في مثل هذه الأوضاع المُعقدة وفي ظل مطالبات بكيل للحكومة بتسديد مستحقاتها ودمج أبناءها في مفاصل الحكم كان هناك محوران متميزان للمعاملات الأخلاقية من ناحية المطالبات بالديون التي تتسم بدقة متناهية : المحور الأول كان مسألة رفض التبعية أو قبول أموال غير مستحقة والمحور الثاني وجود تيار لا نهاية له على ما يبدو من السخاء الذي لا يمنح مانحيه سيطرة كبيرة على أولئك الذين يتلقونه ولا يعني التبعية على الإطلاق, إن محور المعاملة الذي ينطبق لا يتحدد بالأشياء المعينة المقدمة ولا بالرجال المعينين بل بالبيئة التي يعمل فيها هؤلاء ولتوضيح هذا الموضوع بصورة مطابقة للواقع ذكر أحد الباحثين في الشأن اليمني في كتابته عن الحرب الأهلية وصف المال والأسلحة بإنصاف بأنهما الشيئان اللذان يجعلان أفواه الرجال تسيل لعابًا ولا تزال الأسلحة النارية جزءاً بارزًا من السخاء الذي يسعى إليه رجال القبائل سواءً تم توزيعها من قبل المشايخ كتبرع خاص أو تم إصدارها من قبل الجيش ولم تتم إعادتها ويمكن شراء الأسلحة وبيعها بحرية ولكن عندما يتم شراؤها وبيعها بين أفراد القبائل، فإن ذلك يتم من خلال وسطاء على الأغلب غير قبليين ولا يوجد شيء أكثر شيوعًا في الأسواق في الشمال من الأكشاك أو واجهات المتاجر حيث يتم تكديس البنادق والذخيرة والخناجر دائمًا جنبًا إلى جنب مع المجوهرات والعملات الفضية والأوراق النقدية حيث يكون تاجر العملة هو أيضاً تاجر أسلحة وليس هو نفسه رجل قبيلة وطالما أن البنادق ثروة قابلة للتحويل، فإنها تُعامل على أنها منفصلة عن رجال القبيلة الذين سيمتلكونها يوماً ما ويتم إبقاء رجال القبيلة أنفسهم منفصلين عن بعضهم البعض عندما يمتلك رجل القبيلة سلاحًا فإنه يكون ملكه وعادة ما يُعترف بأخذه منه بالقوة في العرف باعتباره جريمة وليس من الإلزام أن ننظر إلى البنادق والخناجر باعتبارها جزءًا من شخص رجل القبيلة وعلى هذا فإن قيمة مثل هذه العناصر عالية ويتم تسليم السلاح دائمًا والاحتفاظ به لفترة من الوقت كتعهد بحسن نية مالكه أو التزامه ويتم تسليمه إلى صاحبه إذا كان لديه سلاح ثم يعود إليه ولا يُمرر إلى طرف ثالث حتى يخرج نهائياً من النظام أو حتى يعود من خلال دائرة من التبادل غير المباشر ويتم إرجاع رمز شرف الشخص مباشرة إنه قرض مؤقت وعادة ما يكون جزءًا فقط من تبادل مباشر. لكن رجال القبائل عادة ما يتجنبونها باستخدام وسطاء كما لا يزالون يفعلون إلى حد ملحوظ وبالتالي تجنبوا مسألة توازن المصالح ذاتها حتى الآن عندما يشتري رجال القبائل ويبيعون مباشرة مع بعضهم البعض فإنهم يفعلون ذلك في السوق علاوة على ذلك فإن الرجال ليسوا متساوين أخلاقيا فحسب بل يحق لهم الحكم على قدم المساواة لذلك في جميع هذه الظروف يتم الجمع بين مطالبتين بالتقييم والانقضاء الحاسم للوقت ويتم تأسيس مسألة التوازن على وجه التحديد من خلال تبني بعض الشركاء المحددين الذين يجب أن تشهد علاقتهم القبلية والأحداث في العالم الحديث علناً ولفهم هذه المسألة هناك حاجة إلى تمييز واضح بين المبادئ المجردة وحالات التسوية الملموسة، الأولى خالدة والثانية تقويمية وتتجسد المبادئ المجردة في اللغة التكافؤ المعجمي بين الفعل المشين للظالم والإهانة التي يتعرض لها المظلوم عن قصد وقد سبق و أشرنا إلى ذلك ولكن مثل هذه التكافؤات شائعة في الواقع: الغرامة على سبيل المثال هي الخسارة التي لحقت وكذلك الدفع الذي يستوجبها على الشخص المخطئ وينطبق الشيء نفسه على النفس والحشم في عدة سياقات, إن مصطلحات مثل الغارم والخصم تُطبق بشكل متماثل بطبيعة الحال على الرغم من أن افتراض رجال القبائل هو أنه في الواقع يجب أن تكون كذلك إن الاهتمام بالدقة أمر جدير بالملاحظة ومن بين أكثر أنواع الوثائق شيوعاً فيما يتصل بالقواعد المفترضة للقانون العرفي والتي عادة ما تكون مخفية، كما قد يلاحظ المرء، وكأنها سرية وغامضة قائمة أسعار الجروح، مثل هذه القطعة من سفيان التي كتبت لأول مرة في عام 1892م وأُعيد نسخها في عام 1980م وأما الجروح التي هي جعفة بمعنى آخر تخترق باطن الجسم فهي تتطلب ثلث الدية وكل سن نصف عُشر وكل مفصل إصبع ستة وعشرون وربع ريال فضي باستثناء الإبهام الذي هو عشرون من الدية والتورم بأي خطورة هو أربعة ريالات والجرح الدموي من النوع البسيط الذي لا يتدفق منه الدم هو خمسة ريالات أقل من نصف الثُمن إذا كان على الرأس الجرح القاطع هو ستة عشر ريالاً وهكذا التفصيل في الأرش والقصاص والدية بصورة مفصلة, إن هذه القوائم هي في الواقع تأملات طويلة حول الضرر الذي يلحق بالجسم وحول التعويض الدقيق الذي من شأنه أن يوازن هذا الضرر، لكن نفس النوع من التفاصيل الدقيقة يتكرر في أي نزاع حول الأضرار التي تلحق بالممتلكات، أو بيع الأراضي أو التبادل غير الوسيط للسلع غالبًا ما تبدو نتائج النزاع والتحكيم الفعلي دقيقة, إن عملية دفع ثمن ما هلك أو تلف يعيد التوازن وتنظم الأمور اليومية.