توصّل فريق من العلماء إلى أن حرمان الإنسان من النوم طوال 24 ساعة أو أكثر، يطلق فيه أعراضاً مماثلة لأعراض انفصام الشخصية. جاء في تقرير نشره باحثون في مجلة “العلوم العصبية” أن المزيد من الدراسات حول العلاقة بين اضطراب النوم ومرض انفصام الشخصية قد يقود إلى اكتشاف نهج علاجي جديد للحالة، أو قد يؤهل الطب لاكتشاف عقار جديد. انفصام شخصية والأهم في الأمر هو أن تسبب الحرمان من النوم في ظهور أعراض انفصام الشخصية يمكن أن يعين العلم في اكتشاف طريقة تشخيص مخبرية لحالة الانفصام، والمعروف أن العلم لا يملك اليوم أية طريقة مخبرية أو سريرية لتشخيص الشيزوفرينيا، ويمكن للحرمان من النوم أن يكون إشارة إلى طريقة تشخيص مبكر قد تنقذ حياة الملايين من براثن المرض الممتنع على العلاج. وهذا يعني أن مختبرات النوم قد تكون مختبرات تشخيص مبكر للشيزوفرينيا مستقبلاً. والشيزوفرينيا مرض دماغي مزمن، يصيب عدداً من وظائف العقل، وهو مجموعة من الاستجابات العقلية تتميز باضطراب أساسي في العلاقات الاجتماعية والإحساس بالواقع، كما تترافق الحالة باضطرابات عاطفية وسلوكية وعقلية بدرجات متفاوتة، وتتميّز بميل قوي للانفصال عن الواقع، وعدم التجاوب عاطفياً مع الآخرين، مع اضطرابات في التفكير والسلوك. ويعتبر الانفصام من أكثر الأمراض النفسية شيوعاً، إذ تبلغ نسبة المرضى المصابين به نحو 1% على المستوى العالمي، ويكوّن مرض الفصام 10 % من نسبة المعاقين في المجتمع وثلث عدد المشردين من دون مأوى. تماثل مذهل ذكر البروفيسور اولريش ايتينغر، رئيس قسم الأمراض النفسية في جامعة بون، أن المتطوعين السليمين عقلياً تماماً أظهروا أعراضاً خاصة بالشيزوفرينيا بعد حرمانهم من النوم 24 ساعة في المختبر.. وأضاف أن ضعف التركيز كان ظاهراً على كافة المتطوعين بعد السهر، “ووقف العلماء مندهشين لهذا التماثل التام بين أعراض مرض الفصام وبين تأثير السهر المستمر على الدماغ”. وأشرك العلماء في بون 24 متطوعاً لا يعانون من أية أمراض نفسية أو جسدية، تتراوح أعمارهم بين 18و40 سنة من الجنسين، في تجاربهم بالمختبر.. وسمح الباحثون للمتطوعين بالنوم في المختبر طوال اسبوع كي يعتادوا شروط النوم، ثم طلبوا منهم الانقطاع عن النوم 24 ساعة. ولم يترك العلماء المتطوعين بمفردهم، كي لا تنتابهم الوساوس ومشاعر القلق، وإنما شاغلوهم طوال فترة عدم النوم بالأفلام والنقاشات والألعاب، وجرى استجوابهم بعد التجربة عن مشاعرهم ومتاعبهم، ثم أخضعوهم للفحص الوحيد المتوافر لكشف الشيزوفرينيا، وهو ما يسمى (Prepulse Inhibition (PPI. والفحص هذا لقياس وترشيح قدرات الدماغ الوظيفية عن طريق بث إيعازات صوتية للأذن، تثير فزع المريض وتتسبب بانفعالات عضلية على وجهه يجري قياسها بواسطة أقطاب تثبت على الوجه.. وذكرت الدكتورة نادين بيتروفسكي، من فريق عمل ايتنغر، أن الجهاز يرسل ايعازاً ضعيفاً يثير الفزع لدى المريض، ثم يقيس رد فعل الدماغ عليه، ويعاني المريض من اضطراب في وظائف الدماغ، قد يكون بسبب الفصام، عندما يقوم بتثبيط رد الفعل.. وأكدت بيتروفسكي أن ردود فعل المتطوعين، بعد يوم من السهر، انخفض كثيراً بعد أن تم اخضاعهم للجهاز. فوضى وظائف الدماغ بدأت لدى المتطوعين السهرانين أعراض ضعف التركيز، كما في الشيزوفرينيا، ثم تطورت إلى اضطراب وظيفي دماغي أدّى إلى تشوش واضح في الشخصية.. وذكر المتطوعون انهم أصبحوا أكثر حساسية للضوء من المعتاد، زادت حساسيتهم للألوان، ضعف إحساسهم بالزمن، كما تغيّرت قدراتهم الحسية، بل إن بعضهم صارت تنتابه أفكار عجيبة، وتولد لديهم الانطباع بأنهم أصبحوا قادرين على قراءة أفكار غيرهم، وتغيير شعورهم بالمكان أيضاً. لا يمكن للحرمان من النوم وحده أن يؤدي إلى الإصابة بالشيزوفرينيا، بحسب ايتينغر، لكن التماثل في الأعراض مدهش، ويمكن لهذا التماثل أن يعوض عن العقاقير الغريبة التي يستخدمها العلماء مع المتطوعين في المختبرات لمحاكاة أعراض الشيزوفرينيا. الثابت هو أن الحرمان من النوم يسبب لدى الإنسان أعراضاً تشبه أعراض الفصام، لكن ما إذا كان السهر أحد أسباب المرض، فهذا غير ثابت، وبحاجة إلى دراسات أخرى، وسيكون العلم بحاجة إلى دراسات جديدة تجرى على الأفراد الذين يعملون مساء باستمرار، للتأكد من أن العمل الليلي لا يبعث الاضطراب في وظائفهم الدماغية، ولا يجعلهم أكثر عرضة لمرض انفصام الشخصية. جلطات وسكتات والزهايمر تربط الدراسات الطبية منذ عقود سلسلة من الأمراض الخطيرة بحالة اضطراب النوم، ومن أهمها أمراض القلب والدورة الدموية، وجلطات القلب على وجه الخصوص، والسكتات الدماغية، وانخفاض نظام المناعة، وكذلك التعرض في الكهولة إلى مرض الزهايمر. آخر هذه الدراسات كانت دراسة مقارنة من جامعة تاينانن جنوبتايوان، قارنت معطيات 21 ألف انسان يعاني من اضطراب النوم مع معطيات 64 ألفاً ينامون بشكل طبيعي، وتوصلت الدراسة إلى أن المعانين من اضطراب النوم تعرّضوا لجلطات قلبية أكثر بنسبة 59 %، وكانت نسبة الجلطات أعلى بكثير بين الشباب المعانين من اضطراب النوم من عمر 18إلى 34 سنة. وربطت دراسة أخرى من جامعة روكستر الأميركية بين اضطراب النوم ومخاطر التعرض لمرض الزهايمر، وقال العلماء إن الخطر يزداد لدى المعانين من داء السكري ولدى المفرطين في تعاطي المشروبات الروحية.