نزولاً عند طلب الأخ نادر في كونه يريد الرد العلمي، وقبل ذلك كله دفاعاً عن حديث وسنّة رسولنا الكريم، أقول وبالله التوفيق: سأبدأ بالرد من كون الروايات متعارضة في سبب ورود الحديث (لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة) بحسب زعمك، أن سبب ورود الحديث قيل عند تولّي ابنة كسرى، وقيل عند تولّي ابنة ذي يزن، وقيل ابنة أحد ملوك الأعاجم، ولا يمكن الجمع بينها بحال بحسب زعمك: فأقول: ورد في البخاري والسنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة» عندما ولّوا ابنة كسرى ملك فارس، وورد فقط في مستدرك الحاكم نسبة تولّي المرأة لذي يزن، ولا شك أن ما في البخاري والسنن مقدّم على غيرهما عند التعارض كونها أصح وأكثر طرقاً، فالترجيح بكثرة الطرق وبأصح الروايات مشهور عند العلماء لا الكتُاب الصحافيين.. أما الرواية الثالثة فإنها وردت في أحد ملوك الأعاجم، فلم أطّلع عليها، وإن وجدت بحسب قولك، فالترجيح بالقول إن الرواية مجملة (أحد ملوك الأعاجم) وما في البخاري مبينة (ابنة ملك كسرى) فيحمل المجمل على المبين، طبعاً هذا الجمع أيضاً مشهور عند العلماء لا الكُتاب الصحافيين. أما قولك: الروايات “تصادم أسباب الورود مع المذكور في كتب التاريخ المعتمدة” فلي معك وقفتان، الأولى: كيف تصف كتب التاريخ بالمعتمدة، يا ترى من اعتمدها..؟!. وهل تقيس ما في كتب الحديث من روايات مسندة مفحوصة ومنقّحة ومتكلم في كل راوٍ فيها تعديلاً وتجريحاً، تقيس ذلك بكتب التاريخ التي فيها الغث والسمين والصحيح والضعيف والموضوع، بل إن مؤلفيها لم يشترطوا حتى مجرد الصحة لما ينقلون كما ذكر الطبري، لكن أعذرك لهذا القياس كونك كاتباً صحافياً، والمصيبة العظمي أنك تجعل هذا التعارض المزعوم واقعاً، وتقدم كتب التاريخ وترجحها على كتب الحديث المسندة، ولكن هنا حتى الكاتب الصحافي لا يمكنه فعل ذلك؛ فلا أدري بم أصفك. الوقفة الثانية: ليس في الحديث ذكر اسم المرأة التي تولّت، بل الذي ذكر اسمها هو ابن حجر اجتهاداً منه، فكيف تجعل كلام ابن حجر كالنص أو جزءاً من النص لترد به الحديث أيها الكاتب الصحافي..؟! وعلى افتراض كلام ابن حجر وقوله إن المرأة سمها بوران، فقد ذكر الطبري في تاريخه أنها تولّت في غير زمن عمر ابن الخطاب بل قبله بسنوات؛ وإليك النص: ثم ملكت بوران بنت كسرى أبرويز بن هرمز بن كسرى أنو شروان فذكر أنها قالت يوم ملكت البر أنوي.. وكان ملكها سنة وأربعة أشهر، ثم ملك بعدها رجل يقال له جشنسده من بني عم أبرويز الأبعدين وكان ملكه أقل من شهر، ثم ملكت آزرميدخت بنت كسرى أبرويز بن هرمز بن كسرى أنو شروان ويقال إنها كانت من أجمل نسائهم وإنها قالت حين ملكت منهاجنا منهاج أبينا كسرى، وكان ملكها ستة أشهر، ثم أتي برجل من عقب أردشير بن بابك.. وقيل إن الذي ملك بعد آزرميدخت خرزاذ خسروا من ولد أبرويز.. قالوا ملك بعد آزرميدخت كسرى بن مهراجشنس.. وكان ملكه ستة أشهر.. وساغ الملك ليزدجرد.. ضعف أمر مملكة فارس واجترأ عليه أعداؤه من كل وجه وتطرفوا بلاده وأخربوا منها وغزت العرب بلاده بعد أن مضت سنتان من ملكه وقيل بعد أن مضى أربع سنين من ملكه، تاريخ الطبري 1/ 493 وما بعدها. ففي هذا النقل عن إمام المؤرخين الطبري يفيد أن ملك بوران كان قبل فتح العرب والمسلمين لبلاد فارس بسنين، ولو حسبت كل أولئك الملوك بعدها لوجدتها أكثر من ثلاث سنوات مما ذكره الطبري مع كونه لم يذكر سني بعض من تولّى بعد بوران، ومعلوم أن وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كان 11 ه وبداية فتح بلاد فارس كان 14ه وعليه لو أنقصت 14 - 11 = 3 سنوات بمعنى أن النبي قال ذلك الحديث في آخر حياته صلى الله عليه وسلم، هذا مع إهمال حساب بعض من تولّى بعد بوران ممن لم يذكرها الطبري، وبهذا يبطل اكتشافك أيها الكاتب الصحافي أن ملك بوران كان في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذلك من أوثق كتب التاريخ وأعرقها. وفي نهاية المطاف أنصح كل كاتب صحافي بأمانة البحث العلمي، وتعلّم العلم الشرعي قبل البحث العلمي والتصدر لمسائل هم أعجز عن فهما أو بحث جزئياتها فضلاً عن الترجيح فيها.. والله أعلم.