كنت أنتظر بفارغ الصبر صدور العدد الشهري لمجلّتي الحبيبة التي تحوي بين طيّاتها كل معاني الثقافة والإبداع، وأنا أتصفّح محتويات العدد لابد أن أقرأ العمود الأساسي بالنسبة لي وهو للكاتب «فلان الفلاني» المعروف باختيار نصوصه الجميلة الهادفة التي تعلوها صورته التي تحمل كل معاني البراءة والطيبة، فأنا معجبٌ جدّاً بهذا الكاتب المبدع؛ وهو كغيره من الكتّاب الذين يحرصون على الظهور الإعلامي المكثّف؛ ولكن لا أظنّه يحمل سلبياتهم.. فلقد سئمت من التواصل معهم ودون جدوى كنت أحاول بقدر المستطاع أن أجد متنفساً لأعمالي التي تكتظ بها أدراجي ورفوفي والمسوّدات المبعثرة في جميع أنحاء الغرفة، وفي مرة قرأت نص منشوراً لرئيس تحرير إحدى المجلات؛ فأرسلت إليه عبر البريد الألكتروني ملاطفة بسيطة لتقريب وجهات النظر نوعاً ما, وفاجأني ردّه في اليوم التالي يحمل بين طيّاته كل معاني التقدير والتواضع الجم، وظننت أني قد وجدت المتنفس أخيراً، ولكن سرعان ما تبخّر حلمي كدخان تلاشى في الفضاء الواسع، فقد تواصلت معه في مناسبات عدّة وأرسلت بعض النصوص من كتاباتي؛ ولكن دون جدوى، فالكل سواسية كأسنان الذئب يبحثون عن انتشار أوسع وقرّاء أكثر ولو كان الثمن يُدفع من اعتباراتهم المعنوية إلا من رحم الله. وأنا أتصفّح إحدى المجلات العربية وجدت نصاً منشوراً لأحد الكتّاب الذي أتابع عموده الشهري في مجلتي الحبيبة؛ ولكن في هذه المرّة كان النص مصحوباً بالبريد الألكتروني؛ فأرسلت إلى حضرة الكاتب المحترم "أيميل" وأنا لا أنتظر ردّه على الإطلاق، فقد سئمت من التواصل معهم والتوغُّل في دهاليزهم المظلمة؛ ولكن حسبي أن يعرف مدى إعجابي بكتاباته وأن يقرأ لي نصّاً كما قرأت له نصوصاً عديدة. وبعد فترة وكالمعتاد فتحت بريدي الألكتروني وفوجئت برد الكاتب على إيميلي المتواضع بإيميل يحمل بين طياته الكثير من معاني الاحترام والشكر الجزيل؛ وكأنه هو من كان يتابع كتاباتي ويبحث عن بريدي الألكتروني وليس العكس؛ وطلب منّي إلى حد الرجاء أن نظل على تواصل، وبكل امتنان أرسل إليّ بموقعه الألكتروني، وقال لي بالحرف: «أشكرك سيدي على القصّة التي أعجبتني، وسوف تُنشر بعد أيام قلائل في إحدى المجلات العربية» وبالفعل وجدتها منشورة، وانهالت رسائلي المغمورة بالشكر والعرفان للكاتب المحترم والصديق الغالي فلان الفلاني، ولكن يبدو أنه مشغول جداً فلم يستطع أن يرد على تيار إيميلاتي المنهمرة كوابل المطر وفقط لأقطع الشك باليقين وأتأكد من مدى انشغاله أرسلت إليه من بريدي الثاني وباسم مستعار فردّ مشكوراً على إيميلي المتواضع برسالة تحمل بين طياتها أرق الكلمات وأعذب العبارات، وفي هذه المرة أيضاً أرسل بموقعه الألكتروني فتقديره في الرد على أول رسالة لا يوصف، ففي أول رد يكمن بيت القصيد، ويا لسذاجتي وفهمي البطيء، فلقد عاودت المراسلة التي لا جدوى منها بالتعريف باسمي الحقيقي، وأنا يا صديقي الغالي الذي أرسلت إليك من قبل وقد تكرّمت بنشر قصتي وطلبت منّي إلى حد الرجاء أن نظل على تواصل، وأرسلت إلى مشكوراً بموقعك الألكتروني الذي لم أقرأه ولا مرّة على بريدي الأول والثاني، وبعد محاولات للتواصل باءت بالفشل قطعت فيه الأمل وبردوده الوهمية، فقد عرفت سر الحكاية وبيت القصيد. وبعد عدة أشهر أرسلت إليه من جديد باسم مستعار برسالة لم تكتب في وصف نجيب محفوظ أو يوسف إدريس؛ ولكن لم يأت الرد؛ فصاحبنا قد تخبّط في شباك الحيرة وتلاطمت به أمواج النفاق، فهذا الإيميل هو الأجدر بأن يُرسل إليه الموقع الألكتروني، أما الإيميلات السابقة فقد كانت عادية فهو لا يريد أن يخسر قارئاً بهذا الحجم يعشق كتابته إلى حد الجنون. وبعد عدّة أشهر وبكل استحياء ردّ حضرة الكاتب المحترم برسالة فارغة ليستفز مشاعري، فهو يريد أن يعرف الحقيقة ومن هو هذا القارئ فرددت على رسالته الفارغة برسالة فارغة تحمل كل معاني الغموض ليغرق هو فيما تبقّى من كبريائه المهزوم في مستنقع الحيرة والنفاق..!!.