أحمد ابراهيم الفقيه لا ادري ان كان مثل هذا الاحباط هو ما يشعر به اهل الطليعة الثقافية والسياسية في كل بلدان الربيع العربي, ام هو حالة خاصة بليبيا؟ فقد وصلت الي قناعة ان الشعور بالاحباط صار شعورا يخامر اغلب المنتمين لهذه الفئة الواعية, المثقفة, من ابناء ليبيا, ليس فقط من خلال اصدقائي الذين اتواصل معهم في الوسطين الثقافي والسياسي, لكن مما أقرأه من مقالات, وما اراه من ملاحظات, في مواقع التواصل الاجتماعي في الانترنت, وما تعكسه الصحف ووسائل الاعلام, فيما يعرض من مقابلات ومناظرات, ولابد ان مصدر هذا الاحباط جاء من سقف التوقعات الذي كان عاليا, بعد نجاح الثورة في الاطاحة بالطاغية ونظامه, التي كانت في اوجها تفاؤلا بنجاح الثورة, وانتظارا لتحقيق وعد النهوض والحرية والتنمية, فور ان تباشر الدولة الجديدة بناء مؤسساتها والانتقال من حالة الاحتراب, الي حالة السلام والامان, ولكن الفترات الانتقالية طالت باكثر مما كان يتوقع المتفائلون, ودم يسيل غير دم النضال والثورة, وانما دم الشقاق والاختلاف والفوضي, والقانون الذي كان كل الثوار يتطلعون الي عودته الي ليبيا, بعد ان عاشت خلال فترة الطغيان بلا قانون ولا نظام ولا عدالة, تأخر حضوره في البلاد, فقد ظل القانون غائبا, حتي بعد نجاح الثورة, وبدلا من الطاغية وعصابته الحاكمة, ظهرت مجموعات مسلحة, اختلط حابلها بنابلها, فلم يعد احد يعرف من هو الثوري ومن هو البلطجي, ومن هو حامي القانون ومن هو المعادي للقانون, ورغم وجود بعض الظواهر الايجابية كانت تظهرلتوقد مشاعل الأمل في افق البلاد, مثل نجاح الشعب في اقامة انتخابات نزيهة شفافة, وانتقال السلطة من مجلس انتقالي مؤقت, الي مجلس آخر وطني تأسيسي, لبناء صروح الدولة, وصياغة الدستور, في جو من الامان والسلام, هذه المظاهر الايجابية التي لمعت في السماء, لم تستطع ازالة سحب الكدر والفوضي, التي ظلت باقية في مكانها تتحدي بزوغ النهار الجديد, هذا هو الواقع الذي افرزته الثورة, والذي اشاع في النفوس هذا الاحساس بالخيبة والاحباط, فهل نستطيع ان نقول انه واقع زائل باذن الله في اقرب الفرص, وان ما نسميه فترة انتقالية, هي فترة عابرة سوف تفضي بنا الي براحات الامل والاشراق, ودولة البناء والنماء وسيادة القانون, وانا اقول اليوم من موقع الانتماء لهذه الثورة, والحرص علي نجاحها, نعم, ان ما نراه من ظلال يجب ألا تحجب فجرا جديدا يولد فوق كل ارض الربيع العربي, وان مرحلة من الفجور والفساد والطغيان والقهر والكبت والحرمان, قد انقضت, ومرحلة جديدة تولد الان, وما هي الا الام المخاصن التي تنبيء بانبلاج الغد الابهي والاجمل باذن الله, وليعلم هؤلاء المحبطون, ان ثمة عددا من الحقائق يجب ان تكون ماثلة في اذهانهم من بينها الاتي: أولا: ان الثورة ليست عصا سحرية تحيل العتمة الي ضياء, وانما هي جهد يقتضي ان ننخرط فيه جميعا بايمان واخلاص ومثابرة اذا اردنا لانفسنا وثورتنا وبلادنا النجاح. ثانيا: مرحلة الاحتراب والثورة المسلحة ضد الطاغية, هي مرحلة تقويض وهدم لنظام بأبنيته ورموزه ومؤسساته, لاتكفي وحدها لبناء النظام الجديد, الذي يقتضي مرحلة اخري نقول فيها وداعا للسلاح, وناخذ خرائط البناء وادوات البناء ونبدأ في العمل بأسس وقواعد جديدة. ثالثا: ميراث القهر والاستبداد الذي ترسب نتيجة اربعين عاما ونيف من حكم الطاغية, لن يستطيع ان يمحي وينتهي بمجرد سقوطه, وانما غالبا ما يكون قد تحول الي مكبوتات, وبني راسخة في نفوس الناس, تعيش فترة بعد موت الطاغية, ويجب أن نسعي ونعمل لتطهير انفسنا منها, واعداد الخطط والبرامج لاعادة تأهيل اهلنا, نساء ورجالا وشيبا وشبابا, للحياة الجديدة. وأقول اخيرا, ان شعبنا في ليبيا رأي في عهد الطاغية من السفه والمفاسد, ما قل وجود نظائر له في التاريخ البشري اجمعه, وهو ما يجعلنا جميعا واثقين, ان ما رأيناه لن نعود لرؤيته فلا عودة الي الوراء, وليس امام بلادنا الا الذهاب الي الامام في رحلة الانطلاق الي مدينة الغد الابهي التي لا بد من الوصول اليها وان طال السفر.