عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الريال يخطط للتعاقد مع مدرب مؤقت خلال مونديال الأندية    جاذبية المعدن الأصفر تخفُت مع انحسار التوترات التجارية    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    غريم الشعب اليمني    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    منظمة العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية على الهواء مباشرة في غزة    تراجع أسعار النفط الى 65.61 دولار للبرميل    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    الحكومة تعبث ب 600 مليون دولار على كهرباء تعمل ل 6 ساعات في اليوم    "كاك بنك" وعالم الأعمال يوقعان مذكرة تفاهم لتأسيس صندوق استثماري لدعم الشركات الناشئة    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    رئيس كاك بنك يعزي وكيل وزارة المالية وعضو مجلس إدارة البنك الأستاذ ناجي جابر في وفاة والدته    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    مئات الإصابات وأضرار واسعة جراء انفجار كبير في ميناء بجنوب إيران    برشلونة يفوز بالكلاسيكو الاسباني ويحافظ على صدارة الاكثر تتويجا    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    لتحرير صنعاء.. ليتقدم الصفوف أبناء مسئولي الرئاسة والمحافظين والوزراء وأصحاب رواتب الدولار    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حقوق المؤلف معلقة حتى إشعار آخر
نشر في الجنوب ميديا يوم 12 - 11 - 2012

حقوق المؤلف المادية والمعنوية قضية متجددة باستمرار، تكتسب مشروعية طرحها دائماً من كم القوانين والتشريعات الموجودة في كثير من البلدان العربية التي تؤكد جميعها على حفظ تلك الحقوق في مقابل شكوى عامة للكتّاب والمثقفين من إهدارها . الأمر الذي يجعل هذه القوانين في النهاية معلقة التطبيق حتى إشعار آخر، وهي القضية التي حاولنا التعرف إلى أبعادها المختلفة من خلال التحقيق التالي . .
يرى الكاتب والروائي "مكاوي سعيد"أن المؤلف العربي لا يحصل على حقوقه المادية والفكرية، كما ينص عليها القانون الدولي بسبب العلاقة المتوترة بين المؤلف والناشر، ويقول: إن حصول المؤلف على حقوقه المادية يلزم الناشر بإخطار المؤلف بالطبعات الجديدة وعدد النسخ، وهذا لا يحدث من جانب الناشرين الذين يطبعون طبعات جديدة من دون إخطار المؤلف .
ويضيف أن "الملكية الفكرية ضائعة في البلاد العربية، فعادة ما نرى الكثير من الكتب المنشورة من دون أن يحصل مؤلفوها على حقوقهم المادية والمعنوية، وهذا يرجع إلى عدم وجود اتفاق ملزم بين الدول العربية للحصول على حقوق المؤلفين".
ويشير سعيد إلى قيام دور النشر بالتفسير الخطأ لإحدى مواد القانون الدولي التي تنص على أنه "من حق أي دار إعادة طبع أي كتاب يمر عليه 50 عاماً من دون إعطاء حقوق للورثة، حيث تقوم دور النشر بنشر الكتاب والتربح منه، ثم تبيعه لدور نشر أخرى .
ويوضح أن "ثقافة الملكية الفكرية في مصر غير معترف بها ولا يهتم بها أحد حتى المثقفون وكبار الكتَّاب الذين لا يخجلون من سرقة كتابات الآخرين".
من جانبه، يقول الكاتب والناقد د .أحمد الخميسي: إن التاريخ لم يعرف مؤلفاً عربياً نال حقوقه المادية منذ أن كتب إبراهيم عبدالقادر المازني مقالته الشهيرة "تعال نتحاسب«، موضحاً فيها بمرارة إلى أي مدى تؤكل حقوق المؤلف العربي، وأيضاً مقالات توفيق الحكيم عن دور النشر التي تقوم بإعادة طبع أعماله من دون علمه، ونجيب محفوظ الذي قال إنه كان يفضل أن يكون موظفاً، لأن الأدب لم يملكه شيئاً، وكان هذا رداً على سؤال أحد الصحفيين له: "هل كان من الأفضل أن تظل موظفاً أم أديباً؟ وكان رده: "كان أفضل لي أن أظل موظفاً، فمن أين آكل إذا كان الأدب لم يملكني شيئاً".
ويضيف الخميسي أن "الحقوق المادية للمؤلف أصبحت مهدرة الآن أكثر من أي وقت مضى، بعدما تحولت دور النشر إلى دور "نشل«، فالناشرون يعملون في "البيزنس"الثقافي، ولا يكفون عن التشدق بكلمات عن الثقافة، ولا يكفون أيضاً عن الخطب العصماء، لكنهم في الحقيقة مدعون للفكر وللثقافة، هدفهم الحصول على المال فقط عن طريق ذبح المؤلف الذي لا حول له ولا قوة".
كما يؤكد الخميسي أن حقوق الملكية الفكرية أصبحت وهماً كبيراً، خصوصاً في ظل ثورة الاتصال، بعدما تحولت سرقة الكتب من الإنترنت إلى عادة يومية لا يكف عنها الباحثون وحتى كبار الكتَّاب .
وعن الاتفاقات الدولية المتعلقة بالملكية الفكرية وحماية الحقوق المادية للمؤلف، يقول: إن مصر انضمت إلى هذه الاتفاقات منذ عشر سنوات فقط، ولا يستفيد المؤلف المصري منها، لأنها في مصلحة المؤلف الأجنبي، ولأن القوانين الدولية عموماً لا تطبق في مصر .
من جهة أخرى، يقول محمد هاشم، مدير عام دار "ميريت"للنشر: إن العلاقة بين المؤلف والناشر تحدد بناء على عقود توقع بينهما، ومن يقول إن شروط الناشر مجحفة وظالمة بالنسبة للمؤلف، فهؤلاء هم صغار الكتَّاب والمؤلفين الذين لم يحققوا لأنفسهم مكانة في الساحة الثقافية .
وفي السياق ذاته يقول الكاتب شعبان يوسف: إن حقوق الملكية الفكرية مرتبطة بأمرين، أولهما السطو على الأفكار وتعميمها، وثانيهما العلاقة بين المؤلف ودار النشر .
وعن السرقات الأدبية والسطو على أفكار الغير يقول: هناك الكثير من الوقائع الكارثية التي لم يحقق فيها حتى الآن، مثل قيام أحد الصحفيين بسرقة أبحاث ودراسات من موسوعة "التراث الإنساني«، وطبعها بالهيئة المصرية العامة للكتاب ومكتبة الأسرة بعنوان " كتب غيّرت التاريخ"ووصل الأمر إلى حصوله على جائزة .
ويؤكد يوسف أن هذه السرقات لا يقوم بها صغار الكتَّاب فقط، بل يقوم بها أيضاً كبار الأدباء مثل الأديب الكبير صنع الله إبراهيم الذي اتهمته د . ليلي عنان بسرقة أبحاثها التي ضمنها إبراهيم روايته "القانون الفرنسي".
ويضيف: إن توفيق الحكيم كان يقول "لا ملكية للأفكار ولكن الملكية للنصوص«، وانطلاقاً من اقتناعه التام بهذه العبارة كان الحكيم الكلام لشعبان يقوم بسرقة الكثير من الأفكار بحجة أن الملكية للنصوص فقط، ومن هذه السرقات مسرحية "نهر الجنون«، وهي مأخوذة من قصة اسمها "الملك الحكيم"لجبران خليل جبران، وهناك سرقات أخرى قام بها الشعراء أيضاً ومنها ما تعرض له الراحل كمال نشأت، حيث قام بتقديم مجموعة من القصائد للشاعر الراحل إبراهيم ناجي لقراءتها، ونسي ناجي أن يقدم هذه القصائد، وبعد وفاته قام البعض بضم هذه القصائد إلى ديوان ناجي، فغضب نشأت غضباً شديداً بعد قراءتها، وشكلت لجنة مكونة من مجموعة من الشعراء لحل المشكلة بشكل ودي، لكن نشأت قام برفع قضية وطالب بتعويض خمسة آلاف جنيه، وأعتقد أن الشاعر الكبير إبراهيم ناجي قد اتهم ظلماً بالسرقة، لأنه نسي تقديمها ولم يسرقها .
ويصف شعبان يوسف العلاقة بين المؤلف والناشر بالرديئة، حيث يقول: "العلاقة بين المؤلف والناشر رديئة، وفي كل الأحوال المؤلف مهدور حقه مع معظم دور النشر، التي تذبح الكاتب وتحصل على أموال منه من خلال إعادة نشر أعماله من دون علمه".
وعن دور اتحاد الناشرين في هذه العلاقة المتوترة بين المؤلف والناشر، يقول شعبان: إن الاتحاد مشغول بالمعارض، وبعض الناشرين تحولوا إلى قراصنة، وفي النهاية يتعرض المؤلف للخسارة المادية والمعنوية .
واختتم يوسف حديثه قائلاً: "حقوق الملكية الفكرية مهدرة في مصر، مثلها مثل حقوق المواطنة وأي حقوق أخرى، لكن هناك كُتّاباً ينظر إليهم نظرة إجلال وتقدير من جانب بعض المؤسسات وهؤلاء حقوقهم المادية لا أحد يقترب منها، أما صغار الكتَّاب، فهؤلاء هم أول من يتم التعدي على حقوقهم المادية".
يقول مصطفى الشيخ، مدير دار "آفاق"للنشر، إن العلاقة بين الناشر والمؤلف تعود إلى بنود العقد الموقع بينهما الذي يحفظ الحقوق المادية والمعنوية للمؤلف، موضحاً أن "النشر في مصر يتم بشكل ودي بين المؤلف والناشر ولا يقوم على عقد رسمي ومن ثم فحقوق المؤلف ستكون مهدرة".
ويضيف: "ظلت الترجمة في العالم العربي لسنوات طويلة تهدر حقوق المؤلف، خصوصاً في الكتب المترجمة إلى العربية، لكن في السنوات الأخيرة وفي ظل تنامي الاهتمام بالترجمة لم تعد دور النشر "الكبيرة بالتحديد"تنشر كتاباً مترجماً إلا بعد إذن كتابي من المؤلف حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية .
ويقول حسام لطفي، المستشار القانوني لاتحاد الناشرين المصريين، إن المشكلات المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية في مصر تتلخص في ميوعة التشريعات التي تجرم هذا الفعل، ويوضح قائلاً: "منذ اتفاقية برن عام 1886 والعالم كله يطالب بحقوق الملكية الفكرية ضد السرقات الأدبية والقرصنة، لكن هذه الحقوق يبدو أنها ستظل مهدرة طالما لم يؤمن بها الناس وأيضاً بسبب عدم إصدار قوانين صارمة تحمي هذه الحقوق، والشيء العجيب هو جهل المؤلف نفسه بحقوقه أو التجاهل الكبير لهذه الحقوق، وبالتالي فإهدار الحقوق الفكرية للمؤلف غير المدرك لها ستظل هي السائدة".
ويشير لطفي إلى اتفاقية عربية وضعت لحماية حقوق المؤلف ووقعت عليها معظم الدول العربية في مؤتمر المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، لكنه يرى أن الأمور لا تسير في مجال تطبيق هذه الاتفاقية العربية لحماية حقوق المؤلفين لعدم وجود أطر بشرية كافية يمكن الاطمئنان إلى فعالياتها في هذا المجال، وأيضاً لعدم وجود وعي ثقافي .
وعن القانون المنظم لهذه الحقوق في مصر يقول: "القانون 82 لسنة 2002 هو الذي ينظم حقوق الملكية الفكرية وهو رادع لمن ينتهك هذه الحقوق سواء بالحبس أو الغرامة، وهناك بعض دور النشر الكبيرة التي فعّلت هذا القانون بعد الانتهاكات والسرقات التي تعرضت لها مثل دار الشروق، وهذا القانون ينظم أيضاً حقوق الملكية الفكرية على شبكة الإنترنت ومن ثم الاكتشاف السريع للسرقات الأدبية".
ويذكر لطفي أن العقاب الذي يقع على لصوص الكلمة هو جزاء جنائي ومدني، أما الجنائي فهو حبس وغرامة ومصادرة ونشر الحكم بالإدانة والمدني عن طريق تعويض مدني جابر للأضرار، كما يرى ضرورة قيام الكيانات والمؤسسات الكبيرة مثل اتحاد الناشرين واتحاد الكتَّاب بتوعية المؤلفين بحقوقهم الفكرية ونشر هذه الثقافة بين المثقفين قبل عامة الناس حتى يحصلوا على حقوقهم، مشيراً إلى وجود خلل كبير في الوضع الثقافي في مصر وهذا الخلل انعكس بدوره على حقوق المؤلف .
الإعلامي والباحث الأكاديمي الشيخ لحبيب، يقول: "يحلو للكثيرين من الانطباعيين، وصف اللوحة القانونية (إن صحت التسمية) الجميلة، التي تتشكل من قوانين الملكية الفكرية، ويحلو لهم عندئذ الحديث عن تطور "مفترض"في القيمة المادية والمعنوية للكاتب العربي .
وبإمكانهم أن يدبجوا شعراً كثيفاً وهم يتحدثون في وصف قوانين الملكية الفكرية، وكيف أنها انتصار لإرادة الكاتب في صيانة عائدات منتوجه المادية والمعنوية لنفسه . لكن ذلك المدح الشاعر سيعتريه عور كبير، حين نعلم أن تلك القوانين لم تحقق إلا في حالات نادرة لأي كاتب عربي، أية صيانة لقيمة مالية أو تقديرية ناتجة عن منتجه، ما الذي يحدث إذاً؟ ولم لا يستطيع الكاتب في بلادنا العربية الحديث عن وصوله المطمئن، لدرجة الرضا بعد عرضه ما يكتب؟ ليس من السهل الخوض في الحديث عن حصول الكاتب العربي، على تحديد لدرجة الرضا التي يشعر بها عند ممارسته وتفاعله مع ثنائية المكتوب/ المسوق .
إننا نقع عندئذ في إشكال منهجي كبير إذا اعتمدنا على قياسات درجة الرضا، لأنها ببساطة لا تخضع لميكانزمات الكم، ولعلها مرتبطة أكثر بمفهوم "الرأسمال الرمزي"كما يحدده عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو .
وليس من الصعب أن نشعر بكم من الإحباط ينبثق على حين غرة، حينما نراقب تأثير مكالمة هاتفية بين كاتب ودار النشر والتوزيع التي يتعامل معها، حين يخبرونه بأرقام عائدات كتبه، إنه مقياس جيد لرأسماله الرمزي!
ذلك مثال جيد يوضح لنا أنه من المفيد أن نسأل أولاً: هل يصل إنتاج الكاتب كسلعة خاضعة لمنطق السوق، إلى أكبر عدد من المتلقين - المستهلكين؟
وهل يمكن تعريف القيمة المعنوية للكاتب تبعاً لذلك؟ أم أنها ما زالت خاضعة للمحمول العقلي، ولمحات الإبداع المشكلين للمحتوى الذي ينتجه الكاتب؟
لا بد من الانطلاق من مقاربات اجتماعية لنظريات الاتصال، ولا بد أن ننطلق من تصنيف أصبح يتعاظم شيئاً فشيئاً، وهو أننا في زمن تسليع الثقافة، وفي زمن تحول فيه مفهوم الرأي العام إلى مجرد انطباع عام .
إن وجود الكاتب وما كتب في عصر "مجتمع المشاهدة«، يجعله مضطراً للجوء إلى وسائط أخرى كالتلفزيون، وشبكة الإنترنت، وما تحويه من شبكات تواصل اجتماعية، لتقديم نفسه للمشاهدين - القراء، إنه سيغدو مضطراً إلى تقديم الحرف عن طريق الصورة والكاريزما الشخصية أحياناً .
إن الكاتب لا بد أن يعلم أنه لن يحصل على حقه المعنوي أولاً، ثم على زبائن أو مشترين لكتبه، إلا عن طريق لفت الأنظار لبضاعته الكتابية، ولابد أن يعلم أي نوعية من القراء أصبح يواجه قبل أن يكتب، ولا بد أن يفهم طبيعتها الملولة التي تجعل الأغلبية منها، تعزف عن القراءة المعمقة الورقية الطويلة، لتلجأ إلى تصفح سريع، وإلى قراءة سريعة لمنتوج قصير وكثيف .
لقد أصبحت هناك اتجاهات نقدية حديثة، ترى أن القارئ يدخل شيئاً فشيئاً دائرة سيطرة مفاهيم النقد الأكاديمي الجديد، حيث يتسيد مريدو رولان بارت، ونظرياتهم حول "لذة النص".
وفي ظل كل ذلك ستغدو مبيعات الكاتب، وما يعرضه من منتوج محكومة ليس فقط بآليات السوق، وأسعار النشر . . ووو،، ولكن بأشياء أكثر قسوة وهيمنة، وتختصر أساساً في نوعية القارئ، وطريقة الوصول إليه .
وحتى ولو قرر الكاتب العربي الركون إلى الطريقة التقليدية في النشر، والعرض، والعزوف عن التماهي مع "الجو الجديد المكتسح والمتغير باستمرار«، وقرر أن يركن إلى حماية قوانين الملكية الفكرية، وما تعد بتوفيره من قيمة تبدو بالمقاييس السالفة الذكر ضئيلة جداً، فإن ثمة خرقاً كبيراً ومتنامياً في تلك القوانين سيواجهه حتماً .
بعد تطور شبكات الاتصال الاجتماعي، ومنصات التدوين المصغر، ونجاحها في الخروج عن كونها مجرد وسيلة للتواصل والمحادثة، إلى كونها قاعدة رئيسة لكل أنواع التبادلات والتفاعلات الثقافية، أصبحت تلك الشبكات التي يتزايد عدد مستخدميها في وطننا العربي، ليصل إلى الملايين، مأوى لكل عمليات "القطع، واللصق"للمنتوج الثقافي والكتابي بشكل عام، وكذلك لكل عمليات تحميل الكتب، وعرضها بشكل مقرصن .
وأسهم ذلك في عزوف الكثيرين عن شراء المعروض من الكتب، سواء في مكتبات ورقية، أو إلكترونية، ذلك أنهم يعرفون أن الكتاب سرعان ما سيكون متوافراً على "الفيس بوك«، أو "التويتر".
وسينقص ذلك الطبع من إيرادات كتب كاتبنا العربي، وهو ما يؤدي إلى عزوف بعض دور النشر عن التعامل معه، وهو ما يؤدي بدوره إلى انحطاط في روحه المعنوية، وقيمته عند المتلقين الذين لن يصل إليهم إبداعه، إنها دائرة قاتلة للقيمة والمعنى .
يمكننا إذن أن نفكر في أن التحدي أو العقبة الأولى أمام أي كاتب عربي، لن تكون في غياب القوانين المنظمة لملكيته لمنتوجه، رغم أهميتها، ولكنها في الوصول المنتظم إلى قارئه، مستهلكه، الذي تحول تدريجياً ليصبح في الأغلب قارئاً إلكترونياً .
إن كل القوانين الإجرائية وفي مقدمتها تلك المحددة "للملكية الفكرية«، تبقى قاصرة عن ضمان استيفاء الكاتب لكل حقوقه المادية والمعنوية، وتبقى إسهاماتها مجسدة أساساً في تأطير الجدار الخارجي الصلب لتلك الحقوق، أما الحقوق نفسها فقد تبقى بعيدة عن الكاتب، ومنحصرة بينه وبين ذلك الحاجز القانوني البحت .
الشاعر ناجي محمد الإمام يقول: "إذا سألتم عن حقوق المؤلف في موريتانيا فالرد لا يحتمل تفسيراً:
أولاً: لا توجد هذه الشعيرة التي تحمي المبدع في الواقع، وقد يحدث عنها حديث موسمي بسبب زيارة مسؤول أممي مختص أو جهوي كذلك .
ثانياً: تنتشر للأسف السرقات ولا مرجع ولو نفسياً لوضع حد لهذا الفعل الفاضح قبل أن يكون تلصصاً فكرياً .
ثالثاً: كنت مرة ضمن وفد سياسي في إحدى مقاطعات نواكشوط ورحب بنا المضيف وأعلن أن الشاعر فلاناً سيلقي قصيدة ترحيباً بالوفد ودعوة إلى الوحدة فلما نودي عليه اختفي جاءوا بنص كان زودهم به، وقدموه إلي مغتبطين، فإذا بالقصيدة الملوية الأعناق لي وهي في رثاء زعيم عربي متوفى منذ عشرات السنين .
الدكتور أحمد ولد نافع، باحث وأستاذ جامعي، يقول: "وضعية الكاتب في الدول العربية هي رمز لأزمة الفكر والثقافة العربية، فالكاتب هو لسان حالها وهو الذي يعكس عمقها وقوتها".
وكان من المفترض ما دام الكاتب العربي هو حجر الزاوية بهذا الشكل أن يحصل على حقوقه المادية لنشاطه الذهني الموصوف بالكتابة، خصوصاً أنه يجهد في نحت أفكاره من صخور معاناة أمته وشعبه محاولاً كالطبيب تشخيص حاله، متحسساً أوجاعه مستعرضاً تاريخه المرضي باحثاً عن بلسم لشفائه . وهو بذلك قمين بأن يحظى بالتقدير الذي أقله الجانب المادي وأشمله ما يضيف إليه الحقوق المعنوية التي يحس معها بقيمة ما يقوم به من جهاد ومكابدة وهو يمارس فعل الكتابة .
إن إشكالية حقوق الكاتب المادية والمعنوية تتنزل في صميم الإشكالية الكبرى المسماة "الملكية الفكرية"التي هي من حيث الأصل إحدى توابع وملحقات اتفاقية التجارة العالمية، وحقوق النشر هي إحدى الجوانب الرئيسة التي تدخل في الملكية الفكرية، ويمكن إدراج قضية الكتابة والكاتب العربي ضمن هذا البند . فما يكتبه أو ينشره هذا الكاتب هو حق له محمي بموجب تلك الاتفاقية التي وقع عليها الجميع وله عليه أن ينال مقابلاً عنه يكون مجزياً ومتكافئاً مع المادة، موضوع النشر، التي لا يمكن تداولها أو نشرها أو الاستفادة منها، ما لم ينل صاحبها حقوقه كافة المادية والمعنوية كاملة غير منقوصة .
غير أن الأمور في الواقع العربي لا تسير وفقاً لتلك التوصيفات النظرية الجميلة، بل إن الكاتب العربي يظل أسيراً للمعاناة قبل أن يكتب، بحكم محاذير الكتابة وإكراهاتها والقيود التي تسورها، فهو يكتب في بيئة غير حرة لا تشجع على حرية الرأي والفكر والاعتقاد، وكثيراً ما دفع الكاتب العربي أثماناً باهظة لذلك . ثم إنه إذا كتب، وتجاوز تلك المطبّات، فقد لا يجد من يقرأ ما كُتبَ، قبل وبعد الكتابة، يكون جهد كبير قد ضاع من دون حق مادي أو تقدير معنوي، وهذه معاناة كبري يعيشها الكاتب العربي مطلقاً .
الكاتب حبيب الله ولد أحمد يقول "في بلدان الوطن العربي يكاد الإجماع يكون شاملاً على أنه لا حقوق محفوظة للمؤلفين والكتّاب، ويبدو ذلك منطقياً جداً لغياب حماية واضحة قانونياً وأخلاقياً للملكية الفكرية، ففي مجتمعاتنا العربية لا أثر للملكية الفكرية وحقوقها، فالمقال والفكرة والكتاب تتم إعادة صياغتها مجتمعة عشرات المرات حتى يختفي أثر الكاتب أو المبدع الأصلي، لتظهر كتاباته أو إبداعاته في سياقات جديدة وتوقيعات جديدة تنسف الأصل وتعمل على محوه تماماً .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.