كارثة وشيكة ستجتاح اليمن خلال شهرين.. تحذيرات عاجلة لمنظمة أممية    تعز تشهد المباراة الحبية للاعب شعب حضرموت بامحيمود    وفاة امرأة عقب تعرضها لطعنات قاتلة على يد زوجها شمالي اليمن    عاجل..وفد الحوثيين يفشل مفاوضات اطلاق الاسرى في الأردن ويختلق ذرائع واشتراطات    مليشيا الحوثي تعمم صورة المطلوب (رقم 1) في صنعاء بعد اصطياد قيادي بارز    انتحار نجل قيادي بارز في حزب المؤتمر نتيجة الأوضاع المعيشية الصعبة (صورة)    إعلان عدن التاريخي.. بذرة العمل السياسي ونقطة التحول من إطار الثورة    دوري المؤتمر الاوروبي ...اوليمبياكوس يسقط استون فيلا الانجليزي برباعية    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    "مشرف حوثي يطرد المرضى من مستشفى ذمار ويفرض جباية لإعادة فتحه"    طقم ليفربول الجديد لموسم 2024-2025.. محمد صلاح باق مع النادي    "القصاص" ينهي فاجعة قتل مواطن بإعدام قاتله رمياً بالرصاص    "قلوب تنبض بالأمل: جمعية "البلسم السعودية" تُنير دروب اليمن ب 113 عملية جراحية قلب مفتوح وقسطرة."    لماذا يُدمّر الحوثيون المقابر الأثرية في إب؟    غضب واسع من إعلان الحوثيين إحباط محاولة انقلاب بصنعاء واتهام شخصية وطنية بذلك!    بعد إثارة الجدل.. بالفيديو: داعية يرد على عالم الآثار زاهي حواس بشأن عدم وجود دليل لوجود الأنبياء في مصر    أيهما أفضل: يوم الجمعة الصلاة على النبي أم قيام الليل؟    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    دربي مدينة سيئون ينتهي بالتعادل في بطولة كأس حضرموت الثامنة    رعاية حوثية للغش في الامتحانات الثانوية لتجهيل المجتمع ومحاربة التعليم    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    "مسام" ينتزع 797 لغماً خلال الأسبوع الرابع من شهر أبريل زرعتها المليشيات الحوثية    استشهاد أسيرين من غزة بسجون الاحتلال نتيجة التعذيب أحدهما الطبيب عدنان البرش    الصين تبدأ بافتتاح كليات لتعليم اللغة الصينية في اليمن    تشيلسي يسعى لتحقيق رقم مميز امام توتنهام    إعتراف أمريكا.. انفجار حرب يمنية جديدة "واقع يتبلور وسيطرق الأبواب"    شاب سعودي يقتل أخته لعدم رضاه عن قيادتها السيارة    تعز.. حملة أمنية تزيل 43 من المباني والاستحداثات المخالفة للقانون    الهلال يلتقي النصر بنهائي كأس ملك السعودية    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    أهالي اللحوم الشرقية يناشدون مدير كهرباء المنطقة الثانية    صدام ودهس وارتطام.. مقتل وإصابة نحو 400 شخص في حوادث سير في عدد من المحافظات اليمنية خلال شهر    تقرير: تدمير كلي وجزئي ل4,798 مأوى للنازحين في 8 محافظات خلال أبريل الماضي    قيادي حوثي يخاطب الشرعية: لو كنتم ورقة رابحة لكان ذلك مجدياً في 9 سنوات    الخميني والتصوف    نجل القاضي قطران: والدي يتعرض لضغوط للاعتراف بالتخطيط لانقلاب وحالته الصحية تتدهور ونقل الى المستشفى قبل ايام    انهيار كارثي.. الريال اليمني يتراجع إلى أدنى مستوى منذ أشهر (أسعار الصرف)    إنريكي: ليس لدينا ما نخسره في باريس    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    جريدة أمريكية: على امريكا دعم استقلال اليمن الجنوبي    محلل سياسي: لقاء الأحزاب اليمنية في عدن خبث ودهاء أمريكي    الرئيس الزُبيدي يُعزَّي الشيخ محمد بن زايد بوفاة عمه الشيخ طحنون آل نهيان    أولاد "الزنداني وربعه" لهم الدنيا والآخرة وأولاد العامة لهم الآخرة فقط    15 دقيقة قبل النوم تنجيك من عذاب القبر.. داوم عليها ولا تتركها    يمكنك ترك هاتفك ومحفظتك على الطاولة.. شقيقة كريستيانو رونالدو تصف مدى الأمن والأمان في السعودية    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و568 منذ 7 أكتوبر    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف سيتحقق الأمن الغذائي.. وشعار الجميع «رزق يوم وعافية يوم»؟!
نشر في الجمهورية يوم 03 - 09 - 2010

كوارث طبيعية وجفاف يلهب أسعار القمح عالمياً ويرفع فاتورة الغذاء الذي يستورده اليمنيون بصورة شبه كلية ليتوسعوا في زراعة القات ويعمقوا آبار المياه ويرفعون معدل النمو السكاني لم يعد الأمن الغذائي مجرد شعار يرفعه البعض ويدعو إلى تحقيقه على المدى الطويل فمع تكررا الأزمات المالية والاقتصادية والكوارث الطبيعية التي عاشها العالم في السنوات القليلة الماضية وتداعياتها التي امتدت إلى معظم دول العالم صار الأمن الغذائي من أولى الأولويات الشاغلة لكل دول العالم..لكن الاستراتيجيات والمعالجات التي تضعها الدول بأن تحقيق الأمن الغذائي لم يعد مجرد التمكن من توفير مخزون استراتيجي من الغذاء يكفي لتلبية احتياجات السوق المحلية لأشهر معدودة بل اثبت الواقع أن الوعي الاجتماعي وثقافة الاسترشاد يمثلان حجر الزاوية في تحقيق الأمن الغذائي بكل صوره وأشكاله المختلفة, لاسيما في ظروف مشابهة للظروف الاقتصادية التي تعيشها بلادنا والمخاطر الغذائية التي تتهددها نتيجة اعتمادها شبه الكلي على استيراد كافة المواد الأساسية من الخارج مما يجعلها من أكثر الدول المتأثرة بأي أزمات اقتصادية وكوارث طبيعية تحدث في الخارج خاصة في ظل انعدام وجود إستراتيجية وطنية للأمن الغذائي وغياب ثقافة ترشيد الاستهلاك لحماية الأمن الغذائي وبالتالي يبقى الوعي الاجتماعي بمسألة ترشيد الاستهلاك مسألة ملحة , لاسيما في ظل حالة الإسراف اليومي التي نشاهدها في الإقبال الحاد على مختلف المواد الغذائية , لاسيما في شهر رمضان المبارك من جهة ومن جهة أخرى الكميات الكبيرة من الفضلات التي ترمى في سلات القمامة وتهدر مئات الملايين من الريالات من ميزانية الأسر دون الإدراك لمخاطر الإسراف ومن هذا المنطلق سعت عدد من منظمات المجتمع المدني إلى عمل دراسات وندوات موسعة للتوعية بأهمية ثقافة ترشيد الاستهلاك والمخاطر المترتبة على مسألة الإسراف والتبذير ورمي بقايا الغذاء إلى سلال القمامة وضرورة الإسراع بإنجاز إستراتيجية للأمن الغذائي وتنمية الموارد الزراعية الوطنية.
ولأهمية هذا الموضوع, لاسيما خلال شهر رمضان المبارك أجرت «الجمهورية» لقاءات مع عدد من المعنيين خلال انعقاد ندوة الترشيد والأمن الغذائي في اليمن والتي نظمتها جمعية ترشيد الاستهلاك بالتعاون مع وزارة الصناعة والتجارة الغذائية وعرضت فيها عددا من الدراسات وأوراق العمل التي سلطت الضوء على واقع الأمن الغذائي في اليمن والمخاطر التي تهدد المجتمع نتيجة الاستهتار بالترشيد والاقتصاد المنزلي وكذا مخاطر انتشار القات على حساب الرقعة الزراعية والمعالجات التي تنفذها الحكومة في هذا الجانب وغيرها من القضايا المرتبطة بالأمن الغذائي لتكون البداية حوار مقتضب مع الأخ الدكتور يحيى بن يحيى المتوكل وزير الصناعة والتجارة والذي أشار إلى المخاطر المتربة على تجاهل الأمن الغذائي في اليمن والأوضاع التي يعيشها الاقتصاد اليمني في ظل محدودية الموارد والإجراءات الحكومية للحد من آثار الأزمات الغذائية العالمية معرضة إلى أسباب موجة الغلاء غير المبرر لأسعار المواد الغذائية في الأسواق اليمنية خاصة مطلع رمضان كما سرد حقائق عن واقع الغذاء في اليمن وما يهدد الأمن الغذائي اليمني حيث قال:
فاتورة الغذاء باهظة
المؤشرات الأساسية والهامة تقول إن حوالي 7.5 مليون من سكان اليمن يقعون تحت مستوى الأمن الغذائي وإن اليمن ضمن قائمة العشر دول الأقل أمنا في الغذاء وإن الرقعة الزراعية في اليمن محدودة ومع شحة الموارد المائية ليس لدينا خيار كبير في زيادة الإنتاج الزراعي إلا من خلال رفع كفاءة الإنتاج وإن الموارد المالية لخزينة الدولة وتحديدا تسديد فاتورة الغذاء تشهد تراجعا بسب تراجع العائدات النفطية و فاتورة استيراد الغذاء تتجه بطبيعتها نحو الزيادة حيث تتراوح فاتورة القمح السنوية مابين مائة وخمسين إلى مائة وسبعين مليار ريال إلى جانب 60 مليار ريال سنويا من أجل استيراد الأرز ومن هنا يبرز سؤال أساسي كيف يمكن مواجهة هذه الفاتورة في ضوء تراجع إيرادات النفط واستمرار تحمل خزينة الدولة دعم المشتقات النفطية بما يزيد عن 600 مليار ريال سنويا وطبعا هذه مجموعة مؤشرات تعكس تعقيدات الوضع وضعف الاقتصاد الوطني في ظل محدودية الموارد وتواضع إمكانيات القطاعات الاقتصادية المختلفة سواءً في الصناعة أو الزراعة أو السياحة أو التعليم وغيرها وبالتالي نحن بالفعل بحاجة لمعالجات غير تطبيبية ومبادرات وأنشطة تبرز المزايا النسبية والتنافسية للقطاعات الاقتصادية.
سيادة المستهلك
وعن المحددات لاتجاهات العرض والطلب للإنتاج أو الاستيراد للمواد الغذائية وغيرها من الخدمات ودور المواطن في تحديد المعادلة السوقية قال وزير الصناعة:
للأسف هناك دور أساسي وهو غائب للمستهلك اليمني فنحن نعلم نظريا أن السوق يدار بما يسمى سيادة المستهلك فإرادة المستهلك هي التي تتحكم بالإنتاج والاستهلاك معا من خلال قرار المستهلك بترشيد الإنفاق السلعي ليدفع المنتج لزيادة العرض لذا يجب أن يفعل مبدأ سيادة المستهلك في الاقتصاد من خلال المعرفة بالمعطيات الأساسية لاتخاذ القرار وللأسف لابد من دور أساسي لنا جميعا في توعية المستهلك بهذا الاتجاه بحيث يتخذ القرار الرشيد وهذه قضية يجب أن تحوز على اهتمامنا جميعاً.
العامل الآخر والطرف الآخر في المعادلة السوقية هم التجار ورجال الأعمال منتجين أو مستوردين أو تجار تجزئة وبالتالي يجب أن نحث التجار ورجال الأعمال على مراعاة المهنية في عملهم وطبعا لا يمكن أن نعمم أن مبدأ الاستغلال ظاهرة مرتبطة بجميع التجار ولكن هناك فئات تمارس الاستغلال والاحتكار للسلع والخدمات السوقية ونجدها فرصة لحث التجار على الالتزام بالقيم الدينية وبالمسئولية الوطنية في هذا الشأن.
الوضع صعب للغاية
كيف تقيمون مستوى قيام الدولة بدورها الرقابي على الأنشطة السوقية وتحقيق متطلبات الأمن الغذائي؟
بطبيعة الحال لا ينبغي أن نغفل دور الدولة أو نعتقد أن الدولة تتهرب عن مسئوليتها في هذا الشأن ففي ظل آلية السوق الحر وخصخصة اقتصاد السوق يبقى دور أساسي للدولة يرتبط بالعمل التنظيمي والعمل الإشرافي والرقابي في الوقت نفسه فهذه من صميم مسؤوليات الدولة.
وأود أن أشير هنا إلى أن الدور الرقابي تحديدا يجب أن يفعل من قبل السلطة المحلية وهو مسعى الحكومة في إطار التوجه نحو اللامركزية للسلطة المحلية وليس فقط من خلال تطبيق الصلاحيات وإنما أيضا تحقيق مسئوليات أكثر تحديدا في الرقابة السوقية وهي مسئولية السلطة المحلية ولا يمكن لأي وزارة من ديوانها العام أن تشرف على المديريات القريبة والبعيدة في الوقت نفسه وهذه من القضايا التي ينبغي أن نوليها اهتماما خاصا ونعزز دور السلطة المحلية ونعمل على توفير الكوادر وتدريبها لتتمكن من القيام بدورها على أكمل وجه.
أما فيما يخص إستراتيجية الأمن الغذائي فقد حاز هذا الموضوع على اهتمام ورعاية أكبر بعد أزمة الغذاء العالمي لأنها بينت بشكل واضح وجلي المؤشرات و الموقف الاقتصادي اليمني من الأمن الغذائي والوضع حقيقة صعب للغاية ومعقد كما أشرنا , لاسيما في ظل اعتماد اليمن على الاستيراد حيث تستورد حوالي 95% من احتياجها من القمح ولا يوجد فرص لزيادة الإنتاج الكبير وإنما يمكن تحسين كفاءة الإنتاج لكن كزيادة مطلقة من الصعب تحقيقها في ظل شحة الموارد المائية.
لذا سنبقى عرضة للتقلبات والتداعيات الخارجية التي هي أكثر من العوامل الداخلية وبالتالي لابد أن يكون لدينا منظور إزاء الأمن الغذائي وهذا ما دفع الحكومة للاتجاه نحو إعداد إستراتيجية للأمن الغذائي بالتعاون مع بعض الجهات المانحة وقد انطلقت الفكرة بالتركيز على جانبين أو محورين أساسيين أولها يتعلق بالإنتاج الزراعي وكيف يمكن أن نعزز أو نزيد كفاءة الإنتاج وجانب آخر مرتبط بالتجارة بمعنى إلى أي مدى يمكن أن نعتمد على الاستيراد فلا بد أيضا أن يكون لدينا تصور في استيراد هذه السلع الأساسية وأيضا في عملية التجارة الداخلية وتوزيع المواد الأساسية وضمان وصولها للمستهلكين في كافة مناطق اليمن في إطار الإستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي ولكن تطورت الإستراتيجية بعد النقاشات المكثفة إلى التركيز على قضايا أخرى مرتبطة بالأمن الغذائي ولا يمكن إغفالها من ضمنها النمو السكاني باعتباره متعلقا بشكل أساسي بعمليات الاستهلاك والأمن الغذائي وارتباطه بالإصلاحات الاقتصادية ومنها قضية الدعم للمشتقات النفطية وبعض المؤشرات الصحية وهي أيضا قضايا أساسية والأهم من ذلك إبراز مسألة المخزون الاستراتيجي للسلع الغذائية وهي القضية الرئيسية فلابد أن يكون لدينا مخزون استراتيجي يخفف على الأقل من حدة الأزمات الخارجية والداخلية هذه الإستراتيجية في مراحلها الأخيرة وتناقش بصورة نهائية وستقدم إلى مجلس الوزراء في القريب العاجل لإقرارها بشكل نهائي ونأمل أن تساعد بالفعل على وضع الأسس للتعامل مع المتغيرات المرتبطة بالأمن الغذائي سواءً الخارجية أو الداخلية.
رفع كفاءة الإنتاج
واستطرد وزير الصناعة حديثة بالقول:
نحن بحاجة إلى تعزيز الرقابة الميدانية من قبل أجهزة الدولة المختلفة ، ونتطلع إلى أن يكون هناك دور داعم من قبل منظمات المجتمع المدني في هذا الاتجاه وطبعا التوجيهات الأخيرة سواء من قبل القيادة السياسية أو الحكومة تؤكد أهمية استقرار الأسواق والمحافظة على استقرار العملة وعدم المغالاة في الأسعار وتوفير السلع .. الدولة من خلال ما شهدته البلاد في السنوات الأخيرة من تأثيرات الأزمة الغذائية العالمية والأزمات الاقتصادية المالية المختلفة التي دفعت بالحكومة إلى إعادة النظر في العديد من سياساتها وخاصة فيما يتعلق بالأمن الغذائي من خلال رفع كفاءة الإنتاج واستخدام أدوات إنتاجية عالية الكفاءة.
وحول ندوة ترشيد الاستهلاك والأمن الغذائي التي عقدت مؤخراً بصنعاء قال:
الإعداد لهذه الندوة تم منذ فترة غير قصيرة وهي تعكس وتبرز الشراكة الثلاثية بين الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني وينبغي أن نشيد بهذه الشراكة ونعزز من دورها ليس فقط في إطار النشاط الفكري وإنما في الميدان العملي والحقل الميداني و وجدنا التوقيت المناسب لانعقاد هذه الندوة خلال شهر رمضان المبارك لارتباط هذا الشهر الكريم وللأسف الشديد بزيادة في الاستهلاك فلابد أن نبرز الضوابط بين الترشيد للاستهلاك والإنفاق جاءت الندوة بعد أسابيع من اضطرابات في الأسواق بسبب تراجع صرف الريال اليمني من ناحية وأيضا الارتفاعات غير المبررة للأسعار للسلع والخدمات الأساسية وبالتالي خرجت بتصورات ورؤية لمعالجة قضايا ملحة ترتبط بمعيشة الناس وتنمية وعيهم الغذائي.
كارثة في الاستهلاك
كما التقينا بالأخ يحيى الحباري عضو مجلس الشورى وسألناه عن الوسائل اللازمة لتأمين الحد الأدنى من احتياجات المواطن اليمني في ظل اعتماد اليمن على الاستيراد شبه الكلي للمواد الغذائية فأجاب بالقول:هناك كارثة في عملية الاستهلاك، اليمن تستورد من القمح ما يصل إلى 2.4 مليون طن وهي كمية هائلة جدًا وقيمتها أيضاً كبيرة بخلاف تكاليف نقلها وإيصالها وتفريغها وتعبئتها. المشكلة الأساسية في استيراد هذه الكميات ترجع لعدة أسباب، أولها: الهجرة من الأرياف إلى المدن وعدم الاستفادة من الأراضي الزراعية، حيث يتذرع المزارعون بقلّة الأمطار. الأمطار تأتي في مواسمها إذا كانت النّية موجودة أصلاً عند المزارع. قال تعالى «ادعوني استجب لكم».
زراعة القات
واستطرد في حديثه:
هناك مشكلة خطيرة تتعلق بتحوّل 70 بالمائة من الأراضي الزراعية إلى زراعة القات وكان على الدولة أن تحد من زراعة القات واستنزاف المياه، ببدائل زراعة البقوليات التي نستوردها بكميات كبيرة مثل الفول والفاصوليا والبازلاء والحلبة، كما نستورد القمح والأرز بكميات كبيرة. اليمن كانت دولة منتجة ومصدرة للحبوب ولكن للأسف الكارثة حلت.
الاستهلاك يوجد فيه عبث كبير وغير عادي فعلى سبيل المثال يتم إهدار كميات كبيرة من الخبز في المنازل والمطاعم وليس هناك ما يشير إلى ترشيد الاستهلاك ففي المنزل تقوم ربة البيت بعجن كمية من الدقيق تكفي 50 شخصًا وتقدمها لخمسة أشخاص فقط في حين تقدّم المطاعم والمخابز الرشوش لثلاثة أو أربعة أشخاص وهو يكفي ل20 شخصًا.
مواجهة الوضع الاقتصادي بمسئولية
هل هناك ما يمكن عمله للحفاظ على هذا الفاقد من الخبز والغذاء؟
أشير هنا إلى دراسة أعدتها طالبات في كلية التجارة بجامعة صنعاء خلصت إلى أن ما بين 30- 40 بالمائة من الاستهلاك اليومي من الحبوب وخاصة القمح في صنعاء يذهب إلى النفايات، ناهيك عن كميات كبيرة من الأرز تلقى المصير نفسه. الأرز كله مستورد وهذه كارثة اقتصادية في بلد فقير مثل اليمن فكيف تستورد كل شيء إلى النفايات ونحن في مجموعة شركات الحباري تختلف رؤيتنا عن الرؤية التقليدية التي تهدف إلى الكسب في معزل عن أي التزام آخر وبالتالي نؤكد التزامنا تجاه شعبنا ووطننا.
والترشيد الذي نقصده هو الترشيد في استهلاك واستغلال كل شيء من السلع المصنعة إلى الموارد الطبيعية والخدمات وما خلقه الله من نعم لعباده يجب المحافظة عليها بالتوسط والترشيد تطبيقا لقوله تعالى :» كلوا واشربوا و لا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين « ولذلك نؤمن بضرورة التدبير والترشيد والتخلص من عادات التبذير والإسراف السيئة وكما تعلمون فقد شهد محصول القمح العالمي انخفاضا كبيرا في البلدان الرئيسية المنتجة له في أوروبا وروسيا بسبب الظروف المناخية وارتفاع درجات الحرارة وأدت هذه الظروف إلى انخفاض إنتاج القمح فأدى ذلك إلى ارتفاع تصاعدي للأسعار العالمية مضاف إليه بالنسبة لبلادنا التطورات في قيمة الريال مقابل الدولار خلال الخمسة الأشهر الماضية وكل هذه العوامل تسببت في ارتفاع الأسعار محليا واثر ذلك على المواطن بشكل مباشر وخلق وضعا مؤلما يستلزم أن نتصرف كحكومة وقطاع خاص ومجتمع مدني بمسئولية وأن يتفاعل المواطنون جميعا في ترشيد استهلاك الخبز بكل أنواعه والأرز وغيرها من المواد الغذائية الأساسية الأخرى كون هذه المواد مستوردة وتطبيقا لقوله تعالى :» إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربة كفورا « كما يجب التدبر في قول الله تعالى: «لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال» في النهاية أبوا وقالوا :» ربنا باعد بين أسفارنا» هذه كارثة تحملنا أعباءها منذ آلاف السنين، ونحن الآن نعمل بالأسلوب نفسه الذي كان يعمل به أجدادنا الأولون, نتكبر ونقيم ولائم مكلفة.
دور الغرف التجارية والصناعية
في ظل الوضع الاقتصادي الحالي ما الحل؟- على الدولة أن تقوم بتنفيذ حملة إعلامية كبيرة للتوعية بترشيد الاستهلاك عبر كافة وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة في المنازل والمطاعم والشوارع والأندية والمساجد.. في كل مكان، هذه نعمة إذا قدرناها فسوف ينعم الله علينا وإذا تعاملنا معها بعبث فسوف يحاسبنا الله، لا بُد من الحد من هذا العبث، فهناك عبث يومي كبير في الخبز بكل أنواعه والأرز والخضروات، فحتى أفقر بيت في اليمن يرمي الخبز والأرز في القمامة ، في السابق كانت المواشي والدواجن تأكل ممّا يخلفه الإنسان على مائدته من بقايا الأطعمة، أما الآن فهي تفضّل أن تأكل الأعلاف المصنعة، حيث يتم رمي مخلفات الأطعمة في النفايات مما يشكل ضرراً أيضاً على البيئة.
و من هنا أطالب الاتحاد العام للغرف التجارية الصناعية بإقامة ندوات وورش عمل وفعاليات لتوعية المستهلك والتجار في كيفية التعامل مع معيشتهم وغذائهم وتجارتهم، فالاتحاد ليست مهمته فقط تعميد وتوثيق المستندات وتجديد بطاقات الغرف وإجراء انتخابات، عليه أن يشارك بفعالية في حملة كبيرة للتوعية الإعلامية بأهمية ترشيد الاستهلاك.
إيجاد فرص حقيقية للنهوض
ختاماً أتمنى أن تستعيد الزراعة مكانتها وتعود إلى سابق عهدها وأن نفكّر في زراعة ما نستهلكه وليس زراعة القات, وأطالب الدولة برفع الضريبة العامة على القات بأنواعه المختلفة حتى يتحول الشباب إلى العمل بدلا من قضاء أوقاتهم في مضغ القات لساعات طويلة وإيجاد فرص حقيقية للنهوض بالقطاعات الاقتصادية الرئيسية : الزراعة والصناعة والسياحة وغيرها واستغلال الوقت في زيادة الإنتاج خاصة وان الشباب هم أساس التنمية في المجتمع وهم القوة الأساسية لبنا الوطن كما أتمنّى على الدولة تنشيط السياحة الكاملة وليس السياحة المحددة, أن تنمِّي السياحة المفتوحة, فعدد السكان يتزايد، ومعدل النمو السكاني كبير والكثافة السكانية كبيرة، والنفط لن يحل مشاكل الاقتصاد، وإنما الزراعة والسياحة، فلو فتحنا الأبواب السياحية، وأنشأنا البنية التحتية اللازمة للسياحة فستُحل مشاكل البلد الكثيرة، وخاصة الفقر والبطالة.
الادخار عامل مهم
الأخ قائد العميثلي رئيس جمعية ترشيد الاستهلاك تحدث من جانبه وقال : نظمنا ندوة ترشيد الاستهلاك مطلع شهر رمضان المبارك والذي أصبح بالنسبة للكثيرين في بلادنا موسما للتسوق والإقبال الشديد على شراء وتخزين ما هو ضروري وغير ضروري من الأطعمة الرمضانية والسلع الغذائية المتنوعة والإفراط في تنويع الأكلات على موائد الطعام الرمضانية والتي قد تذهب غالبا إلى أكياس وحاويات القمامة وهو ما يتنافى مع المعاني السامية والقيم النبيلة التي جاء بها شهر رمضان المبارك شهر الصوم والعبادة والتي تعبر بمقاصدها عن جملة من الفوائد المادية والروحية المتعلقة بجوانب الترشيد وقضايا تحقيق الأمن الغذائي بكل أبعاده الاقتصادية وطبعا من خلال الندوة هدفنا إلى احتواء فقر الغذاء والأزمة الغذائية القائمة على أساس الشراكة الشعبية والمسئولية لجميع شرائح المجتمع من خلال نشر ثقافة الترشيد لمواجهة تحديات الأمن الغذائي وترسيخ قيم الترشيد في مواجهة ما تشهده البلاد من تطورات في أسعار السلع والخدمات الأساسية وفي مقدمتها القمح والحبوب.
كما هدفنا إلى بحث الأهمية الكبيرة لقطاع الزراعة وسبل تضييق الفجوة بين حجم استهلاك الغذاء وخصوصا الحبوب ومنها مادة القمح الإستراتيجية وبين الكميات التي يتم استيرادها من الخارج على المدى المتوسط والبعيد إضافة إلى التطرق إلى أهمية الترشيد من منظور إسلامي ودور المرأة في الترشيد والأمن الغذائي والشيء الأهم كان هدفنا تحالفا وطنيا واسع النطاق في مواجهة مشكلة انعدام الأمن الغذائي والإحاطة بالأدوار الثلاثة الأساسية المؤثرة في ترسيخ قيم ترشيد الاستهلاك والمساعدة في حل هذه الإشكالية وتمكين اليمن من الإيفاء بأهداف الألفية من خلال جهود الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني و تحفيز منابر الرأي المختلفة على القيام بدورها من أجل تأسيس وإشاعة ثقافة الترشيد الاستهلاكي في أوساط المجتمع والتذكير المستمر بالتزام المجتمع ومسؤولياته تجاه مشكلة انعدام الأمن الغذائي والتي تكمن في الممارسات الرشيدة وفي مقدمتها ترشيد الاستهلاك والادخار الذي يعتبر عاملا مهما من أجل تحقيق الأمن الغذائي.
الإسلام والتعامل الأمثل
وحول رؤية الإسلام في مسألة ترشيد الاستهلاك والإنفاق تحدث إلينا الأخ إسماعيل إبراهيم الذاري وقال:
الأمن الغذائي حاضر في الكتاب والسنة النبوية الشريفة ففي قول النبي صلى الله عليه و سلم:» بيت ليس فيه تمر جياع أهله» توجيه كريم للاهتمام بالنوعية الغذائية, و كذلك في ذكر النبي صلى الله عليه و سلم و مدحه لقوم أبي موسى الأشعري بسبب فعلهم الحسن في تحقيق الأمن الغذائي حيث كانوا يسلكون أسلوبا فريدا في أيام القحط و هو تجميع الطعام من كل البيوت و خلطه ثم توزيعه بالتساوي . و هكذا بهذه التوجيهات و اللفتات النبوية للغذاء و نوعيته و الحفاظ على النعمة من الإسراف و التبذير و الزهد في الأخذ بالدنيا و في الاستخدام الأمثل للغذاء دون إسراف، بكل هذه التوجيهات القرآنية و النبوية استطاعت الأمة الإسلامية تجاوز المحن و الرمادة التي أحلت بالشعوب وما يزال تاريخ عام المجاعة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه شاهدا على قدرة الأمة على تجاوز الصعاب و التعامل الأمثل مع الغذاء.
استهلاك مرشد
وحول مفهوم ترشيد الاستهلاك قال الذاري:
هو توجيه الاستهلاك ليكون منظما واعيا بقدر الحاجة في الضروريات للحياة وفيما لا إسراف فيه أو بذخ في الكماليات فيكون بذلك استهلاكا مسئولا مرشدا وهذا النوع من الاستهلاك المرشد المسئول هو الاستهلاك الشرعي المأمور به دينيا والموافق لما جاءتنا به الشرائع والأعراف والمنظمات العالمية,وقد ظهر اهتمام الإسلام بالأمن الغذائي وتقدير نعمة الغذاء من خلال عدة محاور وآداب ظهرت من خلال القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وأهل بيته وأصحابه والعلماء الأتقياء عبر التاريخ ويظهر هذا واضحا جليا خلال ما يلي:
تقدير النعمة
ومضى الذاري في حديثه: وجه الإسلام المسلم إلى شكر النعمة المسخرة له من خالقه وتقدير نعمته واحترامها وإلى التعامل مع الطعام بأدب بحيث تقدر الكميات قدر الحاجة وتحاشي الزيادة حتى لا ترمى وتهان ,حتى النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث أمر بالتقاط اللقمة الساقطة وإماطة الأذى عنها.
النهي عن الإسراف
كما وجه الإسلام إلى التعامل مع الطعام كوسيلة وليس غاية لإشباع رغباتنا ولذاتنا قال تعالى»وكلوا واشربوا ولا تسرفوا» وقال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: » بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان ولا بد فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه).
الأمر بالزهد
ووجه الإسلام إلى التعامل الأمثل في الحياة بكل جوانبها بأن نزهد عنها و لا نأخذ منها إلا الحد الأدنى و نوجه اهتمامنا إلى الآخرة و كسب الثواب و الذي منه الزهد و الإعراض عن الدنيا و ملذاتها ،فخذ من الدنيا كزاد الركب.
تشجيع الإنتاج الزراعي
كما حث على الزراعة حتى لو قامت الساعة و في يد أحدكم فسيله فليغرسها (الحديث الشريف), و أقر شرعية الاتفاق بين مالك الأرض و المزارع و شجع على إحياء الأرض الميتة بزراعتها انه أحق بها إن أحياها بالزراعة.
وما ورد في قصة رؤيا الملك وادخار الغلة في سورة يوسف إلا إشارة وتوجيه قرآني للأمة بأهمية الادخار و ضرورة العمل به وابتكار أفضل الوسائل لادخار الزائد عن الحاجة الضرورية لتحقيق الأمن الغذائي وتوفير الغلة في وقت القحط .
التخزين للغلة
برع اليمنيون القدماء في حفر المدافن و تجهيزها لتخزين الغلة و هذا واضح في الحصون و القلاع الحميرية و في كل الأرض اليمنية،وبناء المدرجات واستغلال الصالح من الأرض للزراعة.
و جاء التوجيه الإسلامي موجها لسلوكيات الفرد والمجتمع نحو ترشيد الحياة والاستمتاع بكل ما أنعم به الله علينا بالقدر المناسب الموافق للعقل والحاجة دون زيادة تؤدي إلى الإسراف والإنفاق الرشيد يقتضي تحري الكسب الحلال وإلا يصرف في المحرمات وإلا فيكون تبذيرا وكذلك لا يصرف في الزائد عن الحاجة في المباحات وإلا فيكون إسرافاً.
و نصوص الشريعة حددت المقدار الذي ينفقه المرء مما يجب عليه في ماله ، وتركت الأمر بالخيار في الإنفاق المندوب.
وكذلك نصوص الشريعة أوجبت الإنفاق الرشيد للفقراء والمساكين والأرقاء والغارمين ومن في سبيل الله وابن السبيل، إضافة إلى ذلك حثَّ المسلمين ونَدَبهم على النفقة عليهم، زيادةً في الاهتمام بهم نظرا لظروفهم القاهرة، ومراعاة لعطلهم وبطالتهم.. وطبعا والحديث لايزال للأخ إسماعيل الذاري: وسطية الإسلام تظهر جلية في الأمر بترشيد الحياة كلها وعلى رأسها الإنفاق وتحويله إلى استمتاع بالمباح وبالقدر غير المضر بالفرد أو بالمجتمع.
إهمال لما شيده الآباء
كما تحدث الدكتور علي سيف كليب حول إنتاج الحبوب والأمن الغذائي اليمني وقال:
كما تعرفون فقد عُرفت اليمن قديما واشتهرت بالعربية السعيدة؛ للدلالة على رغد العيش الذي كان فيه أهلها، فقد أطلق عليها هذا الاسم لما تتمتع به من غنى وخيرات، وقد وصفها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم مشبهاً إياها بالجنة، يقول تعالى: « لقد كان لسبإ في مسكنهم آية، جنتات عن يمين وشمال، كلوا من رزق ربكم واشكروا له، بلدة طيبة ورب غفور» صدق الله العظيم.وفي وقتنا الحالي يعاني قطاع الزراعة (أهم القطاعات الاقتصادية على الإطلاق) من إهمال شديد، فما بناه الآباء عبر السنين دمره إهمال الأبناء؛ فالأيدي العاملة في قطاع الزراعة هجرته بحثا عن عائد أفضل، والسيول وعوامل التعرية اقتطعت جزءاً لا يستهان به من المدرجات والأراضي الزراعية، الأمر الذي أثر سلباً على الزراعة وبشكل خاص إنتاج الحبوب.
الإنتاج المحلي من الحبوب
وعن الإنتاج المحلي من الحبوب يقول الدكتور علي سيف نظراً لاعتماد الزراعة في اليمن، خاصة المحاصيل التقليدية (الحبوب)، على مياه الأمطار، فقد شهد الإنتاج المحلي من هذا المحصول تذبذباً واضحا خلا الفترة 1990 2008، متأثراً بكمية الأمطار ومساحة الأرض المزروعة، كما أن المساحة شهدت هي الأخرى تبايناً، وتراجعت خلال النصف الأول من العقد الحالي، ومتوسط المساحة المزروعة بالحبوب بلغت حوالي 2,62% من إجمالي المساحة المزروعة، ورغم ذلك فمتوسط إنتاج هذه المساحة بلغ حوالي 685 ألف طن لتلك الفترة، كما أن الكمية المنتجة شهدت ارتفاعا وانخفاضاً حسب مساحة الأرض، فأقصى كمية منتجة بلغت 8,940 ألف طن عام 2007، وهو العام الذي بلغت فيه المساحة المزروعة أعلى مستوى لها، وأدنى كمية منتجة كانت حوالي 428 ألف طن عام 2003، حيث كانت فيه مساحة الأرض المزروعة بالحبوب في أدنى مستوى.
ومن خلال تتبع المساحة المزروعة بمختلف أنواع المحاصيل كانت هناك ملاحظة جديرة بالاهتمام، ويجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، ففي الوقت الذي اتصفت فيه مساحة الأرض المزروعة بالحبوب بعدم الثبات، كانت المساحة المزروعة بالقات تشهد نمواً مضطرداً، نظراً للعائد المرتفع الذي يحققه مزارعو القات، فمن 8000 هكتار سنة 1970، تمثل 1% من مساحة الأرض الزراعية مقابل، 1082 ألف هكتار للمساحة المزروعة بالحبوب وبنسبة 85% من مساحة الأرض المزروعة (استخلصت البيانات الخاصة بسنة 1970 من الثوابت؛ 2000)، ارتفعت المساحة المزروعة بالقات لتصل سنة 1995 إلى 88939 هكتارا، ثم إلى 102934 هكتارا، سنة 2000، وواصلت الزيادة لتصل سنة 2003 إلى 110873 هكتارا وفي سنة 2008 بلغت هذه المساحة 146810 هكتارات ، لتمثل 7,10% من مساحة الأرض المزروعة، أي إن مساحة الأرض المزروعة بالقات تضاعفت بأكثر من عشرة أضعاف، أما مساحة الأرض المزروعة بالحبوب فقد شهدت تراجعاً ملحوظاً؛ حيث تراوحت نسبتها بين 2,76%، و 4,49 %، وبلغ متوسطها 2,62% للفترة من 1990 وحتى 2008م.
والجدير بالذكر أن كتب الإحصاء السنوي لبعض السنوات قد دمجت مساحة الأرض وكمية الإنتاج لكل من الحبوب والبقوليات في بند واحد، إلا أن هذا الإجراء لم يكن له تأثير كبير على الإحصائيات.
الفجوة الغذائية
نمط الاستهلاك في اليمن يقول الدكتور على سيف: لقد تأثر بشكل كبير في العقدين الأخيرين، فانتشار الوعي الغذائي والتقليد والمحاكاة لدول الجوار، وكذلك البرامج التليفزيونية كان لها دور كبير في هذا التحول، ناهيك عن الهجرة من الريف إلى المدن، كل هذا أدى إلى زيادة الكميات المستهلكة من الغذاء، إلا أن الحبوب استمرت على حالها، محتلة الصدارة في قائمة سلة الغذاء للمواطن اليمني، خاصة أبناء الريف الذين يشكلون غالبية السكان، فالحبوب تشكل لمعظمهم أكثر من 95% من الغذاء اليومي، وإن كان ثمة تحول في استهلاك نوعية الحبوب لصالح القمح المستورد ومشتقاته.
ونظراً لمحدودية الأرض الزراعية، وتناقص المساحة المزروعة بالحبوب، كان اللجوء للاستيراد هو الحل لسد الفجوة الغذائية في مجال الحبوب، خاصة القمح، الذي تتسع فيه الفجوة الغذائية سنة بعد أخرى؛ فالإنتاج المحلي ينخفض سنوياً بمعدل 5% وفي المقابل يزداد الاستهلاك من نفس السلعة بمعدل 25% في السنة، و بلغ متوسط الاكتفاء الذاتي من الحبوب حوالي 44% كمتوسط وقد تباينت هذه النسبة ارتفاعاً وانخفاضاً خلال السنوات من 1990 2008؛ حيث بلغت عام 1995، 5, 71 % كأعلى نسبة، بينما كانت أقل نسبة 2, 25 % في عام 2003.
أما متوسط الفجوة الغذائية فقد بلغ 48190مليون ريال، وكانت أعلى قيمة للفجوة حوالي 215 مليار ريال عام 2008، وأقل قيمة 2840 مليونا، في عام 1991.
فاتورة استيراد الغذاء
وحول مخاطر اتساع الفجوة الغذائية وازدياد فاتورة استيراد الغذاء أضاف الدكتور علي سيف كليب:
بلا شك الزيادة المستمرة في فاتورة استيراد الحبوب واتساع الفجوة الغذائية، يوضح بجلاء خطورة الوضع الذي يعيشه اليمن فيما يتعلق بأمنه الغذائي؛ فمحصول الحبوب الذي يعد أهم بنود الغذاء على قائمة المستهلك يأتي في المرتبة الرابعة من حيث القيمة في الإنتاج المحلي لقطاع الزراعة، بعد كل من القات، الفواكه، والخضروات، على الترتيب، وعلى الجانب الآخر تحتل الحبوب المرتبة الأولى في فاتورة الواردات، فقد تراوحت نسبة قيمة الواردات من الحبوب بين 7.3%، و16.8% من القيمة الإجمالية للواردات، مما يشكل عبئاً على ميزان المدفوعات، ويستنزف جزءاً لا يستهان به من حصيلة البلاد من النقد الأجنبي كان من الممكن توجيهها لمجالات وأنشطة اقتصادية تساهم في تعزيز القدرات الإنتاجية للمجتمع، فيما لو سعت البلد لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب، أو على أقل تقدير تقليص الفجوة الغذائية لهذا المنتج.
و المتتبع لنمط الاستهلاك في المجتمع اليمني سيكتشف وبوضوح تغير نمط استهلاك الحبوب باتجاه القمح المستورد، وهذا ما أدى إلى زيادة الفجوة الغذائية من هذا المنتج، وتعاظم فاتورة الاستيراد عاما بعد آخر، فمن حوالي 3.5 مليار ريال عام 1995، إلى حوالي 34 مليار ريال عام 2000، تزايدت لتصل إلى 50.6 مليار ريال عام 2003، وبلغت هذه القيمة حوالي 135.4 مليار ريال عام 2007، وفي عام 2008 وصلت قيمة فاتورة استيراد القمح 178.7 مليار ريال. وبتدقيق النظر في هذه الأرقام سنجدها قد تضاعفت عام 2000 بأكثر من 11 ضعفا عما كانت عليه عام 1995، ثم استمرت بالزيادة وبمعدلات كبيرة حتى وصلت إلى حوالي 60 ضعفا عام 2008.
وبمقارنة بسيطة بين قيمة فاتورة الحبوب، وما تمثله قيمة القمح في هذه الفاتورة، سنجد أنها تستحوذ على حوالي 80% منها، حيث كانت تمثل 74.3% من قيمة الحبوب عام 1995، انخفضت إلى 67.2% عام 2000، ثم عاودت الارتفاع مرة أخرى لتتمحور حول 82%، و 89.6% لبقية الأعوام المشار إليها سابقاً وهذه النسب أو القيم توضح وبجلاء خطورة الوضع الذي يعيشه اليمن فيما يتعلق بأهم عنصر أو مكون في سلة الغذاء للمواطن، ومن ثم أمنه الغذائي؛ وقد كان لتغير نمط الاستهلاك، وتحول غالبية مواطني اليمن لاستهلاك القمح المستورد بدلاً من الحبوب المنتجة محلياً (ذرة، دخن، وشعير)؛ أثر كبير في هذه الزيادة. و لا شك أن ضآلة الكمية المنتجة من القمح محلياً ستؤدي إلى تعاظم مشكلة الفجوة الغذائية سنة بعد أخرى، وللحد من خطورة هذه المشكلة فلا بد من وضع حلول آنية ومستقبلية تؤدي إلى تقليص هذه الفجوة؛ عن طريق استصلاح أراض جديدة، وتحسين طرق الإنتاج، وكذا تكثيف حملات التوعية بالفوائد الصحية لاستهلاك الحبوب الأخرى غير القمح ومشتقاته.وكما نعرف هناك العديد من الصعوبات التي تقف عائقاً وتحد من قدرات البلد على تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب (وبالذات القمح)، ولكن بشيء من التخطيط السليم والإصرار على النجاح يمكن زيادة الكمية المنتجة، وتقليص الفجوة الغذائية.
ضعف الاستثمارات الزراعية
وحول العوامل التي ساهمت في تفاقم الفجوة الغذائية من الحبوب، حصرها في الآتي:
هجرة الأيدي العاملة لقطاع الزراعة، نتيجة لانخفاض الإنتاجية والعائد، مقارنة بالقطاعات الأخرى..و الإهمال الذي أصاب الكثير من المدرجات التي كانت تستغل في زراعة الحبوب، ما أدى إلى انهيار مساحات كبيرة منها.و نظراً لاعتماد الزراعة على مياه الأمطار فإن زراعة الحبوب تتأثر بشدة بمواسم الأمطار شدة، ورخاء، الأمر الذي يزيد من هجرة المزارعين لهذا القطاع.
و التوسع في زراعة القات، وإحلاله محل زراعة الحبوب؛ نظراً للأرباح العالية التي يجنيها مزارعو القات.
وضعف الاستثمارات الموجهة لقطاع الزراعة؛ حيث لم تتجاوز هذه الاستثمارات 5.4% من إجمالي قيمة المشاريع الاستثمارية لسنوات الخطة الخمسية الثالثة 2006 2010، ومعظم هذه المشاريع لم تنفذ لعدم توفرها.كذلك تنامي الطلب على الحبوب، وخاصة القمح ومشتقاته، لعدة أسباب أهمها:
تحول نمط الاستهلاك في صالح القمح و زيادة معدل نمو السكان وتحسن مستوى الدخل والمعيشة، مقارنة بما كان عليه الوضع سابقا.
وحول سبل تقليص الفجوة الغذائية قال:
أعتقد لتجاوز هذه الصعوبات لا بد من اتخاذ بعض الإجراءات الضرورية والتي قد تساهم في تقليص الفجوة الغذائية من الحبوب وتنحصر في العمل على الحد من الهجرة الداخلية عن طريق تقليص فوارق الدخل بين الريف والحضر، وتوفير القدر المناسب من الخدمات، وتوجيه بعض الاستثمارات لإقامة مشاريع في الريف توفر فرص عمل لأبناء الريف، وتساهم في استقرارهم.و تكثيف حملات التوعية بأهمية الحبوب للأمن الغذائي وأمن البلاد القومي و العمل على توعية النشء بأهمية الأنواع الأخرى من الحبوب (ذرة، دخن, شعير) للصحة العامة، للتخفيف من استهلاك القمح ومشتقاته، والذي يستحوذ على النصيب الأكبر من واردات الحبوب.
وتكثيف حملات التوعية لترشيد استهلاك الغذاء بشكل عام والحبوب بشكل خاص وأيضا تخصيص مبالغ للبحث العلمي، ودعم كليات الزراعة ومراكز الأبحاث، من أجل تطوير أساليب لزيادة الإنتاجية من الحبوب، وإنتاج سلالات جيدة تتناسب والظروف المناخية وكميات الأمطار المتوفرة و إقامة المزيد من السدود التي تحفظ مياه الأمطار للاستفادة منها في الري ووضع ضوابط صارمة تحد من التوسع في إنتاج القات؛ كتحريم زراعة القات في الأراض التي كانت تزرع بالحبوب، وكذا منع حفر الآبار الارتوازية، والتي أصبحت خطراً محدقاً، كونها تهدد مخزون المياه، كذلك فرض ضرائب مرتفعة على القات، و حصر استهلاكه في أوقات وأماكن محددة.كما يجب تحريم استخدام وتحويل الأراضي الزراعية إلى أراض للبناء.
و تقديم الدعم لمزارعي الحبوب، من خلال توفير البذور المحسنة، وشراء فائض الإنتاج بأسعار تشجيعية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.