أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    شاهد الصور الأولية من الانفجارات التي هزت مارب.. هجوم بصواريخ باليستية وطيران مسير    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    قرار مصر "الخطير جدا" يثير فزع "نتنياهو" ووزيره المتطرف يقول: حان وقت الانهيار    "أهل اليمن مايروحون للشّامي والشّام مايقبلون اليمانيه"..شاعر يمني الأصل يثير الجدل بشيلة في منصيتي تيك توك وانستقرام (فيديو)    شاهد: نجم الاتحاد السعودي "محمد نور"يثير اعجاب رواد مواقع التواصل بإجادته للرقص اليمني    بدء الثورة ضد الحوثيين...شجاعة أهالي إب تُفشل مخطط نهب حوثي    مبابي عرض تمثاله الشمعي في باريس    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    الحوثيون يصادرون لقمة العيش من أفواه الباعة المتجولين في معقل الجماعة    عودة الثنائي الذهبي: كانتي ومبابي يقودان فرنسا لحصد لقب يورو 2024    لا صافرة بعد الأذان: أوامر ملكية سعودية تُنظم مباريات كرة القدم وفقاً لأوقات الصلاة    لحج.. محكمة الحوطة الابتدائية تبدأ جلسات محاكمة المتهمين بقتل الشيخ محسن الرشيدي ورفاقه    اللجنة العليا للاختبارات بوزارة التربية تناقش إجراءات الاعداد والتهيئة لاختبارات شهادة الثانوية العامة    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    تاليسكا سيغيب عن نهائي كأس خادم الحرمين    العليمي يؤكد موقف اليمن بشأن القضية الفلسطينية ويحذر من الخطر الإيراني على المنطقة مميز    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    انكماش اقتصاد اليابان في الربع الأول من العام الجاري 2024    تحذيرات أُممية من مخاطر الأعاصير في خليج عدن والبحر العربي خلال الأيام القادمة مميز    النقد الدولي: الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل وسيؤثر على 60 % من الوظائف    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    رئيس مجلس القيادة يدعو القادة العرب الى التصدي لمشروع استهداف الدولة الوطنية    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    تغاريد حرة.. عن الانتظار الذي يستنزف الروح    انطلاق أسبوع النزال لبطولة "أبوظبي إكستريم" (ADXC 4) في باريس    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    ترحيل أكثر من 16 ألف مغترب يمني من السعودية    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    انهيار جنوني .. لريال اليمني يصل إلى أدنى مستوى منذ سنوات وقفزة خيالية للدولار والريال السعودي    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    نهاية مأساوية لطبيبة سعودية بعد مناوبة في عملها لمدة 24 ساعة (الاسم والصور)    البريمييرليغ: اليونايتد يتفوق على نيوكاسل    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    600 ألف فلسطيني نزحوا من رفح منذ تكثيف الهجوم الإسرائيلي    ظلام دامس يلف عدن: مشروع الكهرباء التجارية يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة الأزمة!    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    بائعات "اللحوح" والمخبوزات في الشارع.. كسرن نظرة العيب لمجابهة تداعيات الفقر والجوع مميز    وزارة الحج والعمرة السعودية توفر 15 دليلاً توعوياً ب 16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    قطع الطريق المؤدي إلى ''يافع''.. ومناشدات بتدخل عاجل    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمات ولا حلول!
نشر في رأي يوم 18 - 11 - 2009

سأحاول في هذه الورقة أن أبتعد بقدر الإمكان عن لغة الأرقام، لأن الأرقام إن توفرت فهي كاذبة، وإن لم تتوفر فهي خداعة. وسأترك لغيري من الزملاء الخوض في أرقام معدلات التوزيع وإحصائيات نسب القرّاء وتوزيعهم الجغرافي وإلى ما هنالك من تفاصيل لا تقدم ولا تؤخر كثيراً في مسار تعثر مهنة النشر في العالم العربي وتخلفها.
أما حديثي عن مشكلات النشر في العالم العربي فسينطلق من تجربتي الشخصية كناشر عمل في كل من لندن وقبرص وبيروت، وما عانيت وعانى المؤلفون الذين تشرفت بالنشر لهم عبر ما يزيد على ربع قرن، أصدرت فيها ما يزيد على 800 عنوان. أما الحلول لأزمة النشر التي يطمح هذا المؤتمر إلى بحثها، فمنطلقاتها تكاد تكون واحدة. وهي بتشعباتها تعود إلى نظم الحريات السياسية والاجتماعية في البلدان العربية، وغياب الاهتمام الكلي بشؤون الثقافة والمعرفة بتفرعاتهما.
وتعثر النشر العربي يعود إلى سببين لا ثالث لهما: ضمور الأسواق العربية بسبب حواجز الأنظمة السياسية التي تعامل الكتاب معاملة المخدرات والناشر معاملة المهربين، وضعف البنية المالية والاقتصادية لمعظم الناشرين؛ نتيجة لقيود الرقابة على أنواعها، فتمنعهم من تطوير هذه الصناعة والاستثمار فيها.
هزال العناوين
يدور التساؤل الأول عن أزمة النشر المطروحة في هذا المؤتمر حول العدد المتواضع من الكتب الجديدة التي تصدر سنوياً في مجمل الأقطار العربية وبلغة عربية واحدة مقارنة بعدد الكتب التي تصدر في الدول الأوروبية والأميركية، بتعدد لغاتها، إلى جانب الأرقام المخزية لتوزيع الكتاب في جميع أنحاء العالم العربي.
من المؤسف أن هذا هو واقع الأمر.
نحن – الناشرين - مثلاً نقوم بنشر ما بين 30 كتاباً /عنواناً و50 كتاباً/ عنواناً في السنة الواحدة، موزعة بين مختلف أنواع التأليف من سياسة وتاريخ ومذكرات ورواية وشعر وآداب متنوعة. ونحن –الناشرين- شعبويون غير متخصصين نتعمد التنوع الدائم في محاولة منا للوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من القرّاء. ونطبع من كل كتاب بين 3000 و5000 نسخة، وفي حالات معينة نطبع عدداً أقل.
كذلك نحن محكومون كغيرنا من الناشرين بهذا العدد الضئيل نسبياً، مقارنة بالكم الكبير من العناوين التي تصدرها دور النشر الغربية، بأمرين:
الأول القدرة المالية التجارية المحدودة للناشر على تمويل هذه الإصدارات.
الثاني ضيق الأسواق العربية بسبب عرقلة الرقابات المتعددة على الكتاب للوصول إلى القارئ. فالكلمة السحرية في هذا المجال التي تقف وراء تعثر هذه المهنة، هي الرقابة، والرقابة في العالم العربي على أنواع:
تعدد الرقابات
1 الرقابة الإعلامية: وهي رقابة تقوم بها أجهزة وزارة الإعلام، أو من ينوب عنها في كل بلد عربي، وهي رقابة سياسية هدفها حماية النظام القائم من النقد، أو أخلاقية لمنع ما يخدش الحياء من بعض الألفاظ التي يعتبرها الرقيب نابية عندما يخرجها من سياقها الأدبي، أو دينية إذا ما اعتقد الرقيب أنها تمس الشعور الديني العام.
2 الرقابة الدينية: التي تقوم بها هيئة أو هيئات دينية متخصصة لحساب الدولة أو لحسابها الخاص، بتكليف من الدولة أو بدعم منها (الأزهر مثالاً صارخاً في مصر ودار الفتوى في لبنان). فتقوم بمنع هذا الكتاب أو ذاك وتكفير صاحبه وإقامة دعاوى الحسبة عليه.
3 الرقابة الأمنية: التي تقوم بها أجهزة المخابرات أو دوائر الأمن في كل بلد (مديرية الأمن العام في لبنان مثالاً)، وهي في مضمونها رقابة سياسية بالدرجة الأولى تعزز ما يمكن أن يكون قد فات الرقابة الإعلامية. إلى جانب مهمتها البحث في «أخلاق» المؤلف السياسية وتوجهاته ومواقفه تجاه النظام السياسي القائم في البلد المعني.
4 رقابة المعارض: وهي رقابة استنسابية خاصة بمعارض الكتب تقوم بمنع ما يكون قد سمح له في البلد الذي يقيم المعرض، وتسمح بما منعته الرقابة الرسمية في البلد ذاته. كذلك تمنع عرض كتاب كانت قد سبق لها أن سمحت له الرقابات الرسمية في معرض سابق وفي البلد ذاته. وغالباً ما يكون ذلك الكتاب الذي منع في المعرض متوافراً في مكتبات البلد الذي يقيم المعرض. والظاهرة الجديدة في هذه الرقابة أنها تمنع مسبقاً كتباً لم تصل إلى المعرض ولا إلى البلد الذي يقيم المعرض، ومن دون أن تطلع عليه أو تقرأه، كما يحدث الآن مع معرض الشارقة ومعرض قطر المقبلين. (راجع الرسائل المرفقة). فهذه الرقابة تأخذ هذه الكتب بجريرة سمعة معينة.
5 رقابة الأغلفة: وهي رقابة شبه مزاجية لا علاقة لها بفن التصميم والإخراج، إذ تمنع كتاباً يكون قد فسح مضمونه، إلّا أن الغلاف لم يعجب الرقيب المكلف، لأسباب لا يفصح عنها عادة. وكثيراً ما يتحجج هذا الرقيب بأن الغلاف يوحي بما ليس فعلاً في الكتاب، أو أنه يخدش النظر، من دون أي اعتبار للعمل الفني والجهد الغرافيكي الذي يقوم به الفنان والذي على أساسه يقدم الغلاف.
وإذا أقررنا قصراً مبدأ الرقابة على الكتب في العالم العربي، وهو أمر غير مقبول وغير معمول به في العالم المتحضر إلا في ظروف استثنائية جداً جداً، كحالة كشف سرّ من أسرار الدولة، فلا يتم إلّا بقرار قضائي من محكمة، وليس من جهة إدارية أو أمنية. ومن المؤسف أن ليس هناك «دفتر شروط» واحد موحد بين هذه الرقابات الخمس، يمكن للناشر اعتماده، ليتفادى حواجز الرقابة المتعددة. ففي الأحوال العادية، يحتاج الكتاب بعد أن يجتاز حواجز الرقابات المذكورة، ليصل إلى الأسواق من بلد المنشأ إلى البلدان الأخرى بين ثلاثة وستة أشهر. فالكتاب الصادر مثلاً في لبنان، لن يصل إلى أسواق المدن السورية إلّا بعد ثلاثة أشهر على أضعف تقدير، مع كل مراجعات الناشر ووساطاته لدى المراجع المختصة، وكذلك إلى مصر والأردن وسواهما. وإن تعددت الرقابات، فموت الكتاب واحد. والرقابات هذه لا ترد عادة على استفسارات الناشر عن أسباب المنع.
مشكلة الانتشار
أما عن الكتب الأكثر انتشاراً، فبالنسبة إلينا كناشرين شعبويين متنوعي العناوين، بحسب أرقام شركتنا، هي: كتب السياسة، الرواية، التاريخ، والمذكرات، الشعر والآداب. والأقل انتشاراً، ومردوداً تجارياً هي كتب الشعر، باستثناء كتب الشاعر محمود دوريش، التي تعدّ استثناءً على جميع الأصعدة، إذ يبلغ معدل توزيع الكتاب الواحد لمحمود درويش ولأكثر من طبعة واحدة خمسة عشر ألفاً. كذلك يعتمد انتشار الكتاب إلى حد كبير، إلى أي تصنيف انتمى (سياسة رواية تاريخ إلخ.) إلى سمعة المؤلف وشهرته وصدقيته. فالقارئ يلحق بالكاتب المعروف بالدرجة الأولى ثم بالموضوع الذي يتناوله. عكس القارئ الذي يلحق بالعنوان المثير والموضوع المغري الذي يهمه لكاتب جديد لم يأخذ نصيبه بعد من الانتشار.
ويجب لفت النظر في هذا المجال إلى أن بين الكتب الأكثر انتشاراً، كتب التراث الإسلامي والعربي القديم المستنسخة بعضها عن بعض، وأغلبها غير محقق، وبعضها مجتزأ ومبتور لأسباب تجارية بحتة، ولها أكثر من ناشر واحد، يختلفون بعضهم عن بعض في تزويق تجليد الكتاب، مرة مذهباً ومرة مفضضاً للعرض على الرفوف لا كتاباً مرجعاً للقراءة والبحث. وليس لهذه الكتب حقوق نشر أو ملكية فكرية. وهذه واسعة الانتشار كثيراً إذ لا رقابة عليها وتباع بأسعار زهيدة.
ضعف التسويق
أما عن ضعف تسويق الكتاب فحدِّث ولا حرج. فليس هناك من شركة واحدة لتسويق الكتاب في كل العالم العربي لها صدقية وقواعد تلتزم بتسديد الأتعاب المالية المترتبة عليها. فديون الناشرين عند بعض الموزعين عالية جداً، يصعب تحصيلها. وهناك مجموعة شركات أو مكتبات في كل عاصمة عربية تقريباً هي عبارة عن مجموعة دكاكين، تستورد الكتاب لحسابها الخاص ولتبيعه في مركزها أو مكتبتها، لا لتوزعه كما يجب على فروع أخرى في المحافظات والأقاليم داخل القطر. فقليلاً ما تجد أن كتاباً موجوداً في مكتبة من مكتبات القاهرة متوفراً في الإسكندرية مثلاً، أو كتاباً في دمشق متوفر في حلب. وحجم استيراد هذه الشركات/ المكتبات الصغيرة يكاد يكون مضحكاً.
لذلك يلجأ الناشر إلى التوزيع المباشر، حيث يقيم هو صلة تسويقية بينه وبين مكتبة في بلد معين من دون وسيط، محاولاً أن يبيع بضاعته نقداً. هنا تبرز أهمية فكرة معارض الكتب العربية التي تقام سنوياً، التي يشارك فيها الناشر مباشرة، ويبيع عبرها للمكتبات أو الموزعين في ذلك البلد إلى جانب الأفراد العاديين. حتى أصبح دخل المعارض يشكل تقريباً نصف دخل الناشر من التوزيع. وفي أغلب الأحيان يبيع الناشر في المعارض نقداً، بينما يبيع عبر شركات التسويق بالدين. ومن أخطر الأزمات التي تواجه الناشر تحصيل الديون المتراكمة له لدى الموزعين. فإذا لبّى طلبات الموزع بالكتب الجديدة، ازداد تراكم الدين، وإذا لم يلبّه بار الكتاب في المستودعات. فليس هناك من تقليد أو قانون ينظم العلاقة المالية بين الناشر والموزع، أياً كان حجمه أو صفة طلباته. والناشر يعطي حسماً للموزع يراوح بين 40 و50 بالمئة من سعر الغلاف، وفي أحيان 60 في المئة، متحملاً في معظم الأوقات أجور الشحن مع العلم أن الدفع آجل.
كلفة المعارض
في المعارض يواجه الناشر مأزقاً من نوع آخر. وإذا كان الناشر يرحب بالمعارض لأنها تشكل نصف دخله تقريباً، فإن ترحيبه يعود أيضاً إلى أنه يضعه على احتكاك مباشر مع القارئ، فيستميله بأن يبيعه الكتاب بثمن أرخص من السوق العادي. فالحسم الذي يعطيه الناشر للموزع، يعطيه للقارئ. لكن الذي حدث في السنوات الأخيرة أن كلفة الاشتراك في المعارض قد ارتفعت ارتفاعاً كبيراً (معرض أبو ظبي مثالاً) حتى بات من الصعب على الناشر أن يعطي حسماً كبيراً للقارئ لتشجيعه واستمالته.
والفكرة الأساسية التي يجب بحثها، والتي سيكون لها تأثير مباشر وفوري، هي إنه لما كانت الجهات الرسمية العربية (وزارات الثقافة والإعلام أو ما شابههما من مؤسسات) هي التي تقوم بتنظيم معارض الكتب العربية، وتطلق عليها ألقاباً دولية، برعاية مسؤولين حكوميين كبار وإن لزّمت بعض هذه المؤسسات الرسمية الحكومية تنظيم المعارض إلى شركات تجارية خاصة، فالأجدى أن تقوم بخفض رسوم الاشتراك العالية والتي تبتغي الربح التجاري، إلى سعر رمزي، مما يساعد الناشر في تسويق الكتاب وإيصاله إلى القارئ بسعر منخفض.
في الوقت نفسه بتدفع القارئ طلب الكتاب، حين يصبح هناك فارق معقول بين سعر الكتاب في المعرض وسعره في السوق. فالناشر ليس مؤسسة خيرية، أو تابعاً لقطاع عام، بل شركة تبغى الربح التجاري المعقول. فمن المآزق التي يتعرض لها الناشر في المعارض، أنه كثيراً ما تمنع الإدارة في اللحظة الأخيرة مجموعة كتب، يكون قد تمَّ شحنها. فتقوم بمصادرتها أو منعها، وفي أحيان كثيرة لا تعيدها إليه. ترى مَنْ يعوض على الناشر هذه الخسارة، بعد أن يكون قد تحمل أعباء كلفة الاشتراك الباهظة وكلفة الشحن والسفر والإقامة وأجور المساعدين في الأجنحة؟
آليات النشر
صحيح أن دور النشر في العالم هي أحد أهم محركات الإنتاج الفكري واكتشاف الموهوبين والمبدعين، لكن يجب أن لا تُعيّر دور النشر العربية بأنها تعمل وفق حسابات تجارية، لأن دور النشر العالمية كلها تعمل وفق حسابات تجارية أيضاً وبعضها مرتبط بسياسات حكوماتها وأجهزتها. ولا مقارنة في الحجم والقدرات بيننا وبينهم. فمواصفات الكتاب واحدة عندنا وعندهم، وهي جاذبية موضوع الكتاب وشهرة اسم كاتبه. فلا مانع ولا ضرر في ذلك. أما كلمة الإثارة التي يكثر استعمالها، كأنها كلمة معيبة، فهي كلمة حقيقية وضروري أن تتوفر في كل كتاب، على تعدد معانيها وأهدافها. وكلمة الإثارة» يجب أن لا ترتبط بالخرافات والجنس والخزعبلات.
أما آليات النشر في العالم العربي فهي في جوهرها آليات النشر ذاتها في العالم الغربي، وإن اختلفت آليات العمل وميكانيكية الاتصال وتقاليد التعامل بيننا وبينهم. في الجوهر يتم النشر في العالم بطريقتين: إما أن يتقدم مؤلف ما بمخطوطته فيعرضها على الناشر، فيقبلها الناشر أو يرفضها. أو يكلف الناشر مؤلفاً ما، أو مجموعة مؤلفين، بموضوع كتاب أو كتب ويتفق معهم على مواصفاتها. الأمر الأول هو الشائع والأسهل في العالم العربي، مع أن الأمر الثاني يتم أيضاً بنسبة أقل.
أما مَنْ يتخد قرار نشر الكتاب في دور النشر، فيتم ذلك في شركتنا مثالاً، عبر أكثر من لجنة مصغّرة للقراءة في اختصاصات معنية. فللرواية مثلاً لجنة تقرأ المخطوطات الروائية وتعطي رأيها فيها. وهناك لجنة أخرى لكتب السياسة والتاريخ والشعر والأدب. ويحيل قرّاء هذه المخطوطات مقترحاتهم إلى مدير الشركة الذي يتخذ قرار النشر، ويتحمل مسؤوليته وحده. وهكذا يضع مدير الشركة بالاشتراك مع مسؤوليه برنامجاً نشرياً ضمن أجندة تأخذ في الحساب تنوع الكتب التي ستنشر ومواعيد صدورها، التي ترتبط إلى حد ما بدورة المعارض العربية.
الفقراء يقرأون
من الطبيعي أن تؤدي الأسعار دوراً أساسياً في انتشار الكتاب في العالم العربي. لكن ليس إلى الحد الذي يتصوره بعض المراقبين. صحيح أن القدرة الشرائية ضعيفة في الأقطار ذات الدخل المحدود، كالعراق واليمن وفلسطين والأردن وسورية ولبنان ومصر، مقابل قدرات دول الجزيرة العربية الغنية، إلا أن من السخرية القول أن مخزون القرّاء الأساسي هو في هذه الدولة الفقيرة إجمالاً. ومع ذلك يقبل القرّاء «الفقراء» على شراء الكتاب ويقتطعون ثمنه من احتياجات أخرى. ولا يتردد قارئ فقير أو غني في شراء كتاب يريده، ما دام سعره معقولاً، وفي متناوله. وهؤلاء هم القرّاء الذين يشكلون عصب الداعمين للكتاب.. إن جودة مضمون الكتاب وسمعة المؤلف والرغبة في الاطلاع على موضوعه، إلى جانب جاذبية توظيب شكل الكتاب وغلافه، كلها عوامل تدفع القارئ إلى اقتناء الكتاب. ويكتشف الناشر أن الفقراء هم الذين يقرأون ،أما الأغنياء فيتفرجون.
مشكلات التزوير
ولشهرة الكتاب أو مؤلفه دور كبير في التزوير، إذ إن التزوير أحد أصعب مشكلات النشر العربي. فتزوير الكتب منتشر في كل بلد عربي تقريباً. وهناك ناشرون مختصون في هذا المجال. وكل كتاب يزور يحدّ من انتشار الكتاب بقدر ما يسيء إلى سمعة البلد والناشر، أكثر مما يضر بالناشر مالياً. والكتاب الذي يزوّر هو الكتاب المعروف لمؤلف مشهور، وأكثر الكتب تعرضاً للقرصنة هو الكتاب الرائج ذو الموضوع الدائم، وعلى رأسها القواميس والمراجع العلمية من ناحية، والكتب كالروايات الواسعة الشهرة أو المجموعات الشعرية لشعراء معروفين مثل نزار قباني ومحمود درويش. ويتفهم الناشر أن يزّور كتاب في العراق نظراً لظروفه المأساوية، أو في فلسطين المحتلة لظروف مماثلة، لكن ليس مفهوماً أن يزوَّر الكتاب في بلد يملك ظروفاً عادية. هنا يجدر التساؤل: مَنْ يحمي الناشر من التزوير؟ وإلى مَنْ يشكو أمره: إلى نقابة الناشرين أم اتحاد الناشرين أم القضاء المحلي؟ ولعل من الأفكار البديهية أن يمنع أي ناشر يضبط بجرم التزوير، من الاشتراك في المعارض أو المواسم الثقافية، حيث نجده في كثير من المواقع معززاً مكرماً.
الإعلام والإعلان
كيف يسوّق الناشرون كتبهم. هناك طريقتان متّبعتان. الأولى، الإعلان عن إصداراتهم في الصحف ووسائل الإعلام المختلفة، وهذا يحتاج إلى موازنة مالية لا تملكها أغلب دور النشر. و الثانية ، عن طريق إرسال إصداراتهم إلى محرري الصفحات الثقافية والمجلات الأدبية في الصحافة العربية، بغية عرض هذه الإصدارات والتعريف بها ومراجعتها، وتكليف أحد كُتّاب تلك الصحيفة بكتابة نقد، (مع أو ضد، لا فرق) لذلك الكتاب. وإذا بالصفحات الثقافية في الصحافة العربية وبمتابعة بسيطة لا يعنيها أمر الكتاب إلّا فيما ندر. حتى إن «البيان الصحافي» Press relesse الذي يكتبه الناشر تعريفاً بإصداره ويرسله إلى الصحيفة (وهي محاولة من الناشر للتعويض عن كسل المحرر من بذل أي مجهود) لا يجد طريقه إلى النشر إلّا في حالات قليلة.
إذن هناك أزمة بين الكِتاب وجرائد اليوم، لم تكن قائمة قبل عقد أو عقدين. في صحافة الماضي كان الصحافيون المعنيون بمتابعة شؤون الثقافة، يتسابقون للكتابة عن كتب صادرة حديثاً والتعريف بكتّاب جدد أو قدامى. أما اليوم فتحولت الصفحات الثقافية إلى التطبيل والتزمير لشلل أدبية ومهرجانات موسمية يدعى إليها محرروها، أصبحت بفعل الزمن والممارسة، نوعاً من العصبية القطرية والتعصب «الحزبي» لكاتب ما.
وإذا كانت هذه حال الصحافة المكتوبة، فما بال حال التليفزيونات. فليس هناك حتى الآن في كل التلفزيونات العربية وجميع الفضائيات برنامج واحد عن الكتب والكتاب، شبيه ولو من بعيد ببرامج الكتب التي تظهر في بريطانيا، أو فرنسا (برنامج الفرنسي وبرنامج القناة الثانية في ال بي.بي.سي مثالاً). حتى محاولة قناة «الجزيرة» القطرية في برنامج متواضع ومنحاز عن الكتب كان يعدّه خالد حروب توقف بعد فترة زمنية قصيرة. وعلى الرغم من عدة محاولات مع بعض الأقنية العربية، ولقاءات مع المسؤولين فيها، كلها باءت بالفشل، حيث كان الجواب دائماً واحداً: هذه البرامج لا تأتي بالإعلان وليس لها ممول Sponser. وتموت المحاولة في مهدها بجواب بسيط: أن برامج كهذه لا تأتي بمداخيل.
أما موضوع الإنترنت كوسيلة من وسائل التسويق، فأعتقد أن معظم الناشرين يملكون مواقع على الإنترنت، ويعلنون عن إصداراتهم منها، ويضعون كتبهم كاملة على شبكتها، ونحن منهم. وقد تعرضنا نتيجة لذلك لأكثر من عملية قرصنة، بعضها ينظر فيه القضاء اليوم. واكتشفنا بالممارسة أن التسويق عن طريق الإنترنت ما زال ضعيفاً وغير مجدٍ في العالم العربي.
ملكية فكرية
هناك تساؤلات كثيرة عن تأثيرات «حقوق الملكية الفكرية» على صناعة النشر العربية. أهمها أن تشريعات حقوق الملكية قد أفادت عملية النشر العربية، وضبطت الكثير من مقاييسها. إلا أنه ليس هناك من مشكلة فعلية بين الناشر والمؤلف، حيث يتم التفاهم بينهما بموجب عقد اتفاق يحدد حقوق وواجبات كل من المؤلف والناشر، فيأخذ كل ذي حق حقه. والخلافات قليلة جداً بين المؤلف والناشر في هذا المجال. ولا تنشأ مشكلة في موضوع حقوق الملكية الفكرية» إلا مع ناشرين أجانب في شأن شراء حقوق الترجمات وعدد الطبعات وكلفة الترجمة، وخلاف ذلك من لزوميات العلاقة بين ناشر عربي وآخر أجنبي. ولما كنا نحن- الناشرين- لا نقوم بنشر كتب مترجمة إلا فيما ندر وفي حالات خاصة، فلا تعاطي لنا بهذه المشكلة، ولا أعتقد أنها تشكل قضية إلا إذا كان الناشر متخصصاً في الكتب المترجمة، مما يسبب له أزمات مع الناشر أو المؤلف صاحب الحقوق الأصلية. ولما كانت معظم الكتب المترجمة إلى العربية ممولة من مصادر معينة، فلا داعي لمشكلة من ناحية حقوق الملكية الفكرية، لأن معظم الخلافات تكون عادة مالية. وفي هذا المجال ما زال الكتاب غير المترجم، أوسع توزيعاً وانتشاراً من أي كتاب مترجم مهما علا صيتهُ إلا فيما ندر.
يبقى بعد توصيف حالة النشر وأزماته في العالم العربي، مجموعة أسئلة لا تملك أجوبة عن حلول، إذ لا حلول ما دامت الحواجز السياسية مرتفعة في كل بلد عربي تحت مسميات مختلفة، وما دامت الحوافز الاقتصادية معدومة.
أتسألون بعد كل ذلك عن سقم الكتاب؟ صحته هي العجب!
(*) ورقة أعدها الناشر رياض نجيب الريّس لمؤتمر عن النشر العربي بعنوان: «السياسات والمشكلات والحلول» أقامته «مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم» في دبي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.