سان فرانسيسكو: دينا هشام عادل: في العام 1933 تفتق ذهن أحد قادة الأمن في ولاية سان فرانسيسكو الأميركية بأن يحول إحدى الجزر التي تطل عليها المدينة إلى سجن..! سجن يقع وسط المحيط لا يمكن أن يهرب منه أحد، سجن يصبح أحد أشهر سجون العالم وأصعبها مقاومة لحركات الهروب التي يمكن أن يفكر فيها أحد السجناء..! ويبدو أن الفكرة راقت للمسؤولين الأميركيين، وتم تحويل جزيرة "الكاتراز" إلى سجن أو إلى السجن الذي لا يهرب منه أحد..! "أسفار" دخلت السجن العتيق ولكنها خرجت منه بعد ساعات، فقد سقطت أسطورة السجن بعد قصة هروب شهيرة لا يعرف سرها أحد حتى الآن، وتم إلغاء السجن وإخراج المساجين منه، وتحول إلى مزار سياحي شهير في مدينة سان فرانسيسكو. يعد سجن "الكاتراز" من أبرز الممعالم السياحية في سان فرانسيسكو، اقيم السجن على جزيرة "الكاتراز" التي يطلق عليها الأميركيون أسم "الصخرة"، بعد أن أقتنع الأميركيون بتحويل الجزيرة إلى سجن تم التخطيط للمشروع بعناية فائقة، وتم تخصيص جزء من الجزيرة للسجن الحصين، بينما تم تخصيص الجزء الآخر كمكان لمعيشة أفراد الطاقم المسؤول عن إدارة السجن وأسرهم. ظل السجن يعمل بكفاءة متناهية النظير لمدة 29 عاماً، وتحديداً حتى عام 1962، فقد تمكن ثلاثة مساجين من الهروب ولم يتم العثور لهم على أي أثر، ولا يعرف أحد حتى الآن ماذا كان مصيرهم، وماذا حدث لهم، وأثارت القصة خيال الكتاب والسينمائيين، وظهرت العديد من القصص والأساطير عن السجناء الهاربين، وتحولت هذه الأساطير إلى أكثر من عمل سينمائي عن قصة هروبهم، وباتت القصة عالمية تتحدث عنها صحف العالم، وتم إغلاق السجن بعد أن فشل خبراء الأمن في تحديد كيفية الهروب، وذلك خوفاً من تكرار هروب المساجين. مع الوقت لاحظت شركات السياحة أن السجن يثير فضول السياح إلى مدينة سان فرانسيسكو نظراً لشهرته العالمية، وطلبت الشركات رسمياً عدم هدمه، وتحويله إلى مزار سياحي يزيد من المدينة شغفاً وجمالاً وإثارة، وبالفعل ولأنك في أميركا أرض الأفكار الغريبة، فقد وافقت السلطات وتم تحويله إلى مزار سياحي، والطريف أنه وجد إقبال غير عادي من السياح، فالجميع يتمنى أن يرى سجن من الداخل، فما بالك إن كان سجن "الكاتراز" الشهير..؟! عندما تدخل إلى السجن، فإنك تشعر بالرهبة، ويستدعي عقلك على الفور إحاسيس المساجين وهم يعبرون الماء بالقوارب السريعة، ويدخلون إلى ذلك السجن وهم يعرفون أنهم لن يخرجوا منه أبداً، ربما لمدة محددة أو بقية حياتهم حسب المدة التي حددها الحكم القضائي، المشهد مثير ومخيف في آن واحد، خاصة عندما يبدأ المرشد السياحي في شرح الحياة اليومية داخل السجن، وعندما ترى الزنازين الجماعية، والزنازين الفردية، وترى منطقة العزل التي ينقل اليها السجين المشاغب، ربما بعد هذه الزيارة ستكون أكثر التزاماً، ولن تفكر في مخالفة القوانين. السجن قريب إلى حد ما من السجون التي نراها على شاشات السينما، مناطق تناول الطعام، ومناطق التجمع، حتى ملعب كرة السلة موجود، ولكن لابد للعقل أن يستدعي مشاهد العنف والصراع بين السجناء، وخلال الزيارة من حقك أن تطلب الدخول إلى زنزانة ما، وأن يغلق الباب عليك حتى تشعر بأحاسيس أكثر رعباً، ولن تتمنى أن تظل كثيراً في الداخل حتى لو كان الأمر مجرد مزحة..! بعد زيارة طويلة للسجن تمتد لأكثر من نصف يوم، ربما تعجبك الرحلة، ولكنها تترك أحاسيس مختلفة عن أي مكان تزوره في العالم. كما ذكرنا السجن هو أحد أهم معالم مدينة سان فرانسيسكو التي تقع في أقصى غرب الولاياتالمتحدة الأميركية، وهي من أقدم المدن الأميركية، وتصور فيها معظم الأفلام السينمائية، فهي مدينة رائعة تتميز بمناخ ممتاز على مدار العام، وتمتلك ذلك الجسر الذي يظهر في معظم الأفلام الأميركية (جسر البوابة الذهبية)، وبها العديد من المزارات السياحية والفنادق. أما "جولدن جيت بريدج" أو جسر البوابة الذهبية ذلك الجسر المعلق الشهير، هو جسر يقوم بدور الجسور الطبيعي في ربط أجزاء المدن، ولكنه أيضاً تحول إلى مزار سياحي هام لكل سائح يأتي لزيارة سان فرانسيسكو، فهو من أوائل الجسور المعلقة في العالم، ويأخذ شهرته من لونه الأحمر المائل للون الصدأ، لم يكن لونه أحمر من قبل ولكن توقفت عمليات صباغته نظراً لقصور في الميزانية فاعتلاه الصدأ، فحول المهندسون لونه إلى لون الصدأ، حيث كان هذا اللون مختلفاً في الأعوام الأخيرة من الثلاثينات من القرن الماضي ويبلغ طول الجسر حوالي 2,7 كيلومتراً. كانت رحلتي إلى سان فرانسيسكو في وقت إجازات عيد الميلاد، وكانت الاحتفالات صاخبة، وأضواء المصابيح تحول الليل إلى نهار، والشعب لا ينام من كثرة الاحتفالات في الطرقات والمتنزهات، كانت المطاعم مشغولة بشكل كبير، وتضطر إلى وضع اسمك في قائمة انتظار تضم أكثر من مائة فرد، والناس تنتظر رغم ذلك. رحلتي إلى سان فرانسيسكو كانت موفقة، ولكن لم يكن ينغصها إلا هذا العدد الكبير من المشردين والمتسولين، وعلمت فيما بعد أن تلك المدينة تشتهر بهذه الظاهرة بسبب توافد عدد كبير من السياح إليها، ولكن رغم ذلك رأيت أشياء مختلفة تماماً عن أي شئ أراه في حياتي اليومية من شوارع وناس ومزارات، ويكفي أنني دخلت السجن، إنها مدينة مختلفة عن هذا العالم.