شاركتُ الأيتام احتفاءهم في اليوم العربي لليتيم، الذي أقامته جمعية قطر الخيرية وشركاؤها في اليمن، بتكليف من الأخ رئيس الوزراء، ونيابة عنه.. أجد نفسي مع الأيتام، وأقترب منهم ما استطعت، لأقول لهم بشكل مباشر وغير مباشر بأن الله لن يتخلى عنهم, وقد كنت ذات زمن واحداً منهم...وأؤكد لهم بأن الله سيقيض لهم وقت الحاجة الإسناد وأصحاب النفوس السوية والخلق القويم.. وقلت لهم بأن اليُتم غالباً ما يصنع الرجال الأقوياء والنساء العظيمات.. وقديماً قيل: «الأيتام يقودون التاريخ».. في أدبيات بناء القدرات وتكوين القيادات في الغرب، هناك ما يسمى «experience sharing» «المشاركة في الخبرات الخاصة» يتحدث فيها المشاركون عن تجاربهم في أهم القضايا أو المصاعب التي واجهتهم، وكيف تعاملوا معها، وكيف أمكن التغلب عليها، وغالباً ما يكون ذلك مصدر إلهام «inspiring» يتعلم منها المشاركون الآخرون. في كل مشاركاتي مع الأيتام أقول لهم: لقد كنت واحداً منكم.. ومع هذا أخذ الله بيدي.. قلت لهم ذلك يوم أمس الأول.. وشعرت بأنهم يدركون ما أقول، مع أن أكثرهم لايزالون فتية صغاراً وفتيات صغيرات.. بعد انتهاء الكلمة التي كان أكثرها تنديداً بالسياسة والجشع والحروب التي تقود إلى مزيد من الثكالى والأرامل والأيتام، تصورتُ مع كثير من الأيتام طفلات وأطفالاً صغاراً، وقدّرت أن سبب اندفاعهم لنتصور معاً هو ما أشرت إليه بأنني لست غريباً عليهم وعنهم.. وقلت لهم في كلمتي: لقد قُتل أبي هنا بالقرب من صنعاء، في حرب عربية - عربية أخرى.. حيث كان العربي يقتل أخاه، واليمني يقتل أخاه، ويقتل الإنسان أخاه الإنسان..كما لايزال يفعل كثيرون اليوم.. قلت لهم أيضاً: إنني لازلت أشعر بشيء من الحزن كلما تذكرت، لكنني لا أحمل حقداً على القاتلين...! شكرتهم كثيراً وقد أكرمونا بالورود وتعليق الفل في أعناقنا، مقارنة بمن يوجه الرصاص ويتمنطق بالأحزمة الناسفة لقتل آخرين من بني جلدته ودينه ومن بني الإنسان عامة.. لاحظت مسحة الحزن بادية على كثير من الوجوه الصغيرة البريئة الحبيبة، لكني على ثقة بأنه سيأتي زمن ستحل الابتسامة الدائمة محل مسحة الحزن على تلك الوجوه الغالية... وقد يكونون هم مصدر خير وبركة ورحمة على مجتمعهم وعلى العالمين، مثلما كان أبوهم اليتيم الأعظم محمد بن عبد الله، وكان عيسى وموسى، ومثلما كان مانديلا الأسود العظيم, وكان المهاتما «الروح العظيمة» غاندي أبو الهند. بمناسبة اليوم العربي لليتيم تذكرت من وجدت فيهم الحب والتقدير والإسناد في زمن اليتم، من أسرتي آل عِمران وأعمامي آل حازب، وأخوالي آل ضيف الله حسين.. كانت القرى الثلاث، آل عمران، آل حازب، المحمول، بمثابة الرافعة أو مثلث الإسناد والدعم الذي تلقيته في أيام الطفولة والصبا، كان من لم يستطع الإسناد المعنوي فإنه لا يكون مصدر أذى.. كانت القرى الثلاث فقيرة بالموارد في ستينيات القرن الماضي, لكنها كانت غنية بالقيم..خلافاً لما عليه الحال في أيامنا..! كان آل عمران يحتفون بي كرجل كبير، منذ الأيام الأولى لمقتل أبي، ويجلسونني إلى جانب الكبار، في الولائم والعزائم، وأخذوني معهم في رحلة إلى الحد يافع، ولم أتعدَ العاشرة.. كانت المناسبة عزاء، في أصدقاء لهم توفوا هناك، وكانت المسافة طويلة نسبياً.. وكنت الطفل الوحيد في تلك الرحلة الطويلة المعبرة.. ربِّ إن أولئك الآباء الكبار يستحقون الفردوس الأعلى فارحمهم، إنهم جديرون بذلك، حقاً.. واحفظ القليل الذين لايزالون على قيد الحياة...«عليّ أن أعترف أن عينيّ تذرفان الدمع الآن..».. ربّ إن الأرض تفيض بدموع الثكالى والأرامل والأيتام، وتغص بدماء الأبرياء، فاكفِ بلادنا وأمتنا الشر، وكف عنها أيدي أمراء الحروب المجرمين، بكل أشكالهم ومذاهبهم ومآربهم ودعاواهم ولبوسهم الزائفة. زاد الله من الأخيار في دنيا الأيتام وعالمهم.