مالَ سائق السيارة يميناً وهو يطردُ أخر زفرةٍ من رئتيهِ المتوجسة بدخان السجائر. لتنحصر مدينةُ إب في المرايةِ الأمامية مغمضةً عيناها للمغادرين منها. فيما تعز بدت حزينةً تودعُ غيمةً أخرى بعد أن شكت ما في خلدها من أنينٍ في أعلى قمةِ صبر فيما أضواء المدينة كانت أشْبهَ بنقشةٍ فرائحية على كفِّ حبيبتي عندما تصافحُ السماء بدعاء, وتبددت كلَّ ما اقتربنا أكثر نحو المدينة وتتلاشى بعلاقةٍ عابرة نمت مع شراهةِ السائق في التدخين ..... لم يكد يمر من الوقت حتى أصلَ إلى أطراف المدينة وسط شرودِ ناحية ذاك الشاب الثلاثيني الذي يستقل المقعد الأمامي وهو يمضغُ بعض الأفكار حول حكومةٍ أصابها السعال ويتبادلها مع الأخرين وهم غير آبهين بالشحوب التي برزت كلما حاولت المدينة التّبسّم لي وهي تحاولُ إخفائه عني كلما سنحت الفرصة للقمر ليستلقي على صدرها غير أن عيونها تكتنزُ كومةً من الوجع المليئةُ بالبوح, فيما حباتُ الهواء الساخنة المحملة بمساحةٍ كبيرة من اليأسِ تحكي خفيةً عن الشهداء,فيما أنا أستعدُ لأريحها من وجعها الأبدي بشهقاتٍ عجلى تصلُ بها الى رئتي اليسرى تماماً قرب القلب لأبدلها الوجع بوجعِ أكبر , ومستغنياً عنها بذاكرةٍ جديدة وألمٍ جديد لتواصل مرحلةً أخرى من التوحد... أقتربُ أكثر وامرُ بين الأزقةِ والشوارع التي أتعبتها المصابيح النصفُ متّقدة , وانكسار ضوء القمر في قطرات الماء بعد ليلةٍ حفلتْ بالبكاء وسط ابتهالاتٍ من عجوزٍ شارفتْ على أبوابِ السبعين وهي تخدشُ السماء بأظافرها لربما أرسلّ الله لها وجه ابنها الغائب منذُ عامين ... أحاولُ التفكير وجمجمتي مليئةٍ بالتساؤلاتِ لم يشتتها سوى ذلك الصوتُ المحتشد في فمِ السائقِ وهو يقول لي ( قد وصلتك إلى حيثُ أردت ) لم أفكر حينها سوى كيف سأريحُ رأسي واتركُ المدينةُ تقابلُ اقدارها التي باتت الى حدٍ كبير تشبهُ قدري ومنتظراً ما تخبيهِ لي المدينة حينما أستيقظُ في الغد.