حين زارت الناشطة العراقية هناء أدور المعتصمين في الأنبار، رأت فيهم تصميمًا على الاستمرار في تحركهم السلمي، حتى ينتزعوا مطالبهم من الحكومة والبرلمان، من خلال تفاوض مباشر، لأنهم فقدوا ثقتهم بالكتل السياسية. عبد الجبار العتابي من بغداد: أكدت الناشطة النسوية العراقية هناء أدور أن الأوضاع في محافظة الأنبار الغربية لا تحتمل التسويف، ولا يمكن أن تحلّ بتشكيل اللجان، وإنما بالحوار المباشر، مشيرة إلى أن المتظاهرين والمعتصمين فقدوا الثقة بالحكومة والبرلمان، معربة عن خشيتها أن تمتد الاعتصامات إلى محافظات أخرى. وقالت هناء أدور، رئيسة جمعية الأمل العراقية، إحدى منظمات المجتمع المدني، ل "إيلاف" إنها زارت قبل أيام ساحة الاعتصامات في مدينة الرمادي، والتقت بالعديد من الشخصيات العشائرية والوجهاء والمثقفين، واستمعت بشكل مباشر إلى مطالبهم، مؤكدة أنها لم تسمع أية شعارات طائفية، بقدر ما كان الجميع يتحدث عن حقوق عراقية عامة، قالوا إنها لا تتجزأ، ومنها مطلب بناء دولة مدنية ديمقراطية في العراق قائمة على أساس مبدأ المواطنة. في ما يأتي نص الحوار: ماذا في ساحة الاعتصام؟ زرت ساحة الاعتصام مع مجموعة كبيرة من منظمات المجتمع المدني، وتعرّفنا إلى معاناة شرائح واسعة من شعبنا، صار لها أكثر من 50 يومًا، وهي تنتظر تنفيذ مطالبها المشروعة والعادلة، والتي اتفق عليها العديد من السياسيين، بما فيهم رئيس الوزراء ومجلس النواب والكتل السياسية. وأؤكد ما سمعناه ورأيناه أيضًا، وهي سلمية الاعتصام الموجود في الأنبار. الاعتصامات سلمية بكل معنى الكلمة، والسلمية تنطلق من تبنيهم مطالب الشعب العراقي كله، وليس فقط مطالب فئوية ضيقة لمنطقة محددة، هذا الذي سمعناه وشاهدناه، وهم يؤكدون أن حقوق العراقيين لا تتجزأ، فالظلم والغبن لا ينحصر في منطقة واحدة فقط، بل هو موزّع في كل العراق، وهذه هي القضية المهمّة التي يجب التركيز عليها، وأكدوا مطلبهم الأساس، وهو بناء دولة مدنية ديمقراطية في العراق، قائمة على مبدأ المواطنة والمساواة والعدالة وتكافؤ الفرص للجميع، كما أكدوا على رفضهم واحتجاجهم على سياسة التمييز والتهميش والإقصاء، وهذه مطالب عامة، كما شددوا على أن الحقوق لا تتجزأ في قضايا متنوعة، سواء كان الحق الشخصي أو حق التظاهر أو التجمع وحق العدالة وحق العمل والصحة، فالعلة تكمن في تطبيق الدستور ومن يستخدم القضاء لأغراض سياسية. مطالب جامعة ماذا يريد المعتصمون أيضًا؟ يريدون لكل عراقي أن يعامل كمواطن من الدرجة الأولى، وتساءلوا: أين حقوق العراقيين؟، أين مطالبنا؟، لا البرلمان نفذ، ولا المالكي نفذ، ولم نلمس منهم سوى التهميش، وليس لنا أي دور في بناء الدولة. وتحدثوا عن ناس غير كفوئين في قيادات الدولة، وعن الالتزام بالقانون والدستور أساس الشرعية التي يمنحها الشعب، وهي مشروطة بالأداء، وعن الإعلام الموالي للنظام، الذي حاول تشويه ما يدور في الأنبار، فما روّج من شعارات طائفية أكذوبة. حصل في البداية بعض الخروقات، ولكن أبناء الأنبار واعون وحريصون على وحدة العراق. اعتصامنا ومواقفنا تطالب بالحقوق لكل العراقيين، وليس للأنبار فقط. لم يطلق إلى الآن أي معتقل من أبناء الرمادي، وما يصرّح به لا يتعدى الاستهلاك الإعلامي، وفي الوقت نفسه الاعتقالات العشوائية مستمرة، وآخرها ما نفذه الجيش فجر يوم الاثنين الماضي في شارع 20 وشارع الملعب وحي التأميم وحي الشعب، وكلها بدون مذكرات اعتقال. هذا ما نقله لنا الإخوان المتواجدون في الاعتصامات، وهم من منظمات مجتمع مدني وشيوخ عشائر ووجهاء، وهناك الكثير من المثقفين من الأنبار، وهذا ما أثار افتخارنا واعتزازنا، فضلًا عن اللجنة التنسيقية المسؤولة عن الاعتصام، كما أثار دهشتنا وإعجابنا التنظيم العالي داخل الاعتصام، تنظيم ليس في إدارة مستوى النقاش، وإنما على مستوى الخدمات الموجودة في داخل الساحة، 51 يومًا، إلى يوم ذهابنا، يوميًا من الصباح، وهناك مبيت، والعملية مستمرة، ليس في تجهيز غداء فقط، بل خدمات مرافق صحية وقضايا منوعة، من أجل رفد الساحة باستمرار لهذه الخدمات، هذا التنظيم العالي لم أشاهده في بعض المناطق في بغداد من قبل الحكومة بهذا المستوى العالي من التنظيم ومن التكافل بين المعتصمين. أنتم في منظمات المجتمع المدني، هل كانت لديكم مطالب معينة من خلال ما سمعتموه؟ إننا في منظمات المجتمع مدني مع المطالب التي ذكرها الإخوان، وهي إطلاق سراح الموقوفين بدون أية تهمة، وضمان تعويضهم. نحن لا ننتظر قانون العفو فقط، لأن هؤلاء اعتقلوا في الغارات العشوائية بلا تهمة. ونحن أيضًا مع ضرورة التأكيد على تكليف مفوضية حقوق الإنسان بتقييم أوضاع السجون والمعتقلات استنادًا إلى المعايير الدولية، يجب أن تكون هناك جهة محايدة في تقييم هذا العمل، وإعادة النقاش بقوانين العدالة الاجتماعية ومكافحة الإرهاب وبحث إمكانيات التعذيب. نحتاج إعادة النظر في القوانين والإمكانات، واحترام استقلالية القضاء ودعمه لتطبيق مبدأ العدالة في مقاضاة المسؤولين عن الفساد، ومرتكبي جرائم الإرهاب، وكذلك مرتكبي التعذيب داخل المعتقلات. يجب أن يقدموا إلى المحاكمة، وأن يحاسبوا على أفعالهم، فقضية الإفلات من العقوبة يجب أن تنتهي من العراق، إذا ما أردنا أن نطبّق قوانين العدالة، كذلك إبعاد الجيش عن مسؤولية حفظ الأمن الداخلي وعن الصراعات السياسية والطائفية، فهذا لعب بالنار. وكذلك الكفّ عن خطابات التهديد والتحريض المتبادل بين مختلف الفرقاء، التي تهدّد الأمن والسلم الأهلي، وأن تتحمّل السلطات الثلاث مسؤوليتها كاملة بالتعامل المباشر والشفاف مع تظاهرات واعتصامات الجماهير ومطالبهم على أساس الحوار والمسؤولية وفي إطار الدستور والقانون. كما أكدنا على الحوار المباشر مع المعتصمين، وليس عبر الكتل السياسية فقط. مستمرون حتى إحقاق الحق هل نقلتم هذا إلى البرلمان؟ نعم، التقينا أعضاء في البرلمان، وتحدثنا عن مرارة الوضع، وسنعمل على أن يسمع البرلمان صوت المتظاهرين مباشرة. ونؤكد على مواصلة لقاءاتنا واتصالاتنا مع اللجنة الوزارية، ونحاول أن ننقل الصورة بأمانة. فالوضع يحتاج سرعة وشفافية، وتحديد سقف زمني لتلبية المطالب، وإلا فالوضع لا يهدّد الأنبار وحدها، بل يهدّدنا جميعًا كعراقيين، في هذا الوقت الحرج الذي نمر به سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا. كيف وجدت ردود أفعال النواب؟ الكل يشعر بقلق شديد في مجلس النواب، فالعملية تحتاج جدية وإسراعًا في تلبية مطالب المعتصمين، أقصد المطالب التي اتفقت عليها الكتل السياسية، كما اتفقت عليها السلطة. لكنهم يشعرون بأن هناك تباطؤًا. لكننا نحن نحتاج الضغط عليهم من أجل الإسراع في تنفيذها، سواءً بتشريع القانون أو إعادة النظر فيه، وهم، كما بلغنا، أعادوا النظر بقانون المساءلة والعدالة وقانون مكافحة الإرهاب. ويجب أن يقدم القانونان إلى البرلمان من أجل التصويت عليهما. وهناك أيضًا التعديلات على قانون العفو العام، ونتمنى أن ينتهوا منه في أسرع وقت. فلماذا إذن لا يذهب المتظاهرون لبيوتهم انتظارًا لما سيقره البرلمان؟ لا.. طبعًا لا، فكل متظاهر حريص على أن ينفذ المطلب من قبل الجهة المسؤولة، ومن ثم يقرر في ذلك الوقت. فقد سمعوا الكثير من الوعود، وشبعوا منها، ويجب أن ينتهوا منها. فأحيانًا تأتي التعديلات المطلوبة بالتصويت واحيانًا تسوّف أو تلغى، لهذا ينتظر كل صاحب حق أن يتحقق الحق، وبعدها يذهب إلى بيته. نطالبهم بالإسراع هل أنت مع موافقة مجلس النواب مرغمًا على تلبية المطالب؟ لا بد من التصويت حتى ننتظر، وربما هناك تغييرات سياسية قد تحدث خلال فترات معينة، فإلى الآن ما زالت الموازنة غير مقرّة، وتعاني من الأخذ والرد، وقانون العفو العام يناقش في مجلس النواب منذ أكثر من سنتين. من الضروري أن نضغط على النواب للإسراع في إقرار القوانين المهمّة، مثل قوانين العدالة الانتقالية، التي يجب إعادة النظر فيها، بما يتناسب وتطورات الأوضاع، والقوانين الأخرى التي تخصّ مصالح المواطنين، وهذه مسألة جوهرية، فالناس تنتظر قانون التقاعد بالنسبة إلى المتقاعدين، وهم شريحة الناس المهمشين. الكل ينتظر وإلى الآن لم تلبّ، فبالتالي لا بد لنا أن نضغط ونواصل الضغط بالاعتصام والتظاهر السلمي على الحكومة وعلى البرلمان وعلى السلطة القضائية لإنجاز هذه الملفات الأساسية. هناك مهاترات بين النواب حول تظاهرات الاحتجاج، فهل أسبابها انتخابية؟ هذا طبيعي، فلماذا نحن نقول إن المواطن يشعر بأن صوته يضيع في المصالح الضيقة للنواب وللكتل السياسية التي تتطلع إلى السنة الحالية على أنها سنة انتخابات، وإن السنة المقبلة أيضًا سنة انتخابات، فالكل يحاول أن يزايد على أوضاع الناس، لهذا شعر العراقيون بيأس من أن يأتي الحل عبر السياسيين. فالحديث يجب أن يكون مباشرًا وشفافًا مع المتظاهرين والمعتصمين في ساحات الاعتصام. الشفافية مطلوبة اقترحتم على المتظاهرين أن يكون لهم ممثلون للتحاور مع الحكومة أو البرلمان؟ طلبنا منهم، كمنظمات مجتمع مدني، أن يكون لهم دور مستقل في التعبير عن مطالب الناس أمام السلطات المختلفة. كيف تطمئنين المتظاهرين؟ نحن كمنظمات مجتمع مدني نؤكد على وضع سقف زمني محدد لتلبية المطالب التي يتفق عليها والمتفق عليها، التي نسميها عادلة، بما فيهم رئيس الوزراء والشهرستاني والكتل السياسية، ولا بد أن تكون هناك شفافية في الإعلام، ليفهم الرأي العام العراقي من أطلق سراحه، ومن رفع الحجز عن أمواله، ومن أعيد إلى الوظيفة، فهذه مسألة مهمة لكسب الثقة ولتحشيد الناس في محاولة احتواء الاحتقان الموجود في البلد اليوم. فنحن اليوم في أمسّ الحاجة إلى الشفافية، وإلى سقف زمني محدد، وفي أمسّ الحاجة إلى الجلوس إلى طاولة الحوار والمفاوضات وتحت قبّة البرلمان، باعتباره يمثل الشرعية الدستورية حينما يتحدث عن أن الشعب هو مصدر السلطات، والشعب هو الذي ينتخب ممثليه، حتى لو كانت لدينا وجهة نظر حول البرلمان.