اتخذت قضية البروفيسور جنوب الإفريقي سيريل كارابوس أخصائي طب الأطفال المتهم بتهم التزوير في أوراق رسمية والتسبب في وفاة طفلة مواطنة مريضة بسرطان الدم نتيجة خطأ طبي، أبعاداً دولية واستغلتها بعض المنظمات والاتحادات الطبية للنيل من نزاهة القضاء في دولة الإمارات حيث تم تداولها بصور مغلوطة عبر وسائل إعلام أجنبية. ومن المقرر أن تعقد محكمة الجنايات في أبوظبي جلسة اليوم (الخميس) للنطق بالحكم بعد أن استمعت في جلسة الثلاثاء الماضي إلى مرافعة الدفاع ثم أعلنت المحكمة خلال الجلسة عن وصول تقرير اللجنة العليا للمسؤولية الطبية والتي كانت قد كلفتها في الحكم التمهيدي بدراسة الملف الطبي. ومن منطلق رسالة "البيان" في نشر المعلومات والحقائق بوضوح وشفافية نستعرض خلال هذا التقرير ملابسات القضية منذ بدايتها وحتى اليوم لتفنيد الافتراءات والأكاذيب التي نشرتها بعض وسائل الإعلام الغربية. تبدأ القضية عندما تعاقد المتهم للعمل في مستشفى الشيخ خليفة الطبي، كطبيب زائر في الفترة، 21 سبتمبر إلى 30 أكتوبر2002 وأسند إليه الإشراف على حالة الطفلة المجني عليها "سارة" البالغ عمرها ثلاث سنوات ونصف، منذ بداية عمله في المستشفى بسبب غياب طبيبها المشرف في إجازته السنوية. وبتاريخ 15 أكتوبر حدث للطفلة نزيف دماغي بسبب عدم نقل صفائح دموية لها في الوقت المناسب، فأدخلت بشكل طارئ إلى غرفة الفحص بالأشعة، حيث تقرر إجراء جراحة عاجلة لوقف نزيف الدماغ، وكان الطبيب المتهم هو من قام بالجراحة ثم أخبر والدي الطفلة بأنها قد لا تنجو، وإن كتبت لها الحياة فستعيش بعاهة مستديمة نظراً لتلف جزء من خلايا الدماغ بسبب النزيف. وتم وضع الطفلة في قسم العناية المشددة حيث واصلت حالتها بالتدهور إلى أن توفيت يوم 19 أكتوبر. وغادر المتهم الدولة في 23 أكتوبر بعد وفاة الطفلة مباشرة وقبل أسبوع من انتهاء عقده. مع العلم أن عقده يمتد إلى 30 أكتوبر ومدته شهر ونصف. تزوير في أوراق رسمية وشهدت ممرضات المستشفى أن الطبيب لم يعط تعليمات بإعطاء الطفلة صفائح دموية في الموعد المحدد، وأن العبارة التي توجد في التذكرة الطبية الخاصة بالمجني عليها والتي تتضمن تعليمات تزويد المريضة بالصفائح لم تكن موجودة قبل حدوث النزيف لدى الطفلة. ووجهت النيابة العامة للبروفيسور كارابوس تهمة التزوير في محرر رسمي عبارة عن تذكرة علاج صادرة من مستشفى خليفة، أثبت فيها على غير الحقيقة إعطاءه صفائح دموية لطفلة مريضة بسرطان الدم، بالإضافة إلى تهمة القتل الخطأ بإخلاله بما تفرضه أصول مهنته وذلك بعدم إعطاء الطفلة المجني عليها صفائح دموية في الوقت المناسب مما عجل بوفاتها. حكم المحكمة أصدرت محكمة جنايات أبوظبي الحكم على البروفيسور كارابوس بالسجن ثلاث سنوات عن تهمة التزوير، والحبس سنة مع دفع مئة ألف درهم دية لورثة الطفلة المجني عليه أوضحت المحكمة في حيثيات حكمها الأول على المتهم، الصادر بتاريخ 24 إبريل 2004، أن إدانة المتهم بما أسند إليه بنيت على ثلاثة معطيات، أولها التقرير الصادر عن استشاري أول الطب الشرعي، والذي أكد أن المتهم لم يبذل العناية الطبية اللازمة المتعارف عليها، وأن عدم نقل الصفائح الدموية في الوقت المناسب ساهم وعجل بحدوث نزيف الدماغ ومن ثم تدهور حالة الطفلة إلى حين وفاتها. أما المعطى الثاني الذي استندت إليه المحكمة في قرارها فكان تقرير المختبر الجنائي وهو يوضح أن المتهم قام بتعديل نتائج فحص الصفائح الدموية الذي أجري للمريضة قبل نحو أسبوعين من تدهور حالتها، بحيث أضاف الرقم واحد يسار عدد الصفائح ليصبح "18000" بدل "8000"، كما أضاف عبارة على تذكرة علاج المجني عليها تبين على غير الحقيقة أنه أعطاها صفائح دموية بتاريخ 14 أكتوبر أي قبل يوم واحد من حدوث نزيف الدماغ، وقد تبين للمختبر الجنائي أن هذه العبارة مكتوبة بخط نفس الشخص ونوع القلم ذاته، ولكن تم إضافتها في وقت لاحق على ما كتب في التذكرة سابقاً بالإضافة إلى شهادة الممرضات أن هذه العبارة لم تكن موجودة قبل ذلك. إعادة المحاكمة وتم القبض على المتهم في مطار دبي خلال مروره في إطار رحلة عودته إلى جنوب افريقيا بعد أن حضر زفاف ابنه في كندا وأعيدت محاكمته في اطار القضاء النزيه والمنصف في دولتنا والذي يضمن لكل متهم محاكمة عادلة يحفظ خلالها حقه في الدفاع عن نفسه بمختلف الطرق وليس هذا فحسب، بل للمتهم الحق في الطعن على الأحكام الصادرة بحقه غيابيا، بل إن معارضة المتهم للحكم الصادر ضده غيابياً تضمن له أن الحكم الجديد الذي سيصدر على المتهم بعد إعادة محاكمته لا يترتب عليه تشديد في العقوبة التي صدرت في المحاكمة الغيابية، أي أن الحكم بعد المعارضة يكون في حده الأقصى للعقوبة نفس الحكم الغيابي. استهلاك إعلامي وبخصوص طلب وزارة العلاقات الخارجية والتعاون في جنوب افريقيا من وزارة العدل سرعة الفصل في القضية وأن تكون محاكمته عادلة، فهذا الكلام غير صحيح وهو للاستهلاك الاعلامي فقط، وليس من الممكن أن تتدخل أي دولة في القضاء بدولة أخرى، لأن القضاء أمر سيادي ولا تكون أحكامه أو اجراءاته ضمن أي حديث دبلوماسي أو سياسي. أبواق واتخذت القضية بعداً دولياً على الرغم من أن قضايا أخرى عديدة مشابهة تم الحكم فيها ولم يعلق عليها أحد في الداخل أو الخارج لكون المتهم أستاذاً مؤسساً لقسم طب أمراض السرطان للأطفال في الصليب الأحمر في جنوب افريقيا، ولديه عضويات في جهات عالمية طبية عديدة، جعل أبواق ممن تمتلك سيطرة على وسائل الاعلام في الغرب تنحاز له، وبالتأكيد أن دولة الإمارات بما حققته من نجاحات وتميز في العديد من الجوانب ومنها القضاء تثير البعض، وقد وجدوا في هذه القضية متنفساً لتفريغ مشاعرهم السلبية تجاه دولتنا. وهنا نشير إلى أن هيئة الدفاع أصدرت بياناً للصحف الغربية أكدت فيه ثقتها في نزاهة القضاء الاماراتي وأكدت فيه أن المتهم قد حصل على جميع حقوقه القانونية في اطار قانون الاجراءات القضائية. محاكمة سريعة وتمت المحاكمة ضمن وقت التقاضي المنطقي والطبيعي، فالمتهم قبض عليه في أغسطس 2012 في فترة العطلة القضائية، وتم عرضه على المحكمة بمجرد بدء العام القضائي الجديد، وأصدرت المحكمة القرار بتكفيله في الجلسة مراعاة لكبر سنه في 11 أكتوبر وفي الجلسة الثالثة للمحاكمة، كما صدف أن القضية بدأت في الفترة التي أعقبت حل اللجنة العليا للمسؤولية الطبية وقد تم تشكيل اللجنة الجديدة التي أرسلت للمحكمة كتاباً بأنها استلمت ملف القضية نهاية يناير 2013 ، كما حصلت اللجنة على كافة التقارير الطبية الخاصة بالطفلة، ودرستها وحللت العينات، ثم أعطت تقريرها قبل يومين، وقد عقدت المحكمة على الفور جلسة المرافعة وأطلعت المتهم على النتيجة، وهذا كله لمصلحة المتهم ولاعطاء دفاعه كامل الفرصة لاثبات صحة أقواله. مرافعة الدفاع استمعت المحكمة إلى مرافعة الدفاع الذي سرد وقائع القضية والاتهامات الموجهة لموكلهم، وأوضح أن التقرير الطبي أكد عدم مسؤولية المتهم عن وفاة الطفلة وأنه بذل العناية الطبية اللازمة لحالتها، كما أنه ثبت من فحص عينات الدم خلايا وأنسجة الدم التي حصلت عليها لجنة المسؤولية الطبية من ملف المجني عليها أنها حصلت على كميات الصفائح في الفترات المحددة ولكن حالتها كانت متأخرة بحيث لم تستفد من ذلك، مشيراً إلى أن شهادة الممرضات في المحاكمة الأولى والتي اعتمدت عليها المحكمة كقرينة على جريمة التزوير، والتي تضمنت أن أمر نقل الدم لم يكن موجوداً في تلك الفترة وأنه أضيف في ما بعد، هي قرينة بينما يعتبر فحص عينات أنسجة وخلايا الدم دليلا واضحا على عدم صحة الشهادات المذكورة. وحول جريمة التزوير أوضح محامي الدفاع أن الركن المعنوي للجريمة انتفى مع ثبوت عدم وجود الخطأ الطبي، إذ أن تهمة التزوير بنيت على أساس أنه تم لإخفاء جريمة الخطأ الطبي، ومع ثبوت عدم وجود خطأ طبي من قبل المتهم فإن الركن المعنوي لجريمة التزوير يصبح غير قائم. الطبيب حظي بمعاملة حسنة ورعاية طبية المتهم هو مكفل منذ 11 أكتوبر 2012، وفي فترة حبس التي تقل عن الشهرين تم تقديم العناية الصحية له، بالإضافة إلى أن افتراءات كثيرة في المقالات الغربية التي تناولت القضية حول طريقة اعتقال المتهم، حيث ادعت أنه محتجز في درجة حرارة تقارب الخمسين وينام على الأرض ولا تقدم له رعاة طبية، والحقيقة أنه حصل على رعاية طبية متناسبة مع حالته. واليوم (الخميس) سيكون النطق بالحكم، وكانت يوم الثلاثاء جلسة سماع مرافعة الدفاع وكانت محكمة الجنايات قد أعلنت خلال الجلسة عن وصول تقرير اللجنة العليا للمسؤولية الطبية والتي كانت قد كلفتها في الحكم التمهيدي بدراسة الملف الطبي للمجني عليها واعطاء رأيها الفني فيما يمكن أن ينسب للمتهم من خطأ فني أثناء إشرافه على علاج المجني عليها، وما إذا كان هذا الخطأ في حال ثبوته من شأنه أن يترتب عليه أو يعجل في وفاة المريضة، مع بيان ما إذا كان هناك من الأسباب الأخرى ما عجل بالوفاة أو كان السبب المباشر في حدوثها. وأكدت اللجنة في تقريرها عدم وجود إهمال في متابعة وعلاج المجني عليها من قبل أطباء أمراض الدم والأورام المعالجين على النحو الذي يخالف المعايير الطبية القياسية المتعارف عليها في علاج مثل هذه الحالات.