صوموا تصحوا.. والصوم هو الصبر وترويض النفس وإخماد جذوة الشهوات.. به يصبح الصائم كورقة خضراء تنثر هواء نقياً وظلاً ومتعة للعين فلماذا يجعل بعض الناس من الصيام حجة وغطاء لاختلالات سلوكية في مأكلهم ومشربهم وغذائهم للفجور في إدارة الخلافات وتجاوز نظم السير وآداب الطريق وسبباً للضغوط في المطبخ وإهمالاً للأطفال ما يؤدي إلى حالات إسعافية ترهق أقسام الطوارئ في المستشفيات. الصوم باب للسعادة والسعادة ليست فقط خلو الجسم من الأمراض ولكنها الصحة النفسية التي تتطلب التواد والتراحم والتسامح والتوازن في سلوكيات الإنسان عامة، وتنعدم معها كثير من الحالات المفزعة التي نشاهدها في أقسام الإسعافات في المشافي والناتجة إما عن نهم الأكل في أول الشهر والحوادث المرتبطة بالتهور في آخره وأمراض وسلوكيات وجرائم في أيامه ولياليه. قلة الوعي الصحي إن الأمراض المرتبطة بالتخمة والتلوث الغذائي أو التسمم وما تؤدي إليه من إسهالات وقيء وحمى ومغص معدي ومعوي وكلوي حالات شائعة ومتزايدة من بداية شهر رمضان.. ولا يخفى على كل ذي وعي أن الصوم مدرسة للصحة كما لا يخفى على أحد مغزى قول أديب غربي “ليس هناك حب أصدق من حب الطعام” ولكن من غايات الصوم امتحان للإنسان في تهذيب هذا الحب لينسجم مع مقاصد الفريضة بكبح الشهوات وإيقاظ العقل وصحو الضمير وتوازن السلوك تجاه الذات والآخرين.. وهذا ما لا يدركه بعض الناس حسب رأي الدكتورة عبير أنيس من قسم الطوارئ في المستشفى الجمهوري بتعز والتي تضيف قائلة: الحالات المرتبطة بقلة الوعي الصحي بل ومخالفة ما تربينا عليه من سلوكيات تقف وراء كثير من أمراض الجهاز الهضمي التي تصل إلينا إلى جانب حوادث السير وهي غالباً جروح بسيطة ورضوض ناتجة عن صدام سببها الموتورات وإصابات سببها إهمال الأطفال وارتفاع ضغط الدم بين الكبار. إسعافات أولية في الطوارئ يقوم الطاقم المناوب بإجراء الإسعافات الأولية حسب الإمكانيات المتاحة وطبيعة كل حالة فماذا عن هذه الإمكانيات تقول د. عبير: هي إمكانيات بسيطة مقارنة بحجم وعراقة المستشفى وكثافة السكان والاختناقات التي تحصل أحياناً في رمضان وتستدعي إحالة المرضى إلى الأقسام الأخرى لوجود الإمكانات بعد إجراء الإسعافات الأولية فالطوارئ تواجه الحالات البسيطة وتعتبر ترانزيت للحالات الأخرى متمنية أن ترى المستشفيات في بلادنا وخاصة أقسام الطوارئ بتجهيزات وإمكانيات أكبر وأفضل من مستوى مركز صحي. أما مشرف المستشفى صلاح السامعي فيرى أن التحسن ملحوظ في قسم الطوارئ فهو معزز بجهازي التنفس الصناعي وتخطيط القلب وغرفة عمليات صغيرة وإن كانت الحاجة قائمة لأشياء قد لا تتوفر في كافة أقسام الطوارئ في المستشفيات الحكومية والخاصة وتظهر أهميتها دائماً, لاسيما في الساعات التي تصفد فيها شياطين الجن في أيام رمضان وتكثر فيها الحوادث والحالات المرضية من إسهالات وتلوث الغذاء وغير ذلك. حوادث السير وفقاً لسجلات الحالات التي حصلت على الرعاية في قسم الطوارئ بمستشفى الثورة العام التعليمي بتعز فإن الحوادث متزايدة منذ بداية شهر رمضان سواء حوادث سير الموتورات والسيارات أو الحوادث الناتجة عن شجارات استخدمت فيها أدوات حادة كالساطور والجنابي يليها حالات الإسهالات والقيء والمغص المعدي والكلوي والتسمم الغذائي.. ويؤكد الدكتور عمرو عبدالعزيز طربوش أن حوادث السير عادة تزيد في أواخر شهر رمضان وأمراض الجهاز الهضمي الناتجة عن التسمم الغذائي تتزايد غالباً في أول الشهر ولا تنقطع خلاله ويضيف د. عمرو: إن الحالات الواصلة خلال النصف الأول سواء الحوادث أو غيرها نسبتها مرتفعة ولافتة. إسعافات عقب الإفطار في الفترة الصباحية أكثر ما تصل حالات بسيطة بشكل عام تعاني من: “الحمى , الصداع” . أما في المساء أي بعد الإفطار فترد حالات مريضة: مصابة بالإسهالات , القيء , التسمم الغذائي , الالتهابات المعدية والمعوية وغالباً بين فئة الشباب أما كبار السن فحالات مرضية مثل: ارتفاع ضغط الدم وجلطات ومنها ما تحتاج إلى تدخل جراحي يوكل إلى أطباء اختصاصيين أو رقود في أقسام الباطنية والجراحة.. هذا ما تؤكده الدكتورة منى خالد سعيد من قسم الطوارئ في مستشفى الثورة بتعز وتقف مع زميلتها الدكتورة عبير أنيس بأن كثيرا من هذه الحالات مرتبطة بأساليب وأنماط تناول الغذاء بعد صيام يوم كامل. حوادث الشجار تضيف د منى : إن وجود الكادر وتفانيه على مدار الساعة وتوفر الأجهزة الإسعافية في مستشفى الثورة يحقق خدمة أفضل ويعوض أي نقص أو اختناقات في بعض الأحيان، واستطردت د منى قائلة: كمسلمين ومواطنين ومتحضرين لا نملك إلا أن نسبح ونحمد الله المتحكم بمصائر البشر عندما نشاهد طبيعة حالات حوادث الشجار واستخدام الساطور والجنبية وكذا حوادث الدراجات النارية وتزايدها والضحايا المجهولين فكما تشاهدون رجلا مسنا وجده فاعلو خير مرمياً في جانب الطريق مضرجاً بدمائه, قمنا بإسعافه وقدمنا له كل ما يلزم ولا نعلم له قريبا.. هذا واجبنا ولكن ما يشعر المرء بالألم والحسرة أن توجد حوادث اغتصاب أطفال في رمضان لا تقل عن حالتين نستقبلها يومياً لأطفال بين 6 7سنوات مضيفة: بعض جرائم اللواط أو الاعتداءات الجنسية على الأطفال نقوم بكتابة تقارير لهيئة المستشفى لطلب الطبيب الشرعي حسب طلب أولياء الأمور بعد إجراء اللازم ليتسلم هؤلاء من الإدارة التقرير ويتابعوا الطبيب الشرعي. اعتداء مروع من جانبه يرى الدكتور سمير الحسامي أن بين حالات حوادث الشجار حالة اعتداء على شخص بساطور في العنق من قفاه تبعه قيام المجني عليه بمحاولة رش الجاني بزيت مغلي من مطبخه ولما تدخلت أمه وأخوه الأكبر وأخته لمنعه أصيب الأخ والأخت بحروق في الوجه واليدين وهذه الحالات تصل إلى الطوارئ بمعدل أدناه حالتان يومياً من أول رمضان وتقع مع اقتراب موعد الإفطار أو بعده وهناك حالات إصابات بأعيرة نارية وطعن تأتي من مدينة تعز وخارجها سواء من محافظة إب أو لحج أوالضالع.. انحرافات وعنف يتابع د سمير قائلاً: يندهش المرء عندما يصل الشجار بين اثنين إلى استخدام السلاح الأبيض أو الناري كأن تصل حالة شخص مضروب ورأسه مفتوح من أعلاه إلى ما دون الأذن، كما أن قلة العناية بالأطفال وإهدار الوقت ليلاً في السهر والنهار في النوم قد يجعل الأطفال عرضة للاعتداءات الجنسية لذا فالتوعية بمخاطر تلك السلوكيات مثمرة. أقسام الطوارئ قلة من الناس يستطيعون تحمل أعباء الدواء ولذلك يتساءلون عن حقهم في الحصول عليه خلال وصولهم أقسام الطوارئ في المشافي فيما هذه الأقسام تفتقر إلى المتطلبات الأساسية رغم التحسن الذي يقول به المعنيون فالحاجة إلى وسائل التعقيم وبعض الأجهزة كجهاز الصدمات الكهربائية وتجهيزات غرف العناية المركزة في هذه الأقسام غير متوفرة أو ناقصة وبعضها تستخدم عند الطلب من أقسام أخرى, ما يفزع أهل المرضى بسبب التأخير الذي يرونه بسبب القصور في الخدمات الإسعافية الأساسية, لكن الوضع في المستشفيات الحكومية من حيث الكادر الطبي والتمريضي يبدو مريحاً للعاملين في الطوارئ ويلمسه المواطن في تعز الذي يبقى همه مركزاً على تكاليف الخدمات الإسعافية في المشافي الخاصة لمن هو مضطر فأقسام المشافي الأهلية تستقبل حالات ذات صبغة رمضانية أي بسبب الغذاء والتهور كأمراض الجهاز الهضمي من إسهالات والتهابات معوية وسوء تغذية وتسمم وحوادث تتطلب جبر كسور وجبسا كما يقول أحمد الوجيه من طوارئ مستشفى فلسطين منها ما يحصل على إسعافات أولية بتكاليف منخفضة ومنها ما يتطلب استدعاء طبيب مختص وإجراء عمليات إذا احتاج إليها المريض فالحوادث موجودة في شهر رمضان وتحمل الصائمين عن الطعام والشراب إلى المرافق الصحية بعيداً عن طريق : صوموا تصحوا. نقص أجهزة الدكتور عبدالقادر شرف الدين اختصاصي أمراض القلب في المستشفى الجمهوري بتعز يستشعر حالة ارتفاع أسعار الدواء وتذمر البعض لعدم الحصول على دواء في أقسام الطوارئ أو نقص بعض الأجهزة ويتطرق إلى مرضى في نطاق اختصاصه قائلاً : هناك رخص للمرضى ومنهم من يصوم وهو مريض ويتناول يومياً أدوية مرض القلب وعزوفهم عن تناول الدواء يؤثر سلباً على صحتهم مما يتطلب أحياناً وصولهم إلى أقسام الطوارئ بالرغم من أن علاجهم هو في أيديهم إلا أن كثيرا من الحالات والحوادث تحصل بحجة صيام رمضان وبذلك يوجدون غطاء لتصرفات بالإمكان تجنب نتائجها.. أما أقسام الطوارئ كماهو الحال في “الجمهورية” وغيره من المستشفيات فلا دواء فيها ودورها إسعافي وحسب ما نسمع من العاملين في الطوارئ هناك روتين يعيق مهامهم فلو احتاجوا مبلغا صغيرا من المال لمواجهة طارئ في وقت محدد فإنهم يضطرون إلى الانتظار حتى تتم الإجراءات بين المستشفى والوحدة الحسابية، كما أنه لابد من الاهتمام بتدريب الكادر في الطوارئ وتوفير العناية المركزة وهذه حالة تعاني منها معظم أقسام الطوارئ ليس في تعز وحدها بل وفي غيرها من المحافظات على حد سواء حسب علمنا.. مضيفاً: قسم الإسعافات في مستشفى الثورة بصنعاء هو الوحيد القسم النموذجي في اليمن. إشكالات يشفع لأقسام الطوارئ أنها محطات عبور تجري فيها الإسعافات الأولية وما أمكن للحالات المعقدة ثم يتم نقلها إلى الأقسام الداخلية حيث توجد أجهزة وكادر متخصص مثل قسم القلب في مستشفى الجمهورية بتعز أو الجراحة والباطنية في الثورة ماعدا ذلك لا إشكالات حسب رأي د. منى خالد, لاسيما وأن الدوام في الطوارئ واجب مقدس, والأداء يعززه تفاعل المتطوعين من طلاب وطالبات كلية الطب بجامعة تعز وهو ما تراه د. عبير أنيس من جانبها مكسبا للمستشفيات كما هو لكليات الطب ومعاهد التمريض. خدمات أفضل من ناحيته يؤكد نبيل ثابت علي “م.الثورة” أن وجود العناية المركزة في قسم الطوارئ وطبيب مختص وأجهزة لم تكن موجودة حتى وقت قريب كتخطيط القلب وجهاز الصدمات،والأسرة والعناية بتجهيزاتها وانضباط الطاقم الطبي والتمريضي ووجود طبيب جراحة في القسم كل ذلك يجعل إقبال الحالات يتزايد على طوارئ م. الثورة ليرتقي بمستوى الخدمات الإسعافية إلى جانب دور قسم الحريق الإسعافي والعلاجي الذي يقصده الناس من أنحاء المحافظة وعدد من المحافظات:إب, لحج , الضالع , ذمار والمناطق القريبة من م. الحديدة. حيث تؤدي الإصابات بالحريق إلى ما مآس تجعل المصاب كورقة صفراء أسقطها الخريف من غصنها ونظراً لافتقار أنبوبة البوتجاز المنزلي للرائحة النفاذة التي اخترعت للكشف عن تسرب مادة الغاز واتقاء شر الحريق كان لابد من تطوير القسم لمواجهة الحالات المصابة. مخاطر تسرب الغاز المنزلي في مستشفى الثورة بتعز مركز الحريق مستقل فهو إسعافي وتجرى فيه العمليات والرعاية المستمرة للمرضى وحسب د. سامي قاسم الشرعبي فإن أغلب الحالات التي تصل للمركز سببها تسرب الغاز المنزلي لعدم وجود النسبة المقررة دولياً من الرائحة النفاذة في العبوة وأغلب المصابين من الأطفال منهم 4 من أسرة واحدة إلى جانب الأم والأب أدخلوا القسم قبل أيام قليلة ويضيف الشرعبي: طبعاً علاج مرضى الحريق بطيء ويحتاج المريض إلى 15 ألف ريال على أقل تقدير لوقف تدهور صحته وضعف أداء أجهزته ما يرهق محدود الدخل ويضني الفقراء وهو ما يوجب مزيداً من التوعية والاهتمام الإعلامي ليس في شهر رمضان فقط حيث تزيد الضغوط على النساء في المطابخ فكثيرون هم عرضة للحريق في المطاعم والبوفيهات بسبب الغاز. التزام بالدوام وبخصوص دوام الطاقم الطبي والتمريضي في شهر رمضان قال الشرعبي: في مجال الصحة عموماً الانضباط موجود وإن وجدخلل هنا أو هناك في حالات نادرة أو محدودة فإن السيئة تعم، وبعون الله تعالى نتمنى لكل إنسان السلامة من كل شر , لاسيما حوادث الحريق في رمضان وفي غيره من الأوقات. كما نرجو من الله أن يكثر من الناس المقتدرين من أهل الخير الذين يدعمون المصابين ،ومنهم من يزور القسم لوجود مريض لهم فيتأثرون ويقدمون ما يستطيعون وفي هذا الشهر الفضيل ندعوهم للبذل والعطاء. مناشدة أهل الخير أم محمد جاءت لزيارة أحد المرضى في مركز الحريق فأسبلت دمعة حرى لكنها لم تُغن عن الكلمات لأنها أرادت أن توصل رسالة لأهل الخير لدعم أقسام الطوارئ بما أمكن من أجل حفظ ماء وجه الفقير والبائس الذي يباغته المرض وخاصة الحريق.. هذه الرسالة لا ينفك القريبون من واقع المستشفيات وأقسام الطوارئ يطلقونها خاصة دعوتهم المجتمع المدني ومنظماته للتوعية بأهمية مساعدة المرضى ورفد بنوك الدم لإنقاذ من يباغتهم المرض وتفاجئهم الحوادث وهم في قلب الأزمات المالية والعوز إلى من يأخذ بيوتهم وهذا هو لسان حال كثير من العاملين في القطاع الصحي.