مجلس التعاون الخليجي يؤكد على المرجعيات الثلاث للحل في اليمن    الإرياني: استمرار إخفاء مليشيا الحوثي للسياسي قحطان جريمة نكراء تستوجب تدخل أممي    إعلان هام من سفارة الجمهورية في العاصمة السعودية الرياض    منظمة التعاون الإسلامي تعرب عن قلقها إزاء العنف ضد الأقلية المسلمة (الروهينغا) في ميانمار    لابورتا وتشافي سيجتمعان بعد نهاية مباراة اشبيلية في الليغا    رسميا.. كاف يحيل فوضى الكونفيدرالية للتحقيق    الصين تبقي على اسعار الفائدة الرئيسي للقروض دون تغيير    منتخب الشباب يقيم معسكره الداخلي استعدادا لبطولة غرب آسيا    البرغوثي يرحب بقرار مكتب المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية مميز    اتحاد الطلبة اليمنيين في ماليزيا يحتفل بالعيد ال 34 للوحدة اليمنية    إيران تعلن رسميا وفاة الرئيس ومرافقيه في حادث تحطم المروحية    وفاة محتجز في سجون الحوثيين بعد سبع سنوات من اعتقاله مميز    قيادات سياسية وحزبية وسفراء تُعزي رئيس الكتلة البرلمانية للإصلاح في وفاة والده    اشتراكي الضالع ينعي الرفيق المناضل رشاد ابو اصبع    مع اقتراب الموعد.. البنك المركزي يحسم موقفه النهائي من قرار نقل البنوك إلى عدن.. ويوجه رسالة لإدارات البنوك    مأساة في حجة.. وفاة طفلين شقيقين غرقًا في خزان مياه    لماذا صراخ دكان آل عفاش من التقارب الجنوبي العربي التهامي    بن مبارك بعد مئة يوم... فشل أم إفشال!!    الجوانب الانسانية المتفاقمة تتطلّب قرارات استثنائية    وفاة طفلة نتيجة خطأ طبي خلال عملية استئصال اللوزتين    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    عبد الله البردوني.. الضرير الذي أبصر بعيونه اليمن    هجوم حوثي مباغت ومقتل عدد من ''قوات درع الوطن'' عقب وصول تعزيزات ضخمة جنوبي اليمن    تغير مفاجئ في أسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية    أرتيتا.. بطل غير متوج في ملاعب البريميرليج    الريال يخسر نجمه في نهائي الأبطال    انفراد.. "يمنات" ينشر النتائج التي توصلت إليها لجنة برلمانية في تحقيقها بشأن المبيدات    عودة خدمة الإنترنت والاتصالات في مناطق بوادي حضرموت بعد انقطاع دام ساعات    مدارس حضرموت تُقفل أبوابها: إضراب المعلمين يُحوّل العام الدراسي إلى سراب والتربية تفرض الاختبارات    كنوز اليمن تحت رحمة اللصوص: الحوثيون ينهبون مقبرة أثرية في ذمار    أول رئيس إيراني يخضع لعقوبات أمريكا . فمن هو إبراهيم رئيسي ؟    قادم من سلطنة عمان.. تطور خطير وصيد نوعي في قبضة الشرعية وإعلان رسمي بشأنه    تحرك عسكري يمني سعودي جديد وإعلان من الرياض (شاهد)    الدوري الفرنسي : PSG يتخطى ميتز    شيخ الأزهر يعلق على فقدان الرئيس الإيراني    غموض يحيط بمصير الرئيس الايراني ومسؤولين اخرين بعد فقدان مروحية كانوا يستقلونها    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    إنتر ميامي يتغلب على دي سي يونايتد ويحتفظ بالصدارة    إلى متى نتحمل فساد وجرائم اشقائنا اليمنيين في عدن    وزير المياه والبيئة يبحث مع المدير القطري ل (اليونبس) جهود التنسيق والتعاون المشترك مميز    رئيس هيئة النقل البري يتفقد العمل في فرع الهيئة بمحافظة تعز مميز    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الهجري في وفاة والده    تقرير: نزوح قرابة 7 آلاف شخص منذ مطلع العام الجاري    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن في شراك المصالح « 2 - 2 »
نشر في الجمهورية يوم 08 - 04 - 2015


نداء للإخوة: ممثّلي الأحزاب والقوى السياسية
تدركون جميعاً طبيعة المخاطر التي يمر بها وطننا الحبيب والمؤامرات التي تُحاك ضده من الداخل والخارج وتدركون جميعاً وكل القوى الحاضرة في المشهد السياسي اليمني أن الأحزاب والقوى السياسية صارت جزءاً من المشاكل التي يُعاني منها الوطن. وهذا يعود الى عدة أسباب أهمها :تخلي الأحزاب والقوى السياسية عن ممارسة أعمالها الحزبية والسياسية بمهنية وبمسئولية وطنية وركوضها خلف المصالح الشخصية وتقاسم المناصب السياسية والادارية واعتماد بعضها على أساليب الابتزاز السياسي مما وسّع الفجوة بين كافة المكونات السياسية عن طريق تعميق ثقافة المشاحنات والمماحكات السياسية والتي أخذت تنخر في جسد الدولة متجهة نحو الإضرار بالنسيج الاجتماعي وشكّلت تهديداً لكيان الدولة ولسلامة وأمن ومعيشة المواطن والوطن.
واستشعاراً منا للمسئولية الوطنية والأمانة العلمية, وتبرئة الذمة أمام الله والوطن, وانطلاقاً من قول الخالق جلّ وعلا (وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) (الذاريات:55)، وقوله تعالى (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو أصلح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيما) (النساء:114)، ومن قوله تعالى (واتقوا فتنتة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب ) (الأنفال) 25 ، ومن قول خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم) رواه البخاري ومسلم. ومن قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها, كمثل قوم استهموا على سفينة, فأصاب بعضهم أعلاها, وبعضهم من أسفلها, فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا, فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً, وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً) رواه البخاري.
أقدم لهاماتكم هذه الدراسة المتواضعة لعلها تعينكم على إعادة النظر في بعض المواقف. والتفكير الإيجابي لحل قضايا الوطن بعقلانية وبمسئولية وطنية وتاريخية بعيداً عن التعصب الأعمى والمغامرات اللا مسئولة من باب حرصكم على أمن الوطن وسلامته وبأنكم خدّاماً لهذا الشعب.
ومن باب الرأفة بهذا الشعب الصابر المحتسب واستغلالاً لما تبقى في جعبتكم من فن المناورة في لمّ شمل البيت اليمني وقطع دابر الحاقدين عليه من الداخل والخارج ورفض الارتهان على الحلول من الخارج كونها ستزيد الأمور تعقيداً وإذلالاً ومهانة لنا ولكم وللوطن.
أرجو تكرّمكم بالاطلاع والتمعن بما تحويه هذه الدراسة المتواضعة، وأخذ ما هو إيجابي وترك ما هو سلبي والمعذرة من أي تقصير، والله وحده العالم إنني ما قصدت إلا خيراً لكم وللوطن بدون أيّ شكل من أشكال التحيّز.
الحكم الرشيد أو الهاوية
عندما نؤكد على ضرورة العمل الجماعي كسبيل وحيد للارتقاء في سلّم الحضارة ، لا نقصد بأي حال منح الشرعية لعملية التقاسم على رأس هرم السلطة والذي شكّل أكبر عامل إحباط أو عرقلة لمسار عملية التنمية الديمقراطية في كل منعطف مرت به بلادنا. فقد تعامل المتقاسمون مع الوطن وكأنه جزء من متاعهم أو إرث حصري لهم.
ما نقصده هو أن يكفل القانون والدستور أو يضمن حق تكافؤ الفرص لكل القوى السياسية عبر صناديق الاقتراع دونما تمييز وعدم السماح بالإستقواء على الآخر أو استبعاده، أو التحايل عليه بأي وسيلة ولأي سبب. هذا بالطبع بعد إقرار الدستور.
أما في المرحلة الاستثنائية الراهنة ولغرض إعادة بناء الدولة يجب إتاحة الفرصة لكل المكونات السياسية ومنظمات المجتمع المدني وعلى رأسها الشباب والمرأة دون استثناء بالمشاركة الفاعلة عبر لجنة المراقبة المنبثقة عن مؤتمر الحوار مع ضمان التمثيل العادل لكل المكونات التي لم تحظ بنصيب عادل أو حتى يتم إعادة تشكيل اللجنة لضمان التمثيل العادل. على أن تنتهي حالة التقاسم هذه إلى الأبد فور إقرار الدستور والانتهاء من الانتخابات الحرة والنزيهة.
لقد ارتكبنا أكبر خطأ في جنوب الوطن عندما اعتبر رحيل الاستعمار نهاية المطاف مفترضين أن تحمل المواطن اليمني المسئولية يكفي دونما ضمانات بالحكم الرشيد فدخلنا حقبة التخبّط والتقاسم وسفك الدماء وانتهاك الحرمات فانهار الاقتصاد وتراجعت عدن عن موقع ثاني أكبر ميناء في العالم.
وحصل ذات الأمر في الشمال، حيث اعتبرت الثورة أنها ضد آل حميد الدين وليس ضد حكم الفرد الكهنوتي المستبد فدخلنا في نفق مظلم نتاج لذات العوامل كما هو بالجنوب، وجدنا أنفسنا بعد ضياع السنين وقد عدنا لنظام استبدادي أشد وأدهى.
ولهذا فقد حان الوقت لنتعلّم من التجارب السابقة ونعد لكل شيء عدته مهما أخذ من الصبر ومغالبة النفس والجهد بحيث تتوفر الضمانات الكافية للحكم الرشيد دونما مجال لأي انحراف.
إن شعبنا لم يطلب المستحيل، فبالنظر لتجارب الدول الأخرى نجد أن دولة ماليزيا حققت أهدافها في عشرين عاماً محققة قفزة مهولة نقلت المجتمع من حالة كان أغلب السكان يعيشون حياة الأدغال (بكل ما تعنيه من التخلف والفقر والحرمان فضلاً عن ظهور بوادر حرب أهلية)، إلى مصاف الدول المتحضرة. وكذلك حدث في تركيا والصين وكوريا الجنوبية.....إلخ.
رفقاً بأحباب الله وخير من في الأرض، أما نحن فرغم الصفات العظيمة التي يمتلكها شعبنا والتي نجد لها تأكيداً بنص القرآن والسنة المحمدية الشريفة وتغني الكثير من العلماء والمطلعين في كافة أرجاء العالم بقدرة شعبنا وحكمته إلا أننا بسبب أطماع سياسية قد أضعنا أكثر من ثلاثة وخمسين عاماً سدى.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل إن هؤلاء القلة من السياسيين قد حرصوا وبكل مناسبة على ترديد أهداف الثورة دون أن يبذلوا أي جهد لتحقيقها. وليسمحوا لي أن أستعرض معهم ماذا تم تحقيقه من هذه الأهداف:
فالهدف الأول والثالث واللذان يقضيان1 - التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما وإقامة حكم جمهوري عادل وإزالة الفوارق و الامتيازات بين الطبقات، 3 - رفع مستوى الشعب اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً، لم يتحقق منهما شيء ذو أهمية، بل إن الاستبداد قد تم تكريسه في أعماق المجتمع ولم تتحقق العدالة ولا أزيلت الفوارق بين الطبقات. بل إن هذه الفوارق قد تزايدت مع الزمن متحولة إلى هوة يصعب تجاوزها، وذلك بفعل الثروات الخرافية التي اكتسبها القلة من المستفيدين والتي طغت على الزيادات الطفيفة التي حدثت في دخل الفقراء.
وأما الاستعمار والذي تحرّرنا منه بالتضحية بأرواح ودماء شهدائنا الأبطال صرنا اليوم وبفعل ظلم ذوي القربى نسمع أصوات الكثير منا يستدعيه أو يتمناه أو يغض الطرف عنه على أقل تقدير.
أما الهدف الثاني والذي ينص على بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها فهو الآخر لم يتحقق. فبرغم الجهود التي بُذلت والمليارات التي صُرفت إلا أنه على أرض الواقع اكتشفنا أن الجيش تحول إلى جماعات منقسمة فرقتها الأهواء والمصالح الضيقة لأفراد على رأس هرم السلطة.
وذات الشيء يمكن قوله على الهدف الرابع والخامس (إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل مستمد أنظمته من روح الإسلام الحنيف، العمل على تحقيق الوحدة الوطنية في نطاق الوحدة العربية الشاملة)، فبعد هذه السنين التي مرت لم نحقق أو حتى نقرب مما يسمى بالمجتمع الديمقراطي التعاوني. أما الوحدة الوطنية فرغم أن الظاهر يقول إنها قد تحققت شكلاً إلا أنها ونتيجة للممارسات الخاطئة فقد قضينا على مضمونها وجفت جذورها الاجتماعية والسياسية وصارت أبعد منالاً مما كانت عليه في ظل الاستعمار.
همسة في آذانهم:
إنه لأمر مخجل وبعد ضياع هذه السنين أن تستمر القوى السياسية بذات النهج بتغليب مصالحها الذاتية الضيقة على المصلحة العامة للوطن دونما اعتبار لأنّات المواطن المحروم المسحوق ولا لطموحات شباب وشابات عاهدوا الله على الجود بأرواحهم ودمائهم الزكية في سبيل رفعة وشموخ الوطن، فهجروا البيوت إلى الشوارع بعزيمة لا تلين في ثورة سلمية نقية هادفة وعادلة لا تقبل المساومة، لن يهدأ أوارها إلا بتحقيق كل أهدافها.
إن كانت هذه القلة من السياسيين تعيش بيننا فهي تعلم بالتأكيد مدى الجور والظلم الذي أنزلته في حق شعبها وإن كان لديهم حظ من العلم فبالتأكيد يعلمون حجم المصيبة التي وضعوا أنفسهم بها والذنوب التي اقترفوها في حق هذا الشعب العظيم.
وإذا استقووا بقدرتهم على الشعب ألا يخافون من قدرة الله عليهم؟. لقد حكم سبحانه وتعالى على امرأة بعذاب النار لأنها تسببت بجوع هرّة واحدة فما بالكم بمن ينكل ويقتل ويظلم ويجوع أحباب الله وأنصاره وخيار أهله (الشعب اليمني).
فضائل اليمن وأهله في كتاب الله عز وجل:
هذا الشعب الذي حظي بما لم يحظ به أي شعب آخر على وجه البسيطة، فقد أكرمه الخالق جلّ وعلا في محكم كتابه بنص الآية (54) من سورة المائدة “يا أيها الذين ءامنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلّة على المؤمنين أعزّة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم»، وفي تفسير هذه الآية يؤكد العلماء أن اختصاص أهل اليمن بهذه الميزة العظيمة لا يكون إلا لمزيد شرفهم وأنهم حزب الله عند خروج غيرهم من هذا الدين. فليس بعد هذه الكرامة والتشريف من الله سبحانه شيء فالعلماء يؤكدون أن من أحبّه الله قد سعد سعادة لا يماثله سعد وتمحو ذنوبه وارتفاع درجته بين عباد الله المؤمنين وحاز على شرف لا يُقاس به شرف وفاز فوزاً لا يعادله فوز وأكرم كرامة لا تساويها كرامة.
1 - قال الطبري : «حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني عبدالله بن عياش عن أبي صخر عن محمد بن كعب القرظي: إن عمر بن عبد العزيز أرسل إليه يوماً وهو أمير المدينة يسأله عن ذلك فقال له محمد: «يأتي الله بقوم» وهم أهل اليمن، قال عمر: يا ليتني منهم، قال: آمين. تفسير الطبري (جزء 4 – صفحة 622).
وفي آخر الآية بحسب رأي العلماء تلميح أو توضيح بأنه سبحانه وتعالى قد جمع لشعبنا اليمني من فضله ما لم يتفضل على غيرهم من عباده. هذه المكانة الرفيعة التي خصنا بها الخالق جل وعلا لا يعطيها حق قدرها أكثر من الراسخين في العلم ولما نزلت «إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا” قال خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم: جاء الفتح، ونصر الله، وجاء أهل اليمن فقال رجل: يا رسول الله وما أهل اليمن، قال: قوم رقيقة قلوبهم، لينة قلوبهم، الإيمان يمانٍ والفقه يمان. وقيل إنه صلى الله عليه وسلم قال: «أتاكم أهل اليمن هم أرقّ قلوباً، الإيمان يمانٍ والفقه يمانٍ والحكمة يمانية».
وقد أكد الماوردي في تفسيره أن «الناس في هذه الآية هم أهل اليمن»، إنه لشرف عظيم ما بعده شرف، فجوهر هذه الآية أن الخالق جلّ وعلا قد اعتبر رسالته قد بلغت من قبل رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وقد تحقق نصر الله والفتح بمجرد دخول أهل اليمن الإسلام. ولأننا نعلم يقيناً أن الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم قد أرسل للبشر كافة بدون استثناء «وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون» الآية (28) سورة سبأ فإن المعنى أو جوهر هذه السورة يتضمن انتقال مسئولية نشر هذه الرسالة العظيمة بعد سيد الخلق إلى أهل، أي أن الشعب اليمني هم رسل رسول الله إلى يوم القيامة بكل ما تعنيه هذه العبارة من معنى ، إنه صار واجباً على كل منا أن يتحلّى بخلق رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، وإنه الشرف الأعظم الذي يتمناه كل حصيف.
إن كنتم لا تقدرون المسئولية الكبرى المترتبة على هذا الشرف العظيم الذي خصّنا به الخالق جل وعلا، فاعلموا أن هذه المسئولية العظيمة تقضي حتماً أن نرتقي إلى هذه المرتبة الشريفة.
كما إن الله سبحانه وتعالى في الآيات 33،32 من سورة النمل ونصها (قالت يا أيها الملأ افتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون، قالوا نحن أولوا قوة وأولوا بأسٍ شديد، والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين)، قد شهد للشعب اليمني أنه الرائد أو المؤسس الأول للحكم الديمقراطي العادل قبل أي من شعوب الأرض فقد عاش حراً أبياً وقوياً عندما كانت كل شعوب الأرض ترزح في ظل العبودية المطلقة المقيتة.
كما شرّفنا المولى عزّ وجل بهذه الأرض الطيبة بقوله (لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور) الآية (15) سورة سبأ، وقد أكد العلامة الفضيل الورتلاني، رحمه الله في تفسير هذه الآية (بلدة طيبة)، ومن ميزات كلام الله الخلود والإعجاز ، وحظ التذكير لنا في هذه الآية أنه من ناحية الخلود يؤخذ أن طيبة هذا البلد أمر مستمر إلى يوم القيامة، ومن ناحية الإعجاز يؤخذ من كلمة (طيبة) عدم قدرة أحد من الخلق أن يصفها بكلمة واحدة مثلها، مع شمولها لكل ما تنطوي عليه من خيرات نافعة.
فضائل أهل اليمن في السنة المحمدية
وننتقي من السنة المحمدية ما يلي:
1 - أهل اليمن خيار من في الأرض، عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق مكة إذ قال يطلع عليكم أهل اليمن كأنهم السحاب هم خيار من في الأرض، فقال رجل من الأنصار ولا نحن يا رسول الله فسكت، قال: ولا نحن يا رسول الله فسكت، قال: ولا نحن يا رسول الله؟، فقال في الثالثة كلمة ضعيفة إلا أنتم رواه أحمد في (جزء 4 –صفحة 84).
2 - أهل اليمن منه صلى الله عليه وسلم وهو منهم:
عن عتبة بن عبد أنه قال: إن رجلاً قال: يا رسول الله العن أهل اليمن فإنهم شديد بأسهم، كثير عددهم حصينة حصونهم، فقال: لا، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا مروا بكم يسوقون نساءهم، يحملون أبناءهم على عواتقهم فإنهم مني وأنا منهم. رواه أحمد في المسند (جزء 4 – صفحة 184)، وبوّب الإمام مسلم في صحيحه (باب تفاضل أهل الإيمان ورجحان أهل اليمن فيه) عن أبي ثور الفهمي قال: كنا عند رسول الله يوماً فأتي بثياب من المسافر – من اليمن – فقال أبو سفيان (لعن الله هذا الثوب ولعن من يعمله)، فقال رسول الله (لا تلعنهم فإنهم مني و أنا منهم).
3 - أهل اليمن أعمالهم أعظم من أعمال غيرهم:
عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنه سيأتي قوم تحقرون أعمالكم إلى أعمالهم قلنا: يا رسول الله أقريش؟ قال: لا ، ولكن أهل اليمن.
4 - أهل اليمن أشبه الناس برسول الله وأصحابه إذا قدموا الحج:
عن إسحاق بن سعيد عن أبيه قال: (صدرت مع ابن عمر يوم الصدر ، فمرت بنا رفقة يمانية، ورحالهم الأدم ، وخطهم إبلهم الجرر ، فقال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: من أحب أن ينظر إلى أشبه رفقة برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إذ قدموا في حجة الوداع ، فلينظر إلى هذه الرفقة).
5 - أهل اليمن يشربون من الحوض قبل غيرهم:
عن ثوبان أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: إني لبعقر حوضي أذود الناس لأهل اليمن أضرب بعصاي حتى يرفض عليهم. صحيح مسلم (جزء 4- صفحة 1799).
قال النووي: (إني لبعقر حوضي) هو بضم العين وإسكان القاف وهو موقف الإبل من الحوض إذا وردته وقيل مؤخره قوله صلى الله عليه وسلم (أذود الناس لأهل اليمن أضرب بعصاي حتى يرفض عليهم) معناه أطرد الناس عنه غير أهل اليمن ليرفض على أهل اليمن وهذه كرامة لأهل اليمن في تقديمهم في الشرب منه. ومعنى يرفض عليهم أي يسيل عليهم. شرح النووي على مسلم (جزء 15 – صفحة 62).
6 - جيش الإسلام: عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله استقبل بي الشام ، وولّى ظهري اليمن ، وقال لي: يا محمد، إني جعلت لك ما تجاهك غنيمة ورزقاً وما خلف ظهرك مدداً)، وهذا الحديث علم من أعلام النبوة، فقد انطلق أهل اليمن لفتح الفتوح، وكان منهم القادة في كثير من المعارك التي خاضها المسلمون ضد أعدائهم من الكفار، ووطأت أقدامهم فارس والروم، ووصلوا المغرب الأقصى، وبلاد السند وجنوب فرنسا، ومن له أدنى إلمام بالتاريخ يعرف ما لأهل اليمن من ماضٍ عريق في الدفاع عن الإسلام والمسلمين.
7 - رجال أهل اليمن خير الرجال: عن عمرو بن عبسة السلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير الرجال رجال أهل اليمن والإيمان يمانٍ وأكثر القبائل في الجنة مذحج ومأكول).
8 - تنفيس كرب المسلمين إنما يكون بأهل اليمن: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا إن الإيمان يمانٍ، والحكمة يمانية، وأجد نفس ربكم من قبل اليمن).
9 - حسبكم أهل اليمن وليكم الله ورسوله: عن فيروز الديلمي رضي الله عنه قال: (إنهم أسلموا، فبعثوا وفدهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله ، نحن من قد عرفت، وجئنا من حيث قد علمت، وأسلمنا فمن ولينا؟، قال: الله ورسوله. قالوا: حسبنا رضينا) (17).
10 - أهل اليمن أهل شريعة وأمانة: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الملك في قريش، والقضاء في الأنصار ، والأذان في الحبشة ، والشرعة في اليمن، والأمانة في الأزد)(18).
11 - أهل اليمن هم أول من جاء بالمصافحة: عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قد أقبل أهل اليمن وهم أرق قلوبًا منكم. (قال أنس): وهم أول من جاء بالمصافحة).(صحيح). رواه أحمد في المسند (جزء 3 – صفحة 251) 13649 تعليق شعيب الأرنؤط: إسناده صحيح على شرط مسلم ، وانظر السلسلة الصحيحة (جزء 2 – صفحة 61) 527.
فضائل أهل اليمن في نظر أهل العلم:
والراسخون في علم التاريخ هم أكثر من أكد هذا الإعجاز القرآني، وتيقن من إثبات صدق خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم. فاليمانيون قد كان لهم بالغ الأثر في الفتوحات الإسلامية. وحتى عندما توقفت الفتوحات الإسلامية على المستوى الرسمي واصل اليمانيون فتوحاتهم كأفراد دونما اعتماد على أي سلطان إلا سلطان العلم والحلم بالحكمة اليمانية والقدوة والموعظة الحسنة والتعاطي الحضاري الفذ، وبعزم لا يلين وإرادة الطامحين وبعون من أرحم الراحمين.
فالعالم الجليل الأستاذ الدكتور حسين مؤنس، رحمه الله يؤكد أن مهاجرة العرب من جنوب شبه الجزيرة العربية وشرقها – خاصة اليمنيين والعمانيين – هم الذين نشروا الإسلام في الصومال وما يُعرف اليوم بتنزانيا وغيرهما من بلاد شرق افريقيا (تنزانيا وملاوي وكينيا وأوغندا وزامبيا والكونغو وموزنبيق وأنجولا وغيرها). وهؤلاء العرب كانوا يفدون إلى هذه السواحل الشرقية في غالب الأمر تجاراً وهم دون شك من أمهر تجار الأرض وأقدر رجال الأعمال. ولو وجدوا في العصور الماضية حكومات رشيدة واعية لمصالحها ومصالح الناس لكان لهم في تاريخ افريقيا وجنوب آسيا والمحيط الهندي عامة أثر أعظم مما لهم بالفعل، ولاستطاعوا أن يتركوا في التجارة العالمية أثراً لا يقل عن أثر الهولنديين مثلاً.
(ولكن في العصور الوسطى كان الكثير من الدول الإسلامية قد شكلت عوائق للتقدم وعقبات في طريق النشاط البشري وحرب على القيم الأخلاقية التي يقوم عليها صلاح المجتمعات الإنسانية، ولولا هذا الطراز من الحكومات على حد تعبيره لكان للإسلام في الدنيا شأن هو أضعاف شأنه اليوم). ويضيف (فإن الجماعات الإسلامية في الغالب جماعات فاضلة، وليس كذلك الكثير من الدول الإسلامية في العصور الماضية. ولقد أوغل العرب في افريقيا الاستوائية من ناحية الشرق وكسروا نطاق الغابات الاستوائية واخترقوه، والشائع أن ذلك النطاق يعد حاجزاً مانعاً لا يمكن للإنسان عبوره فاخترقه العرب و تحملوا مشقة ذلك دون كبير عناء).
(كما أنهم أوصلوا الإسلام إلى بلاد الملايو وأرخبيل أندونيسيا، فقد كانوا يخرجون من ميناء عدن إلى جزيرة سقطرى فإلى جزر الكديف ثم إلى قاليقوت إلى موانيء ساحل الهند الغربي وسيلان باتجاه الجنوب والشرق وحتى بلاد الملايو).
وعندما أصبح المسلمون يملكون قلب العالم المتمدن إذ ذاك ، ويشرفون على تجارة تمتد من بحر الهند إلى المحيط الأطلسي، ودخلت في حوزتهم وتحت مسئوليتهم معظم الطرق التجارية وأصبحت تجارة العالم في أيديهم كان اليمانيون أو أهل جنوب الجزيرة العربية قد سيطروا على قطاعات واسعة من النشاط التجاري في نواحي الدولة الإسلامية.
كما يؤكد أ .د . حسين مؤنس أنه خلال القرن الهجري الثاني نرى بوضوح كيف أن هؤلاء التجار منتشرون في كل مكان. وعندما نتتبّع العرب الذين هاجروا من الجزيرة إلى الأمصار نلاحظ أن أولئك العرب الجنوبيين كانوا يفضلون دائماً الموانىء والمراكز التجارية، ومهما قيل عن مهارة الإيرانيين أو أهل البحر الأبيض المتوسط في الشئون البحرية، فإننا نجد أن أولئك العرب استطاعوا منافستهم في ميادين التجارة في كل ناحية من نواحي الدولة الإسلامية ، من الأندلس إلى الهند، وحينما قلبنا في كتب الرحالة أو الأعمال الأدبية التي تتحدث عن البيئة المحلية ، وجدنا أن أغنياء التجار وأصحاب الأموال كانوا في كثير من نواحي الدولة الإسلامية من أصول عربية جنوبية، بل نلاحظ أنه كانت منهم أسر كاملة تشتغل بالتجارة في نواحٍ شتى وتتعاون في ذلك).
ليس هذا فحسب بل أنه يؤكد أن أعاظم الماليين أو الجهابذه والصرافين في العالم الإسلامي كانوا – في الغالب – من اليمنيين والبصريين والفرس. كما يؤكد أن هذه البلاد قد أخرجت أعظم ملاحين في تاريخ الأمة الإسلامية. ولم يكن هؤلاء ربانية بحر مهرة فحسب بل أن كثيراً منهم كانوا علماء لهم مؤلفات ودراسات كثيرة في علوم البحار وفنون الملاحة البحرية ولدينا الآن ثروة طائلة من مخطوطات ابن ماجد يعده علماء الغرب أنفسهم من أحسن ما ألّف في علوم البحار حتى أواخر القرن السابع عشر الميلادي بل أنهم هم الذين ابتكروا الإبرة المغناطيسية واستعملوها في الاستدلال على الجهات في البحار.
كما أن المتتبع سيجد الكثير من المقولات التي تشهد بذكاء وقدرة وحكمة اليمانيين والتي على القارئ العزيز التأكد منها نذكر منها على سبيل المثال:
1 - قال الحجاج يوماً عن أهل اليمن: لا يغرنك صبرهم ولا تستضعف قوتهم فهم إن قاموا لنصرة رجل ماتركوه إلا والتاج على رأسه، وإن قاموا على رجل ما تركوه إلا وقد قطعوا رأسه، فانتصروا بهم فهم من خير أجناد الأرض واتقوا فيهم ثلاثاً:
1 - نساؤهم فلا تقربوها بسوء وإلا أكلوكم كما تأكل الأسود فرائسها.
2 - أرضهم ،وإلا حاربتكم صخور جبالهم
3 - دينهم، وإلا أحرقوا عليكم دنياكم.
2 - قال المستشرق والفيلسوف الفرنسي رينان: لكل إنسان وطنان: وطنه الذي ينتمي إليه واليمن.
3 - كما أثنى أحد الرؤساء السابقين للجمهورية التركية (بما يمتلك من دراية وخبرة عسكرية وسياسية) في مقابلة اذيعت في قناة الجزيرة أثنى فيها على المكانة والمقدرة التي حازها الجندي اليمني على مر التاريخ.
4 - قال هتلر: أعطني جندياً يمنياً أو سلاحاً ألمانياً وسوف أجعل أوروبا تزحف على أناملها.
5 - قال كيسنجر: لا يوجد ولم ولن يوجد أشجع وأجدر و أعند من رجال اليمن.
6 - قال صدام حسين: في كل نقطة دم يمنية يولد مجاهد.
والمستشرقون أيضاً لفت انتباههم ما يحوز عليه شعبنا العظيم من صفات وإمكانات حضارية فذة، وعلى سبيل المثال لا الحصر نقرأ في كتاب اليمن من الباب الخلفي: (والعربي عامل مجد ونشيط ويشتغل في ساعات الصباح الباكر حتى ساعات المساء المتأخر، ولما كانت الملابس التي يرتديها أهل اليمن، والمعدات التي يستعملونها، والأسلحة البدائية والمجوهرات كلها تصنع من المواد الأولية التي تنتجها البلاد نفسها فإن أهم الواردات تقتصر على الأسلحة الحديثة. ولكن معظم الصناعات على الرغم من تطورها الرفيع من النوع اليدوي وفيه الكثير من الذوق الفني وفي وسعنا أن نصنف إنتاج الصاغة وصناع الأسلحة بين فئات الإنتاج الفني ذي التخصص لاسيما وأن منتجيها لا يستعملون إلا أبسط الآلات وصناعة الأحجار نصف الكريمة متطورة تمام التطور في اليمن.
وعندما بدأت بعض الدول العربية المنتجة للنفط باستقدام عمالة من الخارج فضلوا العمالة اليمنية لما وجدوا من أمانة وإخلاص ومقدرة العامل اليماني .وخاصة في الأعمال المالية وأمانة الصندوق والمخازن لا يأمنوا إلا على العمالة اليمانية ومن يطلع على أرشيف صحف السبعينيات سيجد أن أحد شروط إعلانات طلب التوظيف للمحاسبين أو أمناء الصناديق ينص على أن يكون المتقدم يمني الجنسية.
الخطوة الأولى نحو النهضة: إزالة العائق السياسي
شعب حاز على هذا الشرف الرفيع والمرتبة الجليلة والصفات الحميدة والتي لم تجتمع لأي شعوب الأرض جدير به أن يقود الحضارة الإنسانية ويعتلي أعلى مراتبها ، ولما بقي في ذيل قائمة الدول الأفقر بالعالم ذليلاً مهاناً تائهاً ينتظر العون والمساعدات من الخارج.
ولكن مع الأسف وعلى حد تعبير الأستاذ الدكتور حسين مؤنس، رحمه الله فإن الكثير من الدول الإسلامية منذ العصور الوسطى قد شكلت عوائق للتقدم وعقبات في طريق النشاط البشري وحرباً على القيم الأخلاقية التي يقوم عليها صلاح المجتمعات الإنسانية، ولولا هذا الطراز من الحكومات على حد تعبيره لكان للإسلام في الدنيا شأن هو أضعاف شأنه الآن.
كما يؤكد الدكتور حسين مؤنس ذات النتيجة بشكل خاص في معرض حديثه عن اليمنيين أنهم لو وجدوا في العصور الماضية حكومات رشيدة واعية لمصالحها ومصالح الناس لكان لهم في تاريخ أفريقيا وجنوب آسيا والمحيط الهندي عامة أثراً أعظم بكثير مما لهم بالفعل، ولاستطاعوا أن يتركوا في التجارة العالمية أثراً لا يقل عن أثر الهولنديين مثلاً.
وأذكر أنني عندما كنت طالباً حرصت على مقابلته لمناقشته حول الموضوع فقابلته وسألته السؤال التالي: لقد قرأت كتابكم واستغربت ثنائكم الكبير على اليمنيين ووصفهم بأنهم أقدر وأذكى الشعوب و....إلخ بينما اليمن مغرقة بالتخلف ، فلو كانوا كما قلت لما كانت اليمن بهذا الوضع المؤسف. فنظر إلي لبرهة وتنهد وكأنه يجمع أفكاره ثم قال: يا بني لا تحاسب الشعوب بظلم حكامها. فقد بليت اليمن لقرون خلت بحكام مستبدين قهروا الشعب وتنازعوا سلطانه فأدخلوه في نفق مظلم من الصراعات والحروب أكلت الأخضر واليابس، ونمت الأحقاد القبلية فشغلت الناس بأنفسهم وحولتهم إلى مجرد وقود للحرب ودافعي الإتاوات وخدام للسلطان. وحرمتهم من أبسط الحقوق كالتعليم أو الصحة أو الحقوق السياسية وحرية التعبير حتى.
فالإنسان لا يمكن أن يستخدم العقل ويبدع وتظهر قدراته إلا إذا تمتع بالحرية وضمن العيش الكريم. وأكبر دليل على عبقرية الإنسان اليمني أنه عندما ينفذ من قبضة الحكم الاستبدادي القهري ويهاجر إلى بلاد أخرى ويمتلك حريته سرعان ما تظهر مواهبه وقدراته ويتميز على غيره بتفوق ونجاح شهد له كل المؤرخين.
ويضيف: إن عظمة الانسان اليماني لم تقف عند حد تفوقه بالعمل الذي اختاره بالمهجر بل إنهم مجرد تحررهم من العبودية وملكوا حريتهم قد حققوا أكبر معجزه حيث يعود للمهاجر اليمني الفضل في دخول العديد من شعوب الأرض في الاسلام على أيديهم بدون سيف أو رمح ، فقط بالقدوة الحسنة والكلمة الطيبة. فقد دخل الاسلام على أيديهم شعوب أكثر مما حققته الفتوحات الاسلامية لدولة الخلافة.
إذاً فنحن أمام شعب حضاري بطبعه يتوفر على كل الصفات وأنماط السلوك التي تؤهل أي شعب للارتقاء بسلم الحضارة بكل سلاسة ويسر. بل إن الله سبحانه وتعالى ونبيه محمد (ص)، والتاريخ يشهدوا له أو يقدموه كرائد ومؤسس للحضارة الانسانية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى عندما ملك حريته في ظل نظام الحكم الديمقراطي (الشوروي) لمملكة سبأ ومعين وحمير.
والعائق الوحيد أمام هذا الشعب الجسور هو نظام الحكم الذي أسس على الفساد والظلم والاضطهاد والاستعباد والقهر الذي أفقد الانسان اليمني كرامته الانسانية وحوله من كائن مبدع (خيار الناس) كما وصفهم رسول الله محمد(ص) إلى مجرد دمى متحركة محطمة مقهورة لخدمة السلطان أياً كان سواء في صورته الملكية أو الجمهورية.
وها نحن نمر اليوم بمنعطف قد يكون الأخطر والأدهى فالقوى السياسية رغم تنوعها واكتسائها ثوب الحداثة إلا أنها لا تزال تتعاطى أو تسلك ذات النهج الذي درجت عليه دونما تغير يعتد به. هذا النهج الموبوء بالاستحواذ والإقصاء بأنانية مفرطة تعتمد على الاستقواء بوسائل غير ديمقراطية لا تستند إلى شرعية ولا إلى مبدأ أخلاقي. سقفها الأعلى لم يتعد (سياسة المجموعة الشمسية)، والذي يرتكز على قوه سياسية وحيدة تحكم (الشمس) بينما تدور القوى الأخرى الأضعف في فلكها (الكواكب) فالكوكب لا يمكن أن يحلم بالتحول إلى شمس على الاطلاق.
شكل الحكم هذا المتبع في اليمن لا يختلف كثيراً عن نظام الحكم الدكتاتوري إلا في كونه أكثر تكلفة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً. حيث انه يستنزف موارد الدولة لتمويل الانتخابات التي لا تعدو كونها شكلية أو صورية.
فالعبقرية اليمنية عند تصميمها لهذه الطريقة بالحكم لم ترم على الاطلاق إلى الوصول إلى نظام ديمقراطي للحكم أو حتى يؤدي إلى نظام ديمقراطي ولو بعد حين. بقدر ما كان موجهاً للخارج بهدف التعتيم واظهار اليمن وكأنها أقرب إلى الديمقراطية من كثير من الدول المجاورة. ويبدو أن هذه الفكرة لم تكن حكراً على قوة سياسية بعينها بل إنها تبدو العامل المشترك لكل القوى السياسية بدون استثناء.
ورغم إن الوضع قد وصل إلى منتهاه وتفاقمت معاناة المواطن اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً إلى حد غير مسبوق جعل اليمن تتهاوى إلى قاع قائمة الدول المغرقة بالتخلف بل أن بلادنا صارت في وضع أدنى بكثير (في كثير من العوامل والمتغيرات) من الدول الفاشلة كالصومال.
ورغم ذلك فإن القوى السياسية لا يبدو أنها تعي الوضع الحرج الذي بتنا نعيشه ولم يصل إلى علمهم المستوى الرفيع من الوعي الذي اكتسبه شبابنا والذي وصل إلى حد جعلهم في وضع لن يسمحوا باستمرار انتهاك أو مصادرة حقوقهم مهما كانت الأسباب، وأن أية محاولة لإعادة الروح لنوع من الديمقراطية الصورية أو الشكلية لن يكون مقبولاً.
وليسمح لي قادة العمل السياسي على امتداد الساحة الوطنية أن أكرر لهم نصيحتي بأن يترفعوا عن استخدام وسائل قد عفا عليها الزمن. فالظلم قد بلغ مداه في مجتمع صار أكثر وعياً إلى حد يفوق كل تصور، بل إنه بلغ من الوعي حداً لم يقبل معة مساومة. وفي مثل هذه الحالة على كل طامع الحذر الشديد من العواقب فمن (امتطى نمراً حار كيف ينزل عن ظهره) مثل صيني.
إن أعداء وطننا وأمتنا يتهموننا بالغباء والكبر والحقد والحسد ويعولوا على هذه الصفات المذمومة في حكمهم على مستقبلنا واطمأنوا بها. ولأن دلائل الغباء ثلاثة هي (العناد والغرور والتشبّث بالرأي) كما أكد على ذلك (بارتون). وأنا بكل ثقة أراهن على أنكم أكبر من أن تصبكم أي من هذه الصفات الذميمة.
كما أراهن على أننا الأمة الأكثر وعياً وإدراكاً بأن الكبر والحقد والحسد هي أول عصيان لله سبحانه وتعالى وهو ما فعله إبليس اللعين ضد أبينا آدم عليه السلام. كما نعلم أكثر من غيرنا إنه مكتوب على باب الجنة (لا يدخله من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر). كما نعلم إن إبليس لا يضع التاج إلا على رأس ابنه الذي يجعل الإنسان يخاصم أخاه.
خارطة طريق
إذا لم يفهموا فالبدائل قاتمة إلى أبعد الحدود. أما اذا هم قدّروا المسئولية التي تقع على عاتقهم وتفهموا طبيعة المرحلة وتحدياتها، والعمل من أجل الخروج المشرف من التداعيات الراهنة، وما آلت اليه الأمور في الوطن من حرصهم على المصلحة الوطنية العليا ويجنب الانزلاق نحو ما يهدّد سلام وأمن الوطن والمواطن، فالخيارات مفتوحة وممكنة. وباعتباري من المتفائلين فسأفترض أنهم يتفهمون طبيعة المرحلة، ولهذا فسوف أضع بين أيديهم مشروع خارطة الطريق التالية:
أولاً: مبادئ اساسية:
1 - يجب علينا جميعاً وضع حد للعبث واللا مبالاة الذي يسود حياتنا، وليكن لنا من التاريخ عبرة. فمن يطّلع على وضع أوروبا بالعصور الوسطى لا يجد ثمة اختلافاً بينه وبين حالنا المعاش في أرجاء الوطن العربي بل وكثير من الدول الاسلامية.
فرغم ما تحقق لديهم حينها من تقدّم من وقت إلى آخر ، إلا أنه كان يسير بدون هدى ودون خطة أو غاية محددة وواضحة، ولهذا فرنه لم يفلح في إخراجهم من الطريق المسدود الذي وقعت فيه الانسانية قروناً طويلة.
وبالتالي فقد استمرت أوروبا بالتخبّط في براثن التخلف حتى جاء أولئك العلماء أو المفكرون الذين حظيت بهم أوروبا، وقرّروا في أذهان الناس أن الحياه لا تجري عبثاً، بل تسير وفق قوانين ونظم دقيقة ومحددة، وإن التقدم ضرورة لابد منها وأن الفكر الحر هو أساس التقدم الحضاري كله. وبهذه الأفكار قاد رجال الفكر ما يسمى فيما بعد بعصر التنوير. فقد كان السؤال الذي يتبادر إلى أذهان أولئك العلماء العظام هو: ماذا نعمل اليوم لكي يكون مستقبل الحضارة الإنسانية خير من حاضرها وأمسها؟ أي إنهم كانوا معنيين بالمستقبل أو أنهم نبّهوا الأوروبيين لضرورة أن تكون الغاية من كل عمل أو تصرّف راهن هو خدمة المستقبل ليكون أفضل.
ونحن بهذا لا ندعو إلى تقليد الغرب (رغم ان التقليد إذا كان سينقلنا إلى الأفضل فهو ليس عيباً) بقدر ما ندعو إلى العمل بكتاب الله سبحانه وتعالى والذي سبق علماء أوروبا بأكثر من ألف ومائة عام، بقوله جلّ وعلا (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً)، الآيه (115) من سورة المؤمنين، وقوله جل وعلا (الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار)، سورة آل عمران الآية (191).
2 - أكد العلم والتجربة أنه لا يمكن لأية أمة أو حكومة أو حتى مؤسسة أن تضع قدمها في طريق ثقافة النجاح والتميز. والارتقاء في سلم الحضارة إلا عندما يؤمن أفرادها بمبدأ المصير المشترك (نربح معاً أو نخسر معاً)، والعمل الجماعي التعاوني. فيد الله مع الجماعة، والنسر لا يطير بجناح واحد، واليد الواحدة لا تصفّق.
3 - إن قوة ومقدرة أي مجتمع لا تقاس بكمية ما يملك ذلك المجتمع من أشياء أو موارد مادية فحسب، بل بمقدار ما فيه من أفكار وبمدى العلاقات التي تحكمه. فالمجتمع ليس مجرد كم من الأفراد يمتلكون كماً من الأشياء والأفكار، بل هو اشتراك هؤلاء الأفراد في اتجاه واحد من أجل القيام بوظيفة معينة ذات غاية.
هذا العمل لا يتم بمجرد اتفاق عفوي بين الأشخاص والأفكار والأشياء, بل هو تركيب هذه العوامل الاجتماعية الثلاثة، التركيب الذي يحقق معه ناتج هذا التركيب في اتجاهه وفي مداه تغيير يفضي إلى تطور المجتمع، وسواء اعتبرت استجابة لتحدٍ معين بحسب ما ذهب إليه (تويني) أو إنها ثمرة لتعارض معيّن طبقاً لمنهج (هيجل)، فإن شبكة العلاقات الضرورية لأداء العمل الاجتماعي المشترك ما هي الا نتاج الظروف والشروط التي تحدث الحركة التاريخية نفسها، كما أن اكتمال شبكة العلاقات هذه يعد الشرط الأول للارتقاء بأي مجتمع.
ثانياً: اجراءات عاجله:
1 - نبذ العنف والتمسّك بالخيارات السلمية في حل كافة القضايا من قبل كل القوى السياسية، والتوقيع على ميثاق شرف يؤكد على هذا المبدأ، والعمل على إضافته بشكل صارم في الدستور والقوانين. والشروع فوراً بوقف كل الأعمال العسكرية على كل الجبهات، والعودة إلى طاولة الحوار باعتباره الطريق الوحيد لحل الخلافات السياسية ، وتحقيق المصالح الوطنية الشاملة كخطوة في طريق تحقيق اصطفاف وطني حقيقي يضمن صون أمن واستقرار ووحدة الوطن.
2 - عدم الزجّ بالدين واستخدامه بأي شكل في الصراعات السياسية باعتبار أن اليمن من البلدان القليلة التي يؤمن كل سكانها بدين واحد هو الدين الاسلامي الحنيف مع عدد قليل جداً من اليهود، ويشهد التاريخ أن اليمن كانت واحة أو مثالاً يُحتذى به للتعايش السلمي. أما الفارق المذهبي بين الشافعية والزيدية فهو هامشي للغاية ولم يشكل أي خطر أو تهديد يُذكر على مدى التاريخ.
ويجب أن لا يشكّل أي تهديد في المستقبل وفوق ذلك فإن سيدنا محمد (ص) عندما أنشأ الجماعة الإسلامية الأولى في المدينة لم ينشئها في صورة نفر من الحواريين أو الدعاة ، وإنما انشأها (ص) في صورة مجتمع إنساني عادي يضم الناس جميعاً على اختلاف مشاربهم ومكانتهم. فالإسلام هو شريعة أو طريق، ولا طريق بغير سابلة كما يؤكد علماء الدين. فهو لا يتمثل قط في صورة رجل منقطع للعبادة ، كما نرى في غيره من الأديان، ولقد عبّر خاتم الأنبياء (ص) عن ذلك أصدق تعبير حيث قال (ص) (لصبر أحدكم على مجالس المسلمين ساعة خير من عبادة مائة عام)، فهو إذاً دين حياة ومجتمع ولقاء وأخذ وعطاء.
3 - سرعة استكمال الاجراءات التنفيذية لكافة الاستحقاقات لمخرجات الحوار بما فيها إقرار الدستور وكافة الاجراءات والقوانين المطلوبة للوصول إلى انتخابات حرة ونزيهة وفق برنامج زمني صارم لا يتعدى ستة أشهر يشمل إليه واضحة ودقيقة للتداول السلمي للحكم.
4 - الإسراع بتشكيل حكومة كفاءات مصغرة من مستقلين أكفاء لتسيير الأعمال خلال الفترة الانتقالية يتزامن مع تطبيق نضام صارم للامركزية بتوسيع صلاحيات المحافظات.
5 - التزام كل القوى السياسية بتقديم اعتذار للشعب اليمني عن كل ما بدر منها من أعمال أضرّت بالوطن والمواطن يتضمن تعهداً بعدم التكرار.
6 - على كل القوى السياسية العمل جاهدة على الحفاظ على الوحدة الوطنية وعدم استخدامها كورقة للمساومة لأنها تشكل أكبر خطر يمكن أن يهدد المجتمع ويقلب كل الموازين.
7 - إذا ما أحسنا النوايا وأسرعنا الخطى لإنجاز كافة المتطلبات المبينة أعلاه. فستكون الخطوة التالية هي انخراط الجميع في حملة وطنية واسعة للتنمية الاقتصادية الشاملة تنتشل الوطن من حالة البؤس والافقار التي يكابدها شعبنا.
الإخوة قادة العمل السياسي جميعاً: أرجو أن تقدروا الوضع الذي وصلتم إليه، والاستحقاقات المترتبة عليه وإمكانات أحباب الله وخيار من في الأرض (الشعب اليمني)، هذا الشعب العظيم الذي منّ عليه المولى عز وجل بنعمة الصبر والجلد. وتسارعوا الخطى نحو غد أفضل بإرادة قوية ورؤية ثاقبة وطهارة اليد والضمير وقرارات حازمة وعزيمة لا تلين للنهوض من براثن التخلف والقهر والحرمان.
والأمل بنيل هذه المطالب العظيمة يكون أكبر مع اللحمة والوحدة الوطنية فلنعمل جميعاً من أجل البلدة الطيبة وسكانها أحباب الله خير من في الأرض. وسيرى الله عملنا ويوفقنا.
* أستاذ الاقتصاد السياسي، رئيس مركز دراسات النهضة، رئيس الجمعية اليمنية للنهضة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.