الروابط والتسويات والتعويضات تبحث نصوص موضوع الدراسة في منظومة الشروط المرتبطة بالحماية ضمن حالات متعددة، مثل رفقة السفر أو الضيافة أو اللجوء، وذلك كلما حضرت هذه الحالات في المتون العرفية. غير أن القاسم المشترك بينها جميعًا يتمثّل في قيام ما يمكن تسميته ب الرابطة، وهو المصطلح الذي نعتمده هنا بوصفه مفهومًا جامعًا؛ فالرابطة قد تنشأ عن المرافقة في الطريق، أو عن طلب اللجوء والحماية، أو عن الصلح، وقد تمتد – على نحو أقل توقّعًا – إلى روابط تتأسس عبر مشاركة الطعام، كما في مفهوم زاد الباطن. وتشترك هذه الصور المختلفة في كونها علاقات تعاقدية واضحة المعالم، يدخلها الأفراد بإرادتهم الحرة، وتُنشئ التزامات محددة وملزمة. وتختلف الرابطة في هذا المعنى عن الانتماء القبلي، الذي لا يقوم بالضرورة على تضامن مطلق؛ إذ يمكن اتهام أبناء القبيلة بالخطأ في أي وقت، وقد يُحرمون من الدعم تبعًا لذلك. أما الرابطة فأساسها شخصي وطوعي، ولهذا تكتسب قوة إلزامية خاصة، إذ تبقى واجبة الاحترام ما دام أطرافها قد ارتضوا الدخول فيها والالتزام بشروطها. وتذهب النصوص المعتمدة في هذا البحث إلى أن جذور هذه الأعراف تمتد لأكثر من قرنين، غير أن لغتها الأساسية ظلت حيّة ومتداولة حتى وقت قريب. ويمكن الاستدلال على ذلك برسالة بعث بها شيوخ من سفيان إلى نظرائهم من بني صريم، حين طلب هؤلاء رأيًا في مسائل عرفية، كان من أبرزها موضوع الروابط والعلاقات وما يترتب عليها. وتُبرز تلك الرسالة مفهوم الرحمة بوصفه رباطًا جامعًا بين القبائل، وبين الرفقاء الذين يطلب بعضهم رفقة بعض؛ فالرفيق الحق هو رفيق السلام، أما من يتنكر لرفيقه أو يتخلّى عنه فلا رابطة له، وتلحقه سمعة سوداء. في المقابل، يُحفظ البياض لمن يفي برباط الرحمة، أما من يمنح الحماية ثم يُقابل بالجحود وعدم أداء الواجب، فإن ذلك يُسقط شرف الجاحد ويلحق العار به وبقبيلته. وتحمل رمزية اللونين الأبيض والأسود دلالات واضحة في هذا السياق؛ فالإخلال بالرابطة بعد إبرامها رسميًا لا يُعد شأنًا شخصيًا فحسب، بل قضية عامة تمس المكانة القانونية والأخلاقية للفرد. وخرق رابطة الرفقة قد يؤدي إلى فقدان الأرض، أي فقدان الأهلية لمنح الحماية أو التمتع بها، ولا يقف الأمر عند حدود رفض الدعم، بل قد يمتد إلى القطيعة مع العلاقات الرسمية داخل القبيلة ذاتها. أما التعويض عن الأضرار المادية فيُنظر إليه غالبًا بوصفه شأنًا جماعيًا؛ ففي معظم النزاعات يُتوقع من أفراد القبيلة أو الفصيل الواحد أن يدفعوا التعويض أو يتلقوه مجتمعين، وأن يقاتلوا أو يُقاتَلوا معًا. صحيح أن هناك حالات استثنائية يُعد فيها الرفاق مخطئين ولا يستحقون الدعم، إلا أن الأصل هو التضامن، ولا سيما في دفع تعويض الدم الصافي بوصفه حقًا وعدلًا. وعلى النقيض من ذلك، يُطلب من الجميع، حتى على مستوى الأسرة، التبرؤ ممن يلتزم بتعويض عن ضرر معنوي، أي عن عيب في السلوك أو الأدب، ثم يرفض الدفع. وتعبّر الوثائق العرفية عن هذا الموقف بعدم التدخل لحمايته، ويُستشهد بالمثل القائل: لا يقبل أحد من يرتكب عيبًا إلا من يرتكبه. وعلى الرغم من أن قطع الرابطة يُعد من أشد العقوبات العرفية، فإنه ليس الشكل الوحيد للعار؛ فقد جرى التمييز بين العيب بوصفه فعلًا مشينًا عمومًا، والعُرّ الذي يختص بالإضرار بالنساء أو بالأرض، ويضفي على العيب بعدًا أعمق يتصل بالسمعة والالتزامات العامة. وفي سياقات أخرى يظهر تمييز أبسط بين العيب من جهة، والضرر المادي أو التعويض عنه الذي يُسمّى نقشًا من جهة أخرى، ويقابله التمييز بين الذنب والدم، أو بين دية العار ودية الدم. وغالبًا ما يُستشهد بالمبدأ القائل إن الذنب يسبق الدم؛ أي إن معالجة العار والخزي يجب أن تسبق تسوية الديون الناشئة عن الجراح أو القتل أو غيرها من الأضرار المادية. وفي هذا الإطار يُستخدم مصطلح الحَشَم أحيانًا بوصفه قريبًا من الضرم، أي مال العار، وترد في حالات التعويض المركبة عبارات مثل: الدم والضرم والحشم، ولا يُعد النزاع محلولًا عرفيًا إلا بعد سداد هذه التعويضات كاملة. وتُطلق صفة النِقاح على الحالة التي تسقط فيها المطالبة بالتعويض، وعلى الفعل الذي يُبرئ الذمة، وهو مصطلح يرتبط بدلالات الطهارة وحسن السمعة. وبمعنى قريب يُستخدم مصطلح النزاع للدلالة على استعادة السمعة عبر التعويض أو الثأر، وقد يُفهم أحيانًا بوصفه نوعًا من الغفران. وعندما لا يكون السياق محددًا، يُحمل المصطلح غالبًا على الثأر بالدم، وإن دلّ في نصوص أخرى على الدفع المناسب فقط. وفي كل الأحوال، يبقى الامتناع عن سداد التعويض إهانة قائمة، وتظل السمعة موضع نزاع إلى أن تُستوفى الحقوق وفق ما يقرّه العرف.