بالرغم من تدمير مكونه الجسدي ودع الماضي وأيقن أن الواقع هو الذي يجب التعامل معه بروح أكثر جدية توجيهات عديدة بتوظيفه لم تنفذ..وما يزال ينتظر «الفرج» في حياتنا من الأمور الغربية ما تجذب الإنسان إلى التعمق بالتفكير فيها وبخاصة حينما تتولد أسباب طارئة في حياة المرء، فتدفعه إلى خيارات مناقضة لما كان فيها قبل حدوث السبب في حياته..فبينت الإحباط وضنك العيش قد يتولد دافعاً آخر بفعل السبب فتجعل من المعني به ينتقل من تلك الدائرة المغلقة إلى ما هو أرحب وأجمل بحركته وإبراز قدراته.. فيما الآخر قد يجعل من السبب نهاية مشواره بتلبسه اليأس نفسه واعتقاده بغير حق أنه قد افتقد شيء مكن مميزاته التي كان يتمتع بها قبل حلول السبب القدري عليه. ومثل هؤلاء يحكمون على أنفسهم بالموت البطيء وربما أيضاً المبكر أحياناً ..هنا نحكي قصة احد الشباب الذين كان يجبره ضنك العيش الأسري أن يحمل بعد انتهاء الفترة الدراسية قدره المملوء بالبطاط ومعه طبق من البيض الناجح يركن في إحدى زوايا حارته يستجمع حوله زبائنه الذين اعتادوا عليه من الأطفال والشباب وهو الشاب المعاق فارس علي مثنى الراعي ولادة في ريمة وعيش في تعز كثير منا نحن اليمنيين من تجرفهم رغباتهم أحياناً وظروف عيشهم أحياناً أخرى إلى ترحيل مسميات المواطن الثابتة من قواميسهم فمن اليسر أن تجد فينا من يولد في أقصى شمال الوطن حيث الموطن والنسب العائلي إنما حينما تفتش عن موضع الاستقرار اللاحق لهذا الإنسان وتناسله الأسري ستجده في أقصى الجنوب والعكس أيضاً إنها هجرة تكرس روابط واحديه الأرض والإنسان فينا منذ الأزل ولذلك نجد هنا الشاب فارس الراعي الذي ولد في محافظة ريمة عام 1980م لكنه ترعرع وأينع في سفوح جبل صبر المنبسطة عند سفوحة تلك مدينة الرسوليين تعز هنا تربى فارس وفيها حمل أول كراريس المدرسة وكغيره وهم كثر في وطننا ممن ينتمون إلى محيط مصاب بداء الفقر الأسري لم يكن لدى الطفل فارس من خيار غير القبول بشرط الأسرة الذي يلزمه بالتنازل عن حقه كطفل بعدم اللهو واللعب في فترة ما بعد الظهيرة بعد عودته من مدرسته فهناك واجب فرضته عليه ظروف الحياة وقساوة العيش وكان عليه عند رجوعه من المدرسة ظهراً أن يتناول وجبته ويستريح قليلاً قبل أن يحمل القدر المملوء بالبطاط ومعه طبق البيض الناجح ليختار له زاوياه أو ركن ليجلس عليه ويستقبل من اعتاد عليه من الأطفال والشباب في شراء بضاعته تلك وبقدر ما كانت تحرمه حق اللعب لكنها كانت تغطي شيئاً من متطلبات الأسرة ومصاريف المدرسة وبقدر ما كانت السنوات تمضي ويكبر معها فارس وتتسع مداركه يدرك أكثر معنى المسئولية ويتمسك برغبته بالمشاركة فيها وإن كانت بسميات البطاط والبيض التي كبر حجم قدرها ووزنها مع زيادة في فوائدها مجهول يقود الأسباب وضمير ميت وقنبلة كان فارس قد بلغ 14 عاماً من عمره وهو يخوض معركتي التعليم والعمل الحر وفي مساء 239 1996م، كعادته الآمنة والمستأمنة بغيرها كان فارس يبتاع ما لديه قبل أن يقف أمامه رجل غادره الضمير وتلبسه الشيطان وبدا لفارس الطفل المنتصب انه إنسان أحب مساعدته وهو يطلب منه أن يحتفظ له الكيس حتى يقضي عمله ويعود ليأخذه. ولكونه برياً وأميناً لم يطلب معرفة ما في الكيس كما انه لم يفتشه بعد مغادرة صاحبه وتركه بموضعه دون أن يعلم بما كان يضمره له ذلك الرجل.. دقائق من مغادرة الرجل وإذا بانفجار شديد يدوي في المكان تدافع الناس على الموقع الذي اعتادوا على وقوف فارس فيه حتى وقت ما بعد العشاء كان فارس مرمياً في موضع آخر من موقعه كما هي عدته المتناثرة في الأنحاء تسارعوا إليه لينقلوه إلى مستشفى الثورة العام بتعز وضع محرج وحياة موت يحدد مصيره الخالق أولاً وأخيراً فيما لغز الانفجار ظل غامضاً لدى الناس هل كانت لديه شولة جاز أو غاز يسخن بها البطاط آخرون ينفون ذلك إذاً ما هو سر الانفجار أما في غرفة العناية المركزة بالمستشفى فالأطباء أشاروا إلى كسر في اليسرى من تحت الركبة وتمزق في عضلات الفخذ وتمزق عضلات الساق الأيمن وفقدان الرؤيا في العين اليسرى والسمع من الأذن اليسرى أيضاً وأخرى طفيفة لكن الأطباء يتسارعون إلى هدف وحيد البتر للساق الأيسر آخرون يقولون لا يمكن علاج الحالة فيما القرار حسمه جزار وبتر ساق فارس بعد خروجه من غيبوبته حكى الطفل الأمر مقصود بفعله أيام قلائل يتقن القتلة أن هدفهم لا يزال ينبض بالحياة فتسللوا في اتجاه المستشفى ومن ثم إلى غرفة فارس التي كان ممتداً فيها وكرروا محاولتهم تصفيته ولكن عبر وسيلة القتل الصامت انكشفت محاولتهم وقبض عليهم كما قبض على الجاني بعد فترة من الزمن وهو الواضع للقنبلة ولكن بأي ضمير أدار القضاء جلساته كما هي تحقيقاته التي جاءت من النيابة. عند منصة العدل فبين العدل والفقر خصومة يفرضها من يتحكم في موازنة الميزان العدلي بالمنصة.. فارس.. ياسيدي القاضي أنا من أسرة فقيرة ناصبني العداء من تلبسه جهل مورثات فيما لا أعلم ما يختزله عقله وحتى سنوات غابرة مما عاش وعاش فيها من يدعون بحق لهم لديه وفوق هذا تملكهم المال جعلوا منه وسيلة لقتلي والتحريف للحقيقة ومجراها لدى من ولتهم الأقدار مصير حياتنا من زاوية المسئولية القاضي عليك إثبات التهمة ضد هؤلاء المتهمين وجلب الشهود عليهم فارس سيدي التحقيقات والأدلة التي قدمتها الجهات الأمنية لديكم والشهود في حادث القنبلة والمستشفى تم تغييبهم عنا.. القاضي تؤجل الجلسات والتسويف وإطلاق السراح بالضمانة فارس فوضت أمري لله عز وجل ساق يسرى مبتورة وعين يسرى مغيبة وخسائر كثيرة لكل ذلك وبينهم عدل غائب ومتهم مطلق السراح. فارس بمكانه الاسم بالرغم من تلك المعانات والتدمير للمكون الجسدي بفعل القنبلة وفاعلها وأطباء جزارين ونيابة وقضاء ودع فارس الماضي وأيقن بإيمان أن الواقع هو الذي يجب التعامل معه بروح أكثر جدية فنال ببحثه أول بوادر الأمل من رجل خير والذي تحمل تكاليف عمليات التجميل الجراحية وزراعة عضلات جلد الركبة وأزالت الشظايا من رجله اليمنى لينطلق باحثاً عن سبل الحياة الجديدة ومنافذه ليلج من بوابة جمعية المعاقين حركياً بتعز في مسيرة يدرك أن أمر توقفها محكوم بقراره وبقناعاته ليجد نفسه أحد قيادات الجمعية من خلال انتخابات فرض بأعماله وتعاونه مع زملائه مكانته في قلوب أعضاء الجمعية رابط بين واجباته تجاه المعاقين وحقوقه في إكمال تعليمه الثانوي الذي ناله وكان يتطلع إلى الجامعة فيما للظرف المادي ما يمنعه معوضاً ذلك بالعشرات من الدولارات التدريبية والتأهيلية في العديد من الجهات مع اكتسابه لخبرات عديدة وتراكمية في مجال العمل الإداري والمسح الميداني وخدمات المعاقين فيما يبقى فارس الشاب الذي يناضل بإصرار كبير على تحيق آماله في الحياة كأي إنسان آخر يبحث عن حقه في الحصول على وظيفة مكفولة له بالدستور والقوانين العامة وإن كان قد نال العديد من الأوامر والتوجيهات من عدد من محافظي المحافظة الذين توالوا على قيادتها بما فيه الحالي إلا أن ذلك يظل في دائرة نضاله اليومي المستمر حتى يتحقق له هذا الحق المشروع فارس نموذج للإصرار الإنساني الذي لا تقهره عواصف الحياة مهما كانت عاتية.