بات من المقطوع به يقيناً أن التحديات الملحة الحالية والوشيكة التي تواجه التنمية في اليمن أضحت حاسمة، وعليه فإن أساس النجاح في التعامل مع هذه التحديات هو التعليم لاسيما الجامعي؛ قمة السلم التعليمي، وفي هذا السياق فإن تشعب وتعقّد مشاكل التعليم العالي في بلادنا يفضي إلى ضرورة إصلاح سياسة التعليم الجامعي؛ لخلق منظومة تعليمية قادرة على تحسين جودة التعليم وبناء القدرات وخدمة المجتمع, الأمر الذي يتطلب الحشد والتأييد والمناصرة، وتضافر كل الجهود الرسمية منها والشعبية بمختلف مكونات المجتمع على اختلاف مشاربهم, لإحداث استجابة توعوية شاملة ومعالجات متعددة الجوانب كافية وكفيلة لكبح جموح الإشكاليات والمفارقات تسهم في تطبيق فعلي لسياسات تعليمية مواكبة واجتماعية محفزة تؤسس لتوطين ونشر المعرفة, فالنفع إيجابي والضرر المنتظر من عدم القيام به مؤكد. الشراكة المجتمعية من الثابت أن التعليم شأن مجتمعي ووطني بالدرجة الأولى، الأمر الذي يتطلب المزيد من العمل نحو تعزيز مبدأ «الشراكة المجتمعية»؛ لخلق علاقات ارتباط مع المجتمع المحلي والحكومة، وفي هذا السياق ظهرت برامج للمساهمة في دعم قطاع التعليم وإصلاحه من منطلق «المسؤولية الاجتماعية» منها برنامج «دعوة لإصلاح سياسة التعليم الجامعي» من قبل مركز القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، والذي يهدف إلى مواكبة السياسات التعليمية لمتطلبات العصر وبناء مجتمع المعرفة، مع ما تشهده خارطة المهن والمهارات من تجدد متسارع. فكرة البرنامج ولمعرفة تفاصيل أوسع التقت «الجمهورية» بمدير المركز الأخ إدريس عبدالقوي العبسي والذي تحدث عن فكرة البرنامج قائلاً: جاءت فكرة برنامج «دعوة لإصلاح سياسة التعليم الجامعي» بسبب الاختلالات الكامنة في سياسة التعليم الجامعي في اليمن واستجابة من منظمات المجتمع المدني ممثلة بمركز القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان الذي ينشط منذ 2006م بالتعاون مع الصندوق الوطني للديمقراطية NED؛ حيث قام المركز برصد كل ما يهم التعليم الجامعي عن طريق العديد من الدراسات الميدانية وورش العمل بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، وهذا البرنامج يمثل خطوة أولى في سبيل الوصول إلى جامعات عصرية تسهم في تحريك عجلة التنمية المجتمعية الشاملة والمستدامة. مراحل وأهداف ويتابع العبسي قائلاً: إن البرنامج ضم ثلاث مراحل، وكل مرحلة تضمنت إنجاز عديد من الأعمال على صعيد تطوير برنامج إصلاح سياسة التعليم الجامعي، ويضيف: ومن خلال علاقتنا مع الصندوق الوطني للديمقراطية NED استطعنا أن نمدد مشروعنا الوطني إلى المرحلة الثالثة مايو 2014م – أبريل 2015م، ومن أهم أهداف المرحلة الثالثة هو خلق تحالف يهدف إلى تأييد ومناصرة إصلاح سياسة التعليم الجامعي في المحافظات المستهدفة، وكذا مناصرة مخرجات الحوار الوطني الشامل الخاصة بإصلاح التعليم الجامعي بمشاركة الأكاديميين والإداريين والطلاب والإعلاميين ومنظمات المجتمع المدني؛ لإكسابهم المهارات اللازمة للقيام بأنشطة مناصرة، وخلق رأي عام ضاغط باتجاه تنفيذ توصيات الدراسة الميدانية وحلقات النقاش الخاصة بالبرنامج. جامعة ذمار ضمن أنشطة المرحلة الثالثة مايو 2014م– أبريل 2015م أقام المركز بالشراكة مع السلطة المحلية وجامعة ذمار دورة المناصرة وكسب التأييد الخاصة بتوصيات برنامج دعوة لإصلاح سياسة التعليم الجامعي ومخرجات الحوار الوطني ذات العلاقة بالتعاون مع الصندوق الوطني للديمقراطية (NED)، استمرت لمدة يومين من شهر ديسمبر الجاري؛ استهدفت 68 مشاركاً ومشاركة يمثلون الوسط الأكاديمي والإداري من الجامعة وعدداً من الإعلاميين من مختلف الجهات والوسائل والإعلامية إلى جانب عدد من منظمات المجتمع المدني. تفاعل الدكتور أحمد قاسم الحميدي «مدرب الدورة» تحدث بالقول: شهدت استراحة جامعة ذمار التي عقدت فيها الدورة على مدار يومين التفاعل الجيد والحماس من قبل المشاركين، وهدفت إلى تعزيز قدراتهم وتزويدهم بآليات ومهارات الضغط والمناصرة في مجال التعليم الجامعي والعمل على تحديد خطوات سير عملية المناصرة وتحديد الغاية والأهداف منها من واقع الأدبيات التي أصدرها مركز القانون الدولي والمتضمنة برنامج إصلاح سياسة التعليم الجامعي، لنشر التوعية والإرشاد وبناء رؤية مشتركة في كسب تأييد أكبر عدد ممكن من الحلفاء لحشد الجهود والطاقات. ويضيف الدكتور الحميدي: جرى تقسيم المشاركين إلى مجموعات عمل بحسب محاور الدراسة الميدانية؛ حيث أثريت بمقترحات المشاركين، وكل مجموعة أدلت بدلوها حول واقع التعليم الجامعي في اليمن من خلال فتح باب المداخلات والمناقشة واستعراض أوراق عمل المجموعات لما هو كائن وما يجب أن يكون. مسؤولية مشتركة الدكتور خليل الوجيه - القائم بأعمال رئيس جامعة ذمار والذي حضر فعاليات اختتام الدورة- أكد أن مجمل التحديات في مؤسسات التعليم العالي لا تنحصر في جانب المعنيين فقط، فالكل شركاء في التعليم؛ باعتباره يستهدف الإنسان غاية وهدف التنمية، فالتعليم هو القاسم المشترك، ولا يمكن الارتقاء به دون أن يقوم كل طرف بدوره على أكمل وجه. وأشار بقوله: رغم ملامح الضعف في التعليم العالي إلا أنه لا يقلل من إيجابيات حضوره بشكل عام. واستعرض الدكتور الوجيه ما يشهده هذا الحقل التعليمي من طلب مجتمعي متنام مرتبط بأبعاد حقوقية وثقافية في ظل التطورات المتسارعة على صعيد تكنولوجيا الاتصال وخارطة المهن والمهارات. وأضاف: هناك عدد من الخبرات الأكاديمية والقدرات الذاتية والتي تعتبر من عوامل القوة، باستطاعة الجهود المخلصة أن تحولها إلى طاقة كامنة للتغلب على جوانب الضعف. وأشار إلى أهمية المشاركة المجتمعية في مثل هذه البرامج لخلق أطر وأنساق مجتمعية تسهم في بناء مجتمع المعرفة.. مؤكداً أهمية دور وسائل الإعلام في نشر الوعي التعليمي في أوساط المجتمع؛ كونه من أهم وسائل التأثير في الحياة الاجتماعية. حاجات المجتمع المحلي وفي كلمة له خلال فعاليات اختتام الدورة أكد وكيل محافظة ذمار محمود الجبين أن الاطلاع والمشاركة في مثل البرامج إلى جانب التعرف على تجارب الآخرين والاستفادة منها يعتبر من الخطوات التي ستعمل على تطوير العملية التعليمية والأكاديمية بما بتواءم مع ظروفنا وواقعنا، وفي معرض حديثه أشاد الجبين بمستوى التفاعل والحضور اللافت من قبل المشاركين، والذي وصل عددهم إلى 68 مشاركاً ومشاركة يمثلون مختلف شرائح المجتمع بالمحافظة.. داعياً إلى نشر ثقافة التعليم في أوساط المجتمع. وأكد أن السلطة المحلية بمحافظة ذمار تولي قطاع التعليم الجامعي جل اهتمامها وتعمل على حشد الجهود والإمكانات بالتعاون مع جامعة ذمار في سبيل تحسين جودة التعليم وبناء القدرات وخدمة المجتمع المحلى واحتياجاته. تحدً كبير الدكتور محمود المغلس - عميد مركز التعليم المسائي بجامعة ذمار - تحدث بالقول: بحسب تقرير الإصدار التاسع «لمؤشّرات التعليم في اليمن» بلغ عدد الجامعات اليمنية حتى نهاية العام 2010 (30) جامعة منها تسع جامعات حكومية و21جامعة خاصة، فتزايد عدد الجامعات بحسب المختصين في هذا الحقل يعكس واقع النمو السكاني المتزايد، والذي يمثل فيه الشباب قطاعاً عريضاً؛ باعتبارهم يمثلون مخرجات التعليم الثانوي والراغبين بالالتحاق بركب التعليم الجامعي، الأمر الذي خلق تحدياً كبيراً لدى الجهات الرسمية في استيعابهم. وكونه كذلك فقد أثريت الدورة بعدد من الآراء والمداخلات تحدثت عن واقع الجامعات الحكومية والخاصة في اليمن وتطورها الكمي والنوعي والتفاعل مع محيطها الاقتصادي والاجتماعي المباشر المرتبط بسوق العمل ومتطلبات التنمية ودورها في خدمة الفرد والمجتمع، وحملت أفكار المشاركين من واقع المعطيات الراهنة والتصورات المستقبلية وكيفية التعامل معها. الجودة الشاملة الدكتورة آمال المجاهد - أستاذ مساعد بكلية العلوم الإدارية - قالت: الدورة تناولت عدداً من المحاور تركزت حول مخرجات التعليم الجامعي والتحصيل العلمي والبحث العلمي والإدارة الجامعية؛ حيث جرت مناقشة مستفيضة عن التكرار والمماثلة في الأقسام الأكاديمية وواقع مفردات المقررات التعليمة ومستوى إنتاجية البحث العلمي وتمويله، بالإضافة إلى تغير فلسفة التعليم وأثرها على إكساب الخريجين مهارات إضافية.. وخرج النقاش والمداخلات بين المشاركين بتوصيات تضمنت أهمية الجودة في تحسين جوانب العملية التعليمية من خلال تبني مفاهيم وأسس معايير الجودة الشاملة في التعليم الجامعي لتحسين جودة المنهج الدراسي وطرق تدريسه ومصادره. قيمة مضافة الأخ عبدالرؤوف الفلاحي - مدير عام الخدمات الطبية بجامعة ذمار - قال: تضمنت الدورة عدداً من النقاط التي ناقشها المشاركون في الجانب الإداري لمؤسسات التعليم العالي؛ منها الهيكل الإداري والموارد البشرية والأمور المالية وظروف عمل الإداريين والتدريب والتأهيل للموظفين والتخطيط الاستراتيجي، حيث تضمنت أعمال المجموعات تشخيص وتوصيف المثالب التي يعاني منها الوضع الإداري للجامعات اليمنية، وتم اقتراح حلول لما يحتاجه الجانب الإداري لإحداث قيمة مضافة تسهم في خدمة الطالب والأستاذ ومكونات المجتمع. حياة الطالب الجامعية فرحان عبدالخالق - مدير مركز الشباب بجامعة ذمار - أدلى بدلوه قائلاً: هناك نقطة لم تغفلها الدورة أو من شارك فيها وهي حياة الطالب الجامعية؛ حيث جرى التعرف على الجوانب الإيجابية التي تساعد الطالب على التركيز في دراسته؛ منها السكن والتنقل الجامعي والأنشطة الرياضية والثقافية، حيث أكد المشاركون أن توفر هذه العوامل يعد إيجابياً في تكوين شخصية الطالب وتعمق من ثقافة المبادرة لديه، وفي حال عدم وجودها كأنشطة وفعاليات بشكل مستمر خلال العام الجامعي يعزز الإحباط لدى الطالب ويخفض من معنوياته، الأمر الذي يدفع بالطالب إلى التركيز فقط على الشهادة أكثر من تركيزه على الاحتياجات الأخرى في حياته الجامعية. متعددة الجوانب أما الأخت أسماء المصري - مدير إدارة العلاقات العامة في مكتب الإعلام بمحافظة ذمار- فقد قالت: من الجوانب التي تميزت بها الدورة رسالتها وأهدافها وتنوع أطياف المشاركين فيها إلى جانب دور الفاعلين في المجتمع المحلي في حشد المناصرة لتوصيات برنامج دعوة لإصلاح سياسة التعليم الجامعي ومخرجات الحوار الوطني ذات الصلة. ومن الجدير ذكره أن المشاركين وخاصة الإعلامين أبدوا تفاعلهم الإيجابي مع البرنامج لإحداث تفاعل خلاق يسهم في تحسين نوعية التعليم الجامعي من خلال سياسات واضحة ومتعددة الجوانب تحكم العملية التعليمية وتستجيب لاحتياجات المجتمع المحلي. بادرة طيبة المشارك أكرم عبدالكريم - طالب من كلية العلوم الإدارية بجامعة ذمار - قال: سعيد بمشاركتي في هذه الدورة التي أعطت مساحة للطلاب الدارسين بالجامعة للاستفادة من هذا البرنامج والمشاركة في طرح آراء الطلاب باعتبارهم المستهدفين؛ فالمشاركون من مؤسسات وجهات وأفراد وطلاب يمثلون بادرة طيبة لتضافر كافة الجهود المجتمعية التي تسهم في خلق منظومة مترابطة ومتكاملة العناصر والحلقات للتعليم الجامعي؛ كونه من المتطلّبات الضرورية لتحقيق نهضة تعليمية للوطن وشبابه نصف الحاضر وكل المستقبل. [email protected] رابط المقال على فيس بوك رابط المقال على تويتر