يمكن التمييز بين المصطلحات التي تشير إلى الظلم أو الأذى، لكنها قد تجتمع في مواضع معينة، كما يظهر في نص ضمان السوق، النص «1»، القسم (15)، الجزء الرابع، حين تُستخدم أسماء المفعول: مُعيب ومُشَوَّف ومُعَوَّر بوصفها مترادفات تقريبًا. جميعها تدل على شخص وقع عليه ضرر لا يدخل ضمن نطاق الدم الشرعي أو الدم الطاهر، أي الدم المراق في قتال مشروع أو في سياق انتقام مباشر. وعندما يوصف شخص بأنه مُعَوَّر أو مُشَوَّف، فإن المقصود هو أن جوانب ضعفه قد كُشِفت، وأن هذه الجوانب مستحقة للحماية، بل وللتعويض الخاص إذا أسيء إليها. يتقاطع هذا المعنى مع مصطلح آخر هو غير برات، الذي يشير إلى العناصر الهشّة التي يستند إليها الشرف، كحال النساء والعائلة، لكن أيضًا الأرض والبيت والسوق وحدود القبيلة، بل وكل ما يُعدّ مقدسًا ضمن النظام الاجتماعي. ومع أن مفردة مُعَوَّرات لا تُستخدم تلقائيًا في روايات ذي محمد أو ذي حسين، فإن كلمة عُر تُسمع كثيرًا، وهي قريبة من هذا الحقل الدلالي. غير أن رجال ذي محمد يوضحون، عند مناقشة التعويضات المعنوية، أن العُر يتعلق بقضايا العرض والحرمة، أي الجوانب الخاصة المتمركزة حول النساء والبيت وما يماثلهما، أما العيب فيقتصر في استخدامه الدقيق على قضايا الشرف بمعناه العام، أي الجانب الذي يظهر فيه الإنسان وجهه للآخرين، فيلتزم بمرافقة مسافر أو حماية لاجئ أو الوفاء بوعد علني. في هذه السياقات لا يكون المعتدى عليه مُعَوَّرًا أو مُشَوَّفًا، بل مُعيبًا، لأن الضرر هنا لا يمسّ الضعفاء بقدر ما يصيب التزامات الشرف المتبادلة بين الرجال. يمكن لرجل القبيلة، من موقعه الأخلاقي، أن يحمي نظيره في القبيلة نفسها، وهنا لا تكون الحماية مبنية على ضعف، بل على علاقة بين أنداد. يتناول جوليان بيت-ريفرز هذا المنطق في مقالاته الكلاسيكية عن الضيافة والمرأة والملاذ، مبيّنًا كيف يرتبط وضع الحماية والتبعية بأشياء وأماكن تحمل دلالات أنثوية في اللغة والثقافة. وقد لاحظ الأنثروبولوجيون أن العديد من المجتمعات – وبعضها يصوّر نفسه كذلك – تُرى كمجموعات من الرجال تربطهم علاقات تبادل النساء. في هذا التصور تُقابل الذكورة بالأنوثة رمزيًا، وفي أنظمة الزواج الخارجي تتوسط النساء العلاقات بين الفئات الاجتماعية، فتربط بينها وتعرّف الحدود الفاصلة داخلها؛ فالزواج الخارجي يسهم في تنظيم العلاقات بين الفئات التي ترى نفسها مختلفة لكنها قابلة للارتباط. على النقيض من ذلك، يهتم الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط القديم بالنكاح بين الأقارب، وفي هذه الأنظمة يبقى التقابل الرمزي بين الذكر والأنثى قائمًا، لكن ترتيب المصطلحات يختلف؛ إذ تُعرَّف المرأة ضمن فضاء ذكوري لا بين فضاءات متباعدة. ووفق هذه البنية المفاهيمية يكون الضيوف والمحميون والمعالون في الموضع نفسه الذي توضع فيه النساء: داخل فضاء يحمل اسمًا مذكرًا، سواء كان لشخص حي أو لسلف مؤسس لمجموعة اجتماعية. وتختلف هذه الفضاءات عن بعضها اختلافًا جذريًا، والعلاقات بين الرجال المنتمين إليها علاقة تنافس وعداء محتمل. غير أن الهارب الذي يفشل في الهرب من النظام الذكوري يمكنه أن يهرب إلى الداخل، كما يعبّر بيت-ريفرز؛ فإذا نجح في دخول هذا الفضاء الداخلي ذي الدلالة الأنثوية، فذلك يعني منطقيًا أنه ارتكب إهانة جسيمة تستوجب الاحتماء، أو أنه تخلى تمامًا عن القدرة على إلحاق الإهانة بالآخرين. وفي الحالة الثانية يصبح جزءًا مما يجب على مضيفه الدفاع عنه، بل جزءًا من شرف المضيف نفسه، حتى لو كان الرجلان في السابق متخاصمين. وهذا المنطق ذاته يفسر القواعد التي يقوم عليها مبدأ الضيافة في الظروف الطبيعية؛ فالغريب قد يُعامل بوصفه خارج النظام الأخلاقي، فيصبح مباحًا للسرقة أو الاعتداء، لكن الأشخاص الذين يشاركونك النظام الأخلاقي العام، وإن كانوا من وحدات اجتماعية خصمة، يُنظر إليهم كضيوف محتملين. الضيف الدائم الذي لا يستطيع أن يكون مضيفًا هو تابع بالضرورة، أو مؤنث بمعناه الرمزي، أما الندّ الأخلاقي فهو الذي يمكنه، من حيث المبدأ، أن يكون ضيفًا في موقف ومضيفًا في آخر. وتُعرَّف مساواته عبر مبدأ تبادل الأدوار، كما يقول بيت-ريفرز: المساواة ليست في الهوية، بل في القدرة على التناوب بين موقع الضيف وموقع المضيف. وهذه القدرة نفسها، أي إمكانية أن يكون الرجل مضيفًا أو مرافقًا أو حاميًا، هي جوهر مفهوم السنّة في النصين «أ» و«ب»، وهي ما يسميه رجال القبائل شمال صنعاء عادةً كلمة أرض.