فيصل الصفواني يعاني سكان المحافظات الجنوبية والشرقية من تسيد خطابين متناقضين، خطاب يكرس إستمرار الوحدة مع التنازل عن الحقوق ،وخطاب يكرس مشروع انفصال عنصري يزرع الكراهية والحقد لكل ابناء الشمال ويزرع كراهية الجنوبي للجنوبي على اساس مناطقي ...فما هي المشكلة الحقيقية ياترى؟! في تقدري الشخصي ان مشكلة الإنسان اليمني في شرق البلاد وغربها وشمالها وجنوبها تكمن في غياب الدولة الحديثة القائمة على نظام مؤسسي تكفل للناس حقوق المواطنة المتساوية، وهذه المشكلة لاتعيق فقط اندماج اليمنيين مع بعضهم بل انها تحول دون اندماج اليمن في محيطها الإقليمي (مجلس التعاون الخليجي ) ومحيطها العالمي . وإذا بحثنا في خارطة احتياجاتنا الإنمائية في اليمن سنجد ان مشروع الدولة الحديثة يأتي في المرتبة الاولى، لكن الوعي المتعالي على واقعه والذي كان يحكم في الشمال والجنوب قبل الوحدة اليمنية والذي استمر بعد إعلان الوحدة اليمنية في الثاني والعشرين من مايو90 ،والذي استمر حتى بعد حرب 94 كان يقدم الوحدة على الدولة مستمدأ منها شرعية بقائه وجاعلا منها وسيلة ازاحة لمشروع الدولة الحديثة المقترن بحقوق المواطنة. لذالك اتجه نظامي الشطرين قبل وحدة مايو صوب الوحدة هروبا من مطلب الدولة فوقعا في مازق التقاسم للغنيمة (الوطن) فكانت حرب 94م هي خيار موضوعي للفصل بين نظامي حكم جهوية وجد ا نفسيهما بين يوم وليلة مطالبا تاريخيا أن يتحولا إلى دولة فكانت الحرب التي اعادت اليمن إلى ماضيه بيافطة وحدوية ، وشعور الطرف المنتصر بالزهو حينها جعله يركن للقوة فاندفع بكل غباء سياسي يدمر شروط استمرارية الوحدة ويقوض بوادر السلام الاجتماعي. فاصبحت مشكلة الوحدة صنيعة الحرب، ونتائج الحروب كانت مكارثية في اغلب احوالها ، وماحدث بعدها من اعتصامات وتظاهرات في المحافظات الجنوبية ليس بمعزل عن احداث وقرارات السابع من يوليو94 ،بل هي ثماره الطبيعية ونتائجه الحتمية ، مع انه كان بالامكان اصلاح ما افسدته الحرب ومعالجة كل الاختلالات المضرة بمصالح السكان خلال الاعوام التي تلت حرب 1994 ،لكن دولة الرئيس السابق للاسف الشديد لم تفكر بعقلية الدولة بل فكرت بعقلية العشيرة التي هدفها الفيد والغنيمة، ولم تفكر بحماية الوحدة من خلال تقديمها كمشروع توازن سياسي واجتماعي تنمو معه مصالح كل الفئات الاجتماعية والتكوينات الجغرافية على حد سواء، بل تمحور الاهتمام الرسمي في اطالة امد لحظة الفيد، وبدأت دولة الوحدة تشن حربا غير معلنة ضد الحق الشخصي والحق في المواطنة ليس في الجنوب وحدها ولكن في الجنوب والشمال، الا ان وطأتها في الجنوب كانت انكى واضرى ، ليس كرها في الجنوبيين ولكن بهدف زرع بذرة الانفصال لكي تتزن معادلة الخطاب الانتهازي الرسمي، من خلال السياسات التدميرية ابتدا من مصادرة الملكية العامة للارضي عبرقانون الهيئة العامة لاراضي وعقارات الدولة والتي بيعت اراضي شاسعة في الجنوب بموجبه لمجموعة اشخاص رسميين وباسعار زهيدة،بالاضافة الى تجميد الناس عن اعمالهم وطرد الرساميل القادمة من الخارج للاستثمار في البلد مع ان 70% من سكان المحافظات الجنوبية خذلو قرار الانفصال واثروا الانتصار للوحدة في حرب 94 ضنا منهم ان الهدف من الحرب هو فقط حماية الوحدة، وان دور الجيش سينتهي بمجرد انتصار شرعية الوحدة على قرار الانفصال، مع ان استخدام القوة العسكرية يفقد أي مشروع سياسي شرعيته وموضوعيته. اعتمدت الادارة السياسية السابقة في تسويق سياستها الانتهازية على اقامة تحالفات قصيرة المدى مع كيانات مرهقة من ضغائن الماضي. وبدات تلوح في الافق نذائر دوامة العنف السياسي والمجتمعي في خنادق المتصارعون حول الوحدة والانفصال ومهما بدى الانفصال مطلب حقيقي للسكان لكنه غير ممكن وغير مجدي في حسابات الشان الجنوبي فالانفصال مشروع غير واضح المعالم وغير محدد الروى ،بالنسبة لسكان المحافظات الجنوبية والشرقية وهذا هو حالهم بالنسبة للوحدة فاستمرار الوحدة على غرارالمشروع الذي اختطه صالح للوحدة اليمنية يعني استمرار الفيد وانتهاك الحقوق السياسية والمدنية وتعطيل الحياة وتدهور اوضاعها، صحيح ان هذا ما كان يحدث في كل ارجاء اليمن اثناء نظام الحكم السابق ، لكن وطأته بالجنوب كانت أكثر وعواقبه كانت اشد ضررا وبفعله كان سكان عدن والضالع والمكلا وأبين ولحج واقعين بين جحيمي الوحدة والانفصال ،فلا قيادة الوحدة تركت لهم فرصة للعيش بأمان ولا دعاة الانفصال جديرين بثقتهم،و تجربة الحكم الوطني التي قدمها الحزب الاشتراكي باالطريقة الاستالينية على مدى ثلاثين عاما أصابت الكيان المجتمعي في الجنوب بعقدة الخوف من الماضي وكلما يمت اليه بصله ، والوحدة التي كانوا ياملون فيها الخلاص والنجاة من الماضي لم تحقق ماكانوا يرجون منها. فهل ستفرز الايام القادمة بقيادة الرئيس –عبدربه منصور هادئي امكانيات خيار ثالث تكون الحقوق المدنية والسياسية فيه محور المطالب وسبب التضحيات سواء في الشمال او الجنوب ؟ وهل ستعمل اللجان التي شكلها فخامة الرئيس هادئي على إيجاد حلول حقيقية وعادلة بخصوص المبعدين والاراضي في الجنوب؟هذا ما نأمله جميعا. [email protected]