القانون والنظام الأخلاقي في المجتمع القبلي... إذا كان هناك مبدأ جوهري يمكن استخلاصه من وثائق بَرَط فهو مبدأ الحماية الشخصية، غير أن هذا المبدأ لا يعكس نزعة فردية ولا يشبه السلطة الأسرية المتصارعة التي عرفتها مجتمعات مثل آيسلندا القديمة؛ فالحماية في البنية القبلية لا تُمنح للفرد بوصفه فردًا مستقلًا، بل بوصفه جزءًا من جماعة تعترف به وبمكانته. إن قدرة الرجل على ممارسة الحماية ليست حقًا مطلقًا، بل تستمد قوتها من اعتراف أبناء القبيلة به وبانتمائه؛ فالأفراد يُنظر إليهم دائمًا على أنهم مرتبطون بشكل وثيق بتصرفات أقاربهم ورفاقهم، وتتشكل هذه الروابط عبر طبقات اجتماعية مترابطة: العائلة ضمن القسم، والقسم ضمن القبيلة. وهي روابط تُعبّر عنها لغة النسب المشترك، وتتضمّن عددًا كبيرًا من الأحكام العرفية، وتدور حولها أسئلة مثل: متى تكون هذه الروابط ملزمة؟ ومتى يمكن تعليقها أو نفيها؟ إلا أنها – مهما تبدّلت – تبقى حاضرة دائمًا. ورغم تداخل هذه الهويات القبلية فإنها ليست هرمية كما هو الحال في الدولة الحديثة؛ فالجماعة الكبرى لا تملك سلطة مباشرة على الجماعات الأصغر ولا تفرض عليها أمرًا في الظروف الطبيعية. ومع ذلك لا يمكن للفرد أن يحتفظ بمكانته داخل النظام الأوسع إلا إذا كان له ثَمَن كما يقول حبشوش. ويعني هذا الثمن – في سياق النزاعات – أن تُقدَّم تعويضات دقيقة عن كل ضرر مادي، بما في ذلك الجراح والقتل، أما الأضرار المعنوية فتُفرض لها تعويضات أخرى إضافية تعكس حجم الإهانة أو المساس بالمكانة. ويُعامل الضعفاء والمتعلمون كأشخاص تحت الحماية القبلية أيضًا، ويستحق رجال القبائل تعويضات معنوية عن أي اعتداء يقع عليهم. وفي الوقت نفسه تُبرز هذه القواعد الفروق الاجتماعية؛ إذ يُعتبر وضع رجل القبيلة هو المعيار الأساس الذي تُقاس عليه قيمة المكانة والتعويضات. وتنحدر المكانة عبر الخطّ الذكوري وتُعدّ امتدادًا لمكانة الأب والجد، وهي قديمة بقدم السلف. وهذه المكانة هي التي تُتيح للفرد الدخول في مفاوضات التسوية والدفاع عن حقوقه. ويكشف مصطلح السَّنّة كما يظهر في النصوص "أ" و"ب" عن عمق هذا النظام؛ فالسَّنّة – بمعنى العُرف أو ما هو صحيح – تُشير إلى الممارسات المتوارثة، بعيدًا عن معناها الديني المعروف المرتبط بسنة النبي عليه الصلاة والسلام. وتُستخدم في السياقات القبلية مرادفةً للسوابق المتّبعة عبر الأجيال. ويشير الباحث روسي عند استشهاده إلى أن عبارة يطلب السَّنّة تعني طلب تحديد التعويضات أو قبولها، أي طلب السير وفق العُرف لإتمام التسوية. ومن هنا يصبح معنى السَّنّة مرتبطًا بالتعويض المستحق والمعتاد. ويتضح هذا المفهوم في أحد النصوص حين يُقال إنه لا سَنّة لجرح امرأة، أي لا يمكن إجراء تسوية أو دفع تعويض إلا بشروط معيّنة، مما يُبرز حساسية بعض الحالات. كما يظهر معنى آخر للسَّنّة حين تُنسب للرجل نفسه لا للفعل، كما في عدة مواضع من النصين، حيث تُشير إلى مكانة الشخص أو موقعه في النظام القبلي. ويقدّم بعض الباحثين معنيين إضافيين للسَّنّة هما الصِّلة والطريقة، وهما يعكسان فكرة أن السَّنّة ليست مجرد قاعدة قانونية، بل رابطة اجتماعية وسلوكًا متوقعًا. وبفضل هذا الغموض الدلالي يمكن لمفهوم الحق في المفردات الأخرى أن يعبّر عن هذه الفكرة المعقدة: فالفعل الصحيح ومكانة الشخص كفاعل قانوني يرتبطان مباشرة بجماعته وبقدرته على توفير الحماية. ويظهر هذا المعنى في نص "أ" حين يتذرع الرجل ب سَنّة قبيلته أي حقه المستمد من جماعته. ويتحمل الفرد المسؤولية بناءً على هويته القبلية، غير أن هذه الهوية ليست ثابتة إلى الأبد؛ فقد يفقد الفرد أهليته القانونية إذا فقد قدرته على الحماية. فإذا أخطأ عمدًا أو تخلى عن واجب – كما يرد في نص "ب" – فإنه يفقد لا سَنّة ولا دعوة ولا رِفقة؛ أي لا حقّ له ولا واجب عليه، ولا يُرافق في المسير، فيُستبعد من حماية الجماعة. ويبلغ هذا المنطق ذروته في نص "ب" حين يُقال إن لا سَنّة للرجل إلا في المرافقة. فالمرافقة هنا مثال على الشرط العام للمكانة؛ فمن يفقدها لا يستطيع المطالبة باللجوء أو الحماية، ولا يمكن تسوية الجروح أو القتل أو التعويض عنها ما لم تُعرَف مكانته. وعند هذه النقطة يتحول العرف الأخلاقي إلى قانون قابل للتنفيذ؛ فالمكانة الاجتماعية ليست مجرد قيمة رمزية، بل هي أساس العملية القانونية التي تُنظّم العلاقات وتُحدد الحقوق وتمنح الشرعية للتسويات.