الأمام لأن المرأة لا تقل كدحاً وشقاء ومثابرة من الرجل لأجل خدمة الإنسان والوطن.