للمعاق ظروفه وواقعه وصورته التي حددتها طبيعة الإعاقة، أحياناً يجبر المعاق ليكون عند البعض مجرد إنسان غير مكتمل فعاداتنا وتقاليدنا المنحازة إلى الرؤية التقليدية تبرز هذه الهوة وتجعلها حقيقة قابلة للتصديق وهذا يؤثر على المعاق ويجعله منزوياً غير قادر على بلورة شكله الحقيقي البعيد عن وضعية الاعاقة وقل من جراء ذلك الاهتمام به وصار البعض يعتبره منبوذاً من عالم الأصحاء. ثلاثة من المعاقين اجتمعوا على هذه العاهة وصاروا غير قادرين على السير، لكن ذلك لم يمنعهم من حمل رسالة العلم لتحقيق أهدافهم .. فهاني وايفان و ردفان .. هم من يجسدون لوحة حملت معنى القدرة وعدم التهاون والخضوع وتحدوا الجميع وكان يقف بجوارهم أسر وأصدقاء لم يخذلوهم وساندوهم بقدر ما يحتاجونه. التعليم أساس الحياة هاني سالم داهمته الإعاقة في الطفولة في عامه الأول نتيجة إبرة شاذة أفقدته الحركة من خطأ طبي ويصف هاني ذلك قائلاً : أصبت بالحمى وأنا في عامي الأول والثاني مما استدعى نقلي إلى المستشفى وتم حقني بإبرة بعدها لم أعرف نفسي إلا وأنا على هذه الحالة في عامي السابع انضممت إلى الدراسة الابتدائية لم يكن بمقدور هاني اكمالها ولم يستطع التكيف مع الواقع حينها ولولا مساعدة «اقبال قشاش» لكان هاني في قائمة الأميين ، وفّرت إقبال الامكانيات التي تساعده لكي يتابع مشواره التعليمي ويصف هاني ذلك الدور بالقول: كان دور الاستاذة إقبال رائعاً لمست منها عملاً إنسانياً هي من أضافت بعداً آخر لي في الحياة من خلال توفيرها كافة الامكانات من أجل تخطي الأزمة التي تعرضت لها وحفزتني على مواصلة التعليم حتى إنني أتذكر قولها (التعليم هو يا هاني من سيحدد قيمتك في الحياة). إقبال قشاش هي مشرفة في مشروع (brs) لتأهيل المعاقين قالت: صحيح أني كنت مرغمة لتوجيه هاني لأنه طموح ويملك أملاً كبيراً في الحياة وهذا قلل من فرص سيطرة الاعاقة عليه كنت مدركة أنه من يستحق لمن يدفعه لتحقيق أهدافه ، أسرة هاني عاملوه جميعاً كصديق وأعطوه كامل الحرية لعمل ما يراه مناسباً كونه رب البيت الوحيد وجعلوه يعتمد على نفسه ولم يشعروه يوماً أنه معاق ويرجعون إليه عند كل عمل. لحل مشاكل الأسوياء المرحلة الثانوية هي من أذكت مشاعر هاني نحو أهمية التعليم واقترابه لطلب الزواج كشف له أهمية مشواره التعليمي حيث تقدم هاني لطلب الزواج من فتاة أحبها وأحبته وتواعدا على الزواج ، كانت الفتاة ارستقراطية بينما هاني ذلك المعاق الذي يحمل شهادة الاعدادية أتى إلى أهلها لكشف حقيقة حبه ورغبته التقرب إلى الزواج منهم ، لكن رد الأسرة كان قاسياً لقد قالوا له :إننا لندرك أنك ذو أخلاق عالية وأسرة رفيعة لكنك لا تحمل مؤهلاً دراسياً ونحن لن نزوج ابنتنا إلا لمن يحمل المستوى الدراسي، وهذا ما دفع هاني إلى مواصلة مرحلته الثانوية وتوجه بعدها إلى كلية الآداب جامعة عدن في قسم الخدمة الاجتماعية ومازال هاني يواصل تعليمه هناك رغم الكثير من العوائق التي تقف أمامه ، فالبعد مشكلة يعاني منها أصحاء فكيف بمعاق يغادر كل صباح محافظة لحج إلى مدينة عدن على كرسيه . أما صالح النادر أحد الأصدقاء المقربين إلى هاني قال :- أنا عايشت هاني وأدركت مقدار التحدي الذي يحمله ليصل إلى المرتبة التي تجعل المجتمع يحترم إرادته، هاني شخص جمع بين العلم والإعاقة وكشف للناس أن الاعاقة ليست مشكلة وبذلك حقق رغم اعاقته مالم يحققه كثير من الأصحاء أنا أعتبره شخصاً جمع الأمل والطموح وطبق الشعار الذي يقول إن لايأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس ، الشيء الملفت في شخصية هاني أنه شخصية اجتماعية تحل مشاكل الآخرين من الأشخاص الأسوياء. أخي عنوان نجاحاتي المعاق الآخر وهو إيفان الذي يواصل تعليمه في كلية المجتمع (عدن) قسم التكنولوجيا والمعلومات هو الآن في المستوى الثالث ويحمل مرتبة متقدمة يروي حكايات من حياة الإعاقة الأولى قائلاً : أصبت بشلل نصفي في الجانب الأيسر من الجسم نتيجة الحمى ، أما فيما يتعلق بالتحاقي بالتعليم فلقد تأخرت عامين قبل الالتحاق بالتعليم الأساسي منتظراً أخي محمد لندخل معاً المدرسة وفي صف واحد ، كنت حينها في عامي التاسع أما أخي فكان في السابعة من عمره والذي كان وجوده عاملاً مساعداً لكوني انتقلت معه كافة المراحل التعليمية ابتداءً من الأساسي وانتهاءً بالثانوية. حياة ايفان طبيعية ولاشيء يكدر صفو حياته هذا ما عبر عنه قائلاً : حياتي تسير بشكلها الطبيعي وهذا عائد إلى تشجيع والدي وأهلي الذين وفروا لي كافة الامكانيات والمساعدات وشجعوني على تحقيق حلمي ولن أنسى فضلهم كما أن لأخي الأصغر دوره والذي اعتبره عنواناً لنجاحاتي لتجسيده قيم المحبة والأخوة الصادقة. محمد شقيق ايفان أبدى فخره بايفان «فهو شاب متفوق ونكن له نحن الأسرة كل الاحترام لم أشعر ايفان أن الاعاقة داهمته ، كانت معاملتنا له تقوم على أنه قادر على تحقيق الكثير من الأمور . هشام محمد صديق لايفان قال : - جمعتني الصداقة قبل أعوام بايفان ومن وقتها وأنا أجده أفضل أصدقائي فهو شخص مميز واجتماعي. مكسب الأصدقاء أما ثالث المعاقين الذين أجرينا لقاءنا معه فهو / ردفان خالد سعيد الطالب في كلية الآداب (عدن) قسم الفرنسي و كان شبيهاً باصابته بالاعاقة بزميليه هاني وايفان ويقول ردفان : - أنا متقبل الإعاقة بأمر طبيعي فأهلي لم لم يشعروني بأني فاقد لشيء وكذلك الاصدقاء والاعاقة لم تسبب لي ألماً ، انني لا أتصور أنني معاق ولا أجد ذلك واضحاً إلا من خلال مشاهدتي لكاميرات الفيديو عند اقامة الأعراس عندها أدرك أنني معاق..ردفان بدأ في الروضة ليتعلم الألعاب والكتابة بالاحرف الهجائية هذا ما قاله ويضيف : الدراسة كانت هناك تمهيدية استمريت سنتين ثم دخلت الصف الأول والحمد لله على كل حال.. وردفان الآن طالب جامعي ويقول: إن سبب انضمامه إلى قسم الفرنسي هو وجود المعاملة الطيبة والمدرسين المتفاهمين والطلاب المتعاونين كما التعليم في الفرنسي سهل وسلس..أصدقاء ردفان كانت وجهة نظرهم متقاربة «مارية» قالت : لم أكن أعرفه كثيراً تعمقت معرفتي به قريباً عندها وجدت فيه شخصية طيبة وهذا الذي جعلنا ننظر إليه بشيء من الود كما أننا طوال الصداقة معه لم نشعره على أنه معاق نحسسه دائماً على أنه يملك دوراً وعليه القيام به فقياس الانسان يبدأ عندما يستطيع تجاوز هذه المحن. أما صديقه ناصر أحمد من طلاب الفرنسي فقال : ردفان شخص تعدى ما يسمى بمرحلة الإعاقة النفسية يتحول إلى إنسان حقيقي وهذا واضح من خلال قدرته على الدراسة والاستمرار فيها، صداقتي بردفان متميزة واعتبره من أفضل أصدقائي وهو موهوب رغم أنه معاق لكنه معوض عنها بالقدرة على اكتساب الأصدقاء وتفهمه للأمور. اعتزاز أحد الأكاديميين في جامعة عدن قال : - ننظر للمعاق على أنه إنسان ابتلاه الله بشيء من الإعاقة ليعوضه بجانب إبداعي في الحياة وهذه قضية الكثير من المعاقين أمثال هؤلاء المعاقين هي درس رائع ونقطة معينة ومهمة للأخذ بأيدي المعاقين واخراجهم من النظرة القاصرة التي تتجاهل دوره الاجتماعي ، فالمعاق بحاجة إلى إبراز النجاحات ، ونحن نولي هؤلاء الفئة أولوية إلى جانب المتميزين في الكليات ومن دواعي الاعتزاز أن يكون ردفان وهاني وغيرهم من طلابنا. يعانون من عدم الاهتمام بحاجاتهم أما صالح عبدالله سعد مثقف تحدث قائلاً : - إن شريحة المعاقين شريحة هامة في المجتمع لأفرادها نفس الحقوق التي لأعضاء المجتمع الآخرين وعليها نفس الواجبات ، وهذه الشريحة مكون مهم من مكونات المجتمع وهي قادرة على الاسهام الكبير في عملية التنمية والبناء وهي في الوقت نفسه بحاجة إلى الرعاية والعناية والالتفات إلى متطلباتها .. صحيح أن وعي المجتمع قد تحسن كثيراً خلال السنوات الماضية إلا أن المطلوب من المجتمع لايزال كبيراً فمثلاً المعاقون يعانون من عدم الاهتمام بحاجاتهم ومتطلباتهم عند تصميم وبناء المباني العامة والمرافق الخدمية والطرقات ، حيث لاتزال هناك الكثير من الحواجز الانشائية التي تحد من استفادة المعاق من الخدمات بيسر وسهولة ممكنة ، وهذا يتطلب نظرة جديدة من المجتمع واهتمامات باحتياجات المعاقين من الجهات ذات العلاقة وفي مقدمتها وزارة الإنشاءات والتخطيط الحضري لايجاد التسهيلات للمعاقين في جميع المرافق العامة وفي المدارس والجامعات والمستشفيات والمتنزهات وغيرها. قدوة للأطفال المعاقين الاستاذ/ نبيل مرشد المنتدب في مدرسة مركز السلام لرعاية وتأهيل المعاقين حركياً وهو بالمناسبة أحد المعاقين حركياً المتخرجين من الجامعة حدثنا عن التسهيلات التي حظي بها في التوظيف وقال :- إن معاملة التوظيف تمت بسلاسة ويسر ووجد من المختصين في الوزارة كل المساعدة وتم توزيعه وفقاً لرغبته وهو ما لايتاح للمتقدمين للوظائف من غير المعاقين وهذا دليل على التحول الايجابي في تعامل المجتمع مع هذه الشريحة..وعن المعاناة التي واجهها حتى تخرج من الجامعة قال : إنه واجه الكثير من الكلام والتعليقات المحبطة خلال دراسته خاصة وأنه كان الطالب المعاق الوحيد في المدرسة لكن ذلك لم يزده إلا اصراراً على الدراسة بفضل الدعم والتشجيع من والده الذي كان يحمله على ظهره من البيت إلى المدرسة ثم يعيده إلى البيت وقال إنه يركز خلال تدريسه الأطفال المعاقين على ضرورة مواجهة كل الصعويات والاستمرار في الدراسة وأنهم لايقلون موهبة عن غيرهم وقال : إن لديه قناعة بأنه سيكون قدوة للأطفال المعاقين للاقتداء به للاستمرار في الدراسة.