الاثنين 18 فبراير 2013 10:24 صباحاً ((عدن الغد)) المجلة : في الوقت الذي خرجت فيه المظاهرات الشعبية في العالم العربي عام 2011، كان كثير من صناع السياسات والمحللين الأميركيين يأملون في أن تبشر الحركات بعصر جديد في المنطقة. في شهر مايو (أيار)، وصف الرئيس الأميركي باراك أوباما الانتفاضات على أنها «فرصة تاريخية» للولايات المتحدة «للتعامل مع العالم كما ينبغي». وكررت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون هذه التعليقات معبرة عن ثقتها في أن تسمح هذه التحولات لواشنطن بإرساء مزيد من «التقدم والاستقرار والسلام والديمقراطية» في الشرق الأوسط. وحتى لا يزايد عليه أحد، أعلن برنامج الحزب الجمهوري لعام 2012 أن «الطبيعة التاريخية للأحداث التي وقعت في العامين الماضيين – الربيع العربي – أطلقت العنان لحركات ديمقراطية أطاحت بالأنظمة الديكتاتورية التي كانت تهدد الأمن العالمي على مدار عقود». رأى البعض أن هذه التغييرات تبشر بنهاية طال انتظارها لحصانة الشرق الأوسط أمام موجات سابقة من الانتقال العالمي إلى الديمقراطية، بينما أعلن آخرون أن «القاعدة» والمتطرفين خسروا أخيرا معركتهم الفكرية. في الواقع، كانت النتائج الأولية للاضطرابات ملهمة، فقد أطاحت الانتفاضات الواسعة برئيس تونس زين العابدين بن علي، ورئيس مصر حسني مبارك، وكذا رئيس ليبيا معمر القذافي. ومنذ الإطاحة بهؤلاء الحكام المستبدين، أجرت الدول الثلاث انتخابات اعتبرها المراقبون الدوليون تنافسية ونزيهة، والآن أصبح في إمكان الملايين في جميع أنحاء المنطقة التعبير بحرية عن آرائهم السياسية. غير أن احتمالات تحقيق مزيد من الديمقراطية شهدت تراجعا. لم تقفز معظم البلدان في العالم العربي إلى المسارات السياسية، وهؤلاء الذين بدأوا في التحرر يناضلون الآن من أجل الحفاظ على النظام، والتمسك بمكاسبهم، ومواصلة التقدم. يعاني النمو الاقتصادي في المنطقة من الركود – مما يبعث على القلق بشكل خاص، حيث إنه وفقا لاستطلاعات مركز بيو للأبحاث عام 2012، فإن الأغلبية في عدة دول في المنطقة (بما في ذلك الأردنوتونس) تشكل اقتصادا أقوى من حكومات ديمقراطية. وحتى بعد كل هذه التغييرات، لا تزال المنطقة التي تضم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأقل تحررا في العالم، حيث قدرت «فريدوم هاوس» أن 72 في المائة من البلدان و85 في المائة من الشعوب هناك لا يزالون يفتقرون إلى الحقوق السياسية والحريات المدنية الأساسية. في أعقاب الثورات، لا تزال العديد من الأنظمة المحلية ضعيفة وغير قادرة على إرساء القانون والنظام. تنجرف سوريا إلى حرب أهلية دموية على أسس طائفية. وما زال العراقواليمن، غير المستقرين من قبل الأحداث، يعانيان من الانقسامات العميقة وأحداث العنف. كما فشلت الحكومة المركزية الضعيفة في ليبيا في نزع سلاح الميليشيات والفرق العسكرية التي تتحكم في العديد من المناطق الريفية داخل البلاد. وحتى في مصر، النموذج الأبرز للإصلاح السياسي في المنطقة، تحاول الحكومة التي شكلها الإخوان المسلمون بسط سيطرتها وإسكات وسائل الإعلام باستخدام أساليب تذكر بعهد مبارك. وفي الوقت ذاته، أظهرت أعمال الشغب التي انتشرت في جميع أنحاء المنطقة في سبتمبر (أيلول)، المشاعر المعادية لأميركا التي لا توجد مؤشرات على تراجعها. كما يستمر وجود الإرهاب مما يمثل مشكلة كبيرة، في ظل محاولة تنظيم القاعدة والجماعات التابعة لها لملء الفراغ في ليبيا وسوريا وغيرها من الدول غير المستقرة. قد يزول الاستبداد في الشرق الأوسط في نهاية المطاف. ولكن ليس هناك سبب قوي يدفعنا إلى التفكير في اقتراب مثل هذا اليوم، ولا يوجد سبب أيضا لكي نعتقد أن الولاياتالمتحدة يمكن أن تزيد بشكل كبير من فرص حدوث ذلك. سوف تفشل أي جهود تبذلها واشنطن لإحلال الديمقراطية في المنطقة إذا لم تكن الظروف الاجتماعية والاقتصادية غير ملائمة وإذا عارضت المصالح الخاصة في هذه الدول الإصلاحات السياسية. في الواقع وعلى مدار التاريخ، لم يكن للقوى الخارجية مثل الولاياتالمتحدة تأثير قوي في أحسن الأحوال على التحول الديمقراطي في دولة ما. حتى تنجح موجة أخرى من الانتفاضات المحلية في تغيير المنطقة، لا ينبغي أن تمثل سياسات الولاياتالمتحدة عائقا من خلال التركيز الضيق على نشر الديمقراطية، حيث تحتاج الولاياتالمتحدة وحلفاؤها إلى حماية مصالحهما الاستراتيجية الحيوية في المنطقة؛ أي تحقيق التوازن ضد الدول المارقة مثل إيران، وضمان الوصول إلى موارد الطاقة، ومواجهة المتطرفين الذين يمارسون العنف. يتطلب تحقيق هذه الأهداف العمل مع بعض الحكومات الاستبدادية وقبول العالم العربي على ما هو عليه اليوم. تفادي الموجة في فترتي السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، أدى ما أطلق عليه المفكر الأميركي صمويل هانتنغتون «الموجة الثالثة» من التحول الديمقراطي العالمي إلى تغييرات سياسية مدهشة في أميركا اللاتينية، وأجزاء من آسيا، وجنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، وأخيرا أوروبا الشرقية. كانت مسيرة الحرية في جميع الأرجاء تقريبا، فيما عدا الشرق الأوسط. كانت حصانة الأنظمة العربية للديمقراطية واسعة وقوية على ما يبدو لدرجة أنها أدت إلى ظهور أبحاث جديدة لا تسعى إلى تفسير التغيير الديمقراطي بل الصمود الاستبدادي. ودفع البعض بأن الربيع العربي قد غير كل هذا وأن أفضل ما نستوعبه بشأنه هو أنه بداية إقليمية متأخرة من الموجة الثالثة أو حتى نذير موجة رابعة. ولكن تخطئ هذه الآراء قراءة الأحداث وتبعث على تفاؤل غير مناسب. تونسية تحتج على زيارة هيلاري كلينتون الى تونس في الجزائر، على سبيل المثال، باءت حركة الاحتجاجات التي بدأت في ديسمبر (كانون الأول) 2010 بهدف الإطاحة بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة وإقامة نظام ديمقراطي بالفشل، إذ شنت الحكومة حملات على المعارضين وحاولت استرضاء آخرين بإجراء إصلاحات رمزية. ورغم أن نسبة كبيرة من السكان اعتبرت الانتخابات البرلمانية التي أجريت في مايو (أيار) عام 2012 تمثيلية وأعلنت الحكومة العسكرية الراسخة انتصارا مؤكدا، فإن عددا قليلا من الجزائريين خرجوا إلى الشوارع احتجاجا عليها. تواجه الدول العربية التي تمكنت من الإطاحة بأنظمتها القديمة شكوكا كبيرة. في ليبيا على سبيل المثال، مثلت انتخابات يوليو (تموز) لعام 2012 في الواقع إنجازا رائعا بالنسبة لدولة ما زالت تترنح من عقود من حكم الديكتاتورية، وخصوصا في ظل عدم تحقق المخاوف من العنف أو التزوير أو فوز إسلامي كاسح. ولكن تلوح في الأفق غيوم العاصفة المقبلة. وكما هو الحال في العراق، من المحتمل أن تعوق كتابة دستور في ليبيا الانقسامات حول مسألة السلطة الفيدرالية بين أجزاء مختلفة من البلاد. وكما أظهر مقتل السفير الأميركي وثلاثة أميركيين آخرين في بنغازي في سبتمبر (أيلول)، فإن الحكومة تبذل جهودا مضنية لإعادة الأمن وسيادة القانون. فالبيروقراطية ضعيفة؛ وتسيطر الميليشيات المسلحة جيدا على معظم المناطق الريفية، وتهاجم الجماعات السلفية أضرحة الصوفية في جميع أنحاء البلاد بنبش القبور وتدمير المساجد والمكتبات. تستمر انتهاكات حقوق الإنسان، إذ لا يزال آلاف المسجونين الذين اعتقلوا أثناء النضال من أجل الإطاحة بالقذافي في معتقلات غير قانونية، حيث يواجهون سوء المعاملة والتعذيب، وحتى القتل خارج النطاق القانوني. ويعاني عشرات الآلاف من المشردين، الذين أجبر كثير منهم على الخروج من منازلهم في مخيمات اللاجئين في جميع أنحاء البلاد. يعيش اليمن أيضا حالة من الفوضى. بعد شن عدة حملات دموية على حركات الاحتجاج في البلاد طوال عام 2011، وافق الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في النهاية في نوفمبر (تشرين الثاني) من ذلك العام على نقل السلطة إلى نائبه عبد ربه منصور هادي. ولكن في الانتخابات الرئاسية التالية، كان هادي المرشح الوحيد في صناديق الاقتراع. وحاليا تتصارع حكومته الضعيفة ضد تمرد شيعي في الشمال وحركة انفصالية وتنظيم القاعدة في الجنوب، والميليشيات القوية والقبائل التي تتحكم في مساحات كبيرة من الأراضي. كل هذه العلامات تشير إلى أن العنف سيستمر وسيظل الاقتصاد في حالة ركود. أجرت مصر مؤخرا أول انتخابات رئاسية تنافسية في تاريخها، ولكن لا تجد الدولة طريقا سهلا لتحقيق الاستقرار والرخاء. انتزع الرئيس محمد مرسي – عضو جماعة الإخوان المسلمين – سلطة سياسية وعسكرية جوهرية من المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وكما فعل مبارك من قبله، حاول أن يحتفظ لنفسه بسلطات هائلة؛ إذ يتولى مرسي حاليا قدرا كبيرا من السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، ويحاول إسكات وسائل الإعلام. بيد أن الجنرالات استمروا في ممارسة النفوذ من خلال مجلس الدفاع الوطني. ويتحدى الليبراليون العلمانيون جمع مرسي للسلطات في المحاكم. لا يأتي أقوى التحديات السياسية التي تواجه الإخوان من الليبراليين بل من حزب النور السلفي، الذي يدعم التطبيق الصارم للشريعة. سوف يستمر عدم الاستقرار السياسي وفترة عصيبة من العلاقات المدنية – العسكرية في الإلقاء بثقله على الاقتصاد، الذي أصيب بالشلل بسبب نقص الاستثمارات الأجنبية، والاضطرابات في الصناعة، وانخفاض معدلات السياحة. تبرز تونس باعتبارها إحدى قصص النجاح القليلة للثورات التي حدثت في المنطقة. تطورت تونس من دولة استبدادية إلى ديمقراطية منتخبة حيث دعم زعماؤها الجدد الاعتدال، والحريات المدنية، وسيادة القانون. وأصبحت الصحافة نابضة بالحياة، وازدهر المجتمع المدني، وأظهرت القيادة التزامها بالتصدي للفساد. على الرغم من مواجهة تونس لبعض من المشاكل ذاتها التي واجهها جيرانها، مثل ضعف الدولة وتحدي السلفيين المتطرفين، إلا أن البلاد تسير في الاتجاه الصحيح، على الأقل حتى الآن. ومن المؤسف أن مستقبل عدد قليل من الدول الأخرى في المنطقة يبدو واعدا. تحقيق الديمقراطية احتار العلماء طويلا في العراقيل التي تحول دون تحقيق الديمقراطية في الشرق الأوسط، لا سيما إذا نظرنا إلى النمو السريع للحرية في مناطق أخرى في العالم. تقول نظرية الحداثة الكلاسيكية إن الديمقراطية سوف تُدرك عندما يصل مجتمع ما إلى مستوى معين من التنمية الاقتصادية. ولكن حتى في البلدان العربية الأكثر ثراء، لم تتحقق الديمقراطية حتى الآن. وهناك افتراض آخر سائد لكنه زائف هو أن القضاء على الديكتاتورية يؤدي بالضرورة إلى الحرية. ولكن كما أشار هنتنغتون وآخرون، عندما تسقط الأنظمة الاستبدادية فإنها تفسح في بعض الأحيان طريقا لأنظمة استبدادية أخرى بدلا من الليبرالية. ورغم التطورات التي حدثت في العامين الماضيين، سوف تستمر بعض العوامل الهيكلية في منع انتشار الديمقراطية في الشرق الأوسط. تستمد بعض الحكومات في المنطقة، معظم عائداتها من صادرات الطاقة والمساعدات الأجنبية. ويساعد الاعتماد بشكل كبير على مثل هذه المصادر الأنظمة على تجنب فرض ضرائب كبيرة على سكانها، مما يزيل مصدرا أساسيا للمطالب الشعبية في المشاركة السياسية. كان المستعمرون الأميركيون يؤكدون على أنه «لا ضرائب دون تمثيل». في هذه الحالة يمكن أن نفكر في عكس هذا المبدأ: لا تمثيل دون ضرائب. لن تساعد البيئة الخارجية تحديدا على الحث على مزيد من التغيير السياسي. ففي أواخر الثمانينيات، قرر رئيس الوزراء السوفياتي ميخائيل غورباتشوف، الذي كان يواجه مشاكل اقتصادية كبيرة في البلاد، الحد من الدعم السوفياتي للأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية – وهي الخطوة التي أذنت بموت الأنظمة الاستبدادية هناك. وتحولت الولايات السوفياتية السابقة على الفور إلى غرب أوروبا والولاياتالمتحدة، التي دعمت حركاتها تحريرها السياسي ورحبت بانضمامها إلى مؤسسات ديمقراطية مثل الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي. ولكن اليوم، يحاول النظام السعودي – أغنى وأقوى قوة استبدادية في المنطقة – محاربة الإصلاحات وأظهر أنه أكثر استعدادا للإنفاق في سبيل تحقيق هذه الغاية. وعلى الرغم من أن العديد من الحكام العرب المستبدين يواجهون الآن اضطرابات غير مسبوقة في الداخل، فإنهم ما زالوا يمتلكون الموارد المالية الوافرة التي تحافظ على بقاء أنظمتهم لفترة طويلة. وأخيرا اكتسبت بعض الحكومات في المنطقة مهارات في مسايرة التغيير الديمقراطي. على سبيل المثال، لا تتمتع دول مثل الأردن والمغرب وسلطنة عمان بعائدات نفط كبيرة للفرد، ولكن مع ذلك نجحت الأنظمة التقليدية في الاحتفاظ بالسلطة مع التنازل عن بعض السلطات للبرلمانات المنتخبة. في دول يحتفظ حكامها بعلاقة خاصة مع الشعب، من المرجح أن يقبل المتظاهرون تغييرا تشريعيا دون المطالبة برحيل النظام بأكمله. في يناير (كانون الثاني) عام 2011، على سبيل المثال، بدأ بعض المحتجين الأردنيين يشكون من الفساد وارتفاع الأسعار والفقر المستشري وارتفاع معدلات البطالة. استجابة لذلك، تم تعيين رئيس وزراء جديد وتشكيل لجنتين لدراسة إصلاحات انتخابية وتعديلات دستورية ممكنة. وفي سبتمبر (أيلول)، تمت الموافقة على تعديلات تمنح القضاء مزيدا من الاستقلالية، وتقيم محكمة دستورية ولجنة مستقلة للإشراف على الانتخابات البلدية والنيابية المقبلة. كانت هناك مظاهرات بين حين وآخر، كما هو الحال في أواخر عام 2012، عندما اشتكى المتظاهرون من ارتفاع أسعار الغاز. لكن حتى الآن، نجحت تنازلات الحكومة المحدودة في تجنب زعزعة الاستقرار. أسرع وانتظر لا ينبغي أن تبني واشنطن سياستها تجاه الشرق الأوسط الكبير على افتراض أن المنطقة تخطو نحو الديمقراطية بسرعة أو على نحو مستدام. بل ينبغي على الولاياتالمتحدة ودول غربية أخرى أن تشجع الإصلاحات الليبرالية، وتدعم المجتمع المدني، وتقدم المساعدة الفنية في تحسين دساتير البلدان وأنظمتها المالية. ولا يجب أن يجعل الأمل المنتظر من الانتفاضات العربية الولاياتالمتحدة تتغاضي عن أولوياتها الاستراتيجية الرئيسية في المنطقة. شئنا أم أبينا، تضم الولاياتالمتحدة بين حلفائها عددا من الدول العربية الاستبدادية، وهم شركاء أساسيون في حماية مصالحها. يجب أن يكون الأمل القياسي الذي قد تبعثه الديمقراطية الليبرالية في المستقبل متوازنا مع الحاجة إلى العمل مع الحكومات والمجتمعات كما هي موجودة اليوم. ليبيون يحتجون على قتل السفير الأميركي في طرابلس ويظل أحد الأهداف المركزية هو تحقيق توازن في القوى أمام إيران، ليس فقط لمنعها من الحصول على أسلحة نووية ولكن أيضا لمراقبة طموحاتها الإقليمية على المدى البعيد. تنظر إيران إلى الولاياتالمتحدة باعتبارها عدوها الآيديولوجي والجيوسياسي الرئيسي، وأنها تسعى جاهدة لتصبح القوة البارزة في الشرق الأوسط وتروج لآيديولوجياتها الثورية. تقدم طهران الدعم لعدد من أعداء الولاياتالمتحدة والمنظمات التي تتحدي مصالح الولاياتالمتحدة، بما في ذلك الجماعات الشيعية في العراق، وحزب الله في لبنان، والجماعات الإرهابية الفلسطينية، ونظام بشار الأسد في سوريا، وحكومة فنزويلا بقيادة هوغو شافيز. وعلى الرغم من أن كثيرا من الدول التي سوف تعتمد عليها الولاياتالمتحدة للتصدي لإيران، ليست ديمقراطية، فإن التعاون معها مهم للغاية بالنسبة لواشنطن. أحد الأهداف الأخرى المهمة هو التدفق الحر لموارد الطاقة بأسعار معقولة. تستورد الولاياتالمتحدة نحو 23 في المائة من احتياجاتها من النفط الخام والمنتجات ذات الصلة من العالم العربي، وخاصة من السعودية (1.2 مليون برميل يوميا في أغسطس/ آب عام 2012)، والعراق (550 ألف برميل)، والجزائر (303 آلاف برميل)، والكويت (301 ألف برميل). وتتسم العديد من هذه الدول بأنها ليست ديمقراطية؛ وليس ذلك من قبيل المصادفة، بالنظر لثرواتها النفطية الهائلة. هذا يعني أنه على مدى المستقبل المتوقع، يتعين على الولاياتالمتحدة مواصلة العمل مع الدول الاستبدادية للحفاظ على أمن طاقتها. وأخيرا تحتاج الولاياتالمتحدة إلى العمل مع دول غير ديمقراطية في مكافحة الإرهاب. على الرغم من إضعاف تنظيم القاعدة على طول الحدود الأفغانية الباكستانية، فإنها تحاول تعويض ذلك بتوسيع نفوذها في أماكن أخرى وإقامة علاقات مع جماعات سنية محلية. في اليمن، مثلا، تستغل الجماعة المحلية التابعة لتنظيم القاعدة ضعف الحكومة، وأقامت معقلا لها في عدة محافظات بطول خليج عدن. بعد رحيل القوات الأميركية، زادت «القاعدة» في العراق من عملياتها لتشن ما يصل إلى 30 هجوما شهريا في عام 2012، بارتفاع نسبته 50٪ عن العامين السابقين، وكانت هذه الهجمات أحد الأسباب الرئيسية لإثارة القلق في الأردن. كما يتسلل مسلحون من العراق عبر الحدود إلى داخل سوريا، حيث قاموا بتفجير عشرات السيارات ونفذوا هجمات انتحارية ضد نظام الأسد. ينشر تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي مقاتلين في ماليوتونس ودول أخرى أملا في الاستفادة من الفراغ السياسي في شمال أفريقيا. وتحتفظ جماعة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة بمراكز لها في جنوبالصومال. كما يعزز تنظيم القاعدة علاقاته مع جماعات أخرى في المنطقة منها بوكو حرام في نيجيريا وأنصار الشريعة في ليبيا والشبكة الجهادية في مصر بقيادة محمد جمال أبو أحمد. الحقيقة المرة هي أن بعض الحكومات الديمقراطية في العالم العربي قد تكون أكثر عداء للولايات المتحدة من سابقاتها المستبدة، لأنها ستكون أكثر استجابة لشعوبها التي تكن معظمها الكراهية للولايات المتحدة. ووفقا لاستطلاع رأي أجراه مركز بيو للأبحاث في 2012، تدهورت صورة الولاياتالمتحدة في العديد من دول العالم الإسلامي بحدة على مدار عدة أعوام ماضية. على سبيل المثال، قبل قيام الانتفاضات العربية، أعرب 27 في المائة من المصريين و25 في المائة من الأردنيين عن مواقف إيجابية تجاه الولاياتالمتحدة. وفي عام 2012، انخفضت هذه النسب إلى 19 في المائة و12 في المائة بالترتيب. وتقدم المظاهرات المعارضة للولايات المتحدة التي خرجت في سبتمبر (أيلول) عام 2012 في المنطقة، ممتدة من مصر وليبيا إلى جميع أنحاء الشرق الأوسط إشارة أخرى على أن مشاعر الكراهية تجاه الولاياتالمتحدة والغرب ما زالت موجودة في العالم العربي. تمثل انتفاضات العامين الماضيين تحديا كبيرا أمام الحكم الاستبدادي في العالم العربي. ولكن يبدو أن الأوضاع الهيكلية تمنع حدوث تحرير سياسي أوسع نطاقا في المنطقة، ويمكن أن تعرقل الحرب والفساد والركود الاقتصادي حدوث مزيد من التقدم. وفي حين تستطيع الولاياتالمتحدة اتخاذ بعض الخطوات لدعم التحول الديمقراطي على المدى البعيد، فإنها لا تستطيع أن تجبر الدول على التغيير. ربما يسقط المستبدون في الشرق الأوسط في النهاية، وسوف يلقى انتشار الديمقراطية الليبرالية ترحيبا من معظم الأميركيين حتى وإن كانت تحمل مخاطر محددة. ولكن حتى تحدث مثل هذه التغييرات نتيجة لجهود من العرب أنفسهم، يجب أن تركز السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط على ما يمكن تحقيقه. وكما كان وزير الدفاع الأميركي الأسبق دونالد رامسفيلد يقول: «يجب على واشنطن أن تضع سياستها الخارجية مع العالم العربي كما تجده، وليس العالم العربي الذي ترغب فيه أو تأمل في وجوده بعد فترة لاحقة».