القرارات الأربعة عشر التي انتهت إليها ندوة تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة، إلى جانب سلسلة سابقة ولاحقة من إجراءات التشغيل للعمالة الوطنية سواء في القطاع الحكومي أو الخاص، من شأنها أن تبرئ ساحة الحكومة في ما يتعلق بمعضلة تشغيل المواطنين بعد أن وضعت الحصان أمام العربة، أو الكرة أمام المضرب، ولم تعد مسؤولة عن هواة السير عكس الاتجاه أو غير القادرين على التسديد الصحيح لإصابة الهدف . من أبرز هذه القرارات إنشاء مؤسسة حكومية مستقلة إدارياً ومالياً تعنى بتنمية وتطوير هذه النوعية من المؤسسات ورفدها بالموارد المالية والبشرية الكافية، بحيث تندرج تحت مظلتها برامج الدعم الفني الحكومية الحالية ذات الصلة، ومن بين اختصاصاتها تقديم الاستشارات المالية والفنية والإدارية بهدف تطوير قدراتها وتمكينها من تقديم منتجاتها بجودة عالية، وإنشاء "صندوق الرفد" الذي يجمع بين الصناديق والبرامج القائمة حالياً موحداً إياها من أجل دعم وتشجيع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، يبدأ برأسمال سبعين مليون ريال، على أن يتم تزويده بسبعة ملايين تضاف إلى رأس المال سنوياً، حيث من المقرر أن يعمل بالتعاون مع المؤسسة أو الهيئة التي سيتم الإعلان عن إنشائها في وقت قريب من أجل دعم الفئات الخاضعة للضمان الاجتماعي والمرأة الريفية والمهنيين والحرفيين ورواد الأعمال والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، مقدماً المشورة والدعم المالي والإداري والفني . وتخصيص قطع أراضٍ مناسبة في مختلف المحافظات لبناء مراكز أعمال وحاضنات يتم استثمارها من قبل الحكومة أو القطاع الخاص على أن تدار من خلال مؤسسات متخصصة، وكذلك قطع أراضٍ "بعقود انتفاع" لاستثمارها من الشباب والشابات سواء كانت صناعية أو تجارية أو زراعية للانتفاع بها لسنوات طويلة من دون تمليكها حتى لا تتحول إلى سلعة قابلة للتداول في سوق العقارات بما يحول دون تحقيق الهدف المتمثل في تحفيزهم على الانخراط في هذه المشاريع وتنميتها وتطويرها، وذلك بموجب اشتراطات يحددها المجلس الأعلى للتخطيط ووزارة الإسكان، وتخصيص ما لا يقل عن عشرة في المئة من قيمة إجمالي المشتريات والمناقصات الحكومية المختلفة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة على أن يقوم مجلس المناقصات بتنفيذ الإجراءات والضوابط الكفيلة بتحقيق ذلك خلال النصف الأول من هذا العام، وإلزام الشركات المنفذة للمشاريع الكبيرة بتخصيص نسبة لا تقل عن عشرة في المئة من قيمة المناقصة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة مع إعطاء الأولوية لتلك المسجل موقع عملها في المحافظة التي ينفذ فيها المشروع، وتطوير وتحسين إجراءات "المحطة الواحدة" بوزارة التجارة والصناعة، بحيث يتم الانتهاء من تقديم خدماتها كافة إلكترونياً مع نهاية هذا العام، ومراجعة القوانين المنظمة للتنافسية ومنع الاحتكار وإعلان الإفلاس بما يحقق الحماية الضرورية لهذه المؤسسات . الصورة إذاً أصبحت واضحة تماماً، فالراغبون في التوظيف عليهم التوجه حسب مؤهلاتهم وخبراتهم "إن وجدت" إلى حيث المقابلات التي تعلن عنها وزارة القوى العاملة تباعاً للعمل في مؤسسات وشركات القطاع الخاص، خاصة أن مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية قامت بدورها هي الأخرى في حده الأقصى، حيث باتت الحكومة العمانية ملزمة سنوياً بأربعة مليارات ريال هي جملة "رواتب الموظفين والموظفات" في الوزارات والوحدات المدنية فقط، وهو ما يشكل نحو أربعين في المئة من جملة إيرادات النفط والغاز! وعلى الآخرين ممن لا تعجبهم الوظيفة التوجه إلى العمل الحر من خلال هذه الحزمة من التسهيلات . وإذا كانت "ندوة السيح" قد تميزت بالتوصل إلى قرارات واجبة النفاذ بعد أن كانت أمثالها تنتهي عند حدود التوصيات التي قد يلتزم بها البعض بينما يدير لها الكثيرون ظهورهم، إلا أن تنفيذ القرارات يظل هو الآخر بحاجة إلى متابعة ورقابة وتوجيه كلما اقتضت الضرورة، خاصة أن الدولة العمانية اعتادت تقديم التسهيلات إلى مواطنيها طوال العقود الماضية، لكن معظمها تسرب من أبواب خلفية إلى جيوب العمالة الآسيوية الوافدة التي تضخمت تحويلاتها السنوية إلى خارج السلطنة لتصل إلى ثمانية مليارات دولار، ولم يكن ذلك في غفلة من المواطنين الذين استقدموهم، بل وكانوا شركاء فيما جرى ويجري . الكرة الآن أمام المضرب . . ولا مجال لمن لا يجيدون التسديد . . . فليس بعد الحق الا الضلالة . [email protected]