بوتافوجو يسقط بطل أوروبا.. وينفرد بالصدارة    حسابات تأهل الأهلي المصري.. الأمل معلق بالبرازيليين    الحشود تتوافد الى ساحات (ثابتون مع غزة وإيران ضد الإجرام الصهيوأمريكي)    من "فتاح" إلى "سجيل".. تعرف إلى أبرز أنواع صواريخ إيران    القبض على عصابة تنتحل صفة جهاز أمني في حضرموت    آل الشيخ عن دوري «روشن»: انتظروا من «ثمانية» نقلا مختلفا وأعلى جودة    اختتام ورشة إعداد خطة العام 1447ه ضمن برنامج سلاسل القيمة في 51 مديرية نموذجية    كارثة كهرباء عدن مستمرة.. وعود حكومية تبخرّت مع ارتفاع درجة الحرارة    ميسي ينضم إلى ظهير باتشوكا    الذهب في طريقه لتكبد خسائر أسبوعية    العرب والمسلمين بين فن الممكن المهين والاقتصاد المكثف المفخرة    المستوطنة الأثيوبية في عتق.. خطر داهم على حياة المواطن وعرضه    الطريق الدولي تحت سيطرة الحزام الأمني.. خنق لخطوط الإرهاب والتهريب    شبوة تودع شهيدي الواجب من قوات دفاع شبوة    المبرّر حرب ايران وإسرائيل.. ارتفاع أسعار الوقود في عدن    خسائر معهد "وايزمان" نحو اثنين مليار شيكل جراء القصف الإيراني    إصابة 36 مستوطنا صهيونيا في قصف إيراني على بئر السبع    ديدان "سامّة" تغزو ولاية أمريكية وتثير ذعر السكان    نجاح أول عملية زرع قلب دون الحاجة إلى شق الصدر أو كسر عظم القص    صحيفة أمريكية تكشف حجم خسائر إسرائيل اليومية    البيت الأبيض يعلق على موعد قرار ترامب بشأن الهجوم المحتمل على إيران    في ظروف غامضة    قضاة يشكون تعسف وزير المالية إلى رئيس المجلس السياسي الأعلى    عن العلاقة الجدلية بين مفهوم الوطن والمواطنة    حين يُسلب المسلم العربي حقه باسم القدر    فريق الرايات البيضاء يكشف عن اخر مستجدات إعادة فتح طريق رئيسي يربط بين جنوب ووسط اليمن    نتائج الصف التاسع..!    كأس العالم للاندية : ميسي يقود انتر ميامي لفوز ثمين على بورتو    "مسام" ينتزع نصف مليون لغم حوثي خلال 7 أعوام    مراجعات جذرية لا تصريحات آنية    الحوثيون يقرّون التحشيد الإجباري في الحديدة بدعوى نصرة إيران    ذمار تضيق على نسائها    المعبقي يكشف عن اجراءات نقل مقرات البنوك إلى عدن وكيف ستتعامل مع فروعها في مناطق سلطة صنعاء    خيانة عظمى.. علي ناصر محمد يتباهى بمنع انضمام الجنوب لمجلس التعاون الخليجي    من عدن إلى الضمير العالمي    فعاليتان للإصلاحية المركزية ومركز الحجز الاحتياطي بإب بيوم الولاية    جماعة الإخوان الوجه الحقيقي للفوضى والتطرف.. مقاولو خراب وتشييد مقابر    صنعاء .. اعلان نتيجة اختبارات الشهادة الأساسية    من يومياتي في أمريكا .. هنا أموت كل يوم    اليوم نتائج الشهادة الاساسية وهذه طريقة الحصول على النتيجة    كيف تواجه الأمة الإسلامية واقعها اليوم (2)    انهيار متواصل للريال اليمني.. أسعار الصرف تواصل التدهور في عدن    الخطوط الجوية اليمنية... شريان وطن لا يحتمل الخلاف    إصابة 3 مواطنين إثر 4 صواعق رعدية بوصاب السافل    مباراة تاريخية للهلال أمام ريال مدريد    الصبر مختبر العظمة    مواطنون يشكون منع النقاط الامنية ادخال الغاز إلى غرب محافظة الضالع    كندة: «ابن النصابة» موجّه.. وعمرو أكبر الداعمين    لملس يزور الفنان المسرحي "قاسم عمر" ويُوجه بتحمل تكاليف علاجه    رسميا.. برشلونة يضم خوان جارسيا حتى 2031    الرهوي يناقش التحضيرات الجارية للمؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم    لاعبو الأهلي تعرضوا للضرب والشتم من قبل ميسي وزملائه    شرب الشاي بعد الطعام يهدد صحتك!    الصحة العالمية: اليمن الثانية إقليميا والخامسة عالميا في الإصابة بالكوليرا    حوادث السير تحصد حياة 33 شخصاً خلال النصف الأول من يونيو الجاري    استعدادًا لكأس الخليج.. الإعلان عن القائمة الأولية لمعسكر منتخب الشباب تحت 20 عاما    صنعاء .. التربية والتعليم تعمم على المدارس الاهلية بشأن الرسوم الدراسية وعقود المعلمين وقيمة الكتب    وزير الصحة يترأس اجتماعا موسعا ويقر حزمة إجراءات لاحتواء الوضع الوبائ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دائرة الطباشير السورية
نشر في الجنوب ميديا يوم 24 - 02 - 2012

دائرة الطباشير السوريةالمرء يتفهم الحساسية الأمريكية تجاه صعود 'جبهة النصرة' في مشهد الانتفاضة السورية؛ وهي، في المناسبة، قد تكون حساسية أقلّ بكثير، في الكمّ والنوع، من مستوى حساسية القطاعات الشعبية الأعرض في المجتمع السوري ذاته. وقد يُدهش مراقب أمريكي (يزعم، مع ذلك، الإحاطة التامة بشؤون وشجون البلد) أنّ السوريين ضاقوا ذرعاً، في الماضي كما في الحاضر، بالتنظيمات الأصولية والمتشددة والسلفية والتكفيرية؛ كما أنهم يرفضون، في غالبية ساحقة، أفكار وممارسات الشرائح 'الجهادية' منها تحديداً. وهذا أمر يختلف، في العمق وفي الجوهر، عن ظواهر أخرى ذات صلة بالإسلام، مثل صعود الإسلام السياسي، أو تسييس الإسلام الشعبي، أو هيمنة القاموس الإسلامي على نماذج واسعة من خطابات الانتفاضة السياسية أو العسكرية، أو غَلَبة المرجعيات التاريخية الإسلامية على أسماء كتائب 'الجيش السوري الحرّ'...
في المقابل، لعلّ المرء بحاجة إلى دائرة طباشير قوقازية، من النوع الذي ألهم المسرحي الألماني الكبير برتولت بريخت فكتب عمله الشهير الذي حمل العنوان ذاته، توضع فيها علاقة السياسة بالدين في المجتمع الأمريكي، لنتبصّر أيهما الأمّ العقائدية الشرعية لهذه الأمّة الأمريكية. وقد تسفر سيرورة الشدّ والجذب عن إجابات شافية على حزمة أسئلة تبدأ من التالي، مثلاً: كيف يمكن لهذه الأمّة، أو لغالبية كبيرة من أبنائها، أن تكون قوّة كونية عظمى أولى، ديمقراطية عصرية مصنّعة متقدّمة علمانية (بمعنى فصل الدين عن الدولة، في أقلّ تقدير)؛ وتبقى، في الآن ذاته محافظة متديّنة قَدَرية، بل سلفية أيضاً؟
ولأنني توقفت، شخصياً، عن اليقين بأنّ العودة إلى علوم النفس أو الاجتماع أو السياسة أو الاقتصاد أو التاريخ... تكفي للوقوف على أسباب هذا الانشطار بين أقصيَي الحداثة والسلفية؛ فقد ذهبت إلى ميدان الأنثروبولوجيا، وإلى أمريكي بارز وبارع وغير تقليدي، هو فنسنت كرابانزانو. ومقام الرجل الرفيع في ميدان الدراسات الأنثروبولوجية يجعل المرء يقرأ بثقة راسخة خلاصاته عن طرائق، وكذلك مؤسسات وعواقب، التأويل الديني لموادّ الدستور الأمريكي. وهذه هي موضوعات كتابه الممتاز 'خدمة الكلمة: النزعة الحَرْفية في أمريكا، من منبر الوعظ إلى منصّة القضاء'، الذي كان قد صدر سنة 2011، واستُقبل بعواصف متلاطمة صاخبة، غاضبة أو راضية أو مندهشة!
إلى هذا، كان كرابانزانو قد أثار ضجّة في صفّ الأنثروبولوجيا البنيوية حين أصدر 'الحمادشة: دراسة في طبّ النفس الإثني في المغرب'، 1973؛ و'تهامي: صورة مغربيّ'، 1980. كما أثار ضجّة أخرى في مناهج التحليل الأنثروبولوجي لنظام الفصل العنصري، الأبارتيد؛ في كتابه 'انتظار: البيض في جنوب أفريقيا'، 1985. وضجّة ثالثة في صفّ الأنثروبولوجيا الثقافية؛ حين صدر كتابه الطليعي 'معضلة هرميس ورغبة هاملت: حول إبستمولوجيا التأويل'، 1993. واليوم، بعد صدور عمله الأخير 'الحركيون: الجرح الذي لا يندمل'، 2011، يُنتظر أن تتواصل الضجة حول الركائز الأنثروبولوجية للمواطنين الجزائريين الذين اختاروا الوقوف إلى جانب الاستعمار الفرنسي، ضدّ استقلال الجزائر.
المقولة الأساسية في 'خدمة الكلمة' تسير هكذا: هذه الأمّة تحمل التوراة بيد، والدستور بيد أخرى؛ وحين تطبّق حرفياً موادّ القانون الذي وضعه البشر (الدستور)، فإنها إنما تفعل ذلك ضمن حال من الخضوع المذهل للنصّ الذي وضعه الربّ (التوراة)، من جهة أولى؛ وللتأويل الميتافيزيقي لمعظم الظواهر الدنيوية، من جهة ثانية. وهكذا فإنّ منبر الوعظ يمكن أن يغادر الكنيسة لكي يستقرّ على منصّة القاضي في المحكمة، وليس غريباً أن يقول أحد قضاة المحكمة العليا (أي تلك التي لا يعلو على رأيها رأي قانوني أو تشريعي) إنّ موادّ الدستور الأمريكي هي 'إلهام من الربّ'!
لكنّ الأنثروبولوجيا الميدانية ليست وحدها محطّ اهتمام كرابانزانو في تنقيبه عن الجذور الدينية الأصولية لظواهر ومظاهر نزعة التأويل الحرفي، لأنه أيضاً يلجأ إلى التحليل اللغوي والنصّي الثاقب لعدد من الأعمال التي تفسّر الدنيا بالدين، وتحيل موادّ الدستور الأمريكي إلى إصحاحات وأعداد خارجة مباشرة من أسفار الكتاب المقدّس. ولهذا فإن هتك أستار تلك الميول الكامنة يتجاوز النشاط الأنثربولوجي أو العلمي المحض، ليصبح استكشافات ثقافية وأخلاقية وسياسية بالغة الحساسية.
وفي الأمثولة القوقازية، لكي نعود إلى مسرحية بريخت، يقرر القاضي الأريب وضع الطفل المتنازَع عليه في منتصف دائرة، وأنه سيأمر بحضانته للأمّ التي تشدّه من الثانية خارج الدائرة، لكنّ الأمّ المربية تشفق على الطفل فلا تشدّه، عكس ما تفعل الأمّ الوالدة، فيقرّر القاضي أنّ الأولى هي الأحقّ بالأمومة. وفي دائرة طباشير سورية، قد تزعم 'جبهة النصرة' الحقّ في حضانة هذا الطفل، أسوة بزاعمين آخرين سواها، في الصفوف الإسلامية أو العلمانية؛ وقد يفعل هذا مناصر للنظام، أو طائفي أو شبيح أو فاسد؛ وقد تقع أكثر من أمّ واحدة في حيرة من أمرها: هل تؤلم الطفل لتكسبه، أم ترأف به فتخسره؟
الثابت أنّ سلسلة من التجارب السورية في الحياة السياسية والحزبية والبرلمانية، سابقة لحكم البعث وقوانين الطوارىء و'الحركة التصحيحية' و'الأب القائد'؛ سوف تكفل للطفل السوري حضانة مدنية ديمقراطية علمانية تعددية، رغم كلّ جولات الشدّ والجذب المنتظَرة، المؤلمة والشاقة والمعقدة، داخل الدائرة وخارجها. 'هنا ينفض الوهم أشباحه'، كما يقول عمر أبو ريشة!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.