لم يخطر ببال الحاج سليمان على الظرافي، والد فهد، 73 عاماً، أن تمضي به السنون ليشاهد صورة فوتوغرافية له معروضة أمام الجمهور، توثق لرحلة تواجده ضمن موكب الإمام أحمد، بعد أن اختزنتها ذاكرته منذ عام 1959م، ولتكون واحدة من عشرات الصور التي أدرجت اليوم كجزء من “الذاكرة العالمية” لتروي قصة مدينة تعز خلال حكم الأئمة وحتى قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة. واستحضر الحاج سليمان، بعضا من ذكريات رحلته مع الإمام للعلاج في إيطاليا وكذا تواجده في مقام الإمام، خلال تجواله في معرض الصور الفوتغرافية بعنوان “تعز عبر عقود”، والتي جمعها ابنه فهد وعمل على توثيقها. صور نادرة “الجمهورية” حضرت افتتاح المعرض الذي يوثق من خلال 114 صورة مدينة تعز من مبان وشوارع وأحياء وحارات خلال فترة الثلاثينيات حتى 1967م، واستطلعت أراء من اعد المعرض وعدداً من الزوار. البداية كانت مع الموثق فهد سليمان الظرافي من مواليد 9 فبراير 1976م رجل أعمال حيث قال: بدأت الاهتمام بالتوثيق منذ سبع سنوات وكنت أبحث في الإنترنت عن مواقع صور قديمة ونادرة ولكن أجدها مكررة، أيضاً ابحث على موقع الفيس بوك ولكني لا أجد الصور النادرة، وفي العام 2010م أسست صفحة في موقع التواصل الاجتماعي وبدأت انشر الصور القديمة والنادرة عن اليمن والشخصيات ومن حكموا اليمن. ومؤخراً رفدني أحد الأصدقاء بمجموعة كبيرة من الصور الملونة و النادرة لمدينة تعز خلال الفترة من 1961 1963 كانت من تصوير القنصل الألماني في اليمن خلال تلك الفترة.. فالمجموعة وثقت مدينة تعز قبل ثورة 26 سبتمبر وبعد الثورة، وكانت الصور لمناظر ومبانٍ كالباب الكبير والأشرفية ومدينة تعز القديمة والاجينات والمطار القديم والطائرات، والجحملية وقصر صالة وجبل صبر، وحوض الأشراف. وأضاف فهد أن صور المعرض “تعز عبر عصور” حصل عليها من العزي مصلح المدير السابق لمكتب الآثار بتعز، حيث زار أحد أبناء القنصل الألماني تعز وأهدى المجموعة إلى مكتب الآثار، فبادر إلى مسامع العزي مصلح أنني أجمع الصور القديمة وأوثقها فأعطاني هذه المجموعة. صورة نادرة شدتني ويضيف فهد انه ذات مرة أرسل أخوه صورة وجدها في موقع اجنبي لبيع الصور، تم التقاطها في مصر عام 1959م وفي الصورة يظهر الإمام احمد وجمال عبد الناصر ووالدي، وكانت خلال عودة الإمام من رحل علاج استمرت أشهراً في إيطاليا، فصعد جمال عبدالناصر إلى السفينة التي كان بها الإمام وتم التقاط عدة صور ظهر بها والدي مع أولاد الإمام. منوهاً إلى أن والده كان أحد الرهائن عند الإمام كونه ابن شيخ، وكان مقرباً من مقام الإمام ويعمل فيه، ويطلقون عليه “دويدار”، وهو الشخص الذي يعمل في المقام ويأخذ الرسائل وسنه صغير لم يبلغ، وكانت هناك عدة صور، ومن خلال مشاهدتي للصور زاد اهتمامي أكثر بتوثيق الصور والبحث عنها، واشتركت بصفحة صور اليمن القديمة على موقع الفيس بوك. إتلاف ويتأسف فهد من فقدان كثير من الصور التاريخية بعد قيام الثورة، فكثير من الأشخاص اتلفوا واحرقوا ما لديهم من صور خوفاً من أن يتهموهم بالوقوف مع طرف معين، وهذا إجراء خاطئ لأنه لم يكن لديهم وعي بأهمية الاحتفاظ بالصور.. وحول النشر في موقع التواصل الاجتماعي يقول: بدأت النشر على صفحة الفيس في عام 2011م، ونشرت صوراً عن صنعاءتعزعدنحجة وشخصيات يمنية، وكان يدير صفحة صور اليمن القديمة 4 أشخاص، وكوني الوحيد ممن كان ينشر الصور باستمرار وابحث عنها فكان الاهتمام الأكبر لي وبقيه الزملاء لم يعد عندهم نشاط، فأصبحت من يدير الصفحة، وقمت بإنشاء 35 مجلداً من الصور لمدينة تعزوحجةعمران وغيرها من المدن، بالإضافة إلى الشخصيات ولمن حكموا اليمن من الحمدي إلى القاضي الإرياني وعبدالفتاح إسماعيل وعلي صالح وغيرهم، وكان توجهي للتوثيق فأنا لا أتدخل في الجانب السياسي، أيضاً ارتفع عدد معجبي الصفحة بحدود 25 ألف وبدأ اهتمام عدد من الأشخاص بالصفحة. مقارنة ومقاربة وعن أجمل مجموعة صور حصل عليها قال فهد: حصلت على مجموعة من الصور من الأخوة في مصلحة الطرقات، وهي توثق شق طريق صنعاءتعز، وأيضاً حصلت صوراً من الوكالة الدولية للتنمية وأولاد من كانوا يعملون في الوكالة قاموا بنشر الصور في الإنترنت، وضممت الصور إلى مجموعتي.. وحول تاريخ وعمر الصور أشار إلى أن جميع الصور غير مؤرخة، فقام بمقارنة الصور بعضها ببعض، مثلاً هناك صورة تظهر منارة جامع المظفر قبل انهيارها، وأخرى تظهر المنارة بعد سقوطها، وعليه حدد تاريخ الصور وعمرها، ويضيف: كما كنت استفسر واسأل الأشخاص خاصة كبار السن فيعطوني معلومات اضمنها تاريخ الصورة. بحث واهتمام وعن أكبر مجموعة صور حصل عليها يشير فهد: خلال تواجدي في المؤسسة المحلية للمياه وجدت صوراً قديمة وسألت أحد الموظفين: من أين حصلوا على هذه الصور؟ فأخبره أنه يوجد كثير من الصور ولكن مهملة في المخازن، فأعطيته مجموعة من الألبومات الفارغة كي يحفظ بداخلها الصور ويعطيني إياها، وبعد عام عدت إليه فقال إنه تم نقل الصور وفقدت الألبومات؛ وبالصدفة ونحن نحاول البحث عنها وجدنا الألبومات، فقمت بتسليمه إلى مؤسسة السعيد من اجل توثيق الصور وحفظها في أحد أقسام المؤسسة المهتمة بهذا الشأن.. وعن أهمية الحفاظ على التاريخ يقول: من خلال زيارتي لتركيا وجدت الأتراك يهتمون بتاريخهم ويحافظون على الآثار والمساجد فهو جانب لرفد الخزينة العامة عن طريق السياحة، هم يهتمون بمسجد أنشئ قبل 400 سنة، وفي اليمن مساجد منذ 700 سنة وحضارة اليمن قديمة وعلى الجهات إبراز الحضارة لتنشيط السياحة. بناء عشوائي ويختتم فهد حديثه بالقول: الذي يحز في النفس أن تعز كانت مدينة صغيرة يحيط بها سور، وبعد الثورة لم يتم الاهتمام بتنظيم المدينة وبدأ البناء العشوائي في المدينة القديمة وخارجها وأصبحت كما هو الحال عليه. ويوكد أن الصور ملك للجميع وليست ملكاً لشخص بعينه، وعلينا أن نتداولها ونعرف تاريخ تعز والأحداث التي مرت بها هذه المدينة الحالمة، وإقامة المعرض ليس من اجل الظهور أو التملك أو بيع الصور فهذا تاريخ وعلينا نشره والحفاظ عليه، وقال: أنا لا أبحث عن الجانب المادي والصور ليست ملكاً لي، وأخيراً اشكر كل شخص مهتم بالتاريخ والتوثيق. تاريخ تعز الدكتور عبدالحكيم عبدالحق سيف الدين أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة تعز أكد أن صور معرض تعز عبر العصور أرخت لتطور مدينة تعز عبر العقود الماضية، وبعض الصور تم تداولها خلال انعقاد مؤتمر تعز على مر العصور الذي انعقد عام 2009م، وقدم بعض الباحثين في أبحاثهم عدداً من الصور حيث أخذوها من السفارات الأوروبية.. وبين عبدالحكيم أهمية التوثيق في المعرض لمراحل تطور مدينة تعز، وكيف مرت هذه المدينة بهذه المراحل، وقال: ما شدني أكثر توثيق مآذن جوامع تعز، التي تشبه مئذنتي الأشرفية، وهذا يدل على أن هذا النمط الرسولي كان شائعاً في مدينة تعز، وكان معظم مساجد ومدارس تعز قد بنيت بهذا النمط، وهو موجود فمئذنة المدرسة الظاهرية صورتها موجودة في المعرض - قد انهارت، وقد بني جوارها الدور الأخير من دار الناصر أيام الإمام أحمد، وقد انهار الدار كاملاً.. وأضاف: وهناك فعلا صور تدل على أن تعز تطورت خلال العقود الماضية وأصبحت مدينة كبيرة إلا أن العشوائية التي كانت مبنية بها المدينة سابقاً استمرت بالأحياء الحديثة وكنا نتمنى أن تكون قد أخذت شكلاً مدنيا وتنظيمياً اكثر من العقود الماضية. مرجع للباحثين والدارسين الدكتور محمد عبدالرحمن السامعي يرى من جانبه أن الصور التي حواها المعرض جميلة جداً وكان توثيقاً رائعاً لمراحل تاريخية عبر عقود من الزمان، مؤكداً أن الصور والمناظر ستفيد الباحثين والمهتمين والدارسين بنشأة وتطور مدينة تعز، كما أن الصور ستمثل صورة مشرقة للأجيال القادمة كي يستطيعوا أن يروا كيف كانت تعز في الماضي، وكيف تطور الإنسان اليمني في تعز من تلك الفترة وحتى اليوم. مناظر نادرة رستم عبدالله عبدالجليل أحد زوار المعرض قال: المعرض يوثق لتاريخ تعز الثقافي والاجتماعي، فالصور حوت مراحل تعز قبل 40 50 عاماً وما صارت عليه الآن، والمحتوى جميل وجذاب ويشد ويلفت الأنظار كون المناظر قديمة ونادرة، وصعب أن تجدها في أي موقع، والمعرض يفاجئ الزائر وهو جميل. فهد الظرافي: كثير من الصور النادرة أحرقت وأتلفت خوفاً من الاتهام الصور ملك للجميع وعلينا أن نتداولها ونعرف تاريخ تعز عبدالحكيم عبدالحق: المعرض يؤرخ لتطور مدينة تعز عبر العقود الماضية محمد عبدالرحمن: الصور ستفيد الباحثين والمهتمين والدارسين