يجب أن نفكر في الكلام قبل أن نقوله حتى لا نقع في جهنم بسبب كلمة من يبحث في تراثنا من الأمثال الشعبية يجد كما كبيرا جدا من الأمثال التي تخالف قواعد الشريعة، ونحن نرددها ليل نهار دون أن نفكر في مضمون هذه الكلمات والمعاني الخاطئة الكامنة وراءها.. هذا ليس طعنا في خبرة الأجيال السابقة التي ترجموها في أمثال عامية بسيطة تختزل رحلة حياتهم، ولكنه تحذير من كلمات يلقيها الشيطان على لسان الواحد منا، ودعوة إلى التفكير في الكلام قبل أن نقوله، وفي معاني ما ننطق به حتى لا نقع ببساطة شديدة في جهنم بسبب كلمة لا نلقي لها بالا.. فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ".. هذا الحديث معناه أن الكلمة الصغيرة التي نقولها دون أن نحسب لها حسابا قد تكون سببا في الرفعة والثواب عند الله أو العقاب، رغم أن الواحد قد يكون قالها دون أن يهتم بها أو يلقي لها بالا.. وهنا نتذكر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه في حديثه الطويل عندما قال له: "... أولا أدلك على ملاك ذلك كله؟ أمسك عليك هذا"، وأشار إلى لسانه فسأل معاذ: يا رسول الله أئنا لمؤاخذون بكل ما نتكلم به؟، فقال رسول الله: "ثكلتك أمك هل يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم؟".. من هنا ندرك ضخامة الكلمة ومدى خطورتها وأهميتها.. وإليك بعض الأمثال الشعبية التي تصطدم بثوابت الشريعة لتتخلص منها وتنصح من يقولها بألا يكررها ليحفظ نفسه من عقاب الله، كما سأقترح عليك بدلا منها ما تتفادى به المحظور الشرعي: 1- "لا بيرحم ولا بيسيب رحمة ربنا تنزل" وهي كلمة خطيرة، تعني من وجهة نظر قائلها أن المتحدَّث عنه لا يرحم، كما أنه لا يترك رحمة الله أن تنزل على عباده، ومن ذا الذي يمسك رحمة الله ويمنعها؟؟ والله سبحانه وتعالى يقول: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ}، فالله -جل وعلا- لا سلطان فوقه ولا ممسك لما يرسل ولا مرسل لما يمسك سبحانه.. التوجيه الأفضل لهذا المثل أن نقول مثلا: "لا بيرحم ولا عاوز رحمة ربنا تنزل" دون اصطدام بالنص الشرعي. 2- "البقية في حياتك" وهي كلمة شائعة ومنتشرة بشكل كبير، ولو فكرنا فيها قليلا سنجدها تتعارض تماما مع قول الله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} كما تتعارض مع الحديث الشريف الذي يقول: "إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها". ببساطة لا توجد بقية؛ فالله سبحانه إذا قبض روح العبد فقد انقضى أجله، كما هو واضح من النصين السابقين، ولذا تجد في العبارة مواساة بما لا يجوز، والأصح أن نقول في العزاء والمواساة كما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم فوفق ما جاء في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب".. كما أن هناك ألفاظا أخرى نحو: أعظّم الله أجرك.. أو أحسن الله عزاءك وغفر لميتك، أو الكلمة الشهيرة والبليغة: "البقاء لله". 3- "رزق الهبل على المجانين" وهي مقولة كارثية لأنها والعياذ بالله تشكك في نص قرآني هو: {إنَّ اْللهَ هُوَ الرَّزَّاقٌ ذُو القُوَّةِ المَتيِنُ}.. الله سبحانه من يرزق، حتى إنه ليرزق الطير والدواب، فمن يجعل رزق هؤلاء على أولئك وإن كان يقصد حيلة بلاغية إلا أنه استذكى على حساب نص قرآني لا يجب إنكاره. من الممكن تحوير هذا المثل ليوافق الشرع بأن نقول مثلا: "رزق الناس على رب الناس".. 4- "فلان ده شكله غلط" أصبحنا نسمعها كثيرا، وبغضّ النظر عن الاعتراض الموضوعي على إطلاق الأحكام بناء على الشكل، وهو داء في بعض المجتمعات التي تعاني آفة التعميم، لكن لهذا سياق آخر، ولكن سياق كلامنا اليوم حول مخالفة هذه المقولة للشريعة، وفي هذه المقولة خطأ عظيم يقوله الناس دون تفكير، وهو يتعارض مع قوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}، وفيه سخرية من الناس على أساس شكلهم الذي خلقهم الله عليه، ولا يدري الساخر أنه من الممكن في لحظة أن يتعرض لتشوه كالذي يسخر منه، فيجد في وجهه علامة تجعل "شكله غلط"، فلنتقِ الله في أنفسنا ولنتجنب الحكم على الناس والاجتراء على ما خلق الله.. كانت هذه محاولة للفت الانتباه إلى أخطاء كبيرة نظنها صغيرة، تابعونا في الحلقة القادمة التي ننتاول فيها مدى اصطدام بعض الأمثال العامية بقيم إيمانية وأخلاقيات مجتمعية.. وقانا الله زلل اللسان وسوء الأدب مع الله.. ورزقنا الفهم والعفة.. آمين،،،