روايات المخطوطات، هل هي موضة العصر؟ بعد الروايات الغربية التي تناولت فكرة المخطوطات بدأ الروائيون العرب باستخدام الرقوق والمخطوطات كحبكة روائية تاريخية. ولا يخفى على أحد في الأوساط الأدبية "البومبا" التي تنفجر بسبب هذا التناول، فلم يحظَ ثيرفانتس الكاتب الإسباني لرواية دون كيخوت بتلك الشهرة الواسعة أو النجاح الأدبي الكبير قبل إطلاق رواية المخطوطات الخاصة به، والتي تناولت خدعة أدبية اعتمد كاتبها على مخطوطة من تأليف مؤرخ موريسكي. كما حققت رواية الفيلسوف الإيطالي أومبرتو إكو اسم الوردة نجاحًا باهرًا بعد استخدامها لخدعة المخطوطات. يوسف زيدان ومن بعده ربيع جابر يعرضان موضوع المخطوطات التي تم العثور عليها وترجمتها بحرفية كبيرة وخداع أدبي ذكي. في "عزازيل" رائعة الدكتور يوسف زيدان أدب وفلسفة عميقان ممزوجان بحقبة تاريخية مهمة، حيث يُولد البطل "هيبا" في العام الذي تُعلن فيه الديانة المسيحية ديانة رسمية للإمبراطورية الرومانية في مصر، ويعرض عن طريق الوسيط عزازيل الذي يحرضه على الكتابة تاريخ الصراع الوثني المسيحي في ذلك الوقت، الصراع بين التاريخ المصري القديم ومصر القبطية، ومن بعده الصراع الديني بين الكنيسة السكندرية التي تنادي بالطبيعة البشرية للمسيح وبين كنيسة روما المقرة بطبيعتين للمسيح، إحداهما بشرية وأخرى إلهية. ركزت الرواية أيضًا على الإضطهاد والعنف المنتشرين في تلك الحقبة، فبعد رحيل هيبا إلى الإسكندرية حيث العنف المسيحي ضد الوثنية يشهد مقتل أشهر وأجمل فيلسوفة وعالمة رياضيات وفلك في منتصف القرن الثالث للميلاد: هيباتيّا، والتي قُتلت بوحشية مأساوية شديدة بأيدي جموع مسيحية يُقال أنها تابعة للأسقف كيرلس، قاموا بجرها من شعرها وتجريدها من ملابسها والتمثيل بها أمام العوام، ثم سلخها من جلدها وإلقائها في النار بعدما أدرك عمود الدين مصباح الكنيسة الأرثذوكسية البابا كيرلس بخطورة هيباتيا على العامة المسيحية خاصة بعد ازدياد جمهورها ومرتادي صفوفها من المسيحيين. بعيدًا عن الكنيسة الأرثذوكسية التي ترى بأن يوسف زيدان انتصر لمن أسموهم ب"الهراطقة"، وبعيدًا عن الصراع المسيحي، فإن الربط بين شخصيات حقيقية كنسطور وكيرلس وآريوس وهيباتيا مع شخصيات خيالية كهيبا وأوكتافيا ومرتا وإنطاقها هو بحد ذاته الإبداع الروائي، رغم امتعاضي من عدم ذكر الكاتب أن تلك المخطوطات التي تمت ترجمتها ما هي إلا خيالات مفكّر ولم تكن واقعة حية حدثت فعلًا. فالآن نكتب الأدب ونستمتع بقراءته ونقوم بانتقاده، ولكن الكتاب سيؤرخ ضمن الروايات التاريخية حيث يعرض حقبة مهمة، وقد يعتقد بعض الجاهلين بالتاريخ المصري من الجيل الراهن أو البعض من الأجيال القادمة بأن خدعة المخطوطات والرقوق التي وجدها المترجم المُتخيّل في رواية عزازيل هي قصة حقيقية ويقين وقع، وربما يقومون بتدريسه فيما بعد على أنه تاريخ مصر القديم، ويصبح التاريخ كله مجرد أساطير وروايات خيالية يتسلى بذكرها الناس أثناء قزقزتهم للّب ثم لا يعود يؤمن بصحته أحد. الجميل في الرواية هو العرض الفلسفي لمعنى كلمة "عزازيل"، لمعنى الأنا الداخلية للإنسان وصدى النفس البشرية الضعيفة والمائلة للنزوات، لمكمن الشر والزاوية المظلمة في الذات الإنسانية. وكما ذكر زيدان في إهداء روايته الحديث الشريف الصحيح فإن "لِكُلِّ امرئٍ شَيْطَانُهُ، حَتَّى أَنَا، غَيْرَ أَنَّ الله أعانني عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ.." سحر محيسن طالبة في دراسات الشرق الأوسط أوسلو - 22 فبراير 2013