على الآباء والأمهات- من موقع مسؤوليتهم تجاه أطفالهم- تفهم المرحلة الراهنة والوضع الذي تعيشه البلاد وما استجد فيها من تجليات على الواقع.. نعم، ليس هناك وجود على أرضنا الطيبة لفيروس شلل الأطفال- والحمد لله- وذلك منذ ست سنوات ونيف، وما عاد يشكل تهديداً لفلذات الأكباد بالصورة التي كان عليها مسبقاً ولن يكون كذلك - بمشيئة الله - طالما والناس حريصون جميعاً على تحصين أبنائهم دون سن الخامسة باللقاح المضاد لهذا الفيروس، إلى جانب تحصين من هم دون العام من العمر في المرافق الصحية بلقاحات التطعيم الروتينية والتي من بينها لقاح شلل الأطفال. ولكن إذا صرف الآباء والأمهات اهتمامهم بالتحصين ولم ينل أطفالهم المستهدفون المزيد من الجرعات المضادة للمرض، فليس مستبعداً - لا سمح الله- تسلل فيروس شلل الأطفال قادماً من (كينيا)أو(الصومال)القريبة من اليمن بعدما ثبت مؤخراً ظهور حالات إصابة مؤكدة بالفيروس، ويعزز هذه الإمكانية اتساع وتعدد المنافذ البحرية الساحلية لليمن والتي يعبرها اللاجئون القادمون من الصومال بشكلٍ متواصل لدخول الأراضي اليمنية، فلا يزال اليمن مقصداً للجوء من ذلك البلد القريب الواقع على الطرف الآخر من خليج عدن. كما يحتمل تسلل الفيروس من بلدان أخرى لا تزال ترزح تحت وطأة المعاناة من انتشار هذا الداء؛ مثل(أفغانستان) و(باكستان) وهما - في حقيقة الأمر- ينتميان لإقليم شرق البحر المتوسط الذي يقع اليمن في كنفه. ناهيك عن أن الاحتمال وارد حتى من البلدان البعيدة الواقعة خارج الإقليم في أفريقيا مثل(نيجيريا، أفريقيا الوسطى، الكونغو..) وذلك عبر حركات السفر المتواصلة بين البلدان. فلو غادر من تلك البلدان أناس يحملون عدوى المرض إلى أي بلد- وكان مجاوراً من اليمن كالحال الذي صارت إليه الصومالوكينيا- تعززت إمكانية نقل المرض بسهولة إلى أرضي الدول المجاورة عبر القادمين منها؛ بما يتيح انتقال عدوى فيروس الشلل البري إلى الأطفال ضعيفي المناعة ومن لم يحصلوا على كفايتهم من اللقاح الفموي المضاد للفيروس، وما أيسر تسلله بتلك الكيفية عبر الحدود إلى اليمن - متى واتت له الظروف وتهيأت- ليعود بنا الحال إلى حقبة ظهوره وانتشاره الوبائي المفزع خلال عامي 2004و2005م، مهدداً بالإعاقة أو الوفاة المحرومين من التحصين ومن لم يحصلوا على القدر الكافي من الجرعات التي تقيهم من المرض تماماً. نؤكد -إذن- على أهمية تعزيز مناعة أطفال اليمن بالمزيد من جرعات لقاح شلل الأطفال من خلال حملات التحصين التي تنفذها وزارة الصحة عند الحاجة مستهدفةً الأطفال دون سن الخامسة، وكذلك عبر التطعيم الروتيني المعتاد بالمرافق الصحية للأطفال دون العام والنصف من العمر، فهذا اللقاح - إذا ما تعددت جرعاته- أفضل وأجدى لوقاية منيعة تحد من الإصابة بهذا الداء، وإذا ما قيس بعلاج المرض؛ فالعلاج مُكلف جداً وفيه مشقة ولا يجدي نفعاً في تجنيب الطفل الإعاقة الحركية متى غرس المرض مثالبه وأقعس الطفل المصاب عن مرونة الحركة، فما إن يتمكن فيروس الشلل من جسم الإنسان تأخذ أضراره بالظهور وتزداد حدة؛ مسببةً ضموراً للعضلات يشمل- غالباً- عضلات الأطراف العلوية والسفلية الحركية أو جزءاً منها مما يقعدها عن الحركة بصورة تنعدم معها أية استجابة عصبية حركية وينتهي معها الإحساس بالجزء أو العضو المصاب. إن مرض شلل الأطفال ليس بالهين ولا سبيل للحد منه ووقفه إذا ما انتشر وتفشى إلا باتباع إجراءات الوقاية وقواعد النظافة الشخصية والعامة، وواكبها حرص شديد على تحصين الأطفال دون العام والنصف بكامل الجرعات ضد أمراض الطفولة القاتلة والتي يندرج ضمنها فيروس الشلل، من خلال أخذ كل جرعة بحسب موعدها المحدد في كرت أو بطاقة التطعيم، إلى جانب تحصين الأطفال دون الخامسة من العمر بما فيهم المواليد والرضع دون استثناء خلال حملات التحصين التي تقام لغرض استئصال فيروس الشلل والتي ما لجأت وزارة الصحة العامة والسكان لإقامتها وما دعت إليها المنظمات العاملة في مجال الصحة، كمنظمة الصحة العالمية ومنظمة “ اليونسيف” إلا من منطلق أهميتها في مد مناعة الأطفال بالمزيد من مقومات الحماية بما يكفي لصونهم من الإصابة بفيروس شلل الأطفال؛ حتى مع أدنى الاحتمالات الممكنة من معاودة فيروس الشلل بالظهور مجدداً في اليمن،لاسمح الله. ولا يمكن القول بتعدي خطر شلل الأطفال في الوقت الراهن، فالخطر باق ٍ ببقاء واستمرار عزوف بعض الآباء والأمهات وإحجامهم عن تحصين أطفالهم ضد هذا الداء الخطير. فهل يرتضون بقاء فلذات أكبادهم عرضةً للإصابة بفيروس شلل الأطفال فيهددهم بالإعاقة الحركية أوالوفاة؟ هذا - لاشك- أشبه بمن يرمي ثمرة فؤاده إلى درك الشقاء الدائم أو المهالك المحققة ؛ بدلاً من صونه ودرئه عنهما، هذه هي الحقيقة وليس تهويلاً أو مبالغة، حيث أن مرضاً فيروسياً سريع العدوى كشلل الأطفال لا يُؤمن خطره على الأطفال المحرومين من التحصين وحتى على من لا يحصلون على جرعات متعددة كافية لتحميهم وتجنبهم الإصابة، والأسوأ من هذا أنهم يشكلون سنداً لفيروس المرض ينال من حاضر ومستقبل وعافية الطفولة؛ لإسهامهم في تركه طليقاً كشبحٍ مخيف وكابوس مروّع. وأشدد هنا على ضرورة تحصين سائر الأطفال بمن فيهم المواليد حديثاً وجميع من حصنوا مراراً وتكراراً ضد هذا المرض. على الآباء والأمهات أن يعوا هذا جيداً والوثوق بأن التطعيم ضد داء الشلل السبيل الوحيد لحماية وصون جميع الأطفال تحت سن الخامسة من ويلات مرض الشلل، وألا عذر سيقبل إذا ما فات الأوان ووقع من لم يُحصن أسير الإعاقة والعجز؟! كذلك ليس لأحدٍ الحق في منع فلذات الأكباد المستهدفين من التطعيم بحجة حصولهم على الكثير من جرعات اللقاح مسبقاً أو لكونهم حديثي الولادة، ولاحق لأحدٍ أيضاً حرمان أطفاله دون العام والنصف من العمر من التحصين بكامل جرعات التطعيم الروتيني الذي يُشرع البدء بإعطاء جرعاته – أساساً- في وقتٍ مبكر بعد الولادة. وأؤكد - هنا- على ضرورة الالتزام بمواعيد كل زيارة من زيارات التطعيم الروتيني المدونة في الكرت الخاص بالجرعات، فهي لصالح الأطفال وتؤمن لهم الوقاية والسلامة. و أذكر بأن الجولة الثانية لحملة التحصين الوطنية ضد شلل الأطفال سارٍ موعدها في الفترة من(30 يونيو- 2يوليو2013م) وأن تنفيذها من منزلٍ إلى منزل يشمل جميع محافظات الجمهورية؛ فلا بد من إعطاء الأطفال خلال هذه الحملة في سائر المحافظات جرعة اللقاح الفموي المضاد لفيروس الشلل بلا استثناء، حتى المرضى الذين يعانون من أمراض شائعة كالحمى العادية والرشح والزكام والحصبة والإسهال الطفيف. علماً بأن الطفل الذي يعاني من الإسهال تُعاد له الجرعة في وقت لاحق عقب توقف الإسهال لضمان حصوله على الفائدة المرجوة. فما أروعه من شعور عندما يرى الوالد فلذة كبده ينمو ويترعرع بكامل عافيته وقواه العقلية والجسدية، يمضي قدماً في الحياة مسلحاً بالعلم والمعرفة حتى يصير فرداً نافعاً لأسرته ومجتمعه ووطنه. وفي الختام، لا ننسى أن نتوجه بالشكر لمنظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونسيف وكذا للبنك الدولي وذلك لدعمهم السخي لهذه الحملة، ولكل من ساهم في تنفيذها في القطاع الصحي وجميع العاملين فيها والقائمين عليها.