" الشرطي الذي يجاوز حدود سلطاته يتحول إلى لص أو قاطع طريق.. كذلك كل من يتجاوز حدود السلطة المشروعة سواء أكان موظفاً رفيعاً أم وضيعاً، ملكا أم شرطياً " جون لوك تؤكد كتب التاريخ أن عدد الطغاة والمستبدين يفوق بأضعاف الحكام الصالحين، وأن هذا النوع من الحكام كانوا دائماً موضوعاً للكراهية والخوف، ما يدعم القول بأن استقرار القوانين الدستورية تطلب جهاد الشعوب وكفاحها واستشهاد الكثير من أبنائها. وسجل التاريخ أن الدساتير لم تصدر إلا بعد ثورات شعبية أو ضغط قوي من جانب الشعب على حكامه حتى في البلاد التي اتسم تطورها السياسي بالهدوء إلى حد كبير مثل انجلترا. هذا ما يذهب إليه الدكتور إمام عبد الفتاح مؤلف كتاب الطاغية، الذي يعتمد عليه الكاتب في تسطير هذه المقالة. يقال طغى فلان أي أسرف في المعاصي والظلم. والطاغية: الجبار و الأحمق والمتكبر والصاعقة، والمراد به هنا من تولى حكماً فاستبد وطغى، وتجاوز حدود الاستقامة والعدل تنفيذاً لمآربه، فيمن تناوله حكمه أو بلغت سلطته إليه. و من حيث الشكل ليس للطغيان دستور ولا للطاغية مركز رسمي محدد، فجميع السلطات تتمركز في يديه، ولا قانون إلا ما يأمر به حتى لو خالفت أوامره القوانين القائمة، بل إنه هو نفسه قد يصدر أمراً جديداً يخالف ما أصدره قبل ذلك، فالتناقض شائع في حكم الطغاة، لأن قراراتهم مبنية على الانفعال والانفعال بطبيعته وقتي ومتقلب. وينفرد هذا النوع من الحكام بخاصية أساسية، في جميع العصور، وهي أنه لا يخضع للمساءلة ولا للمحاسبة، ولا للرقابة من أي نوع ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون)! بهذا يقترب الطاغية من التأله، فهو يرهب الناس بالتعالي والتعاظم ويذلهم بالقهر والقوة وسلب المال حتى لا يجدوا ملجأً إلا التزلف له وتملقه.
البداية الطاغية رجل يصل إلى الحكم بطريق غير مشروع، فيمكن أن يكون قد اغتصب الحكم بالمؤامرات أو الاغتيالات، أو القهر أو الغلبة بطريقة ما. وباختصار هو شخص لم يكن من حقه أن يحكم لو سارت الأمور سيراً طبيعياً، لكنه قفز إلى منصة الحكم عن غير طريق شرعي، وهو " يتحكم في شئون الناس بإرادته لا بإرادتهم، ويحاكمهم بهواه لا بشريعتهم " . و يذهب أفلاطون إلى أن ظهور الطاغية مرهون بوجود ضرب من الفوضى أو التسيب في الدولة، بحيث يكون هو المنقذ الذي يعيد النظام والأمن والاستقرار إلى البلاد حتي يشعر كل مواطن أنه آمن على نفسه و أهله وماله. ويبدأ الطاغية في الأيام الأولى من حكمه في التقرب من الناس: في بادئ الأمر لا يلقى كل من يصادفه إلا بالابتسام والتحية، ويستنكر كل طغيان، ويجزل الوعود الخاصة والعامة، ويعفي من الديون، ويوزع الأرض على الشعب وعلى مؤيديه ويتصنع الطيبة والود مع الجميع. ثم سرعان ما يتحول الحاكم، عندما يجد نفسه سيداً مطاعاً، فيمعن في الاستبداد والسيطرة، حتى يختلط الأمر على العامة فتراهم لا يفرقون بين الإله المعبود والحاكم الطاغية، فيخلعون عليه صفات من قبيل ولي النعم، والعظيم الشأن، والجليل القدر[ أو الرئيس الصالح ]، وما من مستبد سياسي إلا ويتخذ له صفة قدسية يشارك فيها الله، أو تربطه برباط مع الله، ولا أقل من أن يتخذ بطانة من أهل الدين يعينونه على ظلم الناس باسم الله. وإجمالاً، فإن للنظام الشمولي سمات معينة يستدل بها على الحاكم الطاغية، ومنها:- 1- أن الشمولية ضرب من ضروب الحكم التسلطية كالفاشية في ألمانيا. وهي تتمسك بالمظهر الديمقراطي لتسويغ سلطتها وإعطاء نظام حكمها طابع الشرعية. 2- الترجمة الحقيقية للديمقراطية في المذهب الشمولي هي إن إرادة القائد أو الزعيم هي إرادة الشعب. 3- الاستفادة من تحديث وسائل الإعلام والاتصال والإثارة والترغيب والترهيب للتأثير على جماهير الناس، وتحقيق التطابق المنشود بين إرادة الشعب وإرادة القائد. و ليس للطغيان صورة واحدة.. فمتى استغلت السلطة لإرهاق الشعب وإفقاره تحولت – حسب جون لوك- إلى طغيان أياً كانت صورته. الأخطر من ذلك أن الطاغية كما يذهب أفلاطون، لا يجد غضاضة في تقديم بني وطنه إلى المحاكمات الباطلة، كما لا يتورع عن سفك دماء شعبه ، وعندئذ يصبح ذئباً، لأن الحاكم الجبار الذي يسفك دماء المواطنين فكأنه بذلك يأكل لحم أخيه، وهكذا يتحول إلى ذئب مفترس.
النهاية يعيش الطاغية في ظلام دامس حيث يكثر الوشاة والمرجفون وتحاك الدسائس والمؤامرات، حتى أن الطاغية نفسه يعيش في شك وريبة من جميع المحيطين به فيبث عيونه في كل مكان لكي تنقل له حركات الناس وسكناتهم. وحيث أنه ليس للطاغية قيم أخلاقية يحافظ عليها فلا وفاء بوعد و لا أصدقاء ولا كلمة شرف، فإنه إذا وجد من بين أولئك الذين أعانوه على تولي الحكم والذين أصبحوا من ذوي السلطان والنفوذ فئة من الشجعان الذين يعبرون عن آرائهم بصراحة أمامه وفيما بينهم وينتقدون ما يقوم به من تصرفات، فإن الطاغية لا بد أن يقضي على كل هؤلاء إن شاء أن يظل صاحب سلطان، فلا يترك في النهاية شخصاً ذا قيمة سواء بين أصدقائه أو أعدائه. لكن تصرفات الطاغية على هذا النحو تثير في نفوس مواطنيه المزيد من الكراهية، فيزداد بدوره حاجة إلى حرس [ بلاطجة ] أكبر عدداً و أشد إخلاصاً. وهم سيتقاطرون عليه من تلقاء أنفسهم بأعداد كبيرة إذا ما دفع لهم أجوراً كافية! ولكن المعجبين به لن يتجاوزوا أولئك الرفاق المنتفعين الذين يجتمعون به ويدافعون عنه، لأنهم يعلمون أن سقوطه يعني سقوطهم أيضاً. أما المواطنون الشرفاء، فإنهم يمقتونه وينفرون منه. حينها - يتنبأ أفلاطون- بأن الشعب سوف يدرك مدى الكارثة التي جلبها على نفسه يوم ساند الطاغية وارتضى حكمه حتى أصبح هذا المخلوق أقوى من أن يستطيع الشعب أن يطرده! غير أن هذه النهاية الأفلاطونية لم تعد قدراً محتوماً، في عصرنا الراهن، لأن للشعوب كلمتها أيضاً وإن طغى الحاكم وتفرعن، وما حدث في تونس ومصر ليس ببعيد عن اليمن، فهل يسارع الرئيس صالح إلى الاستقالة الطوعية من الحكم أم تراه ينتظر مصيراً سبق إليه شقيقاه مبارك وبن علي؟؟!